أتهم نتنياهو بالخيانة
ايهود أولمرت – رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق
المصدر: صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية 26\6\2024
تقديم وترجمة: غانية ملحيس
12\7\2024
تقديم: وجه إيهود أولمرت عشر اتهامات بالخيانة لبنيامين نتنياهو، يرى أنها تستدعي محاكمته أمام “محكمة شعب إسرائيل” دون تأخير. ويرى أن كل يوم إضافي يستمر فيه نتنياهو في إدارة الدولة هو يوم يشكل خطرا ملموسا على مستقبلها ووجودها.
الملفت أن إيهود أولمرت، بحصره الاتهامات بنتانياهو وإئتلافه – وقد سبق له أن كان رئيسا لوزراء المستعمرة الصهيونية، كما زميله إيهود باراك الذي مثله يتصدر حاليا المعارضة – وجميع قادة إسرائيل السابقين والحاليين من مختلف التيارات السياسية، اليسار واليمين والوسط، وسبق لهم أن سيطروا على القرار الاسرائيلي في حقبات زمنية مختلفة. وقادة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني وتابعيهم المحليين والعرب والإقليميين، ويحاولون جميعا الآن التنصل من مسؤوليتهم التشاركية عما آل إليه الوضع، باختزال الفشل ببنيامين نتانياهو وائتلافه، ويتوافقون على تقديمه كبش فداء علهم ينجون بأنفسهم، فيما يواصلون تجاهل السبب الرئيس باستمرار الطابع الوجودي للصراع المتفجر الذي لن تقتصر تداعيات استمراره على فلسطين وإسرائيل، بل سيتوسع ليطال الاقليم والعالم، ويهدد الوجود الإنساني على امتداد الكوكب، والناجم عن الخاصية البنيوية /الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية العنصرية/ والدور الوظيفي /الامبريالي/ للكيان الصهيوني.
واللافت أن إيهود أولمرت وأمثاله، وهم يسارعون بالقفز من المركب الآخذ في الغرق بالتنصل، من مسؤوليتهم التاريخية / إيهود باراك في مفاوضات كامب ديفيد 2000، ولاحقا هو – عندما كان رئيسا للوزراء – في تعطيل حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وآثرا وما يزالان – إدارة الصراع بإدامة السيطرة الصهيونية على كامل فلسطين الانتدابية. واتهام الفلسطينيين، تارة الرئيس ياسر عرفات بالإرهاب، وتارة اخرى للرئيس المسالم محمود عباس بالجبن والافتقار للشجاعة لأنه لم يوافق عام 2008 على تأبيد الحكم الذاتي الفلسطيني تحت مسمى دولة فلسطينية.
الملفت أن جميع الاتهامات التي يوجّهها إيهود أولمرت لبنيامين نتانياهو تنحصر في منهج إدارة الصراع الوجودي الذي يسعى نتنياهو وائتلافه لحسمه بإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وإخضاعه بالقوة القاهرة والسرعة الفائقة. فيما يرى إيهود أولمرت أن هناك طرقا أخرى أجدى لبلوغ ذات الهدف أقل كلفة /عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية/ وأطول زمنا، وأكثر قبولا من النظام الدولي احادي القطبية.
فلم يتضمن خطابه الشعبوي التحريضي واتهاماته المحقة لنتانياهو وائتلافه، أية إشارة إلى الاحتلال الصهيوني ورفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وانهاء التمييز العنصري ضد فلسطينيي العام 1948.
بل ركز كل مبرراته للمطالبة بالمحاكمة الشعبية لنتانياهو على مسؤوليته وائتلافه عن كشف الحقيقة الإجرامية للكيان الصهيوني. وعن تسببهم في إحراج التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري عموما، والراعي الأمريكي خصوصا الذي لم يقصر في دعم حرب الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر التاسع على التوالي عسكريا وماليا واقتصاديا وسياسيا وديبلوماسيا. وفي تسببهم بتأخير استيلاد الشرق أوسط الجديد وعرقلة استكمال بناء التحالف الإقليمي الذي يحفظ لإسرائيل تفوقها الإقليمي ودورها القيادي. ويطيل تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقيادة العالمية، ويؤخر انبثاق النظام الدولي الجديد متعدد القطبية.
وفيما يلي ترجمة للمقال: “أتهم نتنياهو بالخيانة”
– أتهم رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، باتخاذ إجراءات متعمدة لإطالة أمد الحرب بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية القاتلة. إن الرغبة في إطالة أمد القتال دون تحديد تاريخ انتهاء هو السبب في عدم تحديد أهداف دقيقة للقوات المقاتلة.
– أتهم رئيس وزراء إسرائيل بنية توسيع الحرب وبدء مواجهة عسكرية مباشرة وشاملة مع حزب الله في الشمال، بدلا من التوصل، بوساطة فرنسية وأمريكية، إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية من شأنه أن ينهي الصراع العنيف الحالي، ويسمح لعشرات الآلاف من سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا بسبب القتال بالعودة إلى ديارهم.
– أتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي باتخاذ إجراءات متعمدة تهدف إلى التسبب في اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في الضفة الغربية، مع علمه بأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى توسيع نطاق جرائم الحرب ضد الفلسطينيين الذين لا يشاركون في الإرهاب بأي شكل من الأشكال. إن مثل هذه الجرائم يرتكبها بالفعل العديد من الإسرائيليين. وعادة لا يكون هؤلاء مجندين عسكريين بل ميليشيات خاصة تتألف من بلطجية يحملون أسلحة أعطيت لهم في معظم الحالات ـ في عملية مشكوك فيها تتطلب مراجعة قانونية ـ في خطوة بدأها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. إن هذه الأسلحة تخدم العديد منهم في أعمال الشغب وتحميهم عندما يعاملون الفلسطينيين بوحشية: حرق ممتلكاتهم وتدمير الحقول التي تشكل مصدرا للحياة والقوت، فضلا عن قتل الأبرياء بشكل مباشر.
– أتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتخلي عمدا عن الرهائن الإسرائيليين الذين ما يزالون محتجزين لدى قتلة حماس. ويستند رفضه التوصل إلى اتفاق يسمح لكل الرهائن بالعودة إلى إسرائيل إلى الحجة القائلة بأن هذا من شأنه أن يمنع تحقيق النصر الكامل على حماس. ولكن تحقيق النصر الكامل ليس خيارا مطروحا الآن، ولم يكن خيارا مطروحا منذ اليوم الذي طرحه فيه رئيس الوزراء. فقد كان من المفترض أن يكون هدفا مستحيلا يسمح لرئيس الوزراء، في أي وقت يختاره، بإلقاء اللوم في الفشل في تحقيقه على المؤسسة العسكرية والقوات المقاتلة بشكل عام، وعلى الشخص الذي يقودها، الفريق هرتزل هاليفي، بشكل خاص. ويتحمل رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤولية كبيرة عن الفشل المروع الذي حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ وبالشجاعة التي اتسمت بها كل أفعاله منذ ارتدى زيه العسكري، نظر في عيون شعب إسرائيل واعترف بمسؤوليته، فضلا عن واجبه في استخلاص استنتاجات شخصية من هذه المسؤولية في الوقت المناسب.
– رئيس الوزراء، الذي يشن من خلال وكلائه وأفراد عائلته والمتحدثين باسمه في وسائل الإعلام المختلفة حملة منهجية ضد القيادة العسكرية والأمنية والسياسية التي لا تنتبه لكل كلمة يقولها، لا يفعل الشيء الواضح والطبيعي المتوقع من الشخص الذي كان لسنوات عديدة القوة المهيمنة في تحديد أولويات إسرائيل العسكرية والأمنية والدبلوماسية. إنه ينشر السم والتحريض والازدراء ومحاولة تقويض ثقة شعب إسرائيل في القادة الذين يقودون القوات المقاتلة أثناء الحرب.
– أتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بتعريض حياة الجنود للخطر عمدا، انطلاقا من نية واضحة لتعريضهم لمخاطر تنتهي بفقدان أرواحهم يوميا تقريبا. وذلك بسبب رفضه تحديد أهداف القتال ووضع جداول زمنية لتحقيقها، أو مناقشة كيفية حكم قطاع غزة والضفة الغربية عندما تنتهي المعارك.
– أتهم رئيس الوزراء بتشكيل حكومة أمنية تتألف من مجموعة نادرة من الناس الذين يفتقرون إلى المهارات أو الخبرة أو الفهم للنظام المعقد للغاية الذي من المفترض أن يوفر خدمات لا حصر لها، ويتعامل مع مشاكل لا نهاية لها. ومن الواضح أن هذه الحكومة تفضل المصالح الشخصية للوزراء والأحزاب التي يمثلونها ومصالح الفئات السكانية المعروفة بدعمها للحكومة. في حين تتجاهل التوزيع المتساوي للأعباء، وهو أحد المبادئ الأساسية لأي دولة ديمقراطية، وخاصة في وقت ينهار فيه جزء كبير من السكان تحت نير الحرب والصعوبات التي خلقتها، في حين يرفض جزء آخر تحمل أي عبء. وكل هذا إلى جانب الإدارة الفاسدة والمتلاعبة لموارد الدولة وأصولها.
ان نتيجة هذا الخليط البائس من أعضاء مجلس الوزراء هي انهيار غير مسبوق لجميع الخدمات التي يحتاجها الجمهور في الظروف العادية، وخاصة في ظل الظروف الاستثنائية للغاية التي نعيشها منذ تشرين الأول/أكتوبر/ 2023. الاقتصاد ينهار، والخدمات العامة تنهار، ومناطق بأكملها من البلاد مهجورة. والحكومة ليس لديها خطة، ولم تبذل أي جهد لخلق استجابة يمكن أن تحسن الوضع وتشعل شرارة الأمل.
– أتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بمحاولة متعمدة لتدمير النسيج الحساس للعلاقات، الحيوية لأمن إسرائيل، مع الدول العربية المرتبطة بإسرائيل باتفاقيات سلام، وفي مقدمتها مصر والأردن.
إن الدولة تظهر ازدراء علنيا للحساسيات الأمنية المصرية في منطقة رفح وطريق فيلادلفيا، على الرغم من إدراكها أن القاهرة من المرجح أن ترد بإلحاق الضرر بصيغة العلاقات القائمة بين البلدين منذ عقود. هذه العلاقات تشكل بنية أساسية ضرورية لحماية المصالح الأمنية لإسرائيل.
إن عدم احترام السلطة الفلسطينية والعنف المرتكب ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية مع غض قوات الأمن الطرف – وخاصة القوات الخاضعة مباشرة للوزراء ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش – من شأنه أن يؤدي إلى أزمة دراماتيكية في العلاقات مع الأردن. كانت مثل هذه الأزمة وشيكة بالفعل. إن الحكومة تعلم هذا، ورئيس الوزراء يعلم هذا، ولكنهما يرفضان اتخاذ التدابير اللازمة لإحباط خطوة تهدف إلى تعطيل حياة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، ودفع احتمال ترحيلهم وتمكين ضم الأراضي إلى إسرائيل، تحت إيحاء بن غفير وسموتريتش وأنصارهما.
– أتهم رئيس وزراء إسرائيل بإحباط فرصة إنشاء محور إقليمي جديد يقوم على شراكة بين الدول العربية المعتدلة مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية، وربما دول إسلامية إضافية خارج الشرق الأوسط. لقد كان اقتراح تطبيع العلاقات والسلام والتعاون العسكري والسياسي بين هذه الدول وإسرائيل على جدول الأعمال منذ أحداث تشرين الأول/أكتوبر/. لقد أحبطت دولة إسرائيل، تحت إلهام وتوجيه وقيادة رئيس الوزراء، أي إمكانية للتوصل إلى مثل هذا الترتيب، على الرغم من أهميته الاستراتيجية البعيدة المدى لأمن البلاد وقدرتها على مواجهة التهديد الإيراني.
– أتهم رئيس وزراء إسرائيل بمحاولة متعمدة لتدمير التحالف السياسي الأمني العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة. إن الجانب الاستراتيجي للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يبدأ مع تأسيس الدولة. بل إنه بني في عملية طويلة وممتدة اتخذت منعطفا بعد حرب الأيام الستة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة شريكة وحليفة وداعمة لإسرائيل، حيث قدمت لها المساعدات والمعدات على نطاق وكثافة لم يسبق لهما مثيل في تاريخنا القصير، كما أنها تشكل استثناءات لنمط العلاقات الأميركية مع الدول الأخرى في الأجيال الأخيرة.
لقد كان الاستقرار السياسي لإسرائيل على الساحة الدولية لسنوات عديدة يعتمد على الدعم المطلق من جانب الولايات المتحدة. وفي العام 1973، في ذروة حرب يوم الغفران، كانت أمريكا هي التي أرسلت لنا المساعدات في جسر جوي يعتقد كثيرون أنه جعل من الممكن إنهاء الحرب في ما وصفته إسرائيل آنذاك بالنصر الساحق. ومنذ ذلك الحين، تقدم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل مليارات الدولارات من المساعدات كل عام. وتعتمد القوات الجوية الإسرائيلية بالكامل على الطائرات الأمريكية: الطائرات المقاتلة وطائرات النقل وطائرات التزود بالوقود والمروحيات. وتستند القوة الجوية الإسرائيلية بأكملها إلى الالتزام الأمريكي بالدفاع عن إسرائيل. ليس لدينا مصدر موثوق آخر للإمدادات الأساسية من المعدات والذخائر والأسلحة المتقدمة التي لا تستطيع إسرائيل تصنيعها بمفردها.
في الأشهر الأخيرة، هبطت مئات طائرات النقل الأمريكية في قواعد سلاح الجو الإسرائيلي وهي تحمل آلاف الأطنان من المعدات العسكرية والذخائر المتقدمة والحيوية.
إن الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء إلى الأمريكيين، والتي تفيد بأنهم يؤخرون تسليم الإمدادات العسكرية وبالتالي يتأخر انتصار إسرائيل الكامل، ليست أكثر من استفزاز غير مسؤول. طوال هذه الحرب، أظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن التزامه غير المحدود بإسرائيل وأمنها. حتى فيما يتعلق بالرهائن، يمكن للمرء أن يرى الفارق الهائل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي. في حين يستخدم الأول تكتيكات التحريض والاستفزاز والازدراء والرفض ضد أفراد عائلات الرهائن والضحايا الذين لا يتفقون مع قراراته – على الرغم من أن هؤلاء هم أفراد من شعبه، وهو المسؤول عن محنتهم – فقد احتضن بايدن كل هؤلاء بالحب، وأظهر تفاني وعاطفة الصديق الحقيقي لا مثيل له.
في الأيام التي واجهت فيها إسرائيل خطرا ملموسا من إيران، كانت حاملات الطائرات الأمريكية تجوب مياه الشرق الأوسط. وعندما أطلقت الصواريخ الإيرانية من منطقة اليمن، تم تحييدها من قبل القوات الأمريكية. وعندما قررت إيران الرد على اغتيال أحد أفراد الحرس الثوري في سوريا (رغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن هذا العمل قط)، وقفت أمريكا، ونتيجة لذلك أيضا بريطانيا وفرنسا والدول العربية، في طليعة الدفاع عن إسرائيل. ووافق الكونجرس على حزمة مساعدات بمليارات الدولارات لإسرائيل، بالإضافة إلى مساعدات سنوية تقترب من 4 مليارات دولار. ولا توجد سابقة لهذا في النطاق والقوة والتأثير على ساحة المعركة منذ تأسيس الدولة. ويحاول نتنياهو الآن تحطيم هذا النظام المعقد بأكمله.
إن عروضه من التفاخر والغطرسة على شاشات التلفزيون، والتي يوبخ فيها رئيس الولايات المتحدة وأفعاله، هي أداء بارع في عدم المسؤولية، وفقدان الهدوء والاحتقار لاحتياجات إسرائيل الأساسية، ومحاولة مدروسة لتخريب حملة إعادة انتخاب بايدن.
لكل من هذه الاتهامات، يجب أن يحاكم نتنياهو في محكمة شعب إسرائيل. لا ينبغي تأخير ذلك. كل يوم إضافي يستمر فيه هذا الرجل الملعون في تحمل المسؤولية الاسمية عن إدارة الدولة هو يوم يشكل خطرا ملموسا على مستقبلها ووجودها.
لا يريد نتنياهو أن تنتهي الحرب، ولا يريد أن يعود الرهائن إلى ديارهم أحياء ولا يريد ترتيبا في الشمال يعيد السكان إلى منازلهم. لا يريد وقف إساءة معاملة وقتل السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة. يريد نتنياهو حربا لا تنتهي أبدا مع إضعاف علاقات إسرائيل بجيرانها والولايات المتحدة.