الضباب الدبلوماسي: مكالمات ترامب الثلاثية تثير تساؤلات أكثر مما تقدم حلولًا لحرب روسيا على أوكرانيا

الضباب الدبلوماسي

الضباب الدبلوماسي

مكالمات ترامب الثلاثية تثير تساؤلات أكثر مما تقدم حلولًا لحرب روسيا على أوكرانيا

ترامب يسعى لـ ‘صفقات’ بينما أوكرانيا تتمسك بالسيادة وروسيا بشروطها

اعداد مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

20\5\2025

تحركات دبلوماسية في خضم حرب مستمرة

شهد التاسع عشر من مايو 2025 تحركات دبلوماسية مكثفة وغير مسبوقة، تمثلت في مكالمات هاتفية متتالية أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيريه الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين. جاءت هذه الاتصالات في وقت حرج من الحرب الروسية على أوكرانيا، التي دخلت عامها الرابع دون أفق واضح لوضع حد لها، مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثيرات اقتصادية وأمنية عالمية. في هذا المقال نهدف إلى تحليل هذه المكالمات من منظور استراتيجي، وتقديم تقدير سياسي لتداعياتها المحتملة على مسار الصراع والعلاقات الدولية.

تفاصيل المكالمات الرئاسية وتصريحات القادة

جرت المكالمات بتسلسل لافت يكشف عن أولويات كل طرف:

  1. مكالمة ترامب-زيلينسكي: الترتيب الأول وتأكيد السيادة الأوكرانية

تمت مكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أولا لتسبق بذلك مكالمته مع الرئيس الروسي، وهو ترتيب مغاير للتوقعات الأولية. ركزت المحادثة، التي استمر ت لوقت غير معروف، على مناقشة تطورات الحرب الدائرة، والاستعدادات للمفاوضات المحتملة.

وقد أكد الرئيس زيلينسكي خلال هذه المكالمة، وفي تصريحات لاحقة، على المبادئ الأساسية للموقف الأوكراني:

  • عدم الانسحاب أو الخضوع للإملاءات: صرح بوضوح أن أوكرانيا “لن تسحب قواتها من أراضيها ولن تخضع لأي إنذارات نهائية من روسيا”.
  • مشاركة أوكرانيا في القرارات: طلب من الرئيس ترامب “عدم اتخاذ أي قرارات بشأن أوكرانيا دون مشاركة أوكرانيا”. هذا يعكس موقف كييف في أن تكون طرفًا أصيلًا في أي مفاوضات أو تسويات مستقبلية.
  • الانفتاح على حوار متعدد الأطراف: أشار إلى دراسة إمكانية عقد اجتماع يضم فرقاً من الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا والدول الأوروبية، مقترحًا استضافة مثل هذا الاجتماع في تركيا، الفاتيكان، أو سويسرا، مما يدل على مرونة أوكرانيا في اختيار المنصة الدبلوماسية.
  • وضع أوكرانيا المحايد ومسار الناتو: وفيما يتعلق بوضع أوكرانيا، أكد: “لأوكرانيا وضع، وهو في دستور البلاد – كل شيء مكتوب هناك” (للتوضيح فإن “دستور أوكرانيا ينص على مسار البلاد نحو الانضمام إلى الناتو). هذا يمثل رفضًا واضحًا لأي مقترح روسي يهدف إلى فرض وضع محايد على أوكرانيا خارج إطار إرادتها الدستورية.
  • احتمال التوقيع على مذكرة تفاهم تمهيدًا للسلام: أكد أن أوكرانيا قد توقع مع روسيا مذكرة تفاهم تمهد لاتفاق حول إنهاء الحرب. وأشار الرئيس إلى أن “كييف ستنتظر النسخة الروسية من المذكرة”.
  • انتظار المقترحات الروسية: أكد: “نحن ننتظر المقترح الذي ستقدمه روسيا”.
  1. مكالمة ترامب-بوتين: تفاؤل أمريكي مقابل شروط روسية غامضة

تلت مكالمة ترامب-زيلينسكي محادثة هاتفية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين استمرت لمدة ساعتين وخمس دقائق. وصفتها مصادر روسية بأنها “مفيدة للغاية” و”جوهرية وصريحة”، بينما وصفها ترامب بأنها “إيجابية للغاية” و”ذهبت بشكل جيد جدًا”.

تصريحات ترامب بعد المكالمة:

– إعلان عن مفاوضات فورية: صرح ترامب عبر منصته “Truth Social” أن روسيا وأوكرانيا ستبدآن “مفاوضات فورية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب”، مؤكدًا أن الشروط سيتم الاتفاق عليها بين الطرفين.

– تواصل مع الحلفاء: أبلغ ترامب قادة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وفنلندا بالنتائج، وذلك خلال مكالمة جماعية مباشرة بعد حديثه مع بوتين.

– رؤية اقتصادية مستقبلية: أشار ترامب إلى رغبة روسيا في “تطوير تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد الحرب”، وإمكانية استفادة أوكرانيا من التجارة خلال إعادة الإعمار، مما يعكس رؤيته للحل التي تركز على المصالح الاقتصادية.

– أجواء إيجابية: وصف ترامب الجو العام للمحادثة بأنه إيجابي، وذكر اهتمام الفاتيكان باستضافة المفاوضات.

تصريحات بوتين ومساعده يوري أوشاكوف:

– تركيز بوتين على “الأسباب الجذرية”: أكد بوتين أن “موقف روسيا واضح، الأهم هو القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة”. هذا التصريح، الذي يفسر عادة على أنه إشارة لمطالب روسيا بخصوص حياد أوكرانيا، وعدم انضمامها للناتو، والاعتراف بالأراضي التي قامت باحتلالها وضمتها، يلقي بظلال من الشك على جدية الالتزام الروسي بوقف إطلاق نار غير مشروط.

– تفاصيل إضافية من أوشاكوف:

  • لا إطار زمني لوقف إطلاق النار: أكد عدم مناقشة أي موعد نهائي لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
  • تأييد ترامب لـ”الصفقات لا العقوبات”: نقل عن ترامب قوله: “أنا أؤيد الصفقات وليس العقوبات، ولكن تم إعدادها بالفعل من قبل مجلس الشيوخ”، مما يشير إلى توجه ترامب نحو الحلول الدبلوماسية عبر الصفقات التجارية على حساب الضغط الاقتصادي.
  • ودية الحوار ورغبة في تطبيع العلاقات: وصف الحوار بأنه صريح وبناء وجرى بروح الاحترام المتبادل. كما هنأ بوتين ترامب على ولادة حفيده الحادي عشر، مما يعكس دفءً في العلاقة الشخصية.
  • روسيا كـ”شريك مهم”: ترامب يرى روسيا “أحد أهم شركاء الولايات المتحدة”، وهو ما قد يعزز الرؤية الروسية لأهمية هذه العلاقة.
  • تبادل السجناء: ناقش الزعيمان خططًا لتبادل السجناء على أساس 9 مقابل 9، مما يشير إلى وجود قضايا ثنائية يمكن العمل عليها.
  • لقاء شخصي محتمل وزيارة ترامب لروسيا: اتفق بوتين وترامب على مواصلة الحوار، ولم يستبعدا عقد لقاء شخصي في المستقبل، لكن أوشاكوف أوضح أن ترامب سيزور روسيا “بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا”، مما يؤجل أي لقاء قمة إلى ما بعد تحقيق الشروط الروسية لإنهاء الحرب.

المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول – تقييم للفرص والتحديات

المواقف الاستراتيجية للأطراف الفاعلة

  1. الموقف الروسي (الرئيس بوتين):
  • الخطاب المعلن: أكد بوتين على أن وقف إطلاق النار ممكن “عند التوصل إلى اتفاقيات ذات صلة”، وأن مذكرة تفاهم محتملة ستشمل مبادئ التسوية وجداول زمنية لاتفاق سلام محتمل وإمكانية وقف إطلاق نار مؤقت.
  • الشرط الجوهري: شدد بوتين على ضرورة “القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة” (مثل موقف كييف المعادي لروسيا وطموح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو) كشرط أساسي لأي تسوية، مما يشير إلى ربط وقف الأعمال القتالية بتحقيق أهداف روسيا الاستراتيجية الطويلة الأجل.
  • قراءة اللغة الدبلوماسية: أشار مساعد بوتين، يوري أوشاكوف، إلى أن ترامب يؤيد “الصفقات لا العقوبات” ويرى روسيا “شريكاً مهماً”، مما يعكس رغبة روسية في إظهار شرعية موقفها وفتح قنوات لرفع الضغط الدولي.
  • الأهداف الاستراتيجية: تسعى روسيا إلى تعزيز مكاسبها الميدانية، وتثبيت نفوذها في المناطق التي سيطرت عليها، وإعادة تشكيل المشهد الأمني الإقليمي بما يخدم مصالحها، مع السعي لتقويض الدعم الغربي لأوكرانيا عبر إبراز إمكانية المفاوضات المباشرة.
  1. الموقف الأمريكي (إدارة ترامب):
  • نهج “الصفقات”: يبرز ترامب نهجه القائم على “الصفقات” بدلاً من العقوبات، مؤكداً على أن روسيا وأوكرانيا ستبدآن مفاوضات “فورية”. هذا النهج يعكس رغبته في تحقيق “اختراق” دبلوماسي سريع ينسب إليه.
  • الدوافع الاقتصادية: لفت ترامب إلى أن روسيا ترغب في تطوير تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد الحرب، وأن أوكرانيا ستستفيد من التجارة أثناء إعادة الإعمار، مما يشير إلى بعد اقتصادي محتمل في تفكيره.
  • التحليل: يوحي هذا الموقف برغبة ترامب في إظهار قدرته على حل الصراعات المعقدة، وربما تقليص الالتزامات الأمريكية المكلفة، مع التركيز على مصالح اقتصادية مباشرة. يثير هذا النهج تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين وقيم الديمقراطية التي تروج لها.
  1. الموقف الأوكراني (الرئيس زيلينسكي):
  • الثبات على المبادئ: أكد زيلينسكي بوضوح على خطوط أوكرانيا الحمراء: عدم سحب القوات من الأراضي المحتلة، ورفض الخضوع لأي إملاءات روسية.
  • الحذر الاستراتيجي: طلب زيلينسكي من ترامب عدم اتخاذ قرارات “دون مشاركة أوكرانيا”، مما يعكس وعياً عميقاً بالمخاطر المحتملة لصفقات تتم بمعزل عن مصالح كييف الوطنية.
  • مواجهة الضغوط: يواجه زيلينسكي تحدياً مزدوجاً يتمثل في استنزاف الموارد البشرية والعسكرية، مع احتمال تراجع الدعم الغربي في حال وجود ضغط أمريكي-روسي للتوصل لتسوية غير مواتية.
  • التحليل: تسعى أوكرانيا للحفاظ على دعم الحلفاء الغربيين مع إبقاء سيادتها في تحديد شروط أي تسوية، وتجنب سيناريو “سلام على حساب أوكرانيا”.
  1. الموقف الأوروبي (الاتحاد الأوروبي وقادته):

اتصال ترامب بالقادة الأوروبيين: عقب محادثته مع بوتين، أجرى الرئيس ترامب اتصالًا جماعيًا مع عدد من القادة الأوروبيين البارزين لإبلاغهم بمستجدات المحادثة. شملت المكالمة: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المستشار الألماني فريديتش ميرتس، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، رئيس فنلندا ألكسندر ستوب، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. هذا التواصل يعكس محاولة ترامب لإبقاء الحلفاء الأوروبيين على اطلاع، بعد إجراء محادثته مع بوتين.

الترحيب الحذر: رحب الاتحاد الأوروبي وقادته بالجهود الدبلوماسية لترامب، ولكنهم شددوا في الوقت نفسه على ضرورة استمرار الدعم لأوكرانيا والحاجة إلى وقف إطلاق نار غير مشروط من جانب روسيا.

ردود الفعل الأوروبية:

  • إشادة وجهود دبلوماسية مع الحذر: أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بجهود ترامب الدبلوماسية. ومع ذلك، شدد قادة أوروبيون آخرون، أُبلغوا بنتائج المكالمة، على أهمية استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا وعلى الحاجة الملحة لوقف إطلاق نار غير مشروط من جانب روسيا.
  • تشديد العقوبات: على الرغم من جهود ترامب، أعلن الاتحاد الأوروبي بالفعل عن عزمه “زيادة العقوبات ضد روسيا بعد محادثة ترامب مع بوتين”، مما يعكس عدم الاقتناع بوجود تقدم حقيقي يبرر تخفيف الضغط.
  • المملكة المتحدة: دعا المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى وقف إطلاق نار غير مشروط من جانب بوتين وأن “يأخذ محادثات السلام على محمل الجد”.
  • التحليل: يسعى الاتحاد الأوروبي للحفاظ على تماسكه الاستراتيجي واستقلالية قراره في مواجهة التحديات الجيوسياسية، مع إدراك أن أي تراجع في دعم أوكرانيا قد يؤثر سلباً على أمنه الإقليمي. وتسعى الى تعزيز التماسك الأوروبي، إذ تُظهر دول الاتحاد قلقاً من أي محاولات لتقويض وحدة الموقف الغربي أو تجاوز التكتلات الدبلوماسية التقليدية. ويطفو على السطح تباين النهج، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه زيادة العقوبات ضد روسيا، مما يعكس تباينًا واضحًا مع نهج ترامب الذي يميل إلى “الصفقات لا العقوبات”.

تحليل التناقضات والديناميكيات المستقبلية

تكشف المحادثات وما تبعها من تصريحات عن عدة نقاط جوهرية:

  1. تناقض الروايات والأهداف:
  • إعلان ترامب عن “مفاوضات فورية” لا يتوافق مع تأكيدات أوشاكوف بعدم تحديد إطار زمني لوقف إطلاق النار، ولا يتناسب مع موقف بوتين الذي يربط السلام بالقضاء على “الأسباب الجذرية” للصراع. هذا يؤكد أن المحادثات لم تسفر عن نتائج ملموسة على الأرض، وأن إعلان ترامب قد يكون أقرب إلى تطلعاته الشخصية أو تكتيك سياسي.
  • الرؤية التحليلية الأوكرانية بأن المحادثة انتهت “بدون نتائج” وأنها “ذر للرماد في وجه ترامب” يعكس مدى الاستياء الأوكراني من الموقف الروسي الذي يظهر وكأنه يرفض أي دبلوماسية لا تتوافق مع أجندته.
  1. الضغوط على أوكرانيا والمعايير المزدوجة الأمريكية:
  • تواجه أوكرانيا ضغطًا متزايدًا لقبول تسوية قد تكون غير مواتية، خاصة مع تردد الولايات المتحدة في فرض عقوبات مشددة، وتصريحات ترامب عن تأييده لـ”الصفقات لا العقوبات”.
  • السياسة الأمريكية، كما يراها البعض، تُظهر “معايير مزدوجة” من خلال تهديد أوكرانيا بقطع المساعدات في حال الرفض، بينما تبرر رفض روسيا بأن “هذه ليست حرب الولايات المتحدة”. هذا يزيد من قلق كييف من أن تُجبر على تنازلات مؤلمة.
  1. العلاقة بين ترامب وبوتين:

الودية الواضحة في مكالمات ترامب وبوتين الحالية والسابقة، ورغبة ترامب في زيارة روسيا، تشير إلى أنه قد يسعى لإنشاء قناة مباشرة مع بوتين، ربما متجاوزًا الحلفاء في الاتحاد الأوروبي والناتو وأوكرانيا نفسها. هذا قد يخدم مصالح ترامب الاقتصادية (مثل إعادة روسيا إلى سلاسل التجارة العالمية وتخفيف العقوبات)، ولكنه يثير مخاوف كبيرة لدى أوكرانيا وأوروبا من إمكانية تقديم تنازلات على حساب الأمن الأوروبي.

  1. استمرار الصراع العسكري والدبلوماسي:
  • في ظل غياب اتفاق لوقف إطلاق نار فعلي، من المرجح أن تستمر العمليات العسكرية الروسية على الأرض بهدف تعزيز موقفها قبل أي مفاوضات جدية.
  • يبقى التحدي الأكبر هو ما إذا كان ترامب سيتمكن من فرض ضغط حقيقي على بوتين، خاصة مع تاريخ من العلاقات الودية بينهما.

مفاوضات إسطنبول – تحليل التعثر وآفاق الحرب الروسية على أوكرانيا

التقدير السياسي والسيناريوهات المستقبلية

يشير التقدير السياسي الحالي إلى أننا في مرحلة حرجة تتسم بضبابية استراتيجية وتعدد في السيناريوهات المحتملة، مع ترجيح لسيناريو “المفاوضات تحت الضغط”. من غير المرجح التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري أو اتفاق سلام شامل في الأمد القريب؛ فإصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على “الأسباب الجذرية” للأزمة وموقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثابت على مبادئ السيادة يضعان حاجزاً كبيراً أمام أي تقدم سريع.

من المرجح أن تتعرض أوكرانيا لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة (خاصة في حال استمرار نهج ترامب الحالي) لقبول تسوية سياسية قد تتضمن تنازلات إقليمية أو حياداً قسرياً. ستكون قدرة كييف على مقاومة هذا الضغط مرهونة بقوة دعم المجتمع الدولي ومرونتها الداخلية. في المقابل، يبدو أن روسيا قد عززت موقعها التفاوضي من خلال هذه المكالمات؛ إذ تظهر للعالم أنها قادرة على التواصل المباشر مع واشنطن، وربما تحاول دفع أجندتها الأمنية الإقليمية دون عقبات كبيرة.

ستكون الفترة القادمة اختباراً حقيقياً لتماسك التحالفات الغربية. إن التباين في النهج بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى فجوات يستغلها الخصوم. يجب على الدول الأوروبية أن تعزز من استقلاليتها الاستراتيجية وتنسق مواقفها لضمان دعم مستمر لأوكرانيا يتجاوز التقلبات السياسية في واشنطن. هذه المكالمات تشير إلى احتمال تحول في قواعد اللعبة الدبلوماسية العالمية، حيث قد يتم تجاوز القنوات التقليدية والتحالفات متعددة الأطراف لصالح دبلوماسية ثنائية “صفقات” يقودها ترامب.

بناءً على هذه الديناميكيات، تتشكل ثلاثة سيناريوهات رئيسية محتملة للمستقبل المنظور:

  • السيناريو الأول (المفاوضات تحت الضغط): تتزايد الضغوط على أوكرانيا لقبول تسوية تتضمن تنازلات إقليمية أو سياسية. على الرغم من استمرار الدعم الغربي، إلا أنه قد يأتي بشروط، مما قد يؤدي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار وليس سلاماً دائماً.
  • السيناريو الثاني (جمود طويل الأمد مع محادثات متقطعة): تستمر العمليات العسكرية على نطاق واسع، وتتخللها محادثات متقطعة دون تحقيق اختراق حقيقي، مع تزايد استنزاف الأطراف. هذا السيناريو يعكس حالة من “لا نهاية للحرب ولا سلام فعّال”.
  • السيناريو الثالث (تصعيد مفاجئ): فشل المحادثات في تحقيق أي تقدم يمكن أن يدفع بأحد الأطراف إلى تصعيد عسكري مفاجئ، بهدف تغيير الوقائع على الأرض وفرض شروطه بقوة أكبر.

خلاصة: ضبابية دبلوماسية وآفاق سلام بعيدة

في حين أثارت مكالمات 19 مايو 2025 بارقة أمل في إمكانية تحقيق تقدم دبلوماسي في أوكرانيا، فإن التحليل الشامل للتصريحات وردود الفعل يكشف عن تعقيدات عميقة. الموقف الأوكراني الحازم برفض الانسحاب أو الخضوع للإملاءات الروسية يقف في وجه شروط بوتين المتصلبة حول “الأسباب الجذرية” للصراع. في الوقت نفسه، فإن نهج ترامب الذي يميل إلى “الصفقات” بدلاً من العقوبات، وعلاقته الودية مع بوتين، تثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بمصالح أوكرانيا على المدى الطويل. يؤكد اتصال ترامب بالقادة الأوروبيين على أهمية التنسيق مع الحلفاء، إلا أن إعلان الاتحاد الأوروبي عن عقوبات إضافية بعد المكالمة يبرز التباين في الرؤى بشأن التعامل مع روسيا. المستقبل الدبلوماسي يبدو غامضاً، مع استمرار الشكوك حول قدرة أي جهود وساطة على تحقيق سلام عادل ومستدام دون تغييرات جوهرية في مواقف الأطراف المتحاربة. يتوقع أن تظل أوكرانيا تحت ضغط دولي متزايد لقبول تسوية، مع استمرار حاجتها لدعم حلفائها في مواجهة الأجندة الروسية. بشكل عام، تشير التقديرات إلى أن الفجوة بين الأطراف لا تزال واسعة جداً، وأن أي تقدم حقيقي يتطلب تنازلات كبرى من أحد الجانبين أو كليهما، وهو أمر لا يبدو قريباً في الأفق. المكالمات كانت بمثابة تمهيد محتمل لمزيد من الدبلوماسية، لكنها لم تحدث أي تحول جذري في ديناميكيات الصراع، وتبقى التوقعات متحفظة بشأن تحقيق اختراق سلام وشيك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *