أوكرانيا بين حرب الاستنزاف وانهيار القوة النووية…

أوكرانيا بين حرب الاستنزاف وانهيار القوة النووية...

أوكرانيا بين حرب الاستنزاف وانهيار القوة النووية…

لماذا ترفض موسكو وقف الحرب؟

22\7\2025

شنت روسيا هجومًا جديدًا واسع النطاق على أوكرانيا بطائرات مسيرة وصواريخ يوم الاثنين، مما أسفر عن مقتل شخصين وجرح نحو 20 اخرين على الأقل، واندلاع حرائق متعددة في العاصمة كييف. حيث أكد عمدة العاصمة أن فرق الإنقاذ والمسعفين تعمل في أربع مناطق متضررة من العاصمة، حيث تضررت محطة مترو أنفاق، وممتلكات تجارية، ومتاجر، ومنازل، وروضة أطفال. وقد هرع العديد من سكان كييف إلى محطات المترو للاحتماء خلال ليلة، بينما دوت الانفجارات في أنحاء المدينة مع تصدي وحدات الدفاع الجوي للهجوم.
وفي خاركيف، ثاني أكبر مدينة في البلاد، أعلن حاكم المدينة عن وقوع عدة انفجارات واندلاع العديد من الحرائق في المباني السكنية.
على الجانب الآخر، صرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في مقطع مصور نُشر يوم الأحد، أن الرئيس فلاديمير بوتين مستعد للتحرك نحو تسوية سلمية بشأن أوكرانيا، لكن الهدف الرئيسي لموسكو يبقى تحقيق أهدافها المعلنة.
في حوار ضمن برنامج “الثالثة والعشرون” على قناة “الغد”، قدم الدكتور سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، من كييف، تحليلًا شاملًا ومتعدد الأبعاد للحرب الروسية على أوكرانيا. تطرقت مداخلته إلى التكتيكات العسكرية الروسية، والآفاق المحدودة للمفاوضات، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل الحرب، بالإضافة إلى الدوافع الجيوسياسية الكامنة وراء استمرارها.
أشار الدكتور سلام إلى أن الهجمات الروسية المتواصلة، سواء بالطائرات المسيرة أو الصواريخ، لا تستهدف فقط البنى التحتية العسكرية، بل تتركز بشكل كبير على المواقع المدنية والمباني السكنية. تهدف هذه الاستراتيجية إلى إحداث ضغط هائل على الشعب الأوكراني وقيادته لدفعهم نحو قبول الشروط الروسية والاستسلام. ورغم كثافة هذه الضربات، أكد الدكتور سلام على كفاءة الدفاعات الجوية الأوكرانية في إحباط معظمها، مما يقلل من تحقيق الأهداف العسكرية المباشرة. وبالتالي، فإن الهدف الأعمق من هذه الهجمات لا يكمن في تحقيق مكاسب عسكرية فورية، بل في استنزاف القدرات الدفاعية الأوكرانية وإعاقة سلاسل الإمداد اللوجستية، في محاولة لإضعاف صمود كييف على المدى الطويل.

وتطرق د.سعيد إلى جولة المفاوضات القادمة في إسطنبول، واصفًا إياها بأنها ستكون ذات طبيعة “فنية” بحتة. هذا يعني أن الأجندة ستقتصر على قضايا إنسانية وعملية ملحة، مثل تبادل الأسرى، وإعادة الأطفال الأوكرانيين المختطفين إلى وطنهم، بالإضافة إلى تبادل جثامين الجنود القتلى بين الطرفين. وشدد على أن هذه الجولة لن تتطرق إلى القضايا السياسية الكبرى الجوهرية، مثل الوقف الشامل للحرب أو ترسيم الحدود النهائية. ويعزو ذلك إلى غياب المرونة في الموقف الروسي الحالي، الذي لا يزال يصر على فرض الاعتراف الاوكراني والدولي بالأراضي المحتلة وضمها إلى روسيا في محاولة لشرعنة الاحتلال، فضلاً عن السعي لتقييد السيادة الأوكرانية والتدخل في توجهاتها السياسية والاقتصادية المستقبلية.
وحول مصير هذه الحرب، رجح د. سلّام بقوة سيناريو استمرار الصراع كـ “حرب استنزاف طويلة المدى”، معتقدًا أنها لن تتوقف إلا بـ “انهيار أحد الأطراف”. استبعد الدكتور سلام إمكانية التوصل إلى حل سلمي شامل في الظروف الراهنة، ما لم يطرأ عاملان حاسمان: إما تدخل عسكري حاسم من أطراف خارجية لدعم أحد الطرفين بشكل يرجح كفته عسكريًا، أو فرض عقوبات اقتصادية دولية مشددة للغاية على روسيا والدول التي تدعمها – مثل الصين – بما يؤثر بشكل كبير على قدرة موسكو على تمويل مجهودها الحربي. ولتوضيح فكرته حول “انهيار” القوة النووية، ضرب أمثلة تاريخية مثل خسارة الاتحاد السوفيتي حربه في أفغانستان، وخسارة الولايات المتحدة حروبها في فيتنام وأفغانستان، مؤكدًا أن الانهيار هنا لا يعني بالضرورة زوال الدولة بالكامل، بل انهيار القدرة على تمويل واستدامة الحرب.

“مثال على قصر النظر”: ثلاثة دروس مستفادة من مذكرة بودابست

وفي معرض تفسيره لدوافع الغزو الروسي وفشل كييف في تقديم “ضمانات أمنية” لموسكو، أكد الدكتور سلام أن الهدف الأساسي لروسيا هو “توسعي احتلالي إمبريالي”. وقد استدل على ذلك بتصريحات الرئيس الروسي التي تعتبر أوكرانيا “أرضًا روسية تاريخية” يجب استعادتها. وشدد على أن أوكرانيا لم تبادر بالعدوان على روسيا، بل إن روسيا هي من خرقت عام 2014 اتفاقية بودابست. وفيما يتعلق بمسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، أوضح الدكتور سلام أن كييف لا يمكنها تقديم تعهدات بعدم الانضمام في ظل سعيها الحثيث للحصول على دعم وحماية دوليين في مواجهة العدوان الروسي. وطرح تساؤلاً بلاغياً يكشف جوهر الموقف: “إذا أعلنت أوكرانيا عدم نيتها الانضمام إلى الناتو، فهل ستقوم روسيا بالانسحاب من جميع الأراضي الأوكرانية المحتلة منذ عام 2014؟” مشيرًا إلى أن الإجابة الواضحة هي “لا”، مما يؤكد أن الأهداف الروسية تتجاوز مجرد الحصول على ضمانات أمنية لتشمل احتلال الأراضي وتغيير الواقع الجيوسياسي.
وفي ختام تحليله، عبّر مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية عن تشككه في فرص التوصل إلى حل سلمي في المدى المنظور، مستبعدًا أن تسفر اللقاءات المحتملة بين القادة عن تغيير جوهري. واعتبر أن التصريحات الروسية المتعلقة بالمفاوضات هي جزء من استراتيجية أوسع ترمي إلى كسب الوقت، وإعادة ترويج فكرة المفاوضات لدى البيت الأبيض والساحة الدولية، ومغازلة الرئيس ترامب وشخصيته النرجسية. والأهم من ذلك، يرى أن هذه التصريحات تستهدف إحداث شرخ في جبهة الدعم الغربي لأوكرانيا، من خلال إثارة الشكوك حول جدوى المفاوضات والمساعدات العسكرية، وبالتالي الضغط على كييف للتنازل عن أراضيها والاستسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *