هل يمثل احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية “مفتاحاً” لإنهاء الحرب؟

هل يمثل احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية "مفتاحاً" لإنهاء الحرب؟

هل يمثل احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية “مفتاحاً” لإنهاء الحرب؟

عبد الهادي كامل – ارم نيوز – دبي

1\3\2025

عمّقت المباحثات “الأمريكية – الروسية” الجديدة، التي احتضنتها إسطنبول أمس الخميس، مخاوف أوروبا وأوكرانيا، حيث يثير التقارب المُحتمل بين واشنطن وموسكو، التساؤلات حول تداعياته على الأمن القومي الأوروبي وتحديدًا دول حلف شمال الأطلسي “الناتو“.

ويبقى التساؤل الأبرز، هل يُمثل احتفاظ روسيا بالأراضي التي احتلتها من كييف الحل الأمثل والمفتاح الرئيس لحل النزاع الروسي الأوكراني؟ وهل يُحسم القرار لصالح وقف الحرب الأوكرانية؟

وفي خضم الاجتماع الدبلوماسي الأمريكي الروسي في تركيا، بدأت الدول الغربية تُطالب بالضغط الأمريكي لتنازل الدب الروسي عن الأراضي الأوكرانية التي تمت السيطرة عليها منذ بدء العملية الروسية في فبراير 2022.

وفي سبتمبر 2022، أعلنت موسكو، ضم أربع مناطق أوكرانية، وتتضمن”: “لوغانسك، ودونيتسك في الشرق، وخيرسون وزابوريجيا في الجنوب”، وذلك بعد 8 سنوات من ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية للسيادة الروسية، بعد عملية عسكرية محدودة واستفاء شعبي.

اجتماع إسطنبول

ومع هذه المطالب، لم ينتظر الكرملين نتائج ومُخرجات اجتماع إسطنبول، إذ أعلن في بيان له، أن المناطق الأوكرانية التي أعلنت روسيا ضمها “غير مطروحة للتفاوض”، وأنها أصبحت تابعة لروسيا الاتحادية ومدرجة في الدستور، وهي جزء لا يتجزأ من بلادنا.

وعلى الرغم من آمال كييف بضرورة العودة إلى حدودها قبل عام 2014، لاتزال روسيا تتمسك بكل الأراضي الأوكرانية التي تحتلها الآن، والتي تُمثل حوالي 20% من أراضي أوكرانيا، بالإضافة إلى مطالبتها بأراضٍ إضافية في الشرق.

وأكد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، أن رسالة الولايات المتحدة واضحة، وهي أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يجب أن ينتهي، وتأمل الولايات المتحدة في الحفاظ على سيادة أوكرانيا، لكن استعادة حدود أوكرانيا كما كانت قبل عام 2014 هو أمر غير واقعي.

من جانبه، قال ممثل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في كلمة سابقة خلال جلسة الأمن، إن واشنطن تريد أوكرانيا ذات سيادة “لكن يجب أن نقرّ بأن العودة لأوكرانيا ما قبل 2014 هدف غير واقعي”.

مفتاح الحل الرئيس

ومع الرفض الأمريكي والروسي، يبقى التساؤل الأبرز، هل يُمثل احتفاظ روسيا بالأراضي التي احتلتها من كييف الحل الأمثل والمفتاح الرئيس لحل النزاع الروسي الأوكراني، وهل يحسم القرار لصالح وقف الحرب الأوكرانية؟

بداية، قال إيغور سيميفولوس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا، إن وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا سيكون دون ضمانات أمنية تمنع أي هجوم روسي جديد.

وأضاف سيميفولوس أن التاريخ الحديث لروسيا شهد العديد من الحالات التي استغل فيها الروس وقف إطلاق النار لحشد قواتهم ومعاودة الهجوم مرة أخرى.

وأشار، لـ”إرم نيوز”، إلى أن لدى أوكرانيا تجربة سلبية مع مثل هذه الأفعال الروسية، ولا تنوي اختبار الخداع الروسي مرة أخرى، وعلى سبيل المثال في عام 1993، وعدت روسيا جمهورية جورجيا أيضًا بوقف العمليات القتالية على الجبهة الأبخازية.

وتابع: “فور موافقة جورجيا على وقف العمليات القتالية وسحب القوات، شنت القوات الروسية هجومًا جديدًا، وقامت بالاستيلاء على مدينة سوخومي على البحر الأسود، وينطبق الأمر ذاته على الأراضي الأوكرانية”.

خبير أوكراني: ترامب وقع في “الفخ الروسي” بوعد إنهاء الحرب

انتحار سياسي 

وأوضح أنه لن يُعترف قانونيًا بأي شبر من الأراضي الأوكرانية على أنه جزء من الدولة الروسية، ولن يجرؤ أي سياسي أوكراني – ما لم يكن انتحاريًّا سياسيًّا – على اتخاذ مثل هذه الخطوة.

وأشار إلى أنه عند الأخذ في الاعتبار سيناريو تستمر فيه روسيا في السيطرة على الأراضي المحتلة لبعض الوقت دون الاعتراف بها كأراضٍ روسية، فقد يكون وقف إطلاق النار ممكنًا من الناحية النظرية، لكننا سنواجه مرة أخرى مسألة الضمانات الأمنية التي يمكن أن تمنع روسيا من شن هجوم جديد على أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى، قال كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إنه منذ دخول إدارة ترامب في مفاوضات مباشرة مع روسيا لحسم الملف الأوكراني، بدأت تساؤلات تثار حول ماهي نقطة الاتفاق بين موسكو وواشنطن؟ وماهي أبرز بنودها وهل يتضمن تلك الأراضي التي احتلها الجيش الروسي منذ فبراير 2022؟”.

وأشار حميد، لـ”إرم نيوز”، إلى أن التساؤلات والمخاوف زادت “بعد إبعاد كييف والأوروبيين من طاولة المفاوضات”.

شروط روسية

وأوضح أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد مرارًا بأن على كييف عدم التطرق إلی تلك المناطق إن أرادت الجلوس على طاولة المفاوضات، كما رفض صفقة تبادل الأراضي الروسية بالأوكرانية”.

وتابع: “إذن ما يوجد على طاولة المفاوضات ستكون فقط محصورة بملف دولة أوكرانية فقط أي حسب شروط موسكو، بمعنى أن تكون منزوعة السلاح، وليست عضوا في الناتو”.

وأوضح الخبير في الشؤون الأوروبية، أن “الرئيس الأوكراني الآن خلط الأوراق، وتغيير موقف ترامب بعد توقيع صفقة المعادن سيتضمن على أقل تقدير حق كييف المطالبة بتلك الأراضي”.

وأكد أن “الهدف الاستراتيجي لترامب هو ليس موسكو ولا احتلاله لتلك الأراضي، بل عدم وصول الصين إلی تلك المعادن عبر روسيا، بل سيقوم البيت الأبيض بإرضاء بوتين سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، شريطة أن تبتعد عن بكين كما حصل في سبيعينيات القرن الماضي عندما حاول ريتشارد نيكسون إبعاد بكين عن السوفييت حينها، والآن ترامب يحاول فعل العكس”.

ومن جانبه، قال د. سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، إن روسيا تدرك أن استمرار الحرب مكلف للدول الغربية؛ لذا فهي تراهن على أن يدفع الإرهاق المالي والسياسي الغربي إلى الضغط على أوكرانيا لقبول “حل وسط”، قد يشمل الاعتراف بالسيطرة الروسية على الأراضي المحتلة مقابل ضمانات أمنية ومساعدات اقتصادية.

دروس للرئيس ترامب: اتفاق السلام الأوكراني المتخبط في أوكرانيا

انقسام أوروبي

وأضاف أن “هذا السيناريو قد يؤدي إلى انقسام داخل أوروبا والناتو، حيث قد تؤيد بعض الدول إنهاء الحرب بسرعة لتجنب المزيد من التكاليف، بينما تصر أخرى على دعم أوكرانيا حتى استعادة أراضيها بالكامل”.

 وتابع أن “هناك مخاوف من أن الولايات المتحدة، خاصة في ظل سياسات دونالد ترامب، قد تضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات لروسيا لإنهاء الصراع”.

وأشار إلى أنه “إذا تمكنت روسيا من الاحتفاظ بالمناطق التي احتلتها (بما في ذلك شبه جزيرة القرم)، فستعمل على فرض أمر واقع جديد، مشابه لما حدث في عام 2014 عندما ضمت القرم رسميًّا”.

واستطرد: “في هذه الحالة، قد تجد أوكرانيا والدول الغربية أن استعادة هذه المناطق عسكريًّا أمر غير ممكن حاليًّا، مما قد يؤدي إلى حلول دبلوماسية مؤقتة أو حتى تجميد النزاع على غرار الصراعات المجمدة الأخرى في العالم”.

وتابع: “بالنسبة لأوكرانيا، سيكون هذا بمثابة هزيمة، لكنه قد يمنحها فرصة لإعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية، بهدف خوض حرب مستقبلية لتحرير الأراضي المحتلة، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع صراع جديد مستقبلاً”.

وأوضح سلّام أنه “بالنسبة لروسيا، فإن الاحتفاظ بالأراضي المحتلة سيعزز نفوذها إقليميًّا ودوليًّا، لكنه قد لا ينهي العقوبات الغربية بالكامل. ومع ذلك، فإن تجميد الحرب قد يمنح موسكو وقتًا كافيًا لإعادة بناء اقتصادها وجيشها استعدادًا لشن هجوم جديد على أوكرانيا مستقبلاً، في محاولة لتحقيق الهدف النهائي المتمثل في السيطرة الكاملة على أوكرانيا”.

أوكرانيا: بين الدعم الغربي والتحديات المستقبلية

العقوبات الاقتصادية

وأوضح د. سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، أن كل هذه العوامل، إلى جانب استمرار العقوبات الاقتصادية على روسيا، قد تؤدي إلى إضعاف موقف الكرملين على المدى الطويل”.

“كذلك هناك مخاوف من أن يؤدي الضغط على أوكرانيا للتخلي عن أراضيها إلى خلق بؤرة توتر خطيرة في وسط أوروبا، قد تتطور لاحقًا إلى حرب أوسع تشمل القارة بأكملها”، بحسب المتحدث ذاته.

ولفت إلى أنه “قد يكون احتفاظ روسيا بالأراضي المحتلة مفتاحًا مؤقتًا لتجميد الحرب، لكنه ليس حلاً نهائيًّا ومستدامًا؛ لأن الصراع بين الطرفين لا يقتصر فقط على مسألة الأراضي، بل يتعلق بالأمن القومي، والهوية الوطنية، والتوازنات الجيوسياسية الكبرى”.

وتابع: “إذا تم فرض اتفاق قسري على أوكرانيا بالتخلي عن أراضيها، فقد يكون ذلك مجرد هدنة مؤقتة، قبل اندلاع حرب جديدة في المستقبل، إما بين روسيا وأوكرانيا، أو حتى بين روسيا ودول أوروبية أخرى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *