الجديد في مؤتمر “هرتسيليا” للعام الجاري 2024
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
11\7\2024
عقد معهد الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية منذ عام 2000 واحدا وعشرين مؤتمراً بغرض فحص ما يسمى المناعة في “إسرائيل”، وقد أسس لذلك المؤتمر مستشار الأمن القومي السابق الجنرال عوزي أراد، بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد لـ ”السلام” مع الفلسطينيين في صيف العام المذكور، ويهدف مؤتمر “هرتسيليا” شبه الدوري إلى مراجعة السياسات الإسرائيلية للعام السابق، وتحديد البرامج والمخططات والإجراءات الممكنة للعام التالي ومراحل أخرى مقبلة قد تمتد لخمس سنوات.
ولم يخرج المؤتمر 21 الذي عقد أخيراً عن السياق المذكور، لكن أجندته تجاهلت تداعيات عملية “طوفان الاقصى”.
تقدير موقف
عُقد مؤتمر “هرتسيليا” الـ21 خلال يومي 25 و26 من شهر حزيران /يونيو الماضي؛ وقد شارك في جلساته قادة في الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الخارجي “الموساد” وجهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، فضلا عن سياسيين ورجال حكم وأكاديميين متخصصين في الأمن وضيوف من دول مختلفة، وتمحورت النقاشات حول قضايا الأمن الرئيسية لـ “إسرائيل” التي تعتبر حجر الزاوية لاستمرارها، وصولاً إلى تحديد الأزمات التي تواجهها ومن ثم الوصول إلى نتائج وتسجيل توصيات للحد منها وتجاوزها عملياً في نهاية المطاف.
وعقد المؤتمر الإسرائيلي الأهم هذا العام بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم وانكشاف صورة “إسرائيل” الهشة على كافة الصعد الأمنية والعسكرية والسيبرانية وكذلك المجتمعية، في وقت تجنب فيه المؤتمر التطرق لقضايا عسكرية عملياتية، وخاصة سقوط فكرة الردع الاستراتيجي الإسرائيلي خلال العدوان المستمر على قطاع غزة، لكن جدول الأعمال للميزان الاستراتيجي هذا العام امتلأ بعناوين أخرى في مقدمتها محاولات تجنب المفاجآت والعلاقات مع أمريكا والمشروع النووي الإيراني والنظام العالمي والنظام الإقليمي.
الداعم الرئيسي
وقد فضل المؤتمرون تلك العناوين باعتبار أن أمريكا الداعم الرئيسي لـ “إسرائيل” على كافة المستويات العسكرية والمالية والسياسية والدبلوماسية، وتالياً قدرة “إسرائيل” على تنفيذ مخططاتها وسياساتها بحق الشعب الفلسطيني وباقي الدول العربية.
واللافت أن مؤتمر “هرتسيليا” الواحد والعشرين الذي عقد قبل أيام تجاهل بشكل مدروس تداعيات عملية “طوفان الأقصى” على الداخل “الإسرائيلي” والمستويين العسكري والسياسي بشكل مدروس.
الأمن اولاً
تعتبر إستخلاصات وتوصيات مؤتمرات “هرتسيليا” الدورية، بما فيها المؤتمر 21، بمثابة نقطة ارتكاز مهمة تعتمد عليها الحكومة الإسرائيلية عند اتخاذ قرارات استراتيجية في مستويات الأمن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والمفاوضات ومساراتها أيضاً، ناهيك عن قرارات الحرب بعد توصيف الأخطار التي تهدد أمن “إسرائيل”.
وهذا ما تم تجاهله في المؤتمر الأخير، كما تجاهلت أجندة المؤتمر واقع ومستقبل الديموغرافيا الإسرائيلية التي اهتزت نتيجة هروب 274 ألف إسرائيلي الى خارج فلسطين المحتلة منذ عملية “طوفان الاقصى” قبل تسعة أشهر خلت.
واللافت أن غالبية مؤتمرات “هرتسيليا” ناقشت في محاورها مكامن القوة والضعف في الجيش الإسرائيلي، وتمً تسجيل نتائج وتوصيات من أجل سد الثغرات وتحديث الجيش الإسرائيلي على الدوام، كونه الذراع الأهم للحفاظ على الأمن الإسرائيلي في الدرجة الأولى، حيث تطبق “إسرائيل” مقولة موشيه دايان الذي شغل منصب رئيس الأركان ثم منصب وزير الحرب والتي مفادها ”إن “إسرائيل” ليست لديها سياسة خارجية وإنما سياسة دفاعية فقط”، أي أنه عوضاً من أن تكون الاستراتيجية الشاملة في خدمة تحقيق أهداف السياسة الخارجية، كما هي الحال في معظم دول العالم، فإن “إسرائيل” تضع سياستها الخارجية في خدمة مفهومها الأمني.
ولم تكن في أجندة مؤتمر “هرتسيليا – 21” نقاط محددة حول تداعيات “طوفان الأقصى” وخاصة الخسائر العسكرية الكبيرة التي طالت العتاد والجنود والضباط الإسرائيليين.
يلحظ المتابع أن نتائج و توصيات مؤتمرات “هرتسيليا” السابقة لم تخرج عن المألوف في الدعوة والعمل على الحفاظ على أمن “إسرائيل” في الدرجة الأولى، لكن اللافت أن المؤتمر الإسرائيلي الأخير بنسخته الواحدة والعشرين ركزّ على أهمية استمرار العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا بغض النظر عن الإدارة ديمقراطية أم جمهورية، خاصة مع ارتفاع أصوات كثيرة أخيراً في إسرائيل أنها تخوض حربا وجودية وهي بذلك بحاجة إلى دعم متزايد من أمريكا والغرب على كافة المستويات العسكرية والمالية والسياسية، والدبلوماسية أيضاً، لتبييض صورتها في العالم بعد ارتكابها عمليات إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني وملاحقة مجرمي الحرب في “إسرائيل” وإصدار مذكرات اعتقال بحقهم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت .
ومن نافلة القول إن “إسرائيل” استطاعت إنشاء 100 مركز ومعهد بحث استراتيجي، وتعقد فيها مؤتمرات وندوات علمية واستراتيجية ويتم الاعتماد على توصياتها لاتخاذ قرارات من قبل أصحاب القرار في “إسرائيل”.