من سينتصر في هذه الحرب الدموية؟

المعارك يربحها الجنود، والحرب تربحها الخدمات اللوجستية

د. سعيد سلّام

29/7/2022

مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها السادس، يتوقع العديد من المحللين استمرار المأزق الدموي حتى الشتاء. لكن في حرب الاستنزاف هذه، ظهرت عدة عوامل عسكرية وسياسية ودبلوماسية لا يمكن التنبؤ بها. في ظل حروب المتغيرات الأساسية: أنظمة الأسلحة وقدراتها؛ القيادة وأثرها على الوحدة الوطنية، التحالفات التي يمكن أن توفر الدعم الاقتصادي والدبلوماسي للمتقاتلين. تلعب كل هذه العوامل دورًا في حرب روسيا مع أوكرانيا، وفي الأسابيع الأخيرة شهدت كل منها تحولات دقيقة ولكنها مهمة يمكن أن تساعد في تحديد النتيجة.

أحد العوامل الجديدة هو نجاح نظام راجمات الصواريخ الأمريكي، المعروف باسم HIMARS، في ساحة المعركة، والذي استهدف خلال الأسابيع القليلة الماضية العشرات من مستودعات السلاح ومواقع القيادة الروسية مباشرة داخل الأراضي الأوكرانية. بعد أسابيع من الانسحاب في إقليم لوغانسك في الدونباس، استعادت القوات الأوكرانية معنوياتها وشجاعتها. وفقًا لمسؤول أوروبي، يشكو الجنرالات الأوكرانيون من أن نظام HIMARS  فعال للغاية لدرجة أنه كان ينبغي تسليمه قبل أشهر.

قال الجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات المسلحة الأوكرانية، في منشور على الإنترنت “لقد تمكنا من تحقيق الاستقرار في الوضع“، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى  HIMARS. وبحسب قوله، فإن الراجمات الأمريكية “استُخدمت لشن ضربات دقيقة على مواقع قيادة العدو، وكذلك على مستودعات بالذخيرة والوقود”.

البنتاغون، الذي كان حذرًا من إمداد HIMARS حتى يكون لديه “دليل على افتراض” انه يمكن للأوكرانيين استخدامه بفعالية، يبدو الآن مقتنعاً. حيث قال متحدث باسم البنتاغون الأسبوع الماضي “أعتقد أن ما يحدث على الجبهات كان له تأثير كبير”.

في الصيف والخريف، ستكون أولوية الدول الحليفة هي تسليم المزيد من هذه أنظمة الصواريخ إلى أوكرانيا للبناء على النجاح الأخير، حيث أن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين يحشدون شركات الدفاع لتسريع إنتاج الأسلحة. وهناك سباق لتوسيع تدريب القوات الأوكرانية، حيث تخطط المملكة المتحدة البريطانية لتدريب 10 آلاف جندي كل 120 يوماً، بالإضافة الى الجنود الذين يتم تدريبهم في دول أخرى على أنواع محددة من السلاح مثل مدافع الهاوتزر وراجمات الصواريخ والطيارين الذين يتم تدريبهم على طائرات إف – 16 الامريكية.

القوات الأوكرانية تشعر بالثقة الكافية لتوسيع هجماتها هذا الصيف في الجنوب، خصوصا في اقليم خيرسون، حيث قامت القوات الأوكرانية باستهداف المواقع اللوجستية للقوات الروسية والجسور الرئيسية عبر نهر دنيبر والسيطرة النارية على طرق الامداد، وعمليات هجومية اسفرت عن تحرير نحو 50 بلدة في الإقليم وحصار تكتيكي للقوات الروسية غرب نهر دنيبر، نتيجة لذلك اعتقد ان القوات الأوكرانية قد تقوم بشن هجوم مضاد شامل لتحرير الضفة الغربية لنهر دنيبر خلال الاسابيع المقبلة.

لكن التأثير الحقيقي للأسلحة الجديدة والتدريب قد يأتي في الربيع المقبل، بعد هدوء شتوي متوقع للقتال. خلال هذه الفترة ستتاح لأوكرانيا المزيد من الإمكانيات لصد هجمات روسية جديدة وربما استعادة بعض المناطق المحتلة في إقليمي زابوروجيا وخاركوف.

القيادة هي العامل الخفي في أي صراع. في هذه الحالة، تستفيد كل من أوكرانيا وروسيا من القيادة الموحدة القوية لرئيسيهما، فلاديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين. تبَيَّن أن التوقعات باستسلام هؤلاء القادة بسبب المعارضة الداخلية كانت خاطئة.

أصوات كلا الرئيسين أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. في أوكرانيا، أظهر استطلاع للرأي نشره المعهد الجمهوري الدولي في مايو أن 94٪ يؤيدون زيلينسكي. تظهر الاستطلاعات الداخلية التي أجرتها مجموعة علم الاجتماع “ريتنغ – تصنيفات” أن التأييد لزيلينسكي تضاعف ثلاث مرات تقريبًا من ديسمبر إلى فبراير، من 31٪ إلى 91٪. اما في روسيا، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا في يونيو، والذي تعتبر أرقامه دقيقة بشكل عام، أن 83٪ يؤيدون بوتين، بزيادة 14٪ عن يناير، قبل بدء الحرب الروسية.

يدير الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي دولة لا تزال ممزقة، حيث تمارس الأوليغارشية الفاسدة سلطة كبيرة. قاوم الدعوات الأمريكية قبل الحرب لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنه تمكن حتى الآن من تجنب أي صراعات داخلية كبيرة أو “مطاردة الساحرات”.

ثم جاء فصل الرئيس زيلينسكي المفاجئ للمدعي العام في البلاد إيرينا فينيديكتوفا، ورئيس جهاز الأمن الداخلي وإيفان باكانوف، لإنهم لم يكونوا حاسمين بما يكفي في ملاحقة مؤيدي روسيا، مع الإشارة إلى أن هناك العديد من الأوكرانيين غير الموالين. كانت هذه الخطوات تذكيرًا صارخًا بالتوترات الكامنة. لكن مصادر مقربة من السياسيين الأوكرانيين تقول إن زيلينسكي تمكن حتى الآن من إبقاء الجماهير العريضة في البلاد وراءه – وبالتالي ترويض الأوليغارشية.

إذا أجرى الرئيس زيلينسكي تغييرات أكثر اندفاعًا لإدارته، فقد يعرض الوحدة التي تعد أثمن ما يملكه للخطر. ريك أتكينسون، مؤلف ثلاثية الحرب العالمية الثانية الشهيرة في أوروبا، يحذر أي زعيم في زمن الحرب: “التحولات في زمن الحرب في المناصب القيادية الوطنية العليا عادة ما تنطوي على “تصدعات توتريه” في القمة، ربما بسبب تصادم “الأنا” أو الحاجة إلى “كبش فداء” عندما تسوء الأمور”. ينطبق هذا التحذير على الرئيس بوتين على حد سواء.

فيما يتعلق بالتحالفات، يبدو أن أحلام بوتين في إعادة تشكيل النظام العالمي قد انهارت بعد فشل خطته في قطع رأس نظام زيلينسكي بسرعة، وبدلاً من تدمير تحالف الناتو، تم تعزيز التحالف من خلال جذب السويد وفنلندا إلى الاتفاقية وممارسة ضغوط جديدة على الجناح الشمالي لروسيا.

لكن بوتين حاول تعزيز موقفه الدبلوماسي على المستوى الجنوبي بالسفر إلى إيران للقاء آية الله علي خامنئي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

رحلة بوتين إلى طهران هي محاولة خلّاقة لكسب نفوذ سياسي من زعيم يعرف أن القوة الغاشمة للأسلحة الروسية وحدها يمكن أن تجر روسيا إلى صراع قد لا تخرج منه لعقود. كما أنها تذكير بالبطاقات الرابحة الدبلوماسية والعسكرية الجامحة التي يمكن أن تغير التوقع الحالي القاتم، بأن كلا الجانبين سيقطعان طريقهما إلى طريق مسدود وأن النتيجة النهائية لهذه الحرب الرهيبة لا تزال غير مؤكدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *