الرسائل الامريكية من السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ داخل الاراضي الروسية
د. سعيد سلّام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
18\11\2024
نقلت مصادر إعلامية امريكية عن مسؤول وثلاثة مصادر مطلعة، مساء يوم الأحد 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رفعت القيود التي كانت تمنع أوكرانيا من استخدام الأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة لضرب اهداف داخل الأراضي الروسية، في تغيير كبير في السياسة الأمريكية في إدارة الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
وأضافت المصادر أن أوكرانيا تعتزم شن أول هجوم بعيد المدى في الأيام المقبلة، دون الكشف عن تفاصيل هذا الهجوم بسبب مخاوف أمنية. وقد أحجم البيت الأبيض عن التعليق على هذه الاخبار المتداولة.
تسريب قرار الرئيس بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ لضرب العمق الروسي يحمل عدة رسائل مهمة خصوصا انه يأتي بعد الهجوم الجوي الروسي الواسع الذي استهدف بشكل رئيسي البنية التحتية لقطاع الطاقة الاوكراني وشكل تهديدا كبيرا لأمن الطاقة النووية في أوكرانيا واوروبا.
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، كان الدعم العسكري الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، أحد أبرز العوامل التي ساعدت أوكرانيا على التصدي للغزو الروسي. ورغم هذا الدعم، كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتحفظ في تزويد أوكرانيا ببعض أنواع الأسلحة المتقدمة والسماح لها باستخدامها لضرف اهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية، وخاصة الصواريخ بعيدة المدى، مثل صواريخ “اتاكامس” الامريكية، “ستورم شادو” البريطانية، “سكالب” الفرنسية و “تاوروس” الالمانية. كانت إدارة الر ئيس الأمريكي جو بايدن تخشى من أن استخدام هذه الأسلحة قد يثير تصعيدًا مباشرًا بين روسيا والغرب، وربما يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري في أوروبا الشرقية.
لكن بعد مرور نحو ألف يوم من الحرب، وارتفاع وتيرة القتال في المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، ظهرت الحاجة إلى أدوات عسكرية أقوى من أجل تحسين القدرة الهجومية لأوكرانيا، خاصة في مواجهة الهجمات الروسية على المدنيين والبنية التحتية الحيوية. من هنا، جاء القرار الأمريكي بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ لضرب اهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية، وهو ما يمكن اعتباره خطوة كبيرة نحو زيادة القدرة الهجومية الأوكرانية.
قرار الرئيس بايدن يُعتبر خطوة استراتيجية معقدة وذات تداعيات واسعة النطاق على الصعيدين الدولي والإقليمي. هذا القرار في الغالب سيحظى بدعم شعبي كبير في أوكرانيا وبين حلفاء الولايات المتحدة، ولكنه قد يواجه انتقادات داخلية في روسيا وأماكن أخرى في العالم. وقد حذرت مجلة “إيكونوميست” ان “السماح بإطلاق ضربات صاروخية في عمق روسيا هو بداية الحرب العالمية الثالثة”.
إن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن تطور هام في الحرب الروسية على أوكرانيا، يحمل العديد من الرسائل السياسية والعسكرية. هذه الخطوة ليست مجرد تغيير تكتيكي في ساحة المعركة، بل تتجاوز ذلك لتكون خطوة استراتيجية تحمل في طياتها رسائل متعددة إلى روسيا، وأيضًا إلى الحلفاء والشركاء في الحلف الأطلسي (الناتو)، وإلى الداخل الأمريكي، ويمكن فهمها من خلال عدة جوانب أساسية.
- في الولايات المتحدة، في الغالب سوف نشهد انقسام في الرأي العام. بعض الأمريكيين قد يرون في هذا القرار خطوة ضرورية لدعم حليف مهم، بينما قد يعارض آخرون هذا القرار خوفًا من تصعيد الصراع وزيادة التوترات مع روسيا. السياسيون الأمريكيون سوف يحاولون استغلال هذا الانقسام لتحقيق مكاسب سياسية مما سيؤدي الى زيادة التوترات الداخلية والخارجية.
- الشعب الأوكراني يرى في هذا القرار تعزيزًا لقدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وردع الهجمات الروسية. القيادة الأوكرانية في الغالب سوف تستغل هذا الدعم لتعزيز موقفها الداخلي وزيادة التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها. حيث أن هذه الخطوة يمكن أن تعزز ثقة كييف في الغرب كحليف رئيسي، مما يفتح المجال أمام مزيد من التعاون العسكري والاتفاقات المستقبلية.
- القرار يرسل رسائل مهمة إلى حلفاء الولايات المتحدة في الناتو وخارجها. إنه تأكيد على أن الولايات المتحدة تلتزم بتعهداتها الدفاعية وستدعم حلفاءها في مواجهة أي تهديدات. الناتو يلعب دورًا رئيسيًا في هذا السياق. قرار بايدن يعكس التزام الولايات المتحدة بتعهداتها داخل الناتو وتعزيز قدرات الحلف على الردع والدفاع. هذا يمكن أن يعزز الثقة بين أعضاء الناتو ويشجع الدول الأخرى على تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة. القرار يعكس أهمية التعاون الدولي في مواجهة التهديدات الأمنية. ويؤكد ان الولايات المتحدة تعمل بالتعاون مع حلفائها لدعم أوكرانيا وضمان الاستقرار في المنطقة وعلى أهمية تعزيز هذا التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز الأمن الدولي.
- القرار يُظهر التزام الولايات المتحدة المستمر بأمن أوروبا وبتحقيق الاستقرار في القارة في مواجهة العدوان الروسي. هذه خطوة من شأنها أن تعزز الروح المعنوية داخل دول الاتحاد الأوروبي، وتؤكد أنه لا توجد نية للتراجع عن تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا، ويمكن أن يحفز الحلفاء الأوروبيين على تقديم المزيد من الدعم العسكري والتقني لأوكرانيا. فعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية قد تكون حريصة على تجنب التصعيد العسكري مع روسيا، إلا أن هذه الخطوة قد تكون بمثابة دافع لزيادة الدعم العسكري، خصوصًا إذا أظهرت النتائج أن الغرب قادر على التصعيد دون الوقوع في الحرب المباشرة مع روسيا.
- كذلك يمكن أن يُنظر إلى القرار كتحرك استراتيجي لتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد التي تم ارساؤها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يتم التأكيد على أن العدوان غير المقبول سيواجه برد فعل قوي ومناسب. هذا يعزز فكرة أن المجتمع الدولي يجب أن يتعاون لمنع أي انتهاكات للقانون الدولي ولحماية السلم والأمن الدوليين.
- إحدى الرسائل الأساسية من قرار بايدن هي التأكيد على التزام الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. هذا الدعم ليس مجرد كلمات، بل يتمثل في تقديم مساعدات عسكرية نوعية تمكن أوكرانيا من الدفاع عن نفسها بفعالية أكبر. السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ لضرب العمق الروسي يعكس تغييرًا نوعيًا في طبيعة الدعم الأمريكي، مما يزيد من قدرة أوكرانيا على الردع والتصدي للهجمات الروسية.
- أحد الأهداف الرئيسية من القرار هو تكثيف الضغط على روسيا. فمن خلال منح أوكرانيا القدرة على ضرب اهداف داخل الأراضي الروسية، يُرسل بايدن رسالة واضحة إلى موسكو مفادها أن تكاليف الحرب سترتفع بشكل أكبر. حيث يساهم في تعزيز القدرة الهجومية لأوكرانيا. استخدام صواريخ ATACMS يمكن أن يعزز قدرة أوكرانيا على تنفيذ هجمات استراتيجية من شأنها تغيير مجريات المعركة. الهجمات على المنشآت العسكرية والبنية التحتية الاستراتيجية داخل الأراضي الروسية، مثل قواعد الطيران، وقواعد الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة والوقود، التي تؤمن الامدادات اللوجستية للقوات الروسية على الجبهة، قد تضعف قدرة روسيا على مواصلة الهجوم على أوكرانيا، إذ يشكل استهداف قواعد الإمداد العسكرية الروسية ضربًا مباشرًا لتمويل العمليات العسكرية الروسية. وقد تؤدي إلى تصاعد الغضب الداخلي في روسيا ضد القيادة السياسية والعسكرية، حيث أنها قد تزعزع الثقة في قدرة القيادة الروسية على حماية أمنها الداخلي.
- هذا القرار يهدف إلى تعزيز قدرة أوكرانيا على الردع والدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية. الصواريخ بعيدة المدى تمكن أوكرانيا من استهداف مواقع استراتيجية داخل روسيا، مما يفرض تكاليف كبيرة على روسيا ويجعلها تفكر مرتين قبل تنفيذ أي هجمات جديدة. القدرة على الردع تجعل الهجوم على أوكرانيا أقل جاذبية وأكثر تكلفة لروسيا.
- السماح باستخدام الصواريخ بعيدة المدى يرسل رسالة واضحة وصريحة لروسيا: “الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ خطوات تصعيدية إذا استمرت روسيا في تصعيد الصراع”. وان الولايات المتحدة وحلفاؤها لن يترددوا في دعم أوكرانيا بأحدث الأسلحة والتقنيات، ولن يبقوا في موقف المدافع فقط أمام التهديدات الروسية في استخدام أسلحة دمار شامل، سواء عبر القصف المكثف للمدن الأوكرانية أو تهديدات موسكو باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. هذا التحذير يحمل في طياته تهديدًا ضمنيًا بأن أي تحركات عدائية من قبل روسيا ستواجه برد فعل قوي من الغرب، مما يزيد من المخاطر والتكاليف على روسيا إذا اختارت الاستمرار في سياساتها العدوانية.
- انطلاقا من ذلك، يُعتبر السماح لأوكرانيا باستخدام هذه الصواريخ بمثابة رفع للقدرة العسكرية الأوكرانية بشكل عام، مما قد يغير توازن القوة على الأرض ويسهم في تحسين موقفها التفاوضي في أي مفاوضات مستقبلية.
- القرار يعكس رغبة الولايات المتحدة في إظهار قوتها العسكرية والسياسية على المسرح الدولي. إرسال هذه الرسالة إلى روسيا والعالم يوضح أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تهديدات لأمن حلفائها، وأنها مستعدة لاتخاذ خطوات جريئة لحماية مصالحها ومصالح شركائها. هذا العرض للقوة يمكن أن يكون له تأثير رادع على روسيا ويؤثر على حساباتها الاستراتيجية.
- لكن من ناحية أخرى فان السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ لضرب العمق الروسي يمكن أن يكون له تأثيرات واسعة النطاق على الاستقرار الإقليمي والدولي. من جهة، قد يؤدي هذا القرار إلى تصعيد الصراع وزيادة التوترات بين روسيا والغرب. من جهة أخرى، قد يؤدي إلى تعزيز المفاوضات والحلول الدبلوماسية إذا شعرت روسيا بزيادة التكاليف والمخاطر المرتبطة باستمرار الصراع، حيث أن استخدام هذه الأسلحة قد يجر روسيا إلى معركة استنزاف طويلة الأمد قد تؤثر بشكل كبير على استقرارها الداخلي. قد تزداد الاضطرابات السياسية في روسيا إذا بدأ المواطنون يشعرون بأن البلاد في حالة حرب حقيقية مع الغرب، وليس فقط مع أوكرانيا.
- قرار بايدن يمكن أن يكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة. تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري في المنطقة، وربما يدفع الدول الأخرى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية أيضًا. هذا يمكن أن يزيد من الطلب على الأسلحة والمعدات العسكرية، مما يعزز قطاع الصناعات الدفاعية.
- استخدام الصواريخ لضرب العمق الروسي قد يثير تحديات قانونية وأخلاقية، وهو ما ستحاول القيادة والدعاية الروسية استغلاله. لذا يجب على القيادة العسكرية والسياسية الأوكرانية التأكد من أن العمليات العسكرية والأهداف التي سيتم استهدافها تتوافق تماما مع القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، وعدم تأثيرها على المدنيين أو تقليل الأضرار على المدنيين.
- القرار يعكس تحليلًا استراتيجيًا طويل الأمد للأوضاع. السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لاحتواء روسيا وتقليل قدرتها على القيام بمزيد من العدوان. لذلك من المهم مراقبة كيفية تطور الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا وأوروبا الشرقية على المدى الطويل.
- القرار يعكس الدروس المستفادة من الصراعات العسكرية السابقة. تاريخيًا، أظهرت الصراعات العسكرية أن تقديم الدعم العسكري النوعي يمكن أن يغير موازين القوى على الأرض ويساعد الدول المعتدى عليها على الدفاع عن نفسها بفعالية أكبر. الولايات المتحدة تستفيد من هذه الدروس لتعزيز قدرتها على دعم أوكرانيا بشكل فعال.
- السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ يمكن أن يؤثر على العلاقات الدولية بشكل واسع. قد يؤدي إلى تعزيز العلاقات بين الدول الحليفة، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى توتر العلاقات مع الدول التي تعارض السياسات الأمريكية. في أوروبا، في الغالب ستكون ردود الفعل مختلطة. بعض الدول الأوروبية قد تدعم القرار كجزء من التزامها بالدفاع عن أوكرانيا، بينما قد تعارض دول أخرى (المجر وسلوفاكيا في الغالب) هذا القرار خوفًا من تصعيد الصراع وزيادة التوترات مع روسيا. لذا فإن الاتحاد الأوروبي قد يجد نفسه في موقف صعب بين دعم أوكرانيا والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وعلى المستوى الدولي كذلك سوف نشهد ردود فعل متنوعة. بعض الدول قد تدعم القرار كجزء من التزامها بالدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، بينما قد تعارض دول أخرى هذا القرار خوفًا من تصعيد الصراع وزيادة التوترات العالمية. الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى قد تدعو إلى ضبط النفس والحوار لحل النزاع.
- على المستوى الدولي، يمكن أن يغير هذا القرار الديناميكيات الجيوسياسية في مناطق أخرى من العالم. قد تراقب الصين، على سبيل المثال، هذا التطور بعين من الحذر، حيث إن أي تغير في موازين القوى في أوروبا قد ينعكس على استراتيجياتها الخاصة في منطقة المحيط الهادئ.
الردود الروسية المحتملة
من المتوقع أن يكون هناك انتقادات شديدة لهذا القرار. الحكومة الروسية ستعتبر هذا القرار تصعيدًا خطيرًا وتزيد من جهودها الدعائية لتصوير الولايات المتحدة كعدو. الشعب الروسي قد يتأثر بهذه الدعاية، مما يزيد من التوترات الداخلية والخارجية. من المتوقع أن تتخذ روسيا ردود فعل متنوعة تجاه هذا القرار. قد تشمل هذه الردود تعزيز الدفاعات الجوية في المناطق المستهدفة، تصعيد الهجمات على أوكرانيا، أو حتى السعي لتحقيق تفاهمات دبلوماسية جديدة.
انطلاقا من كل ما سبق يمكن القول إن السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ لضرب العمق الروسي يشكل نقطة تحول حاسمة في مجريات الحرب الروسية على أوكرانيا، ويعكس تحولًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه دعم أوكرانيا. هذه خطوة استراتيجية معقدة تحمل رسائل مهمة لروسيا والعالم بأسره. القرار يعكس التزام الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا وتعزيز قدرتها على الهجوم والردع والدفاع عن نفسها. هذه الخطوة العسكرية، على الرغم من أنها قد تكون محفوفة بالمخاطر، تحمل في طياتها رسائل متعددة موجهة إلى روسيا، إلى الحلفاء الغربيين، وإلى الداخل الأمريكي. إنها تعكس تصميم واشنطن على مواصلة دعم أوكرانيا وتحقيق النصر على العدوان الروسي، بينما تعزز في الوقت نفسه التزامها بأمن أوروبا واستقرار المنطقة.
لذلك من المهم مراقبة التطورات المستقبلية وتحليل كيفية تأثير هذا القرار على الأوضاع الإقليمية والدولية.