اتفاقية المعادن بين كييف وواشنطن.. فصل غامض من “معركة المصالح“
عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز” – الإمارات العربية المتحدة
22\4\2025
فيما اتجهت أنظار العالم نحو جبهات القتال في أوكرانيا، جاء توقيع مذكرة تفاهم جديدة بين واشنطن وكييف حول المعادن الحيوية ليفتح فصلاً غامضًا ومثيرًا من معركة المصالح، فقد كشفت وثيقة نشر نسختها عضو البرلمان الأوكراني ياروسلاف جيليزنياك عن غياب كامل لأي إشارة إلى ضمانات أمنية.
المذكرة، التي تم توقيعها بهدوء بعيداً عن الأضواء في 17 أبريل الجاري، وتضمنت صفحة واحدة فقط، جاءت خالية من أي التزامات دفاعية أو سياسية واضحة تجاه أوكرانيا، أثارت زوبعة في المشهد السياسي الأوكراني، بعدما كشف جيليزنياك عن تفاصيلها.
مراقبون اعتبروا الاتفاقية إشارة خطيرة إلى تراجع الحماية الغربية مقابل السعي لتأمين المصالح الاقتصادية، خاصة مع إعلان النائبة الأولى لرئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو، أن الاتفاق يهدف لتهيئة الأرضية لإنشاء صندوق استثماري لإعادة إعمار البلاد، خطوة تؤكد أن أوكرانيا دخلت عمليًا مرحلة ما بعد الحرب قبل التوصل لأي اتفاق سلام نهائي.
استغلال الاتفاق
على الجانب الأمريكي، لم تخف إدارة الرئيس دونالد ترامب نيتها استغلال الاتفاق كوسيلة لاسترداد جزء من المساعدات المالية التي ضختها واشنطن خلال فترة الحرب.
وبحسب مصادر مطلعة، طرحت واشنطن مسودة اتفاق أشمل يشترط إيداع جميع إيرادات استغلال موارد أوكرانيا في صندوق استثماري مشترك، دون تقديم أي التزامات عسكرية لكييف؛ ما دفع الأخيرة للتحفظ والمطالبة بشروط عادلة، ورفضها المطلق لاعتبار المساعدات السابقة ديونًا مستحقة.
وفي هذا السياق، يستعد رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال لزيارة واشنطن الأسبوع المقبل، في محاولة أخيرة لإنهاء صياغة الاتفاق حول الموارد الجوفية قبل الموعد النهائي المحدد في 26 أبريل. وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كانت هذه الاتفاقيات الاقتصادية تمهد الطريق نحو مفاوضات سلام مع روسيا، أم أنها مجرد صفقة اقتصادية لإعادة ترتيب خريطة التحالفات الدولية؟
استنزاف الموقف الغربي
ويرى خبراء أن توقيع مذكرة المعادن يعكس تحوّلًا في أولويات واشنطن من الدعم العسكري إلى شراكة اقتصادية، وأن روسيا تراهن على عامل الوقت لاستنزاف الموقف الغربي، بينما تسعى إدارة ترامب لاستخدام الاقتصاد كورقة ضغط بديلة عن المواجهة المباشرة، وسط غياب الثقة بين جميع الأطراف.
وأضاف الخبراء في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز” أن مذكرة التفاهم بين واشنطن وكييف حول المعادن الحيوية أضافت تعقيدات جديدة للمشهد السياسي، خاصة في ظل ربط إدارة الرئيس ترامب استمرار الدعم بشروط تتعلق بوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات مع موسكو؛ ما أثار قلق كييف بشأن غياب الضمانات الأمنية الواضحة.
وأشار الخبراء إلى أن التوتر بين واشنطن وكييف بات واضحًا مع تصاعد الخلاف حول مستقبل شبه جزيرة القرم وإمكانية تخلي واشنطن عن بعض التزاماتها تجاه أوكرانيا، وأن هذه التطورات زادت مخاوف كييف حول تفكك الدعم الغربي وصعوبة تحقيق تسوية عادلة تحفظ وحدة الأراضي الأوكرانية.
تعقيدات الحرب الأوكرانية
أكد د. سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، أن توقيع مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وأوكرانيا حول المعادن الحيوية أضفى مزيدًا من التعقيد على المشهد السياسي المرتبط بـالحرب الروسية على أوكرانيا، لافتًا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى لربط استمرار الدعم الأمريكي بشروط محددة، في مقدمتها وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات مباشرة مع موسكو.
وأوضح سلّام، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن هذه الشروط أثارت قلقًا متزايدًا داخل أوكرانيا، خاصة في ظل غياب ضمانات أمنية واضحة تحفظ سيادتها، وأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبّر صراحة عن تحفظاته.
وشدد مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية على أن إنهاء الحرب يجب أن يُسجل انتصارًا لترامب، لا لبوتين، مع تأكيده ضرورة الحصول على ضمانات دائمة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي.
تحفظات أوكرانية واستياء أمريكي
وأضاف سلّام أن الرئيس ترامب أعرب عن استيائه من بطء وتيرة مفاوضات السلام، ولوّح بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة من جهود الوساطة، وألمح إلى احتمال الاعتراف بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، وهو ما زاد من مخاوف كييف إزاء احتمال تخلي واشنطن عن التزاماتها الاستراتيجية تجاهها.
وأكد سلّام أن الرئيس الأوكراني لا يزال يرفض أي حلول وسط تكرّس التنازل عن وحدة الأراضي الأوكرانية، مشددًا في الوقت ذاته على أهمية استمرار الدعم الغربي وعدم السماح لموسكو بفرض وقائع سياسية على الأرض.
وأوضح د. سعيد سلّام أن مذكرة التفاهم الخاصة بالمعادن لم تسرع وتيرة مفاوضات السلام كما كان متوقعًا، بل أظهرت مزيدًا من التباين في الرؤى بين واشنطن وكييف، وفي الوقت نفسه تواصل موسكو الضغط لفرض شروطها مستفيدة من موقعها الميداني القوي.
وأشار إلى أن أوكرانيا تواجه وضعًا معقدًا يستدعي قدرًا عاليًا من الحذر السياسي والتنسيق مع الحلفاء الغربيين لضمان استمرار الدعم العسكري، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة من احتمالات تحول الموقف الأمريكي مع اقتراب الاستحقاقات السياسية الداخلية في واشنطن.
خبير أوكراني: مذكرة التفاهم بين واشنطن وكييف “استعراض نوايا”
دعم عسكري وشراكة اقتصادية
من جانبه، قال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن توقيع مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وأوكرانيا يمثل تحوّلًا استراتيجيًا في أولويات إدارة ترامب، فقد انتقل التركيز من الدعم العسكري المباشر إلى تعزيز شراكة اقتصادية تخدم المصالح الأمريكية في المرحلة المقبلة.
وأوضح بريجع في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن الاتفاق يهدف لتعويض جزء من الدعم الذي قدمته واشنطن لأوكرانيا خلال الحرب، لكنه في الوقت ذاته زاد من تعقيد مسار المفاوضات مع كييف، التي تعد الاتفاق محاولة لاستغلال موارد أوكرانيا دون مقابل سياسي حقيقي.
وأشار مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية إلى أن التوتر العلني بين ترامب وزيلينسكي كشف عن هشاشة التنسيق بين الجانبين، وأن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لتحمل الكلفة الكاملة للحرب، وفي الوقت نفسه تستمر روسيا في فرض شروطها استنادًا إلى تفوقها العسكري.
وأكد بريجع أن مشهد المفاوضات يبدو قاتمًا، في ظل غياب الثقة بين الأطراف، وتمسك كل جانب بمطالبه دون تقديم تنازلات، إلى جانب الغموض الذي يلف الموقف الأوروبي، الذي يخشى من أي تفاهم روسي-أمريكي قد يُهدد مصالحه الأمنية والسياسية.
هل يمثل احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية “مفتاحاً” لإنهاء الحرب؟
رهان روسي على الوقت
وأضاف بريجع أن موسكو تراهن على استنزاف الزمن وإرادة الغرب لتشكيل واقع سياسي جديد يصب في مصلحتها، خاصة أن إدارة ترامب تحاول الضغط على كييف عبر الأدوات الاقتصادية بدلاً من الانخراط المباشر في المواجهة العسكرية.
واختتم بأن أي اتفاق نهائي لن يكون ممكنًا دون اعتماد آلية متعددة الأطراف تضمن توازن المصالح، معتبرًا أن غياب الثقة وانعدام الإرادة السياسية الواضحة، خاصة مع تمسك روسيا برفض دمج أوكرانيا في البنية الأمنية الغربية، سيُبقي الأزمة مفتوحة لوقت غير معلوم.