الترسانة النووية الروسية التكتيكية

الترسانة النووية الروسية التكتيكية

العميد الركن عبد الله الاسعد

العميد الركن د. عبد الله الأسعد – خبير عسكري واستراتيجي

10\6\2024

في البداية ماهي الأسلحة النووية التكتيكية غير الإستراتيجية التي هدد بوتين باستخدامها:

تُعرف الأسلحة النووية غير الإستراتيجية بالقنابل النووية التكتيكية التي توفر قوة تدميرية تفوق أي سلاح تقليدي، دون أن تسبب دمارا شاملا على نطاق واسع مثل الأسلحة النووية الإستراتيجية، وتستخدم على الجبهات، وضد أهداف محددة، مثل تجمعات قوات العدو أو التشكيلات المدرعة أو المنشآت العسكرية، وليس ضد المدن أو التجمعات السكانية المدنية الكبيرة، كما هو الحال في القنابل النووية الإستراتيجية. وبالفعل بدأت الاستعدادات لإجراء تدريبات على استخدام أسلحة نووية تكتيكية مع التشكيلات الصاروخية للمنطقة العسكرية الجنوبية (القريبة من أوكرانيا) بمشاركة الطيران وقوات البحرية من أجل زيادة جاهزية القوات النووية غير الإستراتيجية لتنفيذ المهام القتالية، و تنفيذ مجموعة من الأنشطة للتدرب على إعداد واستخدام الأسلحة النووية غير الإستراتيجية، وأعلنت روسيا أنها ستتدرب على نشر أسلحة نووية تكتيكية في إطار مناورة عسكرية، وذلك ردا على ما قالت موسكو إنها تهديدات من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

بشكل دوري تَختَبر وتَتَفحَّصُ القوى النووية الكبرى أسلحتها النووية، ونادرا ما تعلق بشكل صريح على مثل هذه التدريبات بتهديدات محددة كما فعلت موسكو، إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إن “التدريبات التي تشمل الإعداد والنشر لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو ما يطلق عليها الأسلحة النووية غير الإستراتيجية، ستكون ردا على التصريحات والتهديدات الاستفزازية التي أطلقها بعض المسؤولين الغربيين ضد الاتحاد الروسي”.

الغاية من هذه التدريبات الحفاظ على سلامة أراضي روسيا وسيادتها والإبقاء على جاهزية الجيش في أعقاب ما أسمتها “تصريحات مستفزة وتهديدات بعض المسؤولين الغربيين حيال روسيا”. وبعد إعتراض الجانب الروسي هجوما أوكرانيًّا جديدا بأربع صواريخ أتاكمز الأميركية بعيدة المدى على شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها عام 2014، وهذا اعترف به مسؤول عسكري إن الجيش الأوكراني استخدم صواريخ أتاكمز التي يصل مداها 300 كيلومتر لأول مرة ضد روسيا، حيث استهدف شبه جزيرة القرم على بعد نحو 165 كيلومترا من الجبهة، إضافة الى التدريبات العسكرية التي يجريها الحلف الأطلسي على مدى 4 أشهر قرب حدود روسيا دليل على أن الحلف يستعد لصراع محتمل معها.

ليست المرة الأولى التي يهدد بوتين فيها باستخدام السلاح النووي التكتيكي لكن منذ غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة تهديدات نووية، منها إعلانه في مارس/آذار 2023 أنه أعطى الضوء الأخضر لنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا الحليفة لموسكو.

القدرات التدميرية التي تتميز بها الأسلحة النووية التكتيكية غير الإستراتيجية

عادة ما تكون القدرة التدميرية للسلاح النووي التكتيكي حوالي كيلو طن واحد أو أقل من المتفجرات، ويمكن تحميلها على أنواع مختلفة من الصواريخ التي تحمل عادة رؤوسا تقليدية مثل الصواريخ المجنحة وقذائف المدفعية، ويمكن أيضا إطلاقها من الطائرات والسفن، بينما القنابل النووية الإستراتيجية التي تصل قوتها التدميرية إلى ألف كيلو طن، فتطلق عادة من مسافات بعيدة عن طريق استخدام الصواريخ البالستية عابرة القارات.

الأسلحة النووية مخصصة لضرب أهداف كبيرة وتجمعات لقوات العدو في الخطوط الأمامية وفي الخلف مباشرة. وعلى سبيل المثال، يمكن لمعظم الصواريخ التي استخدمتها روسيا، ولا تزال في أوكرانيا، أن تحمل رؤوسا نووية منخفضة أو متوسطة القوة، أي الأسلحة النووية التكتيكية القادرة على التسبب في الدمار ضمن دائرة نصف قطرها 2 و5 كيلومترات، وسواء أكانت القنابل تكتيكية أم إستراتيجية، فإن سر قوتها يكمن في الانشطار النووي.

الأسلحة النووية التكتيكية تختلف عن الأسلحة الإستراتيجية من حيث إنها تملك قدرة أقل ونطاق استخدام أضيق، فالأسلحة الإستراتيجية هي مثلا ما تم استخدامه في حالة مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. أما التكتيكية فتُستخدم في الميدان ضد قوات العدو لحل مشاكل تكتيكية موضعية.

ويُعتبر الإشعاع النيوتروني، وليس موجة الصدمة، هو العامل التدميري الذي تتمتع به الأسلحة النووية التكتيكية في الوقت الراهن. وقبل ذلك، كانت موجة الصدمة هي القوة التي تملكها هذه الأسلحة لتدمير الخصم، لكن تجهيز المعدات العسكرية بأجهزة حماية مضادة للأسلحة النووية وتطوير تكتيكات القوات في ساحة المعركة أضعف بشكل كبير من قدرة موجة الصدمة على تحقيق أهدافها.

-الانشطار النووي يعني انقسام النوى الذرية الثقيلة إلى نوى أصغر، مما يؤدي إلى إطلاق كمية كبيرة من الطاقة. وتَستخدم الأنواع الأكثر شيوعا من القنابل الانشطارية إما “اليورانيوم 235” أو “البلوتونيوم 239” كمواد انشطارية.

هل حان الوقت لاستخدام السلاح النووي التكتيكي غير الإستراتيجي

في الوقت الحاضر روسيا لن تستخدم مثل هذه الأسلحة إلا في حالة وجود تهديد مباشر لسيادة البلاد وسلامتها، فضلا عن “هجوم العدو” الذي قد يحدث باستخدام أسلحة نووية (أو غير نووية) إستراتيجية.

ترتبط مسألة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بمخاطر لا يمكن إصلاحها في السياسة الخارجية، إذ إن ثمة خطر من أن تؤدي مثل هذه التصرفات إلى تنفير الحلفاء الحقيقيين القلائل الذين هم على استعداد حاليا لدعم موسكو.

الأسلحة النووية التكتيكية ليست قادرة على حل فشل هجوم هنا وهجوم هناك في وقت واحد. واستخدامها بدون أمر خطير سيكون له عواقب اقتصادية وسياسية وعسكرية غير مسبوقة، قد تؤثر سلبا على القدرات الدفاعية للبلاد.

هل خسر بوتين معظم السلاح التقليدي من ترسانته البرية من دبابات ومشاة ومدفعية وقطع برية مدرعة حتى لوح بعصا هذا السلاح في كما فعل سابقا في عام 2014 أثناء الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم، عندما تحدث علنا عن وضع الأسلحة النووية في حالة تأهب. وهددت روسيا في عام 2015 السفن الحربية الدانماركية بالأسلحة النووية إذا انضمت الدانمارك إلى نظام الدفاع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي “ناتو”.

في الواقع أن ما تقوم به روسيا لم يعد يقنع العالم، و لا حتى أوكرانيا الطرف الخصم وتعتبره بانه ابتزاز نووي وليس خطر حقيقي، حتى إن المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية “أندريه يوسوف” قال: “لا نرى أي شيء جديد، فالابتزاز النووي ممارسة مستمرة لنظام بوتين”. ويبدو أن حلف الناتو لا يأخذون هذه التهديدات على محمل الجد وباتوا يسخرون منها، والرئيس الأميركي “جو بايدن” صرح سابقاً بأنه “لا يشعر بوجود احتمال حقيقي لاستخدام روسيا للأسلحة النووية”.

لكن الثقة الغربية ليست صائبة دائماً تجاه الخطر النووي الروسي والتصريحات التحذيرية في توصيف نوعية السلاح النووي الذي تنوي استخدامه، وهو “النوع التكتيكي” أو “غير الإستراتيجي”، بأنه يعكس وجود نية روسية للاستخدام إذا شعرت بأن هناك تهديدا لأمنها نتيجة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.

وعلى الرغم من أن التجارب النووية الضخمة هي التي حركت الجهود العالمية نحو تدشين تلك المعاهدات، فإنه لا ينبغي لأحد أن يقلل من خطورة استخدام سلاح نووي تكتيكي ضد أهداف محددة.

كل ما يصدر عن روسيا عن حرب نووية واسعة، هي رسائل ردع نووي للغرب لذلك حصرت طبيعة تدخلها بالنووي التكتيكي، وإذا اضطرت لاستخدامه ستختار أهدافها بعناية حتى لا تحدث خسائر ضخمة لأن ردة الفعل الغربي من “النووي التكتيكي”، سيفتح الطريق أمام التفكير في استخدام القنابل الانشطارية والاندماجية، ووقتها سيكون العالم على موعد مع حرب نووية تأكل الأخضر واليابس.

وتعد روسيا والولايات المتحدة أكبر قوتين نوويتين في العالم بفارق كبير، وتمتلكان رؤوسا نووية إستراتيجية وتكتيكية تقدر بأكثر من 10600 رأس نووي من أصل 12100 رأس نووي في العالم، وتمتلك الصين ثالث أكبر ترسانة نووية، تليها فرنسا وبريطانيا، وتمتلك روسيا نحو 1558 رأسا نوويا تكتيكيا، وذلك وفقا لإحصائيات اتحاد العلماء الأميركيين.

وكانت روسيا من الدول التي وافقت وصدقت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع على قانون الانسحاب منها في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

 

*تم النشر بالتنسيق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *