قمة ألاسكا المرتقبة: آمال ترامب في “صفقة كبرى” تصطدم بواقع أوكراني صلب ومخاوف أوروبية

قمة ألاسكا المرتقبة: آمال ترامب في "صفقة كبرى" تصطدم بواقع أوكراني صلب ومخاوف أوروبية

قمة ألاسكا المرتقبة:

آمال ترامب في “صفقة كبرى” تصطدم بواقع أوكراني صلب ومخاوف أوروبية

11\8\2025

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قمة مرتقبة ستجمعه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا في الخامس عشر من الشهر الجاري. الهدف الرئيسي للقمة هو بحث سبل إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا. أثار ترامب جدلاً باقتراحه إمكانية تبادل أراضٍ بين موسكو وكييف كجزء من الحل، وهو ما قوبل برفض قاطع من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي شدد على أن أوكرانيا لن تتنازل عن أي شبر من أراضيها.
من جانبها، رحبت موسكو بالقمة واعتبرت اختيار ألاسكا “منطقياً” جغرافياً ورمزياً، مؤكدة أن اللقاء سيركز على إيجاد حل سلمي طويل الأمد. يأتي هذا اللقاء في وقت تسيطر فيه روسيا على خُمس الأراضي الأوكرانية، ومع وجود خلافات جوهرية حول السيادة ووحدة الأراضي، مما يجعل نجاح القمة اختباراً حقيقياً للدبلوماسية.
شارك في النقاش في برنامج “هذا المساء”، على قناة BBC- عربي” كل من الدكتورة هديل العويس، رئيسة تحرير شبكة جسور الإخبارية من واشنطن، والدكتور سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية من كييف.
ركزت الدكتورة هديل العويس في تحليلها على الديناميكيات السياسية من منظور واشنطن، وشخصية الرئيس ترامب، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية الأمريكية.
حيث أوضحت العويس أن هذه القمة تمثل انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لفلاديمير بوتين. فمنذ بداية الحرب، سعى بوتين إلى تصوير الصراع على أنه مواجهة مباشرة مع “المحور الغربي” بقيادة الولايات المتحدة، وليس مجرد نزاع مع أوكرانيا. بقبول ترامب لقاء بوتين بشكل ثنائي لمناقشة مصير أوكرانيا، فإنه يمنح بوتين الشرعية التي كان يطمح إليها، ويضع واشنطن وموسكو كلاعبين رئيسيين، مهمشاً بذلك دور كييف وأوروبا. وأشارت إلى أن ترامب قدم هذا “الإنجاز” لبوتين “بدون مقابل” ملموس، بل إنه قد ينقذ روسيا من عقوبات كان يهدد بفرضها قبل أيام قليلة فقط.
وحللت العويس دافع ترامب الأساسي لعقد القمة، والذي ينبع من إيمانه الراسخ بقدرته الفائقة على التفاوض وعقد “الصفقات الكبرى” (The Art of the Deal). يعتقد ترامب أنه بمجرد جلوسه وجهاً لوجه مع بوتين، سيتمكن من التوصل إلى حل تاريخي ينهي الحرب. هذا النهج، بحسب العويس، يعتمد على “آمال” ترامب الشخصية أكثر من اعتماده على استراتيجية دبلوماسية مدروسة، مما يجعله محفوفاً بالمخاطر، حيث أن العوائق الحقيقية على الأرض (مثل رفض أوكرانيا التنازل عن أراضيها ورغبة بوتين في ضم المزيد) لا تزال قائمة.
ولفتت كذلك الانتباه إلى التقلب الشديد في مواقف ترامب. وذكرت كيف أن معاملته للرئيس زيلينسكي في البيت الأبيض كانت سيئة، ثم تحولت إلى النقيض بعد حصوله على تعهدات من حلف الناتو بزيادة مساهماتهم المالية، حيث وعد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي وهدد روسيا. والآن، يتغير الموقف مرة أخرى. عزت العويس هذا التذبذب ليس فقط إلى مزاج ترامب، بل أيضاً إلى الانقسام العميق داخل الولايات المتحدة، وحتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، حول كيفية إدارة الصراع. فهناك تيار قوي داخل الحزب يحاول الضغط على ترامب لتبني موقف أكثر توازناً لا يعتمد فقط على ابتزاز أوكرانيا.
وأشارت إلى وجود تكهنات في واشنطن، خاصة بعد زيارة مستشارين لموسكو، بأن القمة قد تتمخض عن “اتفاق محدود” كخطوة أولى. ومثال على ذلك هو اتفاق لوقف الهجمات المتبادلة بالطائرات المسيرة في العمق الروسي والأوكراني. لكنها شددت على أن أي اتفاق من هذا النوع، يتم بشكل منفرد بين واشنطن وموسكو ثم يُفرض على كييف، سيواجه رفضاً أوكرانياً قاطعاً.

من ناحيته قدم الدكتور سعيد سلّام رؤية من قلب العاصمة الأوكرانية، مركزاً على الموقف الأوكراني الرسمي والشعبي، والأبعاد الاستراتيجية الأوروبية.
حيث وصف الدكتور سلام تصريحات الرئيس زيلينسكي الرافضة للتنازل عن أي شبر من الأراضي بأنها ليست مجرد بيان سياسي، بل هي “خطوة دبلوماسية استراتيجية” محسوبة. فمن خلال إعلان هذا الموقف الحازم قبل القمة، فإن زيلينسكي يقطع الطريق عملياً على أي مخرجات قد تفرض على أوكرانيا تنازلات إقليمية. وأكد أن هذا الموقف ليس فردياً، بل يستند إلى أساس دستوري وقانوني، والأهم أنه مدعوم من الشعب الأوكراني الذي تظهر استطلاعات الرأي رفضه القاطع لأي تنازلات، خوفاً من أن يشجع ذلك روسيا على تكرار عدوانها في المستقبل.
عندما سُئل عما إذا كان القرار بيد زيلينسكي وحده، أوضح الدكتور سلام أن هيكل السلطة في أوكرانيا في زمن الحرب هو تشاركي. أي قرار مصيري يتعلق بالحرب والسلام يتم بالتشاور بين القيادة السياسية (الرئاسة)، والقيادة العسكرية، والمجتمع المدني الفاعل. وشدد على رسالة كييف الواضحة: “لا قرارات حول أوكرانيا بدون أوكرانيا”. وأي اتفاق يتم التوصل إليه في ألاسكا دون موافقة أوكرانية سيكون “اتفاقاً ميتاً” منذ ولادته.
وأبرز د. سلّام نقطة محورية وهي أن هذه الحرب لا تخص أوكرانيا وحدها، بل “تجري في أوروبا”. الأطماع الروسية لا تقتصر على أوكرانيا بل تشمل دول البلطيق ومولدوفا وجورجيا. لذلك، فإن الحلفاء الأوروبيين هم طرف أساسي في هذا الصراع. وأي تنازل يقدمه ترامب لدولة معتدية (روسيا) على حساب دولة أخرى (أوكرانيا) سيرسل إشارة كارثية لدول الناتو، مفادها أن الضمانات الأمنية الأمريكية ليست موثوقة ويمكن التخلي عنها في أي لحظة. هذا يجعل الموقف الأوروبي عاملاً ضاغطاً ومحورياً في هذه المعادلة.
وقدم مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية تقييماً حاداً للإدارة الأمريكية، قائلاً إنه لا يوجد لدى ترامب مستشارون سياسيون أو عسكريون حقيقيون، بل مجرد “تابعون ومطبلون”. وأي شخص يقدم رأياً مخالفاً يتم فصله. هذا يعني أن قرارات ترامب تنبع من “مزاجه الخاص ورغبته الخاصة”، وليس من تحليل استراتيجي مؤسسي، مما يزيد من حالة عدم اليقين المحيطة بالقمة ومخرجاتها المحتملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *