الضمانات الأمنية في خطة ترامب.. ما تعهدات واشنطن لكييف؟
عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز”
9\12\2025
في لحظة تبدو فيها أوكرانيا عالقة بين حرب لا تنتهي وضمانات لا تكتمل، تظهر الخطة الأمنية الجديدة التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كأكبر محاولة لإعادة هندسة ميزان القوة في شرق أوروبا منذ 2014.
الفكرة لم تأتِ هذه المرة كبيان دعم سياسي، بل كحزمة التزامات أمنية مكتوبة، تُقدم لأول مرة كبديل مباشر عن انضمام كييف إلى الناتو، وكجزء من مقايضة معقّدة بين الهدنة والتنازلات والإسناد الغربي طويل المدى.
وتعتمد الخطة الأمريكية على نموذج مُعدل من المادة الخامسة لحلف الناتو، أي أن هجوما روسيا كبيرا على أوكرانيا سيعامل كتهديد مباشر لأمن الأطلسي، يتضمن ذلك ردًّا أمريكيًا قد يشمل القوة المسلحة، والمساندة الاستخباراتية واللوجستية، إلى جانب عقوبات اقتصادية وعزل دبلوماسي لروسيا.
وتحدد الوثيقة مدة 10 سنوات قابلة للتجديد، مع تفعيل فوري مع توقيع الاتفاق، ومراقبة مستمرة عبر لجنة مشتركة بقيادة أوروبية ومشاركة أمريكية.
تضع واشنطن مجموعة شروط صارمة تحدد متى تُفعل الضمانة ومتى تُلغى، فهي تعمل فقط في حال تعرضت أوكرانيا لهجوم روسي مباشر وكبير، لكنها تسقط تلقائيًا إذا بادرت كييف بمهاجمة مدن روسية كبرى أو خرقت الترتيبات الإقليمية المقترحة، كما لا تشمل نشر قوات أمريكية أو أطلسية داخل أوكرانيا، ما يجعل الضمانة قائمة على الردع وليس الوجود العسكري.
تعويضات أمريكية
الخطة تتحدث أيضا عن “تعويضات” أمريكية غير معلنة بصراحة، لكنها تشمل وفق الوثائق المسربة، حقوقًا في مشروعات الغاز الأوكراني وإمكانية الوصول إلى المعادن النادرة وفرص واسعة في إعادة الإعمار.
المفاجأة الأوروبية كانت واضحة، والتي تتمثل بأن الحلفاء لم يكونوا شركاء في صياغة المقترح الأمريكي، رغم أن أمنهم المباشر مرتبط بمصير أوكرانيا.
ورغم ذلك، صدرت بيانات رسمية من برلين وباريس ولندن ترحب بالضمانة الأمريكية وتعتبرها خطوة نحو “سلام دائم وعادل” مع التأكيد على أن خط الجبهة الحالي يجب أن يكون أساس أي اتفاق مستقبلي، وأن الجيش الأوكراني يجب أن يحافظ على قدرة دفاع فعّالة رغم القيود المفروضة عليه.
وتتضمن الخطة اعترافًا بأن أمن أوكرانيا جزء من أمن أوروبا، مع التزام دول رئيسة في الناتو مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا بالعمل مع واشنطن على صياغة ردع مشترك ضد أي اعتداء روسي، ولكنها لا تمنح كييف عضوية الحلف، ولا الحماية التلقائية التي يوفرها الحلف لأعضائه.
اتفاقيات أوكرانية أوروبية
ووقعت أوكرانيا قبل هذه الخطة أكثر من 30 اتفاقية أمنية مع دول غربية، أبرزها اتفاقية عشرية مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، لكنها لا ترتقي إلى التزام دفاعي مباشر يشبه المادة الخامسة، ولا تضمن حماية تلقائية في حال شنّت روسيا هجومًا جديدًا.
وأكد مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، الدكتور سعيد سلام، أن الضمانات الأمنية الواردة في خطة السلام الأمريكية السرية تمثل الركيزة الأساسية للحافز المقدم لكييف مقابل تنازلات كبيرة على صعيد الأراضي والقدرات العسكرية، إلى جانب تأجيل ملف عضوية الناتو أو التراجع عنه.
واعتبر في حديث لـ”إرم نيوز” أن هذه المقاربة تُطرح كبديل عن الالتزامات الأطلسية التقليدية، عبر صيغة ردع متعددة الأطراف تجمع بين التعهدات الأمريكية المباشرة والدور الأوروبي المكمل، في إطار ما وصفه بـصفقة أمريكية “براغماتية” تهدف لوقف الحرب سريعًا.
وقال الدكتور سلام، إن هذه الضمانات تثير أسئلة حقيقية حول قوتها مقارنة بالمادة الخامسة في ميثاق الناتو، خاصة مع اعتماد واشنطن على غموض متعمد لتجنب استفزاز موسكو.
جوهر الطرح الأمريكي
وأوضح، أن جوهر الطرح الأمريكي يقوم على اعتبار أي هجوم روسي واسع تهديدًا مباشرًا للأمن عبر الأطلسي، بما يستدعي ردًا عسكريًا منسقًا وإعادة فرض العقوبات الشاملة، وإبطال أي مكاسب روسية مستقبلية ورفض الاعتراف بها دوليًا مع تعهد بإعادتها إلى السيادة الأوكرانية ضمن الاتفاق النهائي.
وأضاف أن الضمانات مدعومة بتعهدات من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا لفترة تمتد لعشر سنوات قابلة للتجديد، وبإشراف مجلس سلام يترأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع إمكانية سقوط الضمان في حال خالفت كييف بنود الاتفاق.
وتشمل هذه الالتزامات مشاركة أوروبية متكاملة تعتبر أي هجوم تهديدًا للأمن القاري، وردًا اقتصاديًا سريعًا ودعمًا دفاعيًا يشمل أنظمة جوية وإمدادات ولوجستيات وصندوق إعادة إعمار يستهدف المشاريع الدفاعية.
ورأى الدكتور سلام أن غياب تعهد واضح بنشر قوات أو خوض رد عسكري مباشر يجعل الضمانات أقرب إلى التزامات سياسية مشروطة منها إلى حماية عسكرية صلبة، وهو ما يفاقم الشكوك حول قدرتها على ردع موسكو في ظل غياب توسع أطلسي شرقًا.
وذكّر بمسار “مذكرة بودابست” التي قدمت كييف ضمانات روسية وأمريكية وبريطانية لحماية سيادتها، قبل أن تُنتهك مع الغزو الروسي وضم الأراضي منذ 2014، وصولاً إلى محاولات إدارة ترامب دفع أوكرانيا لتقديم تنازلات إقليمية.
تناقضات أمريكية
وأشار إلى أن هذا الواقع يكشف تناقضًا بين الوعود البراغماتية التي تحملها الخطة الأمريكية كطريق سريع لإنهاء الحرب، وبين الموقف الأوروبي الرافض الذي يعتبرها استرضاءً لموسكو وتثبيتًا لمكاسب القوة دون مقابل.
وأوضح أن قيادات بارزة مثل فون دير لاين وكالاس وماكرون وميرتس عبرت عن صدمة من تجاوز أوروبا في صياغة الخطة، وعن مخاوف من فك الجبهة الموحدة، معتبرين أن أي ضمانات يجب أن تقوم على احترام السيادة الأوكرانية وتقليص نفوذ روسيا لا مكافأتها.
عضو مجلس الشرق الأوسط للسياسات في واشنطن، ماركو مسعد، من جهته، قال إن حزمة الضمانات التي تضمنتها النقاط الـ28 التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تبدو مختلفة كثيراً عن الأفكار التي كان يروج لها عقب اتفاقية أو قمة ألاسكا.
مسار تفاوضي ملغوم.. حسابات ترامب وبوتين تعقّد سيناريوهات إنهاء حرب أوكرانيا
وأشار لـ”إرم نيوز” إلى أن التصور الحالي يعيد إنتاج المقاربة نفسها، القائمة على دعم عسكري ولوجستي مباشر لأوكرانيا من أمريكا والاتحاد الأوروبي، مع التزام برد حازم في حال وقوع أي اعتداء روسي، سواء عبر تحرك عسكري أو من خلال دعم لوجستي موسع، إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية شديدة تهدف لردع موسكو عن أي خطوات عدائية مستقبلية.
وأضاف مسعد، أنه لا يوجد أي ضمان فعلي يمنع تكرار السيناريو نفسه، مؤكدًا أن أي تحرك عسكري روسي محتمل يرتبط بدوافع موسكو وحساباتها الاستراتيجية وليس فقط بطبيعة الضمانات الأمريكية أو الأوروبية.
الدعم الأوروبي والعقوبات الاقتصادية
ولفت إلى أن العنصر الأكثر حساسية في الخطة لا يتعلق بالدعم العسكري نفسه بقدر ما يتعلق بإبقاء أوكرانيا خارج حلف الناتو، وأن كل الدعم الأوروبي والعقوبات الاقتصادية لا تُحدث فارقًا فعليًا إذا لم تشعر موسكو بالرضا عن الوضع القائم في أوكرانيا.
وأشار إلى أن ترامب ينظر إلى الخطة الحالية باعتبارها امتداداً لخطط سابقة مع تعديلات طفيفة، موضحًا أنه يلوم الأوروبيين على إضاعة الوقت، وكان يرى أنه يمكن تحقيق مكاسب عسكرية أكبر لصالح أوكرانيا لو جرى الاتفاق مسبقًا.
وقال مسعد إن “الكلام المبالغ فيه عن الضمانات لا يقدم ولا يؤخر”، وأن جوهر الضمان يكمن في تنفيذ مطالب روسيا ومنع انضمام أوكرانيا للناتو وضمان عدم تشكيلها تهديداً لروسيا على حدودها.
وفي سياق متصل، أكد أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حامد فارس أن أمريكا تمارس ضغوطا كبيرة على أوكرانيا والرئيس فولوديمير زيلينسكي لدفعهما إلى قبول الخطة الأمريكية ذات الـ28 بندًا، وأن تنفيذها سيجبر كييف على تقديم تنازلات صعبة بهدف وقف الحرب.
وقال الدكتور فارس لـ”إرم نيوز”، إن أبرز هذه التنازلات تشمل التخلي الكامل عن شبه جزيرة القرم ومنطقتي لوغانسك ودونيتسك لصالح روسيا، إلى جانب تجميد خطوط التماس في خرسون وزابوروجيا.
وأضاف، أن الخطة تتضمن خفض عدد أفراد الجيش الأوكراني من 880 ألفا إلى 600 ألف جندي، مع إلزام كييف بالتحول إلى دولة محايدة وكتابة تعهد دستوري واضح بعدم الانضمام إلى حلف الناتو.
مخاوف أوكرانية
وأوضح الدكتور فارس أن الضمانات الأمريكية والأوروبية الواردة في الخطة تبقى “محدودة”، مشيرًا إلى أنها تمنع حلف الناتو من إرسال قوات إلى أوكرانيا، وهو ما يثير مخاوف كييف بشأن كفاية هذه الضمانات لتأمين الحدود.
وذكر أن تجاوز الاتفاقيات السابقة مثل ما حصل في القرم عام 2015 يدفع أوكرانيا للتحفظ على أي التزامات جديدة خشية تكرار السيناريو ذاته.
وأكد أن هذه التطورات تكشف تعقيدات المشهد الجيوسياسي، مؤكداً أن الوصول إلى استقرار فعلي يتطلب مقاربة متكاملة تشمل الضمانات الأمنية والسياسية والاقتصادية لضمان تنفيذ أي اتفاق بشكل فعّال ومستدام.


