آنا فرانك وهند رجب – رمزان لمأساتين مختلفتين ودروس مشتركة

آنا فرانك وهند رجب – رمزان لمأساتين مختلفتين ودروس مشتركة

آنا فرانك وهند رجب – رمزان لمأساتين مختلفتين ودروس مشتركة

(بمناسبه الذكرى الثمانين لتحرير معسكر الاعتقال النازي “اوشفيتس”)

عمر فارس – رئيس الجمعية الثقافية الاجتماعية للفلسطينيين في بولندا

17\1\2025

تاريخ البشرية مليء بقصص الأطفال الذين كانوا ضحايا للحروب والنزاعات. من بين هؤلاء آنا فرانك، الفتاة اليهودية التي قُتلت في المحرقة النازية، وهند رجب، الفتاة الفلسطينية التي لقيت حتفها نتيجة القصف الإسرائيلي في المحرقة الإسرائيلية في قطاع غزة. على الرغم من اختلاف الزمن والسياق، فإن كلا الفتاتين أصبحتا رمزين للمعاناة الإنسانية البريئة في وجه الوحشية.

آنا فرانك – رمز المحرقة النازية

وُلدت آنا فرانك عام 1929 في ألمانيا لعائلة يهودية. مع صعود أدولف هتلر إلى السلطة، فرت العائلة إلى هولندا هرباً من الاضطهاد. وخلال الاحتلال الألماني لهولندا، اختبأت العائلة لمدة عامين في ملجأ سري. خلال هذه الفترة، كتبت آنا مذكراتها التي أصبحت فيما بعد شهادة مؤثرة على الحياة في ظل الاضطهاد النازي.

تم اكتشاف الملجأ عام 1944، واعتُقلت العائلة ونُقلت إلى معسكرات الاعتقال. توفيت آنا فرانك وشقيقتها مارغوت في معسكر “بيرغن – بيلسن” عام 1945 بسبب المرض، قبل أسابيع قليلة من تحرير المعسكر.

مذكرات آنا فرانك أصبحت رمزاً للألم الذي عاناه اليهود في المحرقة ودعوة للتأمل في عواقب الكراهية والتمييز.

هند رجب – رمز المحرقة الإسرائيلية في غزة

ولدت هند رجب يوم 13 مايو عام 2018، الفتاة الفلسطينية الصغيرة من قطاع غزة، قُتلت نتيجة الغارات الإسرائيلية خلال واحدة من الهجمات المتكررة على القطاع. كانت عائلتها تحاول الهرب بالسيارة عندما استهدفتهم صواريخ إسرائيلية. قُتل جميع أفراد العائلة على الفور، باستثناء هند التي بقيت عالقة في السيارة المدمرة بدون ماء أو طعام لعدة ساعات، واتصلت بالهلال الأحمر الفلسطيني الذي أرسل سيارة اسعاف بعد التنسيق مع قوات الاحتلال، ولكن القوات الاحتلال أطلقت عليهم قذيفة من دبابة أدت الى مقتل طاقم الإسعاف، وبعد 12 يوما تم الوصول اليها ليتم إيجاد جثمان الطفلة هند رجب متحللة وفي جسمها آثار 350 رصاصة.

قصتها أصبحت رمزاً للمعاناة الفلسطينية ولما يمكن وصفه بـ “المحرقة الإسرائيلية” – حملة القتل والتدمير المنهجي والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

الضحية تصبح الجلاد

المفارقة المؤلمة في التاريخ تكمن في أن أحفاد ضحايا المحرقة النازية، الذين عانوا هم أنفسهم من الاضطهاد، يمارسون اليوم أعمالاً عسكرية تسبب معاناة مماثلة لشعب آخر. إسرائيل، التي تأسست كملاذ لضحايا المحرقة، تُتهم اليوم بارتكاب جرائم بحق الفلسطينيين.

قصة هند رجب تبرز هذا التناقض الأخلاقي، حيث يتحول الضحايا إلى جلادين، ويتكرر نمط المعاناة على يد من عانوا في السابق من نفس الظلم.

ازدواجية المعايير العالمية

العالم يُحيي ذكرى المحرقة (الهولوكوست) بشكل دائم ويُكرّم ضحاياها مثل آنا فرانك، ولكنه يلتزم الصمت تجاه المآسي المعاصرة مثل مأساة هند رجب. على الرغم من الصور الصادمة للدمار في غزة ومعاناة الأطفال الفلسطينيين، فإن ردود الفعل الدولية تقتصر على البيانات السياسية دون اتخاذ إجراءات حقيقية.

هذا الصمت العالمي يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير: لماذا يتم تذكُّر معاناة طرف واحد بينما يتم تجاهل معاناة طرف آخر؟ هل المصالح السياسية والتحالفات الجيوسياسية أهم من حقوق الإنسان وحياة الأطفال الأبرياء؟

آنا وهند – قصتان، درس واحد

آنا فرانك وهند رجب هما رمزان لعصور ونزاعات مختلفة، لكن قصصهما تذكّرنا بحقيقة واحدة: الحرب دائماً تستهدف الأبرياء والضعفاء. آنا أصبحت رمزاً للتأمل في مآسي الماضي، وهند تُذكّرنا بأن دروس التاريخ لم تُفهم بعد.

بينما تُخلد ذكرى آنا فرانك في المتاحف والكتب، يجب أن تصبح قصة هند رجب رمزاً مماثلاً، صرخة للعدالة والسلام وإنهاء المعاناة في غزة.

كلتا الفتاتين تُبرزان حقيقة أن كل حياة بشرية ثمينة. لتكن قصصهما تحذيراً من اللامبالاة ودليلاً على أن التاريخ يجب ألا يُعاد. آنا فرانك رمز للماضي، وهند رجب رمز للحاضر الذي يجب ألا يصمت العالم تجاهه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *