آفاق نجاح فكرة نظام إقليمي جديد ومعوقاته

الشرق الاوسط الجديد

آفاق نجاح فكرة نظام إقليمي جديد ومعوقاته

نبيل السهلي – كاتب فلسطيني

20\10\2024

بين فترة وأخرى تعيد أمريكا عبر ذراعها المعتمد “إسرائيل” فكرة نظام إقليمي جديد قديم، وفي محاولة جديدة لإحياء الفكرة صرح نتنياهو قبل وبعد القيام بعمليات الإبادة الجماعية المتجددة بحق الشعب الفلسطيني، أن مشروعاً لرسم خارطة نظام إقليمي جديد قد بدأ فعلياً؛ بحيث تكون الدولة المارقة “إسرائيل” قطباً سياسياً ومالياً بدعم غربي، وخاصة أمريكي، وعلى كافة المستويات المالية والعسكرية والإعلامية والسيبرانية، لكن السؤال المطروح هل تنفذ الفكرة عملياً وتبقى أمريكا القطب العالمي الوحيد في إطار العلاقات الدولية؟

طرح المشروع

جرى الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الجديد كثيراً بعد انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية في نهاية عام 1991. وقد سعى شمعون بيرس، الرئيس الإسرائيلي السابق في منتصف التسعينيات، لرسم صورة للشرق الأوسط الجديد في كتابه الذي حمل نفس العنوان، بحيث تكون فيه إسرائيل القطب المالي والمائي والسياسي في ذات الوقت، لكن نتنياهوا أصدر كتاباً فيما بعد بعنوان (مكان تحت الشمس) ليؤكد فيه أن بناء علاقات مع الدول العربية تجعل من إسرائيل دولة متخلفة اقتصادياً، ولهذا كان يفضل بناء علاقات مع دول أوروبية متطورة حتى لو كان اقتصادها صغير مثل لكسمبورغ. وتبعاً لذلك يمكن الجزم بأن نتنياهو طَرَحَ فكرة النظام الإقليمي، أي الشرق الأوسط الجديد، قبل فترة وجيزة لتحقيق أهداف سياسية، في مقدمتها محاولة تهربه من تهم الفساد، فضلاً عن تعميم ثقافة مفادها بأن إسرائيل دولة طبيعية وقوية في ذات الوقت، رغم انكشاف هشاشتها إثر عملية “طوفان الأقصى” في بداية تشرين الأول / أكتوبر من العام الماضي 2023.

لقد مرّ على اتفاقات أوسلو واحد وثلاثون عاماً (1993-2024)، من دون نيل الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الوطنية، بل على العكس من ذلك، ارتفعت وتيرة النشاط الاستيطاني وتمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على عشرات الألوف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس، وتفاقمت عنصرية إسرائيل إزاء العرب الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني والمقدسيين، وتوضح ذلك من خلال إصدار رزمة من القوانين العنصرية، ومن أخطرها قانون القومية الإسرائيلي الذي يرسخ فكرة يهودية الدولة. وكانت طفت إلى السطح بعد كرنفال توقيع اتفاقات اوسلو في 13-9-1993، مشاريع لرسم صورة نظام شرق أوسطي جديد وفق تصورات أمريكية وإسرائيلية، بحيث تكون فيه إسرائيل قطباً على كافة المستويات، وكان الهدف الاستراتيجي من تلك المشاريع بدء التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي مع إسرائيل بعد صراع طويل مع الشعب الفلسطيني.  لكنه رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لم تتحقق خطوات جوهرية لجهة جعل النظام الإقليمي الجديد حقيقة ماثلة للعيان كما روج البعض.

الإطار الجغرافي

بعد ثلاثة وثلاثين عاماً على انعقاد مؤتمر مدريد (1991-2024) وما تمخض عنه من اتفاقات إسرائيلية مع بعض الأطراف العربية التي حضرت جلساته، ما تزال الأطروحات حول الشرق الأوسط تراوح مكانها، لأن العرب لم تتم استشارتهم ومشاركتهم لرسمه أو التخطيط له في الأساس، ناهيك عن كون المشروع يلبي أهدافا إسرائيلية أمريكية في الشرق الأوسط بعيداً عن أهداف الشعوب العربية، وبالعودة الى المصطلح، تجمع الدراسات المختلفة بأن الشرق الأوسط ليس له ملامح جغرافية محددة المعالم، لكن البعض يشير إلى أنها المنطقة الجغرافية الواقعة شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتمتد إلى الخليج العربي. ويستعمل هذا المصطلح للإشارة للدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية. ويشار هنا إلى أن هذه المنطقة سميت في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم وهي مهد الحضارات الإنسانية وكذلك مهد جميع الديانات السماوية. ويمكن القول بأن الكيانات السياسية في هذه المنطقة تتمثل بالدول التالية: العراق، السعودية، فلسطين، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الإمارات، اليمن، سوريا، مصر، سلطنة عمان، السودان، إيران، أرمينيا، تركيا، قبرص. ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً أمنيا، حيث شهد حروباً طاحنة، وفي مقدمتها الحرب والعدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين بأشكال مختلفة منذ تشرين الأول / أكتوبر من العام الماضي 2023.

عقبات تنفيذ المخطط

ومن نافلة القول إن أمريكا تطرح عبر ذراعها العصابة “إسرائيل” فكرة الشرق الاوسط الجديد بالقوة الخشنة حسب المشهد الراهن، لإبقاء الهيمنة عليه، خاصة وأن الدول العربية تساهم بنحو (30) في المائة من إنتاج النفط العالمي وتستحوذ على نحو 60% من الاحتياطي العالمي للنفط، لكن ثمة شكوك بنجاح فرض الفكرة على الأرض، خاصة وأن شعوب المنطقة لم تُستَشَر، ناهيك عن وجود قوى دولية كالصين وروسيا وقوة إقليمية كتركيا ليس لها مصلحة بأن تبقى أمريكا القطب الاوحد في العالم وتسيطر على ثرواته وخاصة النفط والغاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *