هل يدرس الناتو دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف؟
الأمين العام الجديد لحلف الناتو: الأولوية هي انتصار أوكرانيا في الحرب مع روسيا
د. سعيد سلّام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
6\10\2024.
في الثالث من أكتوبر، قام الأمين العام الجديد لحلف الناتو مارك روته بزيارة، لم يتم الإعلان عنها سابقا، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بعد يومين فقط من توليه المنصب، في مهمة للبحث عن إجابات لأسئلة كبيرة و هامة حول دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو.
تشير المصادر ان التحضير لزيارة روته إلى كييف بدأ في سبتمبر، قبل توليه المنصب. في العلاقات الدولية، اختيار العاصمة لأول زيارة خارجية دائمًا ما يكون إشارة هامة. ومع ذلك، اقتصرت الإشارات العلنية من الأمين العام الجديد على هذه الرمزية، مشيرًا إلى أهمية أوكرانيا بالنسبة للحلف.
خلال زيارته التقى روته بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كمؤشر على استمرار دعم الحلف لمقاومة أوكرانيا للعدوان الروسي وللحديث عن الوضع الحالي في ساحة المعركة وكذلك “خطة النصر” الأوكرانية.
في حديثه مع الصحفيين بعد الاجتماع، أشار الأمين العام الجديد لحلف الناتو إلى أنه كان من المهم بالنسبة له أن يأتي إلى أوكرانيا ليؤكد بوضوح للشعب الأوكراني وللجميع أن الناتو يدعم أوكرانيا. حيث قال في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس زيلينسكي: “أولويتي وامتيازي كأمين عام جديد لحلف الناتو هو تطوير هذا الدعم بشكل أكبر، والعمل معكم لضمان انتصار أوكرانيا”. وأشار روته أيضا إلى أنه ناقش مع زيلينسكي المجالات التي تحتاج فيها أوكرانيا إلى دعم إضافي والطرق التي يعمل بها حلفاء الناتو على تلبية هذه الاحتياجات. وقال إن تعزيز الصناعة الدفاعية للدول الأعضاء في الحلف سيكون أحد أولوياته كأمين عام. كذلك دعم روته حق أوكرانيا في ضرب الأهداف داخل الأراضي الروسية، لكنه أشار أيضًا إلى أن القيود التي تفرضها بعض الدول الأعضاء على استخدام الأسلحة المقدمة هي من اختصاص تلك الدول وليس الناتو كمنظمة، إذ قال الأمين العام لحلف الناتو: “من الواضح أن أوكرانيا لها الحق في الدفاع عن نفسها. والقانون الدولي هنا يقف إلى جانب أوكرانيا، أي أن هذا الحق لا ينتهي عند الحدود. وروسيا هي التي تشن هذه الحرب غير القانونية. وهذا يعني أن الهجمات على الطائرات والصواريخ الروسية قبل استخدامها ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا يمكن أن تساعد في إنقاذ الأرواح. الدولة الوحيدة التي تجاوزت الخط الأحمر هنا ليست أوكرانيا، بل روسيا التي بدأت هذه الحرب”.
وفي هذا السياق، ذكر أيضًا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعا إلى اجتماع “على مستوى القادة” في 12 أكتوبر في إطار الاجتماع القادم لمجموعة الاتصال الدفاعية من أجل أوكرانيا في إطار صيغة “رامشتاين”، وهذا “مهم بشكل خاص”. ومع ذلك، لم يقدم روته أي تفاصيل إضافية.
في الوقت نفسه، لم يرد رئيس الناتو بشكل مباشر على سؤال حول التقارير الأخيرة في الصحافة التي تفيد بأن الرئيس بايدن قد يعيد النظر في وضع أوكرانيا في سياق دعوة محتملة للانضمام إلى الناتو قبل نهاية ولايته، اذ قال: “أوكرانيا أقرب إلى الناتو أكثر من أي وقت مضى، وستواصل السير في هذا الطريق حتى تضمن عضويتها في الناتو”، وأضاف، مشيرًا إلى أن طريق أوكرانيا إلى الحلف “لا رجعة فيه” أن “روسيا ليس لها حق التصويت أو الفيتو في هذا الشأن”.
كذلك، في المؤتمر الصحفي المشترك، دعا الرئيس زيلينسكي الحلفاء إلى السماح بضربات داخل الأراضي الروسية باستخدام الأسلحة المقدمة، مشيرًا إلى أن شركاء أوكرانيا “يتأخرون” في قرارهم. وأكد بشكل خاص على ضرورة الحفاظ على حياة المدافعين عن أوكرانيا كأولوية في سياق الانسحاب القسري للقوات في بعض مناطق الجبهة.
كما قال الرئيس الأوكراني إنه يود أن يقوم حلفاء كييف بإسقاط الصواريخ والطائرات الإيرانية بدون طيار التي تستخدمها روسيا للهجوم على أوكرانيا، كما فعل بعض حلفاء إسرائيل عندما هاجمت إيران إسرائيل بالصواريخ هذا الأسبوع: “بالتأكيد، نريد ألا ينسى العالم أوكرانيا. ولكن أفضل طريقة لعدم نسيان أوكرانيا هي تقديم الأسلحة المناسبة، وتقديم التصاريح المناسبة، والمساعدة في إسقاط الصواريخ والطائرات الإيرانية – بالمناسبة، نفس الصواريخ والطائرات التي يتم إسقاطها فوق سماء إسرائيل، إسقاطها بنفس الطريقة فوق سماء أوكرانيا”.
أوكرانيا أصبحت ضمن حلف الناتو عسكريا وفرصتها كبيرة في الانضمام سياسيا
يمكن تلخيص الموقف الأوكراني بالنقاط التالية:
- العضوية الكاملة في الناتو – خطوة ضرورية لمستقبل آمن لأوكرانيا؛
- يرى الجانب الاوكراني ان دعم أوكرانيا سيكون أولوية لروته في منصب الأمين العام لحلف الناتو؛
- اليوم، أوكرانيا أقرب إلى الناتو أكثر من أي وقت مضى، لكن الهدف الرئيسي هو العضوية الكاملة في الحلف؛
- ستصبح العضوية في الناتو ضمانًا للأمن طويل الأمد لأوكرانيا وستعزز الحلف بشكل كبير؛
- دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو ستكون خطوة مهمة نحو استعادة النظام والأمن في أوروبا، الذي تهدده روسيا؛
- لقد أثبتت أوكرانيا بالفعل أن رغبتها في الانضمام إلى المجتمع الأورو-أطلسي لا تتزعزع.
العقبات امام توجيه دعوة لأوكرانيا للانضمام الى الناتو
على الرغم من اعتقاد البعض أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو هو، في المقام الأول، قرار سياسي، وليس توافق أوكرانيا مع معايير الحلف، على الرغم من اهميتها. وأن مشاكل الفساد السياسي والاقتصادي في بنية الدولة الاوكرانية، وعدم كمال التشريعات أو النظام القضائي – مجرد ستار لغياب الإرادة السياسية. وذلك بناء على الحالات السابقة التالية:
- في عام 2008، قالت فرنسا وألمانيا أنهما عرقلتا منح أوكرانيا خطة عمل للعضوية بسبب مشاريع الطاقة مع روسيا؛
- انضمت ألبانيا إلى الناتو في عام 2009، رغم عدم توافقها مع المعايير، بسبب موقعها الاستراتيجي؛
- انضمت فنلندا إلى الحلف قبل السويد لأن السويد كانت لديها مشاكل مع تركيا.
الا ان هذه الأمور في الحقيقة، هامة جدا بالنسبة للحلف. حيث ان الفساد السياسي والاقتصادي المتغلغل في مفاصل الدولة الأوكرانية، رغمك الإنجازات التي حققتها الدولة في هذا الإطار خلال الأعوام الماضية، يعتبر عائقا هاما وجوهريا امام أوكرانيا. اذ، على سبيل المثال، كيف يمكن ان يوافق الحلف على تواجد دولة فيها احتمالية كبيرة لتسرب الاسرار العسكرية والسياسية الخاصة بالحلف جراء مشاكل الفساد. طبعا هذا لا ينفي وجود حالات تجسس وتسرب معلومات حساسة من دول أخرى عضوة في الحلف.
العقبة الرئيسية الثانية، الأكثر تعقيدا، أمام أوكرانيا هي الأراضي المحتلة من قبل روسيا، والتي تبلغ حاليا نحو 20% من مساحة أوكرانيا (مع شبه جزيرة القرم طبعا). حيث ان النظام الاساسي للحلف الأطلسي يمنع انضمام الدول التي لديها نزاعات حدودية، وفي حالة أوكرانيا فان الانضمام مع وجود أراضي محتلة وحالة حرب، يهدد بنشوب صراع مباشر مع روسيا، وبدونها – يمكن أن يكون ممكنًا على غرار ألمانيا الغربية التي انضمت الى الحلف بدون أراضي المانيا الشرقية!
لذلك نرى انه هناك عقبات جدية حاليا لانضمام أوكرانيا الى الناتو.
يتطلب الأمر موافقة جميع أعضاء الحلف، بما في ذلك المجر، التي كعضو ف
ي الناتو، لديها علاقات معقدة مع أوكرانيا وروسيا. رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لديه مواقف سياسية غير متوافقة مع توجهات الناتو بشأن أوكرانيا، مما يجعل إقناعه بدعم انضمام أوكرانيا تحديًا كبيرًا، نظرًا لأن الرئيس بايدن ليس له تأثير عليه.
للمزيد حول الموقف المجري يمكن العودة الى المقال التالي:
كذلك من الصعب صياغة الدعوة، مع الأخذ في الاعتبار الأراضي المحتلة في أوكرانيا. كيف يمكن تحديد حدود تطبيق المادة 5 المتعلقة بالدفاع الجماعي؟ على أي جزء من أراضي أوكرانيا ستنطبق المادة 5 المتعلقة بالدفاع الجماعي؟ وكيف يمكن صياغة الدعوة بحيث لا يُنظر إليها على أنها قبول الغرب لاحتلال أجزاء من الأراضي الأوكرانية؟
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد تقدم. إمكانية دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف تُناقش بجدية الآن. ولكن بشكل غير علني. هناك تأكيد من عدة مصادر أمريكية وأوكرانية أن بايدن ومستشاره للأمن القومي سوليفان يدرسون هذه الفكرة بجدية. يدرك الرئيس بايدن أن هذه الفترة الرئاسية ستكون نهاية مسيرته السياسية. وبالتالي، أصبح السؤال حول إرثه السياسي. التخلي عن السياسة المفرطة في الحذر تجاه الحرب الروسية ودعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو يُنظر إليهما كخطوات محتملة. لهذا السبب، أدرج زيلينسكي هذا العنصر في “خطة النصر” التي ناقشها في واشنطن. وفقًا لمعلوماتنا حصل على رد إيجابي مبدئي من واشنطن.
ولكن البحث عن إجابات ممكنة لهذه الأسئلة يجعل زيارة الأمين العام للناتو ذات أهمية خاصة. وقد أثبت مارك روته في منصبه السابق، كرئيس لوزراء هولندا، قدرته على اتخاذ قرارات جريئة، مما يعطي أسبابًا للتفاؤل الحذر بشأن صيغة الدعوة.
على أي حال، من الجيد، بالنسبة للجانب الاوكراني، بأن هذه المناقشة قد بدأت بالفعل.