الصفقة الجديدة بين ترامب وبوتين: تداعياتها على أوكرانيا والأمن العالمي

الصفقة الجديدة بين ترامب وبوتين

الصفقة الجديدة بين ترامب وبوتين:

تداعياتها على أوكرانيا والأمن العالمي

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

د. سعيد سلّام

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

21\3\2025

أثار التقرير الأخير الذي نشرته كل من صحيفة “فاينانشال تايمز” ووكالة “رويترز” حول محادثات السلام بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين قلقًا واسعًا في الأوساط السياسية العالمية، خاصة فيما يتعلق بتعديل ترامب لاتفاق السلام بما يخص الأصول الأوكرانية، بما في ذلك محطات الطاقة النووية والثروات الطبيعية. في ظل هذا المشهد المتغير، تبدو أوكرانيا أمام خيارات صعبة، في حين تزداد التساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بدعم الحلفاء الأوروبيين، وما إذا كان هذا الاتفاق سيمثل نقطة تحول رئيسية في الحرب الروسية على أوكرانيا.

تعديل الاتفاقية: مناورة سياسية أم تنازل استراتيجي؟

وفقًا لتقارير العديد من مراكز الأبحاث، مثل “المجلس الأطلسي” و”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، فإن التعديلات التي يقترحها ترامب على الاتفاق لا تضمن أمن أوكرانيا، بل تركز على الجوانب الاقتصادية فقط، مما يثير مخاوف بشأن إمكانية تخليه عن الدعم العسكري التقليدي لكييف مقابل مكاسب اقتصادية لأمريكا فقط.

من بين أهم التعديلات، يبدو أن ترامب يريد إلغاء الإشارة إلى الأرباح الأوكرانية المتوقعة من مواردها الطبيعية، ما يفتح المجال أمام الشركات الأمريكية لامتلاك حصص كبيرة في قطاع الطاقة، بما في ذلك محطات الطاقة النووية مثل محطة زابوروجيا النووية. هذه الخطوة قد تعيد تشكيل خريطة الطاقة في أوروبا، حيث قد تصبح الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في تأمين إمدادات الطاقة، مما قد يؤدي إلى تغييرات عميقة في توازنات القوى داخل الاتحاد الأوروبي.

الضمانات الاقتصادية بدلًا من العسكرية: هل هي كافية؟

يطرح ترامب فكرة أن “الضمانات الاقتصادية” يمكن أن تكون بديلًا أفضل عن الضمانات العسكرية التقليدية. لكن هذه الفكرة تبدو غير واقعية، إذ لم تثبت الاستثمارات الاقتصادية في السابق أنها قادرة على ردع العدوان العسكري.

على سبيل المثال، لم تمنع الاستثمارات الأمريكية في القرم و “دونباس” روسيا من احتلالهما، ولم تمنع المصالح الاقتصادية المشتركة روسيا من شن حربها على أوكرانيا. وبالتالي، فإن الاعتماد على استراتيجية ترامب الجديدة قد يجعل أوكرانيا أكثر ضعفًا بدلاً من تعزيز موقفها. إضافةً إلى ذلك، فإن الدول المجاورة لأوكرانيا، مثل بولندا ودول البلطيق، تشعر بقلق متزايد من أن هذه التعديلات قد تمثل سابقة خطيرة تؤدي إلى تآكل الالتزام الغربي بالحفاظ على استقرار المنطقة، ما قد يشجع قوى أخرى على محاولة إعادة رسم الحدود بالقوة.

الموقف الأوروبي: ارتباك وتردد

فيما يتعلق بالموقف الأوروبي، فإن بعض القادة الأوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، يواجهون معضلة حقيقية. رغم تعهداتهم السابقة بإرسال قوات إلى أوكرانيا، فإنهم الآن يبحثون في إمكانية إرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وهو اقتراح قد تواجهه روسيا بحق النقض في مجلس الأمن. في الوقت ذاته، تجد برلين نفسها في وضع حرج، حيث تحاول الحفاظ على توازن بين دعمها العسكري لأوكرانيا ومخاوفها من التصعيد المباشر مع روسيا.

“إعادة تسليح” أوروبا، و”شبه دعم” لأوكرانيا: ما تم الاتفاق عليه في قمة الدفاع الأوروبية

بالمقابل، يضغط الناتو لزيادة الإنفاق العسكري للدول الأعضاء بنسبة 30%، في محاولة لتعزيز قدرات الدفاع الأوروبية ضد أي تراجع محتمل في الدعم الأمريكي. كما أن الاتحاد الأوروبي يناقش فرض عقوبات إضافية على موسكو، لكن هذه العقوبات قد تؤدي إلى تصعيد جديد في الحرب الاقتصادية بين الغرب وروسيا، ما قد يفاقم الأوضاع ويؤدي إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، ويؤثر سلبًا على اقتصاد الدول الأوروبية التي ما زالت تحتاج الغاز الروسي على الرغم من انخفاض الاعتماد عليه.

ترامب وتفكيك النظام العالمي

من جهة أخرى، يبدو أن ترامب يتبنى نهجًا أكثر فردية في السياسة الخارجية، ما قد يؤدي إلى تراجع دور الولايات المتحدة كضامن للأمن العالمي.  حيث أن تفكيك تحالفات واشنطن التقليدية سيمنح روسيا والصين مساحة أكبر للمناورة، مما قد يؤدي إلى توازن قوى جديد غير مستقر. في هذا السياق، يمكن أن يؤدي تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي بطرق لم تكن متوقعة سابقًا.

العلاقات الدولية في زمن ترامب

على سبيل المثال، تسعى روسيا إلى تعزيز تعاونها العسكري مع الصين، بينما تعمل الأخيرة على توسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في آسيا وأفريقيا، مع بناء تحالفات جديدة تعزز موقفها في المنافسة مع الغرب. ومن المرجح أن تؤدي هذه التحولات إلى تقويض الثقة في القيادة الأمريكية على الساحة الدولية، مما قد يدفع المزيد من الدول إلى البحث عن تحالفات بديلة، ويخلق فراغًا جيوسياسيًا قد تستغله قوى أخرى مثل إيران وتركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي.

في ظل هذه التطورات، تجد أوكرانيا نفسها في موقف معقد، حيث تحاول الموازنة بين الضغوط الأمريكية والمصالح الأوروبية. ومع استمرار الحرب، فإن أي قرارات متسرعة قد تؤدي إلى تنازلات استراتيجية خطيرة. كما أن قدرة أوكرانيا على الصمود في مواجهة روسيا ستتوقف بشكل كبير على مدى الدعم الغربي، سواء من حيث المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، بالإضافة إلى مدى وحدة الصف الأوروبي في مواجهة التحديات المتزايدة.

مع تصاعد الشكوك حول نوايا ترامب، يبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتحول السلام إلى صفقة تجارية بحتة، أم أن العالم سيدرك أن الأمن لا يمكن شراؤه بالمال؟ وإذا كان الأمن العالمي معرضًا لإعادة التشكيل، فكيف ستؤثر هذه التغيرات على مستقبل النظام الدولي؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى حقبة جديدة من عدم الاستقرار الجيوسياسي على مستوى العالم؟

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *