القواعد العسكرية الروسية في سوريا بعد سقوط بشار

القواعد العسكرية الروسية في سوريا

القواعد العسكرية الروسية في سوريا بعد سقوط بشار

قراءة تحليلية

فراس بورزان – كاتب وباحث في الشؤون الروسية وشؤون اوراسيا

24\2024

مع سقوط نظام بشار الأسد، أصبح مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا موضع تساؤل بالغ الأهمية. فهذه القواعد تمثل ركيزة استراتيجية للوجود الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا وتكريساً لدور موسكو كقوة كبرى.

التحولات السياسية الجديدة في دمشق تضع هذا الوجود أمام تحديات سياسية وشعبية ودولية غير مسبوقة.

الرسائل الروسية: مقاربة براغماتية

تجاوزت موسكو سريعاً صدمة الأيام الأولى التي تلت تحرير حلب، وتدريجياً توقفت عن وصف المعارضة السورية بالإرهاب.

وبعد تحرير دمشق وفرار الرئيس المخلوع بشار بدأت موسكو بالتحول إلى مقاربة براغماتية تجاه الأحداث. كما بدأت بإرسال رسائل إيجابية متعددة تجاه السلطة الجديدة في دمشق، من أبرزها:

  • الإبقاء على السفير الروسي في دمشق: هذه الخطوة تشير إلى رغبة روسيا في استمرار التواصل مع القيادة الجديدة، وإظهار موقف غير عدائي.
  • تصريحات نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف: تأكيد موسكو على وحدة الأراضي السورية وتحذير إسرائيل من استغلال الوضع الحالي ورفض قرار ضم الجولان وإبداء استعداد روسيا للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
  • دعوة رمضان قاديروف لإعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام وإرسال قوات شرطية روسية للمساهمة في الأمن الداخلي.

تعكس هذه الرسائل انفتاح موسكو على الحديث مع قوى كانت تعتبرها بالأمس القريب معادية وإرهابية.

وبحسب مخائيل جورفيتش، من صحيفة كومرسانت الروسية، فأن هناك أجواء من التفاؤل الحذر في موسكو تجاه إحتمالات استمرار القواعد العسكرية الروسية في سوريا.

هل يبدأ “تأثير الدومينو” من سوريا؟

الوجود العسكري الروسي: رهانات وتحديات

رغم حصول روسيا على ضمانات أمنية مؤقتة لاستمرار قواعدها العسكرية في سوريا، يواجه هذا الوجود تحديات متزايدة:

  • التحدي الشعبي: التورط الروسي في دعم النظام السوري عسكريا خلال عقد كامل، جعل موسكو هدفاً لانتقادات واسعة داخل سوريا. هذا الإرث يجعل تبرير الوجود الروسي أمراً صعباً أمام السلطة الجديدة في دمشق.
  • التحدي الدولي: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يضغطان لسحب القواعد الروسية كشرط لدعم إعادة إعمار سوريا. منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاديا كالاس، أكدت بوضوح أن “انسحاب القواعد الروسية” شرط لحوار أوروبي – سوري.
  • الخيارات أمام دمشق: تحتاج السلطة الجديدة في دمشق إلى التوفيق بين الاحتياجات الاقتصادية وإعادة الإعمار، وبين التوازنات السياسية الداخلية والخارجية.

من المحتمل أن تُفضّل دمشق التضحية بالوجود الروسي إذا كان ذلك سيفتح باباً لدعم غربي ورفع العقوبات عن البلاد.

الدور التركي: دعم مشروط لروسيا

تلعب تركيا دوراً مركزياً في هذا الملف. لا تبدو أنقرة على الاقل ظاهريا معارضة بشكل مطلق لوجود روسي محدود في سوريا.

في هذا السياق، جاء تصريح عمر جيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، ليدعو الغرب إلى عدم ربط المساعدات لسوريا بموضوع القواعد العسكرية الروسية. وبدلاً من ذلك، اعتبر أن مصير هذه القواعد يجب أن يُحدد من خلال المفاوضات الثنائية بين دمشق وموسكو.

هذا الموقف يعكس التوجه التركي نحو تثبيت توازن إقليمي يحافظ على النفوذ الروسي ضمن حدود لا تتعارض مع المصالح التركية.

أمام هذا المشهد المعقد، يمكن استشراف عدة سيناريوهات لمصير القواعد الروسية في سوريا:

  • السيناريو الأول: التوافق المشروط

يمكن ان تتوصل موسكو ودمشق الجديدة إلى اتفاق يضمن استمرار القواعد الروسية بشكل محدود، مقابل التزامات روسية بدعم استقرار سوريا اقتصاديًا وسياسيًا، وتأمين ردع تجاه إسرائيل.

هذا السيناريو قد يواجه ضغوطًا غربية، إذ قد تشترط الدول الغربية انسحابًا جزئيًا أو كليًا للقوات الروسية مقابل تقديم مساعدات لإعادة الإعمار ورفع العقوبات.

  • السيناريو الثاني: الانسحاب الكلي

تحت ضغط داخلي وخارجي، قد تضطر روسيا إلى الانسحاب الكامل من سوريا، مما يؤدي إلى خسارة استثماراتها (العسكرية والاقتصادية) هناك.

هذا الانسحاب سيترتب عليه تراجع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما قد يُحدث تحولًا كبيرًا في موازين القوى الإقليمية والدولية.

سقوط الأسد نقطة انكسار في دور روسيا العالمي

  • السيناريو الثالث: إعادة التفاوض على الوجود العسكري

في هذا السيناريو، تسعى موسكو إلى إعادة التفاوض مع القيادة السورية الجديدة بشأن طبيعة وحجم وجودها العسكري، بما يتناسب مع المتغيرات السياسية والميدانية، مع محاولة ضمان استمرارية وجودها الاستراتيجي في طرطوس وحميميم.

  • السيناريو الرابع: تحويل القواعد إلى مراكز تدريب ومساعدات

قد يتم تحويل القواعد العسكرية الروسية إلى مراكز تدريب للقوات السورية الجديدة ومراكز لتقديم المساعدات الإنسانية، بالتنسيق مع المجتمع الدولي. وفي الوقت نفسه، تحتفظ روسيا بوجود عسكري رمزي وتحتفظ بحق استخدام قاعدة طرطوس كنقطة لوجستية استراتيجية.

بناء على بعض المعطيات يمكن الوصول الى الاستنتاجات التالية:

  • الاهمية الحيوية لقاعدة طرطوس في الاستراتيجية الروسية الدولية، فإن روسيا ستكون حريصة جداً على الحفاظ عليها؛
  • بالنظر إلى توجه ترامب إلى تقليص الالتزامات الخارجية وتقليل التدخل المباشر في الشرق الأوسط، والتركيز على مصالح أمريكية مباشرة، فمن المرجح أن الوجود العسكري الروسي سيستمر في سوريا وإن بشكل محدود، وستلعب تركيا وبريطانيا دور في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لتليين موقفه تجاه الوجود الروسي في سوريا، وهذه لن تكون مفاوضات سهلة، وسيضعف موقف الاتحاد الاوروبي إذا ما تم رفع القيود والعقوبات الأمريكية.

إعادة التعريف

مستقبل الوجود الروسي في سوريا والمنطقة سيتحدد بناء على قدرة موسكو على إعادة تعريف دورها في المنطقة بشكل يأخذ بالحسبان الوضع السوري الجديد دون التورط في مواجهة مفتوحة. وبالتالي روسيا مجبرة على تبني مقاربة مرنة ومحدودة، تحفظ لها مصالحها الاستراتيجية.

يعتقد فيتالي نعومكين أن القوى الجديدة في سوريا ليست مهتمة بعلاقات سيئة مع روسيا، ولكنه أشار أن الكثير سيعتمد على روسيا نفسها.

دمشق الجديدة قادرة على أن تستحوذ على قدرة تفاوضية عالية السقف تجاه الروس، ولكن يتوقف النجاح على تجاوز المرحلة الهشة الحالية وبناء سلطة ذات شرعية قوية.

ستعتمد النتائج النهائية على تفاعل مجموعة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية، بما في ذلك مواقف القوى الإقليمية والدولية، والاتفاقات المحتملة بين موسكو ودمشق الجديدة، والضغوط الشعبية داخل سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *