بوتين يفتح شهية الغزاة في العالم
الغزو الروسي يفتح باب الـ “لا قانون”
عبد الرحمن الشامي
27\11\2024
في ضوء الكوارث والحروب التي يشهدها العالم وفي ضوء الإبادة الجماعية التي تعيشها اليوم، بكل اسف، دول عدة على سطح الأرض، فأن السلوك المتوقع من البشرية هي ان تصطف مع الضحية ضد الجاني. لكن للأسف الشديد تقوم وسائل الاعلام بدور خطير جدا، الا وهو تسييس الشعوب، فالطبيعي والمنطقي أن تكون الشعوب عاطفية على الفطرة في رفض مطلق للشر والوقوف مع الخير وان لا تسمع من الجماهير عبارة مثل “نعم ولكن”، فالأصل أن الناس على فطرة الخير، أما السياسيين فهم من يعمل على مبدأ اختيار الخيار الأفضل بين الأسو!
لكن المشكلة هي أن الاعلام، أحيانا بحسن نية وأحيانا أخرى بتوجيه مباشر، بدأ بتحويل الجماهير الى جماعات “ميكافيلية” لا تتعاطف مع الضحية الا إن كانت من محور معين!
فهناك جماهير عربية لا تتعاطف مع أوكرانيا لأنها من محور أمريكا، وهناك جماهير أوربية لا تتعاطف مع فلسطين لأنها ليست من محور الغرب.
سياسة المحاور التي يكرسها الاعلام والسياسيين هي طامة على الوعي الجمعي للشعوب، فاليوم لم يعد في كثير من الأحيان التعاطف مرتبطا بحجم الألم الذي تعاني منه الضحية او حجم الجريمة! بل بقرب الجاني وبعده من المحور السياسي للجماهير، او قرب وبعد الضحية من المحور السياسي لنفس الجماهير.
المشكلة والمعضلة في هذا التفكير ليست فقط أخلاقية او دينية، بل حتى معضلة سياسية “ميكافيلية” بحتة!
بمعنى انه وبينما تفصل الجماهير في العالم بعضها عن بعض بمحاور وترسخ لفكرة المحاور وتدافع عن المحاور باستماته، وتجد الاعلام يقيم كل أنواع الندوات لشرح أهمية “العالم متعدد الأقطاب” او “أهمية العالم المتحضر”، ما لا تدركه الجماهير ان المحاور الحقيقية هي محور الظلم والطغيان من ناحية، ومحور الضحية والشعوب المُستغلة والمُستعبدة من ناحية أخرى، فالظلم يقوي بعضه بعضًا، وانتصار ظالم في مكان في العالم هو، استراتيجيا، قد يكون تقدم او تراجع لظالم اخر لكنه على المدى الطويل “شرعنة” للظلم نفسه واسقاط لحق الضحية، أيًا تكن، في أن تدافع عن حقوقها التي كانت بديهية قبل استخدام فكرة “المحاور السياسية”، فيصبح المجرمان المطلوبان لمحكمة العدل الدولية فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو شخصيات “سياسية” مجبرة سياسيا على الجرائم التي يفعلونها بحجة مصالحهم السياسية!
فمع تعاكس المحاور الا انه لا يوجد فرق حقيقي بين من يعتقد انه من حق روسيا ان “تخاف” من أوكرانيا، التي لم تغزها يوماً، وتبادر بالهجوم وابادة الشعب الاوكراني، وبين من يعتقد ان نفس الحق يملكه نتنياهو لحماية إسرائيل من شعب اعزل محاصر يعاني من الاحتلال منذ 76 سنة. بينما الواقع ان كل من بوتين ونتنياهو لم يجتمعا في قائمة مجرمي الحرب صدفة! فكلاهما مجرمان غارقان في الدماء لدرجة اجبرت حتى محكمة العدل الدولية، رغم تسيسيها، للإقرار بأن كلاهما مجرم حرب!
بينما يروج “إعلام المحاور” لحق الطغاة والمجرمين بالقتل، لأنهم محسوبين على محور، الجمهور يرسخ هو نفسه لفكرة النظر في هوية الضحية قبل التعاطف معها ولا تدرك الجماهير التي تقع في فخ الاعلام ان نفس الامر سينطبق عليها عندما يصلها غزو من مجرم اخر!
النقطة الثانية، التي لا يجب غيابها عن وعي الجماهير، هي اننا نعيش في عالم بالفعل يأكل فيه القوي الضعيف ويأخذ حقه، لكن يوجد هناك بعض القوانين تُطبق ولو بشكل محدود ونسبي، فالمصيبة هي انه بدل من ان تغضب الناس لانتهاك هذه القوانين هنا وهناك، فإن هناك من يعتقد ان انتهاك أكبر للقوانين من قبل طغاة جدد هو امر إيجابي، من مبدأ انه إن قام طاغي او ظالم بالظلم، إذًا ما قيمة القوانين؟ دع الطغاة تفعل ما يحلو لها! وتتناسى هذه الجماهير انه كلما ازداد الظلم وقلَّت القوانين كان هذا في مصلحة أصحاب القوة في هذا العالم، بينما هذه الجماهير في الغالب تنتمي لدول أضعف نسبيا من أن تحمي نفسها في حال قرر ظالم ما أن يحولهم الى مستعمرة جديدة.
بالنهاية، وكي لا يكون الكلام نظرياً ومملاً دون ان يحمل ادلة واقعية، كتبت مقالا منذ عامين عن 9 سيناريوهات محتملة الحدوث بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، متحدثا في نقطة أن استباحة دولة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاولة تغيير الحدود بهذه الوقاحة السياسية من قبل روسيا، إن نجحت ولو أي نجاح، ستُسيل لعاب باقي الطغاة على تغيير الحدود ومزيد من الضرب بعرض الحائط بأي ما تبقى من قوانين المجتمع الدولي، وعلى الرغم من سخريتنا من هذه القوانين الا انها على الأقل كانت تجعل وقاحة الطغاة اقل، ولو نظريا، وتجبرهم على التظاهر بعدم محاولات ضم الأراضي غير الشرعية! اما بعد ان فعلتها روسيا فلم يعد الامر بهذه الصعوبة!
في المقالة المذكورة تحدثت، كما قلت سابقاً، عن تسع سيناريوهات محتملة، أحدها للأسف يحاول الطغاة تحقيقه امام اعيننا!
تحدثت وقتها عن احتمالية ان تنهي حكومة إسرائيل القضية الفلسطينية من خلال الاحتلال الكامل للضفة الغربية وإعلان الاحتلال الكامل النهائي للأراضي الفلسطينية، للأسف هذه الاحتمالية التي اشرت لها في المقال منذ عامين أصبحت الان حقيقة أمام اعيننا، واليوم تقوم قوات الجيش الإسرائيلي، في اطار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني التي تشنها في غزة، باقتحامات متكررة لـ الضفة الغربية و تخطط لضمها، بينما تم الاتفاق مع الرئيس الأمريكي الجديد على تسليم تلك الأراضي.
بالنهاية قد تتفق مع هذه النقطة او تختلف معها عزيزي القارئ، لكن تأكد تماما أن كل طاغية يحاول إبادة شعب وسرقة ارضه، فإن طغاة العالم تتفرج باهتمام كبير وتأخذ العبر بينما تعد العدة لخططها وطموحاتها الشخصية، ومع كل قطعة ارض تسرق من أصحابها وتمنح لطاغية لا يستحقها يفتح باقي الطغاة شهيتهم على أن الامر ممكن، بالمقابل كل ما طرد أصحاب الأرض المحتلين من أراضيهم كل ما ادرك الطغاة ان الدخول في هذه الحروب قد يسبب لهم مشاكل هم بغنى عنها، لذلك فان انتصار أي شعب على الاحتلال هو فعليا انتصار لكل شعوب الأرض ضد القوى المحتلة.