خبراء: أوكرانيا تعزز قدراتها العسكرية تحسباً لتغير الموقف الأمريكي
عبد الهادي كامل
9\1\2024
تعليق د. سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية – كييف؛
و آصف ملحم، مدير مركز “JSM” للأبحاث والدراسات – موسكو
لموقع ارم نيوز – دبي
قد يشهد عام 2025 تحولات مفاجئة وأحداثاً ساخنة بين الثلاثي: أمريكا، روسيا، اوكرانيا، على وقع الصراع المستمر بين موسكو وكييف؛ إذ بدأت بوادر هذه التحولات مع الموافقة الأمريكية على تزويد كييف بالشُحنة الأخيرة من الأسلحة.
ومع بقاء أسبوعين فقط على تولي دونالد ترامب منصبه، تتزايد المخاوف الأوكرانية من احتمالية وقف الدعم الأمريكي، في ظل الانتقادات المتزايدة داخل فريق ترامب بشأن الدعم غير المسبوق لكييف على مدار السنوات الثلاث الماضية، والذي بلغ قرابة 60 مليار دولار، وفقاً للخزانة الأمريكية.
على وقع هذه المخاوف، تعمل أوكرانيا حالياً على بناء صاروخها الخاص “كروز تريمبيتا”، في إطار جهودها لتحقيق الاستقلال في القوة النارية، وتطوير الذخائر بعيدة المدى، استعداداً لليوم الذي قد تنفد فيه ذخائرها الأمريكية، وأبرزها الصواريخ الباليستية من طراز “أتاكمز”، وفقاً لصحيفة “تيليغراف” البريطانية.
ويبلغ طول “كروز تريمبيتا” سبع أقدام، ويزن 200 رطل، ويشبه نسخة حديثة مصغرة من قنبلة “V-1” الطنانة التي استخدمتها ألمانيا النازية، والمعروفة أيضاً باسم “doodlebug”، ويبلغ مداه حوالي 90 ميلاً فقط، مع رأس حربي يزن 40 رطلاً.
ووفقاً لصحيفة “التيليغراف” البريطانية، تعمل شركة “PARS” الأوكرانية المصنّعة لـ”تريمبيتا” على تطوير نسخة أكبر حجماً وأبعد مدى، بحيث يكون قادراً على الوصول إلى موسكو، على بعد 400 ميل من الحدود الأوكرانية.
ومن المتوقع أن يكون هذا الإصدار جاهزاً في غضون عام تقريباً، بتكلفة تتجاوز 10 آلاف دولار، لكنه سيظل أرخص سلاح مستخدم للضربات العميقة في العالم.
مع هذه الخطوة الأوكرانية، يُطرح تساؤل حول مدى نجاح أوكرانيا في تحقيق استقلالها العسكري، ودلالات تصنيع هذا الصاروخ، بالإضافة إلى السيناريوهات المحتملة للدعم الأمريكي بعد تولي ترامب منصبه.
في هذا السياق، يقول د.سعيد سلّام، مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية، إن أوكرانيا اعتمدت بشكل كبير على الدعم العسكري الغربي منذ بداية الصراع مع روسيا. ومع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، تزايدت المخاوف من احتمال توقف الدعم الأمريكي؛ ما دفع أوكرانيا لاتخاذ خطوات استراتيجية لتعزيز قدرتها الدفاعية ضد الهجمات الروسية.
وأوضح سلّام لـ”إرم نيوز” أن بناء الصاروخ الأوكراني يأتي استمراراً للسياسات الرامية إلى استعادة القدرات التصنيعية العسكرية، والتي تراجعت خلال العقود الثلاثة الماضية، لأسباب عدة، من بينها القيود التي فرضتها اتفاقية بودابست لعام 1994، التي حدّت من امتلاك أوكرانيا لأنظمة صاروخية تتجاوز مداها 150 كم، بالإضافة إلى القيود المفروضة على الدبابات والمدفعية.
وأشار سلّام إلى أن أوكرانيا تسارع الآن في تطوير أنظمة صاروخية قصيرة ومتوسطة المدى، في ظل القلق المتزايد من تغير سياسة الدعم الأمريكي، خاصة مع اعتبار ترامب أن الدعم العسكري لكييف “مكلف” للأمريكيين، وفقاً لمبدأ “أمريكا أولاً”، الذي يقوم على تقليص التدخل الأمريكي في الحروب الخارجية.
وأضاف أن امتلاك أوكرانيا منظومات صاروخية محلية الصنع يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز استقلالها العسكري، وتقليل الاعتماد على مصادر خارجية قد تكون غير مضمونة، كما يوفر لها خياراً دفاعياً مستقلاً في حال تراجع الدعم الغربي أو توقفه.
السيناريوهات المحتملة للصراع الروسي – الأوكراني
يقول سلّام إن الخيارات المتاحة أمام أوكرانيا محدودة، وأبرز السيناريوهات المطروحة تشمل:
السيناريو الأول (الأكثر احتمالاً): استمرار أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وسط تكثيف الهجمات الروسية، بالتزامن مع تراجع محتمل في الدعم الأمريكي.
هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أكبر، خاصة في شرق أوكرانيا أو مناطق أخرى مثل البحر الأسود؛ إذ قد تستغل روسيا انشغال الإدارة الأمريكية بالسياسة الداخلية لتصعيد هجماتها ضد الأهداف الاستراتيجية في أوكرانيا، بهدف تحقيق نصر حاسم.
السيناريو الثاني (أقل احتمالاً): التفاوض مع روسيا، حيث قد يسعى ترامب لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإيجاد حل سياسي للصراع، يقوم على تجميد الحرب عند خطوط المواجهة الحالية، مع ضمان أمن روسيا، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو لمدة 20 عاماً.
ويحذر سلّام من أن هذا السيناريو يثير قلق كييف؛ لأنه قد يتطلب تقديم تنازلات غير مقبولة؛ ما قد يدفعها إلى تعزيز قدراتها العسكرية، والعمل على تحقيق مكاسب ميدانية لتكبيد الجيش الروسي خسائر كبيرة، بما يسمح لها بالتفاوض من موقع قوة، ومنع فرض حلول استسلامية عليها.
التحديات أمام أوكرانيا في تطوير أسلحتها
من جانبه، يقول آصف ملحم، مدير مركز “JSM” للأبحاث والدراسات، إن أوكرانيا اختبرت فعلياً صاروخاً مسيّراً يسمى “بال ينتسيا”، تبلغ تكلفته مليون دولار، ويعمل بمحركين: الأول يعمل بالوقود الصلب، والثاني بالوقود النفاث.
وأوضح ملحم لـ”إرم نيوز” أن الأوكرانيين دمجوا بعض خصائص الصواريخ المجنحة مع المسيرات؛ ما جعل الصاروخ الجديد أقرب للطائرة ذات الأجنحة؛ إذ يبلغ طوله مترين، بينما يتراوح طول الأجنحة بين 1.5 و2 متر.
وأشار إلى أن هذا الصاروخ يتميز بسرعته الأعلى مقارنة بالمسيرات التقليدية، وقادر على حمل رؤوس شديدة الانفجار، بالإضافة إلى قدراته في التعقب والمراقبة.
لكن رغم هذه الميزات، يرى ملحم أن أوكرانيا تواجه تحديات كبيرة في إنتاج هذا الصاروخ بكميات كبيرة، بسبب ظروف الحرب، مشيراً إلى أن روسيا ستسعى إلى تعقب مواقع الإنتاج وتدميرها قبل أن تتمكن كييف من تصنيع أعداد كبيرة منه.
وأكد ملحم أن أوكرانيا لا تزال تبحث عن “سلاح معجزة” قادر على قلب موازين المعركة لصالحها، إلا أن المعطيات الحالية لا تؤكد أن “كروز تريمبيتا” هو هذا السلاح المنتظر.
اختتم ملحم حديثه بالتأكيد على أن الاعتقاد بأن ترامب سينهي النزاع بين روسيا وأوكرانيا ليس مؤكداً، بل إن الأمر يتعلق بإعادة ترتيب أوراق الصراع بين روسيا وحلف الناتو، في ظل استمرار الضغوط الجيوسياسية والتغيرات في التحالفات الدولية.