ألف يوم من المقاومة والحرب في أوكرانيا
أحمد عبد اللطيف
19\11\2024
لقد مر ألف يوم منذ بداية العدوان الروسي الشامل على أوكرانيا – وهي الحرب التي أصبحت واحدة من أكثر الحروب تدميراً ودموية في التاريخ الحديث. ترمز هذه الفترة المطولة إلى المرونة المذهلة والمقاومة الشجاعة للأوكرانيين، الذين يدافعون ليس فقط عن استقلالهم، ولكن أيضًا عن مبادئ القانون الدولي والحرية. لقد أظهرت أوكرانيا للعالم بوضوح أنه حتى في ظل العدوان المستمر، من الممكن والضروري الدفاع عن حقوق المرء وكرامته.
منذ الأيام الأولى للغزو، استخدمت روسيا استراتيجية الإرهاب، فدمرت عمدًا البنية التحتية المدنية والمرافق الحيوية. تعرضت المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية ومواقع الطاقة للهجوم. ونتيجة لذلك، تُرك الملايين من الناس بدون كهرباء وتدفئة خلال المواسم الباردة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المروعة بالفعل. ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 11000 مدني، وأصيب أكثر من 22000، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن. لقد أجبر ما يقرب من 8 ملايين أوكراني على مغادرة منازلهم، وأصبحوا لاجئين داخل أوكرانيا وخارج حدودها.
إن الدمار الذي لحق بأوكرانيا هائل. ويقدر إجمالي الأضرار الناجمة عن العدوان الروسي بنحو 800 مليار دولار. وتتجاوز الخسائر المباشرة في البنية التحتية 200 مليار دولار، في حين تبلغ الأضرار التي لحقت بالنظم البيئية في أوكرانيا 65 مليار دولار. كما تسببت الحرب في أضرار جسيمة للتراث الثقافي للبلاد – وفقًا لليونسكو، تم تدمير أو إتلاف أكثر من 450 موقعًا تاريخيًا وثقافيًا.
تستخدم روسيا الغذاء كسلاح، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية. بعد الانسحاب من مبادرة الحبوب في يوليو 2023، بدأت القوات الروسية في استهداف موانئ أوكرانيا والبنية الأساسية للحبوب، مما أعاق بشدة تصدير الحبوب الأوكرانية، وهو أمر حيوي لدول في أفريقيا والشرق الأوسط. أدت هذه الإجراءات إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتسببت في نقص، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين الأشخاص. وفقًا للأمم المتحدة، يعاني واحد من كل أحد عشر شخصًا في جميع أنحاء العالم من الجوع، ولا تؤدي تصرفات روسيا إلا إلى تفاقم هذه المشكلة.
د. سعيد سلّام يكتب: مساهمة أوكرانيا في الأمن الغذائي العالمي
من الأهمية بمكان أكثر من أي وقت مضى أن يكثف المجتمع الدولي ضغوط العقوبات على روسيا لحرمان المعتدي من الموارد اللازمة لمواصلة حربه. لقد وجهت التدابير القائمة بالفعل ضربة كبيرة للاقتصاد الروسي، لكنها تظل غير كافية لتحقيق أهداف السلام والأمن. يجب توسيع العقوبات لتشمل قيودًا إضافية في قطاعات رئيسية، ويجب سد الثغرات للتهرب من هذه التدابير. من المهم أيضًا النظر في الاستخدام المستهدف للأصول الروسية المجمدة لإعادة بناء المناطق المدمرة وتعويض الأضرار الناجمة عن العدوان. إن مثل هذه الخطوة لن تكون عادلة فحسب، بل من شأنها أيضاً أن ترسل رسالة قوية إلى الدول الأخرى مفادها أن انتهاكات القانون الدولي ستكون لها عواقب وخيمة.
وعلى الرغم من كل الدمار والتضحيات، فإن أوكرانيا لا تستسلم وتعمل بنشاط على تطوير صناعتها الدفاعية لتعزيز القدرات العسكرية للبلاد. وبدعم من المجتمع الدولي، حررت القوات الأوكرانية أكثر من 15 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المحتلة، بما في ذلك المدن ذات الأهمية الاستراتيجية في الشرق والجنوب.
قدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمجتمع الدولي صيغة السلام وخطة النصر. تهدف هذه المبادرات إلى إرساء سلام عادل قائم على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتشمل الأحكام الرئيسية وقف إطلاق النار الكامل، وانسحاب القوات الروسية من الأراضي المحتلة، واستعادة حدود أوكرانيا المعترف بها دوليا.
كان أحد أهم التطورات قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل روسيا. وهذا يوفر لأوكرانيا القدرة على حماية مواطنيها والبنية التحتية الحيوية بشكل أكثر فعالية من خلال ضرب أهداف العدو الاستراتيجية. وتتوقع أوكرانيا المزيد من الدعم من حلفائها لتكثيف الضغوط على روسيا وتقريب الحرب من نهايتها.
وتتضمن صيغة السلام أيضا إطلاق سراح أكثر من عشرين ألف طفل أوكراني تم ترحيلهم قسرا إلى روسيا. وردا على هذه الجرائم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق فلاديمير بوتن وماريا لفوفا بيلوفا، مؤكدة على أهمية محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.
إن خطة النصر وصيغة السلام فقط هي القادرة على ضمان حل عادل للصراع، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي. وتستبعد هذه المبادرات التنازلات مع المعتدي وتهدف إلى استعادة سيادة أوكرانيا. وعلى النقيض من المقترحات المقدمة من الصين والبرازيل، والتي تقتصر على دعوات عامة لوقف إطلاق النار، فإن مبادرات أوكرانيا تطالب بخطوات ملموسة لإنهاء الاحتلال ومحاسبة المسؤولين.
إن هذه الحرب ليست مجرد مواجهة محلية بين دولتين، بل هي صراع عالمي من أجل مستقبل النظام الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير. إن ترك العدوان دون عقاب من شأنه أن يخلق سابقة خطيرة للعالم بأسره، ويقوض الاستقرار والأمن.