تهويد القدس.. بينما تستمر المجازر في غزة يسعى الاحتلال لابتلاع فلسطين بالكامل
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
25/4/2024
تفوق مساحة القدس اليوم 125 كيلومتراً مربعاً، مما يجعلها أكبر مدن فلسطين، وتتجاوز حتى مساحة باريس. في القدس المحتلة، يشكل الفلسطينيون الأغلبية، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتغيير طابع المدينة، والتي تُعرف بـ “تهويد القدس”. يشير هذا المصطلح إلى جهود السلطات الإسرائيلية الرامية إلى محو الهوية الإسلامية والمسيحية التاريخية للمدينة واستبدالها بصورة جديدة. وقد تحولت القدس فعلياً إلى موقع بناء إسرائيلي دائم، حيث تعمل الجرافات وفق أيديولوجيا واضحة تهدف إلى الحفاظ على الفلسطينيين كأقلية في أرضهم.
لقد حاول الاحتلال تقليص نسبة السكان الفلسطينيين في المدينة لتصبح أقل من 26.5%، في حين يظل اليهود يشكلون الأغلبية بأكثر من 70%. ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على هذه السياسات، لم تنجح إسرائيل في تحقيق هدفها، إذ يمثل الفلسطينيون اليوم نحو 40% من سكان المدينة، وتستمر نسبتهم في الازدياد سنوياً.
لكن الاحتلال لا يهدئ، فبينما يسعى إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية والداخل المحتل أيضاً عبر ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية، بغرض تحقيق أهداف ديموغرافية قسرية باتت معروفة، وضعت إسرائيل مخططات تهويدية وفي المقدمة منها القدس بشكل كامل بحلول عام 2050؛ بالاعتماد على خرائط واتباع سياسات وإجراءات محددة ومدروسة للوصول إلى هدفها الاستعماري.
وقد نشرت سلطة أراضي الاحتلال الأسبوع الماضي مناقصة لإقامة 2047 وحدة سكنية جديدة في حي يهودي جديد في القدس الشرقية. ونشرت مناقصة إقامة الحي باسم “قناة المياه السفلى”، بعد ثلاثة أشهر فقط على المصادقة على إقامة الحي في اللجنة اللوائية، وهذه فترة قصيرة مقارنة بمناقصات مشابهة. في الحي المتوقع إقامته قرب حي جبل أبو غنيم جنوبي القدس الشرقية، قد تبنى فيه لاحقاً 400 وحدة سكنية أخرى.
في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بعمليات إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية وخاصة في قطاع غزة، تقوم بتنفيذ سياسة محددة لتنفيذ مخططها التهويدي “القدس عام 2050″، تتمثل بالتطويق ثم الاختراق وصولاً إلى تشتيت المقدسيين في المدينة وجذب مزيد من المهاجرين اليهود إليها وإحلالهم مكان المقدسيين بإغراءات مالية مرتفعة ومغرية، ولهذا تتواصل السياسة الاستيطانية الإسرائيلية بإقامة المشاريع الاستيطانية ومصادرة الأراضي والعقارات في القدس، جنباً الى جنب مع محاولات عزلها عن الضفة الغربية بإقامة جدار الفصل العنصري والاستمرار في محاصرة القرى والمدن الفلسطينية وعزل غور الأردن، ومنع المصلين من أداء صلواتهم، وتحديد أعمارهم، وهدم المنازل وترحيل البدو من أماكن سكناهم وإبعادهم عن مصادر رزقهم.
خلال العام 2021، صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بناء أكثر من 12 ألف وحدة استيطانية، أغلبها في القدس، في حين تم هدم أكثر من 300 مبنى وإصدار قرارات بهدم أكثر من 200 مبنى آخر. كما صادقت على مشروع للاستيلاء على 2050 عقاراً فلسطينياً تبلغ مساحتها حوالي 2500 دونم خلال نفس العام.
وكلنا نذكر، لماذا قامت الحرب الماضية، عندما عززت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جهودها للاستيلاء على منازل الفلسطينيين في حيَي الشيخ جراح وسلوان بالقدس الشرقية، وطرد سكانهما الأصليين لإحلال المستوطنين مكانهم.
إذ يفعلون ذلك بموجب قانون تمييزي، أيدته المحاكم الإسرائيلية، والذي يسمح لجماعات المتطرفة والمستطوتين بمتابعة مطالبات لأراض تزعم أن اليهود كانوا يمتلكونها في القدس الشرقية قبل 1948.
واليوم، تسعى إسرائيل في سباق مع الزمن إلى تهويد القدس مستغلة استمرار حربها الوحشيه على قطاع غزة وتغاضي العالم عما يحدث، فسرعت سلطة التخطيط خططاً لإقامة أحياء جديدة لليهود في القدس الشرقية رغم الانتقادات الدولية. ففي يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد يومين على اندلاع الحرب، صادقت اللجنة اللوائية على إقامة حي “كدمات تسيون” داخل المنطقة الفلسطينية في شرقي القدس. بعد ذلك، صادقت على خطة لإقامة حي جديد باسم “جفعات هشكيد” قرب قرية شرفات الفلسطينية.
فمن خلال إجراءات استعمارية فجة يعمل الاحتلال لترحيل الفلسطينيين من القدس، حيث يصبح صاحب الأرض معرضاً في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي للغريب الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس الفلسطيني صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية تهويدية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها جغرافياً وديموغرافياً عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.
إذ يعتمد مخطط الاحتلال الإسرائيلي لتهويد القدس على تغيير جذري لطبيعة المدينة، بما في ذلك مقدساتها الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى. هذا التغيير يشمل فتح طريق يؤدي إلى حائط البراق، وإنشاء الحي اليهودي داخل المدينة القديمة، وتنشيط الحياة العمرانية في جبل المكبر من خلال ربطه بالقدس عبر بناء مستوطنات جديدة. كما تشمل الخطة بناء جدار جديد حول القدس يُعتبر جزءاً من الجهود الدفاعية، وتوطين 7 آلاف يهودي في هذه المنشآت الجديدة كمرحلة أولية.
أما فيما يتعلق بالبناء الاستيطاني، فقد تركزت العمليات الأخيرة في محافظات القدس وسلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله. وفي الضفة الغربية، تم الاستيلاء على أراضٍ مملوكة للفلسطينيين، حيث يتم إعلانها أولاً كـ “أراضي دولة” قبل أن تُحول لاحقاً لصالح الاستيطان.
وعلى الرغم من الإدانات الدولية التي توجه إلى الاحتلال الإسرائيلي؛ تستمر في البناء الاستيطاني في مدينة القدس سواء بالمصادقة على المخططات لتوسيع مستعمرات قائمة أو المصادقة على مخططات لإقامة مستعمرات جديدة، سواء كان ذلك داخل المدينة أو خارجها لإقامة القدس الكبرى التي أخذت بعداً أمنياً وسياسياً وجغرافياً وديموغرافياً لتحقيق الأهداف الموضوعة ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية بأن القدس عاصمة لدولة واحدة دون الفلسطينيين، ولأن العالم لا يأبه بل يساند الاحتلال في سحق الفلسطينيين قامت المقاومة لتنصر شعبها وتنتصر له.