استخدام أوكرانيا صواريخ غربية لاستهداف مواقع عسكرية داخل الأراضي الروسية

استخدام أوكرانيا صواريخ غربية

استخدام أوكرانيا صواريخ غربية لاستهداف مواقع عسكرية داخل الأراضي الروسية

رسائل ودلالات وتداعيات

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

د. سعيد سلّام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

21\11\2024

الصراع بين أوكرانيا وروسيا له جذور تاريخية عميقة تعود إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. بعد استقلال أوكرانيا، ظلت العلاقات بين البلدين متوترة بسبب قضايا مثل شبه جزيرة القرم ودونباس. في عام 2014، قامت روسيا باحتلال وضم شبه جزيرة القرم، بالإضافة مما أدى إلى تصعيد الصراع بشكل كبير. منذ ذلك الحين، شهدت المنطقة مواجهات عسكرية متكررة بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا.

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التوترات بين أوكرانيا وروسيا بشكل كبير. في عام 2022، شنت روسيا هجومًا واسع النطاق على أوكرانيا، مما أدى إلى اندلاع حرب شاملة بين البلدين. في هذا السياق، بدأت أوكرانيا في تلقي دعم عسكري من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مما ساعدها على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.

خلال الأيام الماضية، أعلنت أوكرانيا عن استخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف مواقع عسكرية داخل الأراضي الروسية. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا كبيرًا في الصراع، حيث أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها أوكرانيا هذه النوعية من الأسلحة ضد روسيا. الصواريخ المستخدمة تشمل صواريخ “ستورم شادو” البريطانية (لدى أوكرانيا نسخة التصدير بمدى يصل الى 270 كم فقط) وصواريخ “أتاكامز” الأمريكية، التي يصل مداها إلى 165 كم فقط.

يمكن تفسير هذه الخطوة على أنها تأكيد من أوكرانيا على حقها في الدفاع عن النفس، وعلى شرعية مقاومتها للغزو الروسي.

يشكل استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى لاستهداف مواقع عسكرية داخل الأراضي الروسية تحولًا استراتيجيًا في الحرب الدائرة. هذه الخطوة تحمل في طياتها دلالات استراتيجية وسياسية وأمنية وعسكرية وتكنولوجية كبيرة وعميقة، تتطلب تحليلًا دقيقًا لفهم أبعادها وتداعياتها، واتخاذ القرارات المناسبة.

الدلالات الاستراتيجية:

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى يحمل دلالات استراتيجية كبيرة. من جهة، يعكس هذا الاستخدام قدرة أوكرانيا على تنفيذ هجمات دقيقة على أهداف عسكرية روسية بعيدة، مما يزيد من الضغط على روسيا ويجعلها تعيد حساباتها الاستراتيجية. من جهة أخرى، يعكس هذا الاستخدام التزام الدول الغربية بدعم أوكرانيا وتزويدها بالأسلحة المتطورة، مما يعزز من موقفها في الصراع

الدلالات السياسية والتأثيرات الدولية:

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى يحمل دلالات سياسية كبيرة. من جهة، يعكس هذا الاستخدام التزام الحكومة الأوكرانية بالدفاع عن سيادة الدولة واستقلالها، ويمكن أن يؤدي إلى تعزيز موقف الحكومة الأوكرانية وزيادة الدعم الشعبي لها، ويعزز من موقفها في المفاوضات مع روسيا، بالإضافة. من جهة أخرى، يعكس هذا الاستخدام التزام الدول الغربية بدعم أوكرانيا وتزويدها بالأسلحة المتطورة، مما يعزز من موقفها في الصراع.

صواريخ "أتاكامس" التكتيكية الأميركية
صواريخ “أتاكامس” التكتيكية الأميركية

كذلك يمثل هذا الاستخدام تحديًا مباشرًا لروسيا، حيث يشير إلى قدرة أوكرانيا على نقل الصراع إلى داخل الأراضي الروسية، مما يزيد من الضغط على موسكو ويضعها في موقف دفاعي. ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغوط على الحكومة الروسية وزيادة التوترات الداخلية.

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى أثار ردود فعل دولية متنوعة. الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أعربت عن دعمها لأوكرانيا وأكدت على التزامها بتقديم المزيد من الدعم العسكري، فيما اعترضت بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا والمجر. في المقابل، أعربت روسيا عن إدانتها لهذه الخطوة واعتبرتها تصعيدًا خطيرًا للصراع، وحذرت من أنها ستتخذ إجراءات ردعية لحماية مصالحها الأمنية. وهذا يعني ان هذا الاستخدام قد يؤدي إلى رد فعل روسي عنيف، مما قد يزيد من حدة الصراع ويهدد بجر دول أخرى إليه مما قد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في دعمها لروسيا، خاصة تلك التي لديها مخاوف بشأن تصعيد الصراع.

في الغالب سيكون هناك تأثيرات كبيرة على العلاقات الدولية. يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى تعزيز العلاقات بين أوكرانيا والدول الغربية، خاصة إذا استمرت هذه الدول في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا. من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى زيادة التوترات بين روسيا والدول الغربية وزيادة العزلة الدولية، خاصة إذا استمرت هذه الدول في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.

كذلك يمكن أن يكون هناك تأثيرات اقتصادية كبيرة على الطرفين. من جهة، يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد الروسي، خاصة إذا استهدفت الهجمات منشآت اقتصادية حيوية (على سبيل المثال محطات تكرير وتخزين النفط ومشتقاته). من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد الأوكراني، خاصة إذا استمرت الحرب لفترة طويلة وزادت التكاليف العسكرية.

الدلالات العسكرية والامنية:

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى يحمل دلالات عسكرية وأمنية كبيرة. من جهة، يعكس هذا الاستخدام تصاعد قدرات أوكرانيا على تنفيذ هجمات دقيقة ومدمرة ضد أهداف عسكرية روسية بعيدة، مما يمنحها إمكانيات إضافية للتأثير على القوات الروسية، حيث يهدف هذا الاستخدام إلى ضرب أهداف استراتيجية داخل الأراضي الروسية، مثل قواعد الإطلاق الصاروخي ومراكز القيادة والسيطرة، بالإضافة الى محطات تكرير وتخزين النفط ومشتقاته (التي كان يتم استهدافها بواسطة الطائرات المسيرة التي تحمل راس متفجر لا يزيد عن 50 كغ، بينما الصواريخ تحمل رأس متفجر وزنه 400 – 450 كغ)، مما يمكن ان يضعف القدرة العسكرية الروسية ويزيد من الضغط على روسيا ويجعلها تعيد حساباتها الاستراتيجية. كذلك قد يؤدي هذا الاستخدام إلى تغيير ديناميكيات المعركة، حيث تجبر القوات الروسية على إعادة توزيع قواتها للدفاع عن الأراضي الروسية، مما يخفف الضغط على القوات الأوكرانية في الجبهات الأخرى. من جهة أخرى، يعكس هذا الاستخدام التزام الدول الغربية بدعم أوكرانيا وتزويدها بالأسلحة المتطورة، مما يعزز من موقفها في الصراع.

صواريخ شتورم شادو/سكالب، البريطانية/الفرنسية

تغيير ديناميكيات الحرب والمخاطر المحتملة:

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى يحمل تحديات ومخاطر كبيرة، اذ يمثل هذا الاستخدام تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، مما قد يدفع روسيا إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية بتكثيف القصف الجوي على البنية التحتية الحيوية او استخدام أسلحة استراتيجية جديدة. ومن جهة أخرى، يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى زيادة الضغوط على الدول الغربية لتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، مما يزيد من خطر اندلاع صراع أوسع نطاقًا في المنطقة.

الدلالات التكنولوجية:

يشير هذا الاستخدام إلى التطور السريع في مجال الصواريخ البعيدة المدى، حيث أصبحت هذه الأسلحة أكثر دقة وفعالية. يتطلب تنفيذ مثل هذه العمليات تكاملاً بين مختلف الأنظمة العسكرية، مثل أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وأنظمة الاتصالات، وأنظمة توجيه الصواريخ.  وهذا يعني ان دور الاستخبارات يلعب دورًا حاسمًا في نجاح مثل هذه العمليات، حيث يتطلب تحديد الأهداف وتوجيه الصواريخ دقة عالية في المعلومات.

التداعيات المحتملة:

قد يؤدي استخدام الصواريخ الغربية في ضرب قواعد عسكرية روسية داخل الأراضي الروسية الى زيادة التوترات بين أوكرانيا وروسيا وتصعيد الحرب وزيادة الخسائر البشرية والمادية، مما يمكن ان يؤدي أيضا إلى زيادة عدد اللاجئين والنازحين، خاصة إذا استمرت الحرب لفترة طويلة وزادت وتيرة القصف المتبادل.

كذلك يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى تصعيد الصراع الدولي، مما يزيد من خطر تصعيد الحرب وتوسعها الى حرب اقليمية او دولية في حال قامت روسيا باستهداف قواعد ومواقع عسكرية داخل دول حليفة لأوكرانيا عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا. هذه التداعيات المحتملة قد تؤدي إلى تغيير التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وظهور تحالفات جديدة.

ويمكن أن يكون هناك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تزيد الضغوط على الاقتصاد العالمي، خاصة إذا استمرت الحرب لفترة طويلة وزادت التوترات الاقتصادية، وهذا بالتأكيد سيؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، وخاصة أسعار الطاقة.

السيناريوهات المحتملة:

استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى يحمل دلالات كبيرة على المستقبل. من جهة، يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام إلى تعزيز موقف أوكرانيا في الحرب وزيادة الضغط على روسيا لتقديم تنازلات. من جهة أخرى، قد ترد روسيا بالتصعيد عبر شن هجمات واسعة النطاق على الأراضي الأوكرانية في استمرار لمحاولاتها تدمير البنية التحتية قطاع الطاقة بشكل كامل، بالإضافة الى إمكانية تصعيد ضرباتها على الأبنية السكنية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية، وتحميل السلطات الأوكرانية المسؤولية. وقد يدفع هذا التصعيد الأطراف المتنازعة إلى التفاوض، والتوصل إلى حل سياسي. مع ان الاحتمال الأكبر هو استمرار الحرب لفترة طويلة، مع تكبد كلا الطرفين خسائر فادحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *