اعتقال “محمود خليل” يشعل الموجة الثانية من الاحتجاجات في الجامعات الامريكية
د. حسين الديك خبير في الشأن الامريكي، القدس
8\4\2025
لم يكن الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي تخرج من جامعة كولومبيا في نيويورك والذي يحمل البطاقة الخضراء حالة عادية تقليديه، ولكن قرار الارئيس دونالد ترامب الذي اتهم الطلاب المتعاطفين من القضية الفلسطينية بوصفهم معادون للسامية وتهيديهم بالاعتقال، جعل اسم الطالب محمود خليل نجما يسطع في سماء الولايات المتحدة الأمريكية عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل تعدى ذلك الى الراي العام الامريكي من خلال التجمعات السلمية والمظاهرات المطالبة بإطلاق سراحه فورا، ولم يتوقف الامر في الشارع والراي العام بل تعدى ذلك الى اركان النظام الامريكي وخاصة السلطة القضائية، فقد اصدر قاضي أمراً بعدم ترحيل محمود خليل وحدد موعدا لعقد جلسة للمحكمة.

وُلد محمود خليل في سوريا عام ١٩٩٥ لأبوين فلسطينيين، وفي سن الثامنة عشرة، فر من سوريا إلى لبنان بعد عامين من اندلاع الثورة السورية بالمطالبة بالحرية، وحصل على شهادة في علوم الحاسوب من الجامعة الأمريكية في بيروت، وصل محمود خليل إلى جامعة كولومبيا في يناير 2023 كطالب دراسات عليا في كلية الشؤون الدولية والعامة، ودرس درجة الماجستير في الإدارة العامة، وعندما بدأت الحرب في غزة، كان جزءًا من مجموعة صغيرة من المنظمين الذين خططوا لأول احتجاج جامعي من أجل فلسطين في 12 أكتوبر2023.
في ربيع العام 2024، وخلال مخيم التضامن مع غزة، أصبح خليل المفاوض الرئيسي في اتحاد الطلاب العرب في جامعة كولومبيا، وكان بمثابة حلقة الوصل بين الطلاب المتظاهرين المطالبين بسحب الاستثمارات من إسرائيل وإدارة الجامعة، كان يتحدث مكشوف الوجه عبر الميكروفونات وأمام الكاميرات، ناقلًا الأخبار من حرم مانهاتن إلى بقية العالم.
في تصريح سابق لشبكة CNN في ربيع العام 2024 قال خليل “كطالب فلسطيني، أؤمن بأن تحرير الشعبين الفلسطيني واليهودي مترابطان ويسيران جنبًا إلى جنب، ولا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر”، ردًا على اتهامات معاداة السامية الموجهة لحركة الاحتجاجات في جامعة كولومبيا، وردًا على اتهامات معاداة السامية الموجهة ضد الحركة، قال لشبكة CNN إنه “لا مكان لمعاداة السامية”، وأضاف: “حركتنا هي حركة من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة للجميع”.
كان محمود خليل مفاوضًا رئيسيًا في حملة جامعة كولومبيا لسحب الاستثمارات من نظام الفصل العنصري (CUAD)، وهو ما جعله يصبح نجماً دفعه إلى دائرة الضوء خلال احتجاجات المخيمات المؤيدة للفلسطينيين ربيع العام 2024م ، حيث اكتسب سمعة طيبة بين زملائه المتظاهرين كمنظم مبدئي واستراتيجي، ونال الثناء على قدرته على تهدئة المواقف المتوترة.
تم اعتقال محمود خليل من قبل افراد وزارة الأمن الداخلي في ولاية نيويورك يرتديان ملابس مدنية في المبنى السكني المملوك للجامعة حيث يعيش مع زوجته، وهي مواطنة أمريكية، وتم نقله الى مركز ادارة الهجرة والجمارك الى مركز احتجاز المهاجرين في لويزيانا، وقال عناصر وزارة الأمن الداخلي لدى اعتقاله إن وزارة الخارجية ألغت تأشيرته، على الرغم من أنه لا يحمل تأشيرة طالب، بل بطاقة خضراء، وهو مقيم دائم قانوني في الولايات المتحدة الامريكية، حيث يتمتع حاملو البطاقة الخضراء بحقوق واسعة كمقيمين قانونيين ، بما في ذلك الحق في العمل والحماية بموجب جميع قوانين الولايات المتحدة، وفي حالة وجود ادعاء ضد أي شخص في الولايات المتحدة الامريكية يحمل البطاقة الخضراء، فإن الشخص الوحيد الذي لديه سلطة إلغاء وضع الهجرة لشخص ما، مثل تأشيرة الطالب أو البطاقة الخضراء، هو قاضي الهجرة فقط.

وتم الاستناد في احتجاز محمود الى الصلاحيات التي يمنحها قانون الهجرة والجنسية الامريكي، والذي ينص على أن “الأجنبي الذي يوجد لدى وزير الخارجية أسباب معقولة للاعتقاد بأن وجوده أو أنشطته في الولايات المتحدة قد يكون لها عواقب سلبية خطيرة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة قابل للترحيل”
أثار اعتقال محمود موجةً من الصدمة في أوساط النشطاء، مما أثار مخاوف بشأن تجريم الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين وضعف ضمانات حرية التعبير وحقوق المهاجرين، بل تعدى ذلك الى مخاوف كبيرة في المجتمع الامريكي من تقييد الحريات وانتهاك التعديل الاول من الدستور والذي يحمي حرية الراي والتعبير.
الاهم من ذلك ان التعامل بقوة وبحزم مع تلك الاحتجاجات من قبل اجهزة انفاذ القانون في الولايات المتحدة الامريكية يشير الى مدى التحولات في البناء المؤسساتي الديمقراطي في الدولة نحو مصادرة الحريات والحقوق الفردية والجماعية.

من جانب اخر تخشى الكثير من الجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة الامريكية خاصة اللوبيات الداعمة لإسرائيل من التحولات البنيوية في المجتمع الامريكي نحو التأييد المتزايد للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضاياه العادلة ، وتنامي الانتقادات للسياسة الخارجية الامريكية المنحازة بشكل كامل للاحتلال، وهذا التغير قد ينعكس خلال سنوات بسيطة نحو المزيد من التحول في مراكز صنع القرار نحو سياسية خارجية امريكية اكثر اعتدالا وتوزنا اتجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.