الحرب الإسرائيلية الإيرانية تكافؤ القوة واحتمال النتائج…!!

الحرب الإسرائيلية الإيرانية تكافؤ القوة واحتمال النتائج…!!

تقرير: عبد القادر جاز

مدير عام صحيفة مسارات – السودان

20\6\2025

اتسمت المواجهة بين إيران و إسرائيل بالاعتماد الكثيف على التكنولوجيا الحديثة، وحرب المعلومات الذكية، بدلاً من مجرد استعراض للقوة العسكرية التقليدية وهو ما يطرح تساؤلات ملحة أمام دول العالم الثالث: كيف يمكنها أن تتحصن أمام مخاطر حروب تتقدم فيها المعلومة على الرصاصة والاستخبارات على الطائرات؟ هذه الحروب لا تطرق الأبواب، بل تتسلل عبر الفضاء السيبراني، وتنفذ ضرباتها من خلال أدوات رقمية دقيقة…

 تفكيك منظومات الردع الإيراني:

اعترف د. سعيد سلّام مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا ان هجمات الكيان الإسرائيلي الأخير ضد  مواقع عسكرية وعلمية داخل إيران لم تكن عشوائية، أو ارتجالية، بل جاءت نتيجة تخطيط استراتيجي محكم، موضحاً أن حجم الدقة، وتعدد الجبهات وتوقيت الضربات كلها مؤشرات لترتيبات استخباراتية طويلة الأمد، مؤكداً بأن هذه التحركات مدفوعة بقناعة راسخة لدى المحور الأمريكي الإسرائيلي، أن هذه الضربات تهدف  إلى تفكيك منظومة الردع الإيراني لمنعها من الوصول إلى قدرات نووية خطرة، معتبراً أن الرد الإيراني خالف التوقعات، حيث جاء مباشراً عبر الصواريخ الباليستية دون الاعتماد على الأذرع الإقليمية، مما شكلت رسائل مزدوجة عن قدرة طهران على الرد الذاتي باستخدام أدواتها التقنية المتطورة في لحظة محسوبة بعناية.

 قيود الردع واحتمالية التصعيد:

قال سلّام: رغماً من تصاعد القلق بين الطرفين، فإن إمكانية احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة لا يزال ضعيفاً، مؤكداً بأن التوازن الدولي تحكمه ضوابط صارمة ووعي عميق من القوى الكبرى بأن الحرب الشاملة تعنى كارثة عالمية اقتصادية وسياسية، موضحاً أن العالم  يعيش حالياً أزمات اقتصادية متتالية من تداعيات جائحة كرونا، والغزو الروسي على أوكرانيا والحرب التجارية التي بدأها الأمريكان ضد حلفائهم وخصومهم، بالتالي لا يوجد هامش للمغامرة، وأضاف قائلاً إن الحروب الحديثة لا تعتمد على الجيوش التقليدية، بل تستخدم أدوات مرئية كالهجمات السيبرانية، وتدمير البنية التحتية، والتحكم الإعلامي، وتحريك وكلاء في ساحات متعددة، تابع بقوله: كلما ازدياد التدخل الإقليمي كلما ارتفعت فرص التصعيد وتهديد مصالح القوى الكبرى، لكن المواجهة المباشرة بين هذه القوى الكبرى، فتبقى الفرضية مستبعدة بفعل عوامل الردع والاحتواء.

المواجهة الإسرائيلية الإيرانية المباشرة … تداعيات التصعيد ومستقبل العالم العربي والشرق الأوسط

 ارتباطات الحروب بالمعلومات والتقنية:

أكد سلّام بأن هذه الحرب أظهرت بشكل واضح أهمية المعلومات والتكنولوجيا، مقارنة بالقوة العسكرية التقليدية، فقد تمكنت إسرائيل من اختراق العمق الإيراني بفضل تفوقها المعلوماتي والاستخباراتي، بينما أثبت إيران قدراتها على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية بصواريخها الباليستية، معتبراً أن كلا الطرفين على دراية بأن المعلومة والتحكم التكنولوجي هما مفتاح الفعل لا القوة التقليدية، مشيراً بأن هذا التحول يفرض على العالم الثالث تحديات وجودية لحماية أمنه الداخلي من خلال البنية السيبرانية المحصنة، موضحاً بأن الخطر الأكبر لا يكمن في غياب الأسلحة، بقدر أنه يحدث في اختراق الأنظمة، وتعطيل الاتصالات والسيطرة على الفضاء السيبراني، أو شل القطاعات الحيوية عبر أدوات خفية، مبيناً بأن التحصين يكمن في امتلاك المعرفة، وتوطين التكنولوجيا، وتدريب كوادر وطنية مؤهلة في مجال الأمن السيبراني والاستخبارات الرقمية، مطالباً بضرورة بناء استراتيجيات سيادية لدول العالم الثالث لتقوية وحماية البنى المعلوماتية، وتشمل قطاعات التعليم والبحث العلمي وإشاعة ثقافة التثقيف الأمني للإنذار المبكر والرد الذكي، منبهاً بأن غياب هذه البنى لا يجعل الدول ضعيفة فحسب، بل مكشوفة وساحة جاهزة للحروب لا يعرف متى تبدأ ولا كيف تنتهي.

 تحديات استدامة استراتيجية التكيف:

أكد د. صلاح بندر مستشار التخطيط الاستراتيجي بجامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة أن الحرب بين إيران وإسرائيل تنقسم إلى مستويين: عملياتي قصير الأمد، واستراتيجي عكسه، فإسرائيل تمتلك تفوقا تكنولوجيا في عملية المراقبة الجوية والدفاعات الصاروخية (كالقبة الحديدية) وتكتيكات الضربة الدقيقة في خبراتها القتالية لمواجهات سابقة مع عزة ولبنان في حرب 1967م، بينما طورت إيران قدراتها الصاروخية الباليستية متوسطة المدى، ودعمت أذرعها الإقليمية (كحزب الله والحوثيين والمليشيات العراقية) للمواجهات الميدانية للرد والحسم بالقوة.

وفي الجانب الاستراتيجي يشير بندر إلى أن التحركات العسكرية تخضع إلى لحسابات دبلوماسية تتأثر بعلاقات إسرائيل مع أمريكا وأوروبا، وبمسألة التطبيع العربي، في حين تحسب إيران تأثير المواجهة على نفوذها الإقليمي، والعقوبات الاقتصادية.

يعبر بندر أن التحدي الأكبر للطرفين هو الحفاظ على استراتيجية المرونة والتكيف، خاصة في ظل التصعيد التدريجي عبر الهجمات السيبرانية الفضائية والطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، علاوة على تبني كلاهما خطط خروج آمن للتهدئة الجزئية منعا لأي توسع في جبهة القتال حتى لا تشمل سوريا، أو لبنان، أو مضيق هرمز سيكون ذلك مكلفاً.

لقرائة المقال كما هو منشور في الصحيفة كلملف PDF انقر هنا 

 كبح نفوذ التمدد الأمريكي:

نفى بندر احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة لعدة أسباب تتعلق بديناميكيات التصعيد وأطراف الرد الإقليمية والدولية وحسابات المنفعة، فضلاً عن المخاطر التي تفرضها القواعد العرفية للقوى الكبرى في حدود دائرة التدخل الإقليمي غير المباشر من قبل جبهة الوكلاء، معتبراً أن هذه المواجهة صراع إقليمي محدود التأثير بقيد مواجهة عمليات الوكلاء، مشيراً إلى أن كل من روسيا والصين تسعيان للحد من النفوذ الأمريكي لتجنب الحرب الشاملة. بينما تبقي أمريكا صراعات الوكلاء الإقليميين تحت السيطرة، مؤكداً أن عقبة السلاح النووي وفرضية الحرب الكونية قد تطرح عامل ردع نووي متبادل. فإيران لم تعلن امتلاكها للسلاح النووي، بينما تلتزم إسرائيل بسياسة الغموض الإيجابي، مردفاً بقوله: أي محاولة لشن هجوم نووي أولى من أي طرف تؤدي إلى خيار المكنسة النووية الانتقامية، متسائلاً ما الذي ستكسبه القوى الكبرى من حرب عالمية مدمرة؟ منوهاً إذا حدث ذلك ستفوق الأضرار البشرية والاقتصادية أي مكاسب مؤقتة، ولن تنتج أي هيمنة للأطراف المتنازعة.

فضح شبكات التضليل:

وشدد بندر على ضرورة أن تدرك دول العالم الثالث أن المعرفة والمعلومة الصحيحة أصبحت أهم سلاح، داعيا إلى أهمية العمل على بناء القدرات الاستخباراتية والمعلوماتية وتأسيس أنظمة إنذار مبكر، وأنظمة رصد لشبكات التواصل والمنصات الإخبارية عبر استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن أي حملات ممنهجة للهجوم، أو التضليل، مع إطلاق برامج توعوية مجتمعية واسعة للتمييز بين الأخبار الصحيحة والمزيفة، فضلاً عن دعم المؤسسات الصحفية المستقلة، ومراكز التحقيق الاستقصائي لفضح شبكات التضليل، وتشجيع التعاون الصحفي في المنطقة.

تحقيق المصالح عبر المتحاربين:

أكد البروفيسور أحمد عبد الدائم محمد حسين الخبير في العلاقات الدولية أن هذه الحرب كانت تخطط لها إسرائيل مسبقاً لانتهاز فرصة ضرب إيران، والتخلص من أذرعها في لبنان واليمن من إمكانية ضربها بالقوة، كما كانت تفعل قوة حزب الله في السابق، مقراً بأن إمكانية توسيع الحرب وارد على واقع العرض الباكستاني بمساندة إيران والتقارب الكوري الشمالي والصيني مع إيران، مؤكداً بأن المحور الإيراني الأسيوي قد بدأ يتبلور بدعم خطوط الإمداد والتموين المفتوح داخل المحور من الصين وكوريا الشمالية، في المقابل هناك محور خفي يضم إسرائيل بريطانيا وأمريكا يعملون تحت السطح بعيداً عن العلانية، قائلاً بطبيعة الحال إن سبب الحرب هو التخوف من القوة النووية لإيران، وتطورها التقني ما لا يريده الغرب، والإسرائيليين، مؤكداً بأن الضربات الجوية الإيرانية في العمق الإسرائيلي يثبت بأن هذه الحرب تدار إلكترونياً أكثر من كونها على الأرض، بالمقابل عمدت إسرائيل على اغتيال القادة والعلماء وتدمير المنشآت العسكرية الإيرانية، من دون استخدام، أو جود قوات مشاة لحسم الحروب على أرض الواقع، مرجحاً إمكانية انتهاء الحرب دون تدخل بري مباشر.

الحرب متوقعة ومخطط لها:

أوضح الأستاذ إدريس أحميد صحفي وباحث في الشأن السياسي أن ما حدث في الحرب الإسرائيلية على إيران أمراً متوقعاً، لأن الإستراتيجية الصهيونية لها أبعاد ومراحل في محاولة السيطرة على العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط، وتداعياتها منذ العام 1948م في فلسطين مروراً بإسقاط النظام السوري وانتهاج حزب الله ولم يبق لها سوى الجبهة اليمنية، معتبراً بأن كل ذلك كان مخطط له مسبقاً، بادعاء الكيان الصهيوني بمخاوفه ستمتلك إيران ذرة نووية، فضلاً عن محاولته للسيطرة على المنطقة من التهديد الإيراني له، مستطردًا أن الكيان الصهيوني وجد ظروف مؤاتيه  للعدوان على إيران بدعم لا محدود من أمريكا والغرب بتداعي كبير من قبل المنظومة الدولية، وغياب دور الأمم المتحدة والقانون الدولي.

اتخاذ القرارات لإنهاء الحرب:

أكد أحميد أنه بعد اتساع القصف المتبادل ومفاجأة إسرائيل بالرد الإيراني جعلها أمام خيارين: محاولة الاستمرار للقضاء على إيران، أو تمكن إيران من الضغط، وإيداع هذا العدوان وصولاً إلى وقف إطلاق النار بينهما، مشيراً إلى أن أمريكا وإسرائيل يريدان فرض الهيمنة على إيران، بينما إيران تريد التحفظ على برنامجها السلمي، لامتلاك التقنية والذرة النووية، مضيفاً بأن الأمور ما زالت لها تداعيات مع وجود وساطة دون الدخول في حرب نووية قد تصل إلى تلوث في المنطقة، وتهديد السلم وحركة الملاحة وارتفاع أسعار النفط، مؤكداً أنه كل الظروف مؤاتيه لاتخاذ قرارات سريعة لإنهاء الحرب بانتصار أحد الطرفين، أو إنهائها بما هي عليه.

تخوف تحول توجه الموجة:

اعترف أحميد بأن الكيان الصهيوني المدعوم من أمريكا والغرب وجد ضالته بتفوقه التقني والمعلوماتي على دول العالم الثالث، وما تعانيه من أزمات اقتصادية وحروب وانقسامات، معتبراً أن التفوق الصهيوني أمراً خطيراً، إذا سقطت إيران سيكون التوجه الموجه إلى باكستان باعتبار أن لديها توتر مع الهند وحليفة للصين وإيران، علاوة على أن باكستان تمتلك قدرات كبيرة في إطار الهيمنة قد يصعب الأمر، مبيناً أن الرعب والتوجه نحو السلاح في هذا التوقيت سيفتح الأبواب أمام دول أخرى لها الإمكانية والمقدرة للحصول على هذه التقنية والتكنولوجيا.

التفاوض مجرد تسكين وخدعة:

أشار د. بدر حسن شافعي أستاذ الدراسات الإفريقية والخبير في تسوية الصراعات إلى أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية لديها تخطيط مسبق ومحكم من خلال الضربات الدقيقة والمعدة سلفاً، مستطرداً ربما قد تتسع هذه الحرب، وهذا ما كشف عنه نتنياهو عندما قال: إن هناك تنسيق بينه ترامب وكان على علم بهذا الأمر، واصفاً المفاوضات الأمريكية مع إيران بأنها مجرد تسكين، أو فزاعة، لأن إيران لم ترفض المفاوضات، والجانب الإسرائيلي لم ينتظر النتائج، مؤكداً أن هذا يدل على نية وتخطيط إسرائيل المسبق، والتأييد غير محدود من قبل ترامب في غزة والقضاء على حزب الله وإسقاط النظام السوري، معتبراً أن كل ذلك أعطاها الفرصة لإضعاف البرنامج النووي الإيراني، أو القضاء عليه، أو إسقاط نظامه، لاستبداله بنظام علماني ينكفئ على ذاته.

إنهاء الحرب شعور بخطورتها:

قال شافعي إن الأمر لن يصل إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، فأمريكا ستتدخل في الوقت المناسب، عندما تشعر بالخطر على إسرائيل من الضربات الإيرانية، لأن الحرب الكونية ستضر الجميع،  وتابع القول: إذا كان الأمر في صالح إسرائيل فستغض الطرف عنها تماماً، مشيراً إلى أن هذه الحرب في مراحلها الأولى، لكنها ستضر الجميع فيما يتعلق في النفط وإمكانية إغلاق مضيق هرمز وتعرض المصالح الأمريكية للخطر وارتفاع الأسعار، مبيناً أنه على ضوء ذلك يدرك الجميع بأن هذه الحرب لن تكون كونية، لكنها ستكون محدودة وستنهي عندما تتدخل أمريكا لإنقاذ إسرائيل إذا كانت الكفة ليست في صالحها، مطالباً دول العالم الثالث بضرورة امتلاك التحصين التقني للجيل الخامس والسادس في الحروب، من أي طرف سواء أكان الصين، أو روسيا، أو غيرها، قائلاً إذا لم تفعل دول العالم الثالث ستكون في مرمى نيران الصهاينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *