القارة الافريقية بين الحق الفلسطيني والعلاقات مع إسرائيل
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
11/3/2024
رغم وجود علاقات متشعبة بين عدد كبير من دول القارة الافريقية مع إسرائيل؛ أدان البيان الختامي للقمة الافريقية المنعقدة في أديس أبابا، الحرب الوحشية واستخدام القوة المفرطة من جانب الاحتلال الإسرائيلي ضد مليون وثلاثمائة ألف مدني في قطاع غزة؛ معتبراً الحرب على غزة بمثابة عقاب جماعي ضد المدنيين في غزة ومحاولات نقلهم بالقوة إلى شبه جزيرة سيناء، مطالبا إسرائيل بالاستجابة للدعوات الدولية إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، والامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية في غزة ورفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة.
التمدد الإسرائيلي
ثمة دوافع إسرائيلية اقتصادية للتمدد في عمق القارة الافريقية لما تحتويه من موارد طبيعية، مثل الماس والذهب والخشب والنفط الذي يتركّز بشكل أساسي في نيجيريا وأنغولا، فضلاً عن إمكانية جعل افريقيا الذي يصل عدد سكانها إلى مليار ومائتي مليون نسمة سوقا استهلاكيا للصادرات من السلع الإسرائيلية.
وفي الوقت التي تراجعت فيه أرقام الهجرة اليهودية من أوروبا وأمريكا إلى فلسطين المحتلة مقارنة بعقد التسعينيات من القرن المنصرم؛ اهتمت المؤسسات الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين بيهود افريقيا، حيث يوجد عدد كبير منهم في كل من إثيوبيا وجنوب افريقيا وزيمبابوي وكينيا؛ وتسعى إسرائيل إلى تهيئة الظروف لاجتذاب الآلاف منهم، واستغلال من تبقى للضغط على الدول الافريقية، واستمالتها لدعم إسرائيل في المحافل الدولية، لإسقاط مشاريع القرارات الدولية التي تدين الممارسات والسياسات الإسرائيلية الاحتلالية العنصرية إزاء الشعب الفلسطيني، حيث لافريقيا ثقل كبير في المنظمة الدولية.
علاقات متشعبة
وتمكّنت إسرائيل من بناء علاقات متشعبة مع دول كثيرة في افريقيا، بالاعتماد، بشكل أساسي، على مشاريع “المركز الدولي للتعاون الإسرائيلي “، بغية نقل المعلومات التكنولوجية وتنمية الموارد البشرية. وتهدف النشاطات إلى تعزيز القدرات المهنية من خلال الدمج بين البعدين، النظري والعملي، والدمج بين البحث العلمي وتطبيق المشروع على أرض الواقع، وتكييف تكنولوجيات جديدة لتلبية أولويات التطوير في تلك الدول، عبر التعاون مع وزارات مختلفة، ومعاهد مهنية وأكاديمية ومراكز بحث في إسرائيل.
ويعمل “المركز الدولي للتعاون” بالشراكة مع دول افريقية.
بعد أوسلو
يلحظ المتابع للشأن الإسرائيلي، أن العلاقات الإسرائيلية – الافريقية شهدت تحولات عديدة منذ عام 1948، فتوالت اعترافات الدول الافريقية بإسرائيل حتى بلغت ذروتها في عام 1963، حيث تمّ افتتاح 23 سفارة إسرائيلية في افريقيا، وتراجعت تلك العلاقات بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في حزيران/ يونيو 1967، ما لبثت أن تحسنت بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977، لكنها لم تلبّ الطموحات الإسرائيلية.
والثابت أن اتجاهات تطور العلاقات الإسرائيلية – الافريقية ارتبطت، بشكل وثيق، بمنحى الصراع العربي – الإسرائيلي، فالمقاطعة الدبلوماسية الافريقية لإسرائيل، في السبعينيات ومعظم سنوات الثمانينيات، ثم العودة السريعة لهذه العلاقات، منذ بداية عقد التسعينيات، ارتبطت بحدثين مهمين، أولهما حرب 1973، والثاني انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في نهاية عام 1991، فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل في الثالث عشر من أيلول / سبتمبر من عام 1993.
انحياز للحق الفلسطيني
يتجاوز مجموع سكان القارة الافريقية مليارا ومائتي مليون نسمة، تريدهم إسرائيل هدفاً لصادراتها السلعية.
واستطاعت إسرائيل بناء علاقات مع 45 دولة افريقية حتى بداية العام الحالي 2024 .
في ظل الاستراتيجية التي عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، والقاضية بتوجيه سياسته الخارجية لتحقيق هدف التغلغل في افريقيا، وتقوية العلاقات الإسرائيلية مع دول افريقية عبر البوابة الاقتصادية، بواسطة خطة لتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين؛ دعت إسرائيل الشركات المحلية إلى استغلال الموارد، وتوسيع صادراتها إلى افريقيا.
وتبعاً لذلك، تمت زيارات مكوكية لشخصيات إسرائيلية وفي مقدمتها نتنياهو للقارة الافريقية، لدول عديدة وفي مقدمتها أثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا، وقدم وعودا حينها بدعم مشاريع التنمية وتحديث الزراعة والتحوّل التكنولوجي والتعليم والصحة.
وتعمل وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، من خلال عدّة قنوات، لإيجاد صيغ تعامل وعلاقات جديدة في افريقيا، منها افتتاح ملحقيات تجارية تتبع وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية في عاصمة غانا، أكرا، وفي نيروبي وفي كينيا، إضافة إلى الملحقية التجارية القديمة في جنوب افريقيا.
ويحظى توسيع رقعة العلاقات الإسرائيلية – الافريقية باهتمام إسرائيل كبير، وخصوصا مع الدول التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في عقد السبعينيات.
وبشكل عام، تريد إسرائيل من علاقاتها مع الدول الافريقية تحقيق عدة أهداف؛ في مقدمتها توسيع رقعة علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الدول، إضافة إلى فتح أسواق جديدة للشركات الإسرائيلية، وكسر تأييد تلك الدول للقضية الفلسطينية في مؤسسات الأمم المتحدة، لكن مع انكشاف صورة إسرائيل الفاشية خلال عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني وارتكابها عملية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين ، بدأ الانحياز الماثل للقارة السمراء إلى جانب الحق الفلسطيني.