الاتفاق “غير المسبوق” بين بريطانيا وأوكرانيا.. ماذا سيغير على الأرض؟
(حوار مع الباحث والمختص في الشؤون الأوروبية الدكتور خليل عزيمة، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية الدكتور سعيد سلّام، الباحث والأكاديمي المقيم في موسكو الدكتور سليم علي الحص).
نقلا عن الحرة / خاص – دبي
13/1/2024
مع إعلان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، خلال زيارته العاصمة كييف، الجمعة، عن توقيع اتفاق أمني ثنائي مدته عشرة أعوام، يرى بعض المراقبين أن تلك الاتفاقية تعد غير مسبوقة في تاريخ البلدين، خاصة بعد إشادة الرئيس الأوكراني بها وتأكيده على ذلك الوصف.
وكان سوناك قد كتب على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” خلال تواجده في كييف “أنا في أوكرانيا لإيصال رسالة بسيطة. دعمنا لا يمكن أن يتزعزع”.
وتأتي هذه الرسالة بعد أن ثارت مخاوف بشأن تأخر الدعم الغربي لأوكرانيا، حيث رفض مجلس الشيوخ الأميركي طلبا قدمه البيت الأبيض، قبل شهر لإقرار حزمة مساعدات طارئة بقيمة 106 مليارات دولار، تستفيد منه بالدرجة الأولى أوكرانيا وإسرائيل، بانتظار مزيد من المداولات.
وكانت المجر قد عرقلت في منتصف الشهر الماضي إقرار مساعدة أوروبية لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو، بعدما استخدمت حق النقض “الفيتو” في قمة الاتحاد الأوروبي.
وعلل رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان القرار بضرورة الإفراج عن “جميع الأموال الأوروبية” المخصصة لبلاده والبالغة مليارات اليورهات.
وقال أوربان في مقابلة صحفية “لطالما قلت إننا إذا مضينا في تعديل ميزانية الاتحاد الأوروبي..ستغتنم المجر الفرصة للمطالبة بوضوح بما تستحقه. ليس نصف ذلك ولا الربع بل الكل”.
وعن أهمية الاتفاق الذي وقعته كييف مع لندن، يقول الباحث والمختص في الشؤون الأوروبية، الدكتور خليل عزيمة، لموقع “الحرة”: “بالفعل هو اتفاق أمني مهم جداً ويحق لزيلينسكي بأنه يصفه بأنه غير مسبوق، إذ تكمن أهمية هذا الاتفاق بأنه يوجه رسالة باستمرار المساعدات الغربية، وخاصة البريطانية، لأوكرانيا مهما طالت الحرب، والتأكيد على أن المملكة المتحدة هي أحد أهم الداعمين لأوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية”.
أما رئيس مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في كييف، الدكتور سعيد سلّام، فقال لموقع “الحرة”: “من المؤكد أن مثل هذا الاتفاق ضروري، فهو نتيجة عمل الدبلوماسية الأوكرانية، لكن المفارقة هي أن كييف وقعت هذه الاتفاقية مع دولة لم يكن فيها سفير لأوكرانيا منذ ستة أشهر، وهو أمر يثير بطبيعة الحال بعض الأسئلة لدى المحللين السياسيين و المختصين في الشؤون الدولية في أوكرانيا”.
وسوف تصل المساعدات العسكرية البريطانية للعام 2024/2025 إلى 2,5 مليار جنيه إسترليني (3.2 مليار دولار أميركي)، بزيادة قدرها 200 مليون جنيه إسترليني عن العامين السابقين. وبذلك يصل إجمالي المساعدات البريطانية لأوكرانيا إلى ما يقرب من 12 مليار جنيه إسترليني (15.30 مليار دولار أميركي).
وأكد الزعيم البريطاني أن ضعف الدعم لأوكرانيا من شأنه أن يعزز موقف أعداء الغرب، مشيرا خصوصا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران وكوريا الشمالية.
وقال سوناك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع زيلينسكي “إذا انتصر بوتين في أوكرانيا، فلن يتوقف عند هذا الحد، وسيعتقد خصومنا في جميع أنحاء العالم أننا لا نملك الصبر ولا الموارد اللازمة لحروب طويلة. وإذا تعثرنا الآن، فلن نشجع بوتين فحسب، بل سنشجع أيضا حلفاءه في كوريا الشمالية وإيران وأماكن أخرى”.
“من التزويد إلى الإنتاج”
وهنا يوضح عزيمة أن الاتفاق يتضمن تسليم آلاف الطائرات المسيّرة، كما سيتم توفير صواريخ بعيدة المدى ووسائط دفاع جوي وذخيرة المدفعية ووسائل أمن بحري. وهذا سيؤثر على مجرى الحرب بشكل كبير، وخاصة أننا لمسنا ذلك سابقاً في صيف عام 2022 عندما غيرت المساعدات العسكرية النوعية الغربية خطوط المواجهة لصالح أوكرانيا”.
وزاد: “ولذلك سيعزز هذا الدعم العمليات العسكرية الأوكرانية في شبه جزيرة القرم وضرب خطوط الإمداد الروسية، وتقليص حركة روسيا في المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الاسود”.
وشدد على أن الاتفاق سيوفر الانتقال “من مرحلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة فقط، وهو أمر مهم وضروري، إلى مرحلة الإنتاج المشترك لهذه الأسلحة كما سيتم توفير الأموال المناسبة لهذا الغرض”.
وبحسب الأكاديمي المقيم في أوروبا فمن “الواضح من هذا الاتفاق أن بريطانيا تشاطر أوكرانيا بالشعور بالقلق من نقص الذخائر والأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي وتخشى أن يؤثر ذلك على مجريات المعارك، وبالتالي فإن بريطانيا تعي تماماً أن هزيمة أوكرانيا ستؤثر على هيبة الغرب والناتو وتتوسع سيطرت روسيا في شرق أوروبا، كما وتفتح شهية ديكتاتوريات أخرى للاعتداء على جيرانها”.
وتابع: “تعد الضمانات الأمنية في هذا الاتفاق هي أيضًا عقوبات وتساعد لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب من خلال مصادرة الأصول الروسية المجمدة”.
من جهته، قال، الدكتور سعيد سلّام، لموقع الحرة “يجب أن نفهم أن الاتفاقية الأمنية التي وقعتها بريطانيا وأوكرانيا فيما بينهما هي انعكاس لمصالح هذه القوى في الوقت الحالي”.
وأضاف: “بالطبع يمكن القول أن هناك انتخابات في بريطانيا هذا العام، وبالتالي فإن حكومة ريشي سوناك تريد الحصول على نقاط إضافية، لكن على أية حال فهذا مفيد لأوكرانيا لأنها سوف تتلقى معدات وأسلحة بريطانية جديدة ستساعدها في الحرب ضد روسيا”.
ورأى سلّام أنه و”بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح لدى بريطانيا مصالحها القوية الخاصة، وهي لا تخجل من إظهارها وإحيائها و العمل على تحقيقها، وهنا يمكن أن نذكر باقتراح ليز تراس (رئيسة الوزراء البريطانية من 6 سبتمبر إلى 25 أكتوبر 2022) بشأن تشكيل محور المملكة المتحدة وبولندا وأوكرانيا”.
ولفت إلى أنه يمكن “مستقبلا أن تكون هناك اتفاقيات بين كييف مع بلدان أخرى مشابهة أو متوافقة مع الاتفاقيات مع لندن، وذلك لأن البريطانيين حاليا، كما وضح خلال العامين الماضيين، هم الذين يحددون اتجاهات السياسة الأوروبية تجاه أوكرانيا”.
“أوكرانيا أولوية للغرب”؟
وفي المقابل، يرى الباحث والأكاديمي المقيم في موسكو، الدكتور سليم علي الحص، أن “الاتفاق بين لندن وكييف هو تحصيل حاصل ولن يؤثر على مجريات الحرب، والمساعدات التي سوف تحصل عليها أوكرانيا من بريطانيا لن تغير من الواقع الأمر شيئا كما حدث مع المعونات السخية التي قدمها الغرب على مدار أكثر من عامين”.
واعتبر الحص أن “اهتمام الغرب بأوكرانيا قد ضعف كثيرا بعد شن إسرائيل حربها على قطاع غزة، حيث باتت منطقة الشرق الأوسط هي محط الاهتمام وسط مخاوف من توسع تلك الحرب لأن تصبح ذات طابع إقليمي وما يمثل ذلك من مخاطر استراتيجية كبيرة على مصالح أوروبا وأميركا”.
من جانب آخر، حذر حليف بارز للرئيس فلاديمير بوتين، من أن موسكو ستعتبر أي تحرك من بريطانيا لنشر فرقة عسكرية في أوكرانيا بمثابة إعلان حرب على روسيا.
وأدلى الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، وهو الآن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بهذه التصريحات ردا على زيارة سوناك إلى كييف للإعلان عن زيادة التمويل العسكري لمساعدة أوكرانيا على شراء طائرات مسيرة عسكرية جديدة، بحسب وكالة رويترز.
وكتب ميدفيديف عبر تطبيق تليغرام “آمل أن يفهم أعداؤنا الأبديون، البريطانيون المتغطرسون، أن نشر فرقة عسكرية رسمية في أوكرانيا سيكون بمثابة إعلان حرب على بلدنا”.
ويقول دبلوماسيون إن تصريحات ميدفيديف العلنية المتكررة حادة الصياغة تعطي مؤشرا على تفكير متشدد في أعلى مستويات الكرملين. وتساءل في تصريحاته عن شعور الرأي العام الغربي إذا تعرض وفد سوناك لقصف بالذخائر العنقودية في وسط كييف وهو أمر قال إنه حدث مؤخرا لمدنيين روس في مدينة بيلغورود.
وفي الواقعة التي أشار إليها ميدفيديف، التي حدثت يوم 30 ديسمبر ، قالت روسيا إن 20 شخصا على الأقل قتلوا، بينهم طفلان، وأصيب 111 فيما وصفته بضربة أوكرانية “عشوائية” باستخدام القنابل العنقودية.
وعن الرد الروسي المتوقع بعد توقيع الاتفاقية، قال عزيمة :”كان الرد الروسي يتسم بالكلاسيكية وسريعاً بتغريدة من مدفيديف التي تضمنت التهديد والتلميح بقصف سوناك خلال تواجده في أوكرانيا بالإضافة إلى التهديد بتدمير الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، إلا أنها غالباً ستزيد، كما رأينا صباح هذا اليوم، من هجماتها الصاروخية على البنية التحتية الأوكرانية وترويع المدنيين، خاصة بعد تقارير عن تسلمها دفعة صواريخ من كوريا الشمالية”.
وكانت أوكرانيا قد تعرضت لهجوم صاروخي روسي مكثف في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، وتمكنت دفاعاتها الجوية من إسقاط عدد من الصواريخ يقل كثيرا عما اعتادت التصدي له.
وذكرت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا أطلقت 37 صاروخا وثلاث طائرات مسيرة. وأشارت في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي إلى إسقاط ثمانية من هذه الصورايخ.
وقال المتحدث باسم القوات الجوية الأسبوع الماضي إن أوكرانيا تعاني حاليا من نقص في صواريخ الدفاع الجوي. ولم يتضح على الفور إذا كان هذا النقص أو أي عامل آخر هو السبب وراء انخفاض معدل الصواريخ التي تم إسقاطها.
وأفادت القوات الجوية بأن معظم الصواريخ المستخدمة خلال الليل كانت باليستية فائقة السرعة. وهذا النوع من الصورايخ أصعب بكثير في إسقاطه.
وذكر البيان: “تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 20 من جميع (الأسلحة) التي تم إحصاؤها ولم تكن ضمن ما تم إسقاطه، لم تصل إلى أهدافها نتيجة الإجراءات المضادة الفعالة باستخدام تقنيات الحرب الإلكترونية”.
ولم ترد تفاصيل عن أهداف الهجوم، في حين أسقطت الدفاعات الجوية صواريخ روسية في خمس مناطق على الأقل في جميع أنحاء أوكرانيا، وفقا لمسؤولين محليين من تلك الأقاليم، بحسب وكالة رويترز.
وعن المدى البعيد للتأثير الاتفاق الأمني على روسيا، قال الحص: “مقدرات روسيا عسكرية أكبر بكثير مما سوف تحصل عليه كييف، وقد أثبتت الوقائع ذلك لاسيما بعد فشل الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية”.
وشدد الحص على “أن روسيا دولة كبرى وقد استطاعت أن تمتص العقوبات الغربية رغم قوتها بل أنها انعكست عليها بشكل إيجابي إذ تمكنت من الاستغناء عن الكثير من المنتجات الغربية لصالح الإنتاج المحلي، بينما تكبدت الشركات والاستثمارات الغربية خسائر بمئات مليارات الدولارات جراء خروجها من السوق الروسي”.
وختم بالقول: “وبالتالي كما امتصت روسيا الصدمات الاقتصادية فإنه بقوته العسكرية الهائلة قادرة أيضا على امتصاص أي آثار للمساعدات العسكرية الغربية”.