أوكرانيا: “عضوية الناتو مقابل الأراضي”؟
د. سعيد سلام – مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
9\10\2024
مع احتدام المعارك بين موسكو وكييف، وتقدم القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية في إقليم دونيتسك، في الوقت الذي تتقدم فيه القوات الأوكرانية في إقليم كورسك الروسي، ظهرت، لأول مرة، خطة أوروبية تتضمن مُساومة بين مطالب كييف بالانضمام إلى الناتو واستعادة سيادتها على أراضيها المحتلة.
إذ كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، نقلاً عن مصادر لم تفصح عنها، أن الدول الغربية تُناقش خطة بصيغة “عضوية الناتو مقابل الأراضي”، أي تقسيم أوكرانيا. وبمقتضى الخطة التي تم الكشف عنها، تحتفظ روسيا بالسيطرة على الأراضي التي تحتلها، مقابل حصول أوكرانيا على الحماية من دول “الناتو” على الأراضي المتبقية من أوكرانيا، بموجب المادة 5 من حلف شمال الأطلسي. وهذه الخطة، التي يُزعم انه تمت مناقشتها في دوائر السياسات الخارجية لأكثر من 18 شهرًا، يُطلق عليها “ألمانيا الغربية”؛ لأنه قبل توحيد ألمانيا كانت الأراضي الغربية جزءًا من “الناتو”، بينما كانت الأراضي الشرقية جزءًا من حلف “وارسو”. ومع ذلك، تعارض واشنطن هذه الخطة تحسبًا من جر الدول الغربية إلى الصراع.
يُعتقد أن هذه الخطة هي التي يسعى لتنفيذها المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، دونالد ترامب، في حال عودته للبيت الأبيض. وهنا لابد ان ننوه الى وجود نقاط كثيرة مشتركة مع تفاصيل الخطة التي طرحها فريق المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الامريكية على لسان المرشح لمنصب نائب الرئيس ج. د. فانس في لقاء تلفزيوني (تم تحليل الخطة وموقف المرشح الجمهوري سابقا، يمكن الاطلاع على التحليل في المقال المرفق بعنوان خطة ترامب لاستسلام اوكرانيا و تجميد الحرب)، مع فارق ان المرشح الجمهوري طرح امتناع أوكرانيا عن الانضمام الى أي حلف او اتحاد، بالإضافة الى إعطاء ضمانات امنية لروسيا.
وفي أول رد من السلطات الأوكرانية على ما نُشر بشأن الخطة الأوروبية لتقسيم أوكرانيا، وصفها مكتب الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، بـ”الهراء”، مؤكدًا أنه لا يوجد مثل هذا الحديث على الإطلاق.
كذلك ذكر مصدر في كييف للصحفيين الأوكرانيين أنه “لم يقدم أحد في الغرب رسميا وبشكل واضح لأوكرانيا ضمانات أمنية من شأنها أن تمنع بالتأكيد توسع الحرب أو تكرارها”.
هنا يجب التأكيد على عدة نقاط هامة:
- الخطة الغربية لتقسيم أوكرانيا، في حال كانت موجودة، قد تكون مستندة إلى فكرة تخفيف التوترات بين روسيا والدول الغربية من خلال تحديد مناطق نفوذ واضحة.
- هذه الفكرة قد تتضمن تقسيم أوكرانيا إلى مناطق تحت السيطرة الغربية والروسية، مع التنازل عن أجزاء من الأراضي الأوكرانية كجزء من تسوية سياسية. الهدف هو إنشاء حدود نفوذ واضحة وتقليل النزاعات المسلحة.
- الخطة المزعومة لتقسيم أوكرانيا ليست مستندة إلى مصادر رسمية محددة، ولكنها تأتي من النقاشات الجيوسياسية والتكهنات التي تُطرح في وسائل الإعلام والتحليلات السياسية، حيث تتأثر هذه التكهنات بالعوامل التاريخية والجغرافية والصراعات السياسية.
- غالباً ما تتناول هذه النقاشات سيناريوهات افتراضية حول كيفية تحقيق الاستقرار أو التأثير على توازن القوى في المنطقة، وما إذا كان تقسيم أوكرانيا يمكن أن يكون جزءًا من هذا الحل. لكن يجب أن نلاحظ أن هذه الفكرة ليست مدعومة رسمياً من قبل أي دولة غربية.
- أوكرانيا ترفض بشدة أي خطط لتقسيم أراضيها. الموقف الرسمي للقيادة السياسية والمزاج الشعبي الاوكراني يعتمد على الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، دون أي تنازلات. القيادة الأوكرانية تسعى إلى استعادة السيطرة على جميع المناطق المحتلة وضمان الأمن القومي.
- أي حل يتضمن تقسيم أوكرانيا قد لا يضمن لها عضوية الناتو. العضوية في الناتو تعتمد على توافق الدول الأعضاء وموافقتهم بالإجماع، كما تتطلب تحقيق معايير معينة في الشؤون الدفاعية والسياسية. المال والسلاح الأوروبي قد يدعمان أوكرانيا في تحسين قدراتها الدفاعية، ولكن الانضمام إلى الناتو يتطلب أكثر من الدعم المالي والعسكري، ويعتمد على تحقيق معايير الأمن والاستقرار.
في الختام يمكن القول إن الخطة المزعومة لتقسيم أوكرانيا هي خطة سياسية واقتصادية تهدف إلى تقسيم أوكرانيا إلى مناطق مختلفة بناءً على معايير معينة، وتعتبر جزءًا من الجدل السياسي الذي يدور حول تقسيم البلاد وتحديد الحدود بين الدول المجاورة.
لذلك يمكن الجزم ان هذا السيناريو، في الوقت الحالي، ليس هو السيناريو الأساسي، ويمثل جزءًا من ردود فعل بعض المحللين والسياسيين الغربيين على الأحداث على الجبهة والهجوم الروسي المستمر وتحقيق تقدم في بعض المحاور على الجبهة.
كذلك فإن فكرة الانضمام إلى الناتو الآن هي جزء من “خطة الانتصار” التي أعدها الرئيس زيلينسكي. ومن الصعب التفكير أن الإدارة الأمريكية تفكر في هذا السيناريو، لأنه افتراضي للغاية ولا يمكن تنفيذه دون موافقة أوكرانيا، التي تواصل الإصرار على استعادة جميع أراضيها المحتلة، ولا توجد أي تغييرات استراتيجية ملحوظة. بالإضافة الى التصريحات المتكررة من قبل المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، انها في حال انتخابها ستستمر في دعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها لاستعادة سيادتها على كامل أراضيه المحتلة.
كذلك تكمن مشكلة فكرة إنهاء الحرب، في الوقت الحالي، في أن روسيا تحاول استعادة وضعها كقوة عظمى من خلال هذه الحرب، والتوقف المؤقت للحرب، أي تجميد الصراع، لا يمنحها أي شيء ولا يقربها من الهدف المحدد. والضغط على الرئيس زيلينسكي من قبل السياسيين الغربيين من اجل التفاوض لا يأخذ في الاعتبار أن الرئيس بوتين لا يريد مثل هذا الحل. كذلك الرئيس بوتين يستفيد من هذه الحرب لأنها تمنحه مميزات داخل روسيا للسيطرة على الوضع السياسي والمواطنين والنخب، وتحول الأنظار أيضًا عن المشاكل الاقتصادية المتعددة.