الشعب الفلسطيني: صمودٌ لا ينكسر أمام التحديات والتحولات الدولية
عمر فارس – رئيس الجمعية الاجتماعية والثقافية للفلسطينيين في بولندا
24\12\2024
في فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، شهد العالم العربي مرحلة غير مسبوقة من الانبطاح السياسي من قبل العديد من حكام الدول العربية، وخاصة الخليجية. هذه الفترة تميزت بتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربي، حيث قدمت تلك الدول الدعم المالي واللوجستي لمشاريع سياسية واقتصادية أمريكية في المنطقة، بلغت ذروتها في توقيع ما اتفق على تسميته باتفاقيات “أبراهام” للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. هذه الاتفاقيات، التي جرت تحت مظلة المصالح الاقتصادية والأمنية، مثلت تحولا جذريًا في موقف بعض الدول العربية، حيث أضعفت الدعم التقليدي للقضية الفلسطينية وأعادت صياغة الأولويات بما يخدم أجندات سياسية ضيقة.
ومع بداية ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، استمرت السياسة الأمريكية في دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، دون أي تغيير جوهري في المواقف رغم اختلاف الأسلوب والخطاب. واصلت الإدارة الأمريكية تقديم الأسلحة المتطورة لإسرائيل، بما في ذلك القنابل الثقيلة التي تزن 2000 باوند، والتي استُخدمت لتدمير البنية التحتية في حرب الابادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بالإضافة إلى الغطاء السياسي المقدم لإسرائيل في المحافل الدولية. هذه السياسات أسهمت في تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وموارده، لكن ذلك لم يثنِ الفلسطينيين عن صمودهم الأسطوري ومقاومتهم الباسلة.
ورغم الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في الرأي العام الدولي تجاه القضية الفلسطينية. الصور المروعة للدمار في غزة والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني أثارت موجات من الغضب العالمي. شارك الملايين في التظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، فيما برزت حركات المقاطعة، مثل “BDS”، كأداة ضغط فاعلة ضد إسرائيل.
إلى جانب التضامن الشعبي، برزت مواقف رسمية لبعض الدول التي اتخذت خطوات جريئة في دعم القضية الفلسطينية. على سبيل المثال، رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياها بارتكاب جرائم حرب و الإبادة الجماعية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي. هذا التحرك يعكس دور جنوب إفريقيا الرائد في الدفاع عن حقوق الإنسان، مستلهمة تجربتها الخاصة في مقاومة الفصل العنصري. وتكللت الجهود باصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
وفي أوروبا، اعترفت دول مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية، مؤكدة على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذه الاعترافات ليست فقط رمزية، بل تعكس تحولًا في السياسة الأوروبية نحو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ومواجهة السياسات الإسرائيلية التوسعية.
كما انضمت كولومبيا إلى قائمة الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، مما يُظهر أن الدعم الدولي لفلسطين لم يعد مقتصرًا على مناطق معينة، بل بات يشمل دولًا من أمريكا اللاتينية أيضًا. هذا التغير يعكس تزايد الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية ورغبة العديد من الدول في اتخاذ مواقف مبدئية بعيدًا عن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
السياسة الأمريكية تجاه فلسطين والشرق الأوسط لا تزال محكومة بمصالح استراتيجية ثابتة، وهي دعم إسرائيل كحليف رئيسي في المنطقة. ولكن التحركات الشعبية والدبلوماسية الدولية تشير إلى أن الرواية الإسرائيلية لم تعد تلقى نفس القبول العالمي كما كان في الماضي.
ختامًا، يبقى الشعب الفلسطيني رمزًا للمقاومة والصمود، حيث استطاع أن يكسب تأييدًا عالميًا لقضيته رغم الخيانات الرسمية والتحديات الدولية. مع استمرار التضامن الشعبي والاعتراف الدولي المتزايد بحقوقه، فإن القضية الفلسطينية ستبقى حية في الضمير العالمي، شاهدة على نضال شعب لا ينكسر أمام الظلم والطغيان.