“تصعيد خطير للغاية” بين إيران وباكستان.. هل يتطور إلى حرب؟
(رصد للحدث و تحليل بمشاركة ايغور سيسفولوس، رئيس مركز دراسات الشرق الاوسط في أوكرانيا – شريك مركز “فيجن” للدراسات الاسترتيجية!)
18/1/2024
خلال أقل من 3 أيام تبادلت كل من إيران وباكستان ضربات صاروخية استهدفت “جماعات إرهابية” و”منظمات انفصالية”، بحسب بيانات رسمية صدرت عن طهران وإسلام أباد، بيد أن بعض المراقبين يرون أن ذلك قد يؤدي إلى اندلاع نيران حرب إقليمية جديدة تزيد من التوترات في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت باكستان قد أعلنت، الخميس، عن تنفيذ ضربات عسكرية في إقليم سستان وبلوخستان الإيراني الواقع على الحدود بين البلدين، مؤكدة في الوقت نفسه، أن إسلام آباد “تحترم تماما سيادة إيران ووحدة أراضيها”، وذلك بعد يومين من شن طهران غارة على جارتها.
ونقلت رويترز عن بيان لوزارة الخارجية الباكستانية، أن باكستان “نفذت سلسلة ضربات عسكرية على مخابئ إرهابيين في إقليم سيستان وبلوخستان الإيراني”، مضيفة أن “الضربات كانت دفاعا عن أمن باكستان ومصلحتها الوطنية”.
وأوضح بيان الخارجية أن الضربات أسفرت عن “مقتل عدد من الإرهابيين”، مضيفًا “سنواصل اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة أمن شعبنا”.
وقد حذر مسوؤل أمني باكستاني كبير طهران من عواقب أي “مغامرة أخرى غير محسوبة”، وذلك في إشارة إلى أي محاولة جديدة من إيران لتكرار قصفها أراضي بلاده.
وقال ذلك المسؤول إن جيش بلاده في حالة “تأهب قصوى للغاية”، محذرا من أن “أي مغامرة غير محسوبة” من الجانب الإيراني “سيتم التصدي لها بقوة”.
“خطوة غير مسبوقة”
وبحسب صحيفة “إندبندنت” البريطانية فإن الضربات الصاروخية التي شنتها طهران على أهداف ومواقع في باكستان والعراق وسوريا تعتبر خطوة غير مسبوقة إلى حد ما.
وقالت الصحيفة إن إيران غالبا ما كانت تعتمد على أذرعها ووكلائها في المنطقة، مثل ميليشيات حزب الله اللبنانية أو الميليشيات الموالية لها في العراق وسوريا، لتنفيذ ضربات عسكرية وإيصال رسائل سياسية عبرها.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن الضربة التي وجهتها طهران داخل باكستان كانت ردا على “هجوم إرهابي” استهدف في منتصف ديسمبر الماضي قاعدة عسكرية للجيش الإيراني بمنطقة راسك في إقليم سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 ضابط شرطة وإصابة 7 أشخاص آخرين.
وأعلنت جماعة “جيش العدل”، المصنفة منظمة إرهابية في طهران، مسؤوليتها عن الهجوم.
وكانت تلك الجماعة قد تأسست في عام 2012، وخرجت من فلول منظمة جند الله، وهي تنظيم سني متشدد تضاءل بعد أن ألقت إيران القبض على زعيمه، عبد الملك ريجي، وأعدمته في العام 2010.
وفي تعقبيه على الغارات الإيرانية، قال الباحث والسفير الباكستاني الأسبق، حسين حقاني لصحيفة “نيويورك تايمز“: “إذا ردت باكستان، (وهو ما حدث فعلا) فإنها تخاطر بالإنجرار إلى التورط في صراعات الشرق الأوسط التي تجنبتها حتى الآن”.
وتابع: “وإذا لم تنتقم إسلام آباد، فسوف تبدو ضعيفة، وسيكون لذلك عواقب على هيبة قواتها المسلحة”.
وفي نفس السياق، أشار، المارشال الجوي السابق في القوات الجوية الباكستانية، محمد أشفق أرين، في حديثه للصحيفة الأميركية إلى الموقف الدقيق الذي تعيشه باكستان، مع وجود حكومة انتقالية تتولى المسؤولية حتى انعقاد الانتخابات.
واعتبر أن الضربة الإيرانية “تطور خطير للغاية”، لافتا إلى أن باكستان أضحى لها علاقات مضطربة مع ثلاثة جيران هم إيران والهند وأفغانستان.
وأما مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بكييف، إيغور سيميفولوس، فيرى في حديثه إلى موقع الحرة أن “النزعة الانفصالية العرقية والدينية دائمًا أحد التهديدات الرئيسية لإيران، وهنا بالطبع نتحدث عن الحركات الانفصالية البلوشية التي تنشط في إقليم سيستان بلوشستان، والتي تزايد نشاطها بشكل ملحوظ بعد أحداث خريف 2022”.
وأضاف: “لا يسعني إلا أن أذكر التحالف الاستراتيجي مع روسيا، وهو أمر مهم بالنسبة لإيران وتم بناؤه خلال العام ونصف العام الماضيين من الحرب على أوكرانيا. فوجود حليف مثل موسكو يمنح إيران الفرصة للتصرف بمزيد من التحدي”.
“ضربة بضربة”
وفي المقابل اعتبر، أستاذ العلوم السياسة في جامعة طهران، حسين رويوران، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “الأمور قد انتهت بتوجيه ضربة من إيران وأخرى من باكستان”.
وتابع: “لا أعتقد أن الأمور سوف تتطور إلى حدوث حرب بين البلدين كما يتوقع بعض المراقبين والمحللين”.
وأضاف: “إيران تعطي الأولوية لصراعها مع إسرائيل، في حين أن إسلام أباد لها أولويات أخرى تتعلق بخلافاتها وصراعاتها المزمنة مع الهند، وبالتالي ليس من مصلحة البلدين الدخول في مواجهات وحروب”.
ولم تكن حادثة يوم الثلاثاء هي المرة الأولى التي تضرب فيها القوات الإيرانية داخل باكستان، لكنه يعد الهجوم الأعمق داخل الأراضي الباكستانية.
ففي عام 2021، استعادت إيران جنديين إيرانيين كانا محتجزين كرهينتين لدى منظمة “جيش العدل” داخل الأراضي الباكستانية. وفي عام 2017، أسقطت القوات الجوية الباكستانية طائرة إيرانية بدون طيار.
واعتبر رئيس معهد باب للدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد، دكتور جاسم تقي، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن: “باكستان تشعر بالحيف لأن الضربات الإيرانية تمت بواسطة صواريخ باليستية، وهذا يعتبر تطورا خطيرا جدا”.
وتابع: “كان هناك اتفاق قد وقعه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، مع حكومة إسلام أباد عندما زار باكستان والذي بموجبه جرى وضع آلية لحل المشاكل الحدودية بين البلدين”.
وشدد تقي على أن “طهران قد تعجلت جدا بتنفيذ تلك الضربات، ولم تحاول التواصل مع إسلام أباد للوصول إلى تفاهمات بشأن وجود عناصر انفصالية قد تهدد وحدة إيران”.
وفي المقابل، تتهم باكستان إيران بدعم الانفصاليين في بلوشستان، الإقليم الباكستاني الجنوبي الغربي الغني بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى والذي كان مسرحاً للتمرد على مدى عقود.
وبناء على ذلك يرى الأكاديمي، حسين رويوران، أنه “لا مناص من جلوس مسؤولي البلدين إلى طاولة المفاوضات والتباحث بشأن مواجهة الجماعات الانفصالية، خاصة وأن كلا من طهران وإسلام أباد تشددان على احترام وحدة أراضي بلديهما وعدم التدخل في شؤون الدولة الأخرى”.
ولكن تقي يرى أن الأمور قد تتطور سريعا باتجاه صراع وحرب بين البلدين، موضحا: “في حال قبلت كل من طهران وإسلام آباد الوساطة التي عرضتها جمهورية الصين الشعبية فإنه يمكن الوصول إلى حلول سلمية”.
من جانبه، أوضح سيميفولوس أن خطر الحرب بين باكستان وإيران قائم، لكنه لا يزال افتراضيا.
وتابع :”قبل يومين كانت هناك مناورات مشتركة بين الجيش الباكستاني والإيراني قرب مضيق هرمز. لذلك تبادل الضربات الصاروخية بحجة ضرب قواعد الانفصاليين البلوش على جانبي الحدود يبدو غريباً، ولكنه يتناسب تماماً مع المفاهيم السياسية الإيرانية للعمل السياسي”.
وأضاف: “وهذا أمر مقارب جدا لتصريحات المسؤولين في طهران تجاه الحرب في أوكرانيا، فالإيرانيون يزودون روسيا بطائرات انتحارية بدون طيار للحرب، وهناك الكثير من الأدلة الدامغة بشأن ذلك، ومع ذلك يقول وزير الخارجية الإيراني دون أن يرف له جفن أنه لا توجد مثل هذه الحقائق”.
وكانت بكين قد أعربت استعدادها للتوسط بين باكستان وإيران بعد تبادل للقصف عند الحدود بين البلدين.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ في مؤتمر صحافي دوري “يأمل الجانب الصيني بشكل صادق بأن يكون بإمكان الطرفين التهدئة وممارسة ضبط النفس وتجنّب تصعيد التوتر”.
وأما الوزير البريطاني السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أليستر بيرت، فأوضح في تصريحات لصحيفة “إندبندنت” أن إيران لديها رغبة مشتركة مع الغرب بعدم الدخول في حروب وصراعات بشكل عام في المنطقة.
وأردف: “أنا على علم بأن خطوط الاتصال مع طهران لا تزال مفتوحة، فمن المهم جدًا في هذه الظروف أن يتمكن الناس من التحدث مع بعضهم البعض ومحاولة تجنب هذا النوع من المخاطر التي يمكن أن تؤدي إلى صراع خطير”.
لكن بيرت أضاف: “علينا أن ندرك أن خطر سوء التقدير أمر وارد للغاية بالطبع”.
ويتفق مع ذلك تقي، قائلا: “يجب أن لا ننسى أن الأمور بدأت بضربات بواسطة صواريخ باليستية، وهذا مؤشر إلى أن الحرب إذا وقعت سوف تكون مدمرة وبتداعيات إقليمية خطيرة”.