خطة النصر الأوكرانية وتأثيرها على مسار الحرب والمفاوضات

خطة زيلينسكي للنصر

خطة النصر الأوكرانية وتأثيرها على مسار الحرب والمفاوضات

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

د. سعيد سلّام

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

20\9\2024

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن نيته عرض “خطة النصر” إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن اثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية في سبتمبر 2024 للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

حتى الآن لم يتم نشر تفاصيل الخطة الأوكرانية، لكن، من خلال ما تم نشره حولها، يمكن توقع ان تتضمن هذه الخطة عدة محاور رئيسية تهدف إلى تعزيز موقف أوكرانيا في دفاعها ضد الغزو الروسي وتحقيق النصر من خلال الدعم الدولي والدبلوماسي.

المحاور الرئيسية للخطة تتضمن تعزيز العمليات العسكرية، تعزيز الدعم الدولي، الضغط الدبلوماسي، تعزيز الأمن الاستراتيجي.

وسوف نقوم تاليا بتحليل مختصر لهذه المحاور.

  • تعزيز العمليات العسكرية:

تتضمن الخطة المقترحة استمرار العمليات العسكرية في مناطق استراتيجية مثل إقليم كورسك الروسي، حيث تسعى أوكرانيا إلى تحقيق تقدم ميداني يجبر القوات الروسية على إيقاف عملياتها الهجومية في إقليم الدونباس وسحب جزء كبير من القوات ونقلها الى إقليم كورسك. هذا المحور يهدف إلى تحسين الوضع العسكري لأوكرانيا على الأرض وزيادة الضغط على روسيا. وهذا يعني استمرار وتكثيف الحصول على الدعم العسكري من الدول الغربية، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة مثل الدبابات والطائرات المقاتلة. بالإضافة الى استخدام التكتيكات العسكرية الفعالة عبر تنفيذ هجمات مضادة في المناطق الاستراتيجية مثل إقليم خاركيف وإقليم كورسك لزيادة الضغط على القوات الروسية، مع الاستفادة من التضاريس الأوكرانية لتعزيز الدفاعات وشن هجمات فعالة. وهذا يتطلب الحفاظ على الدعم اللوجستي لتأمين تدفق مستمر للإمدادات العسكرية واللوجستية لدعم العمليات على الأرض، بالإضافة الى تحسين البنية التحتية العسكرية لتسهيل حركة القوات والمعدات.

كذلك يضغط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وفريقه بشدة على الولايات المتحدة وبريطانيا للموافقة على استخدام الصواريخ الغربية لضرب أهداف عسكرية استراتيجية (مطارات، قواعد عسكرية، مستودعات تخزين ذخيرة ووقود) داخل الأراضي الروسية، حيث ترى كييف أن ضرب القواعد في العمق الروسي سوف يؤدي الى تراجع الإمكانيات اللوجستية الروسية ويحد أيضا من امكانياتها في استهداف المدن الأوكرانية والبنية التحية المدنية، وبالتالي سيزيد من الضغط على موسكو ويجبرها على إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية.

وكانت هذه المطالب محورًا رئيسيًا للنقاش عندما اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث حاول ستارمر إقناع الولايات المتحدة بمنح أوكرانيا مساحة أكبر لاستخدام صواريخ “ستورم شادو” البريطانية لضرب أهداف داخل روسيا. بالإضافة الى زيارة وزيري خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكين، وبريطانيا ديفيد لامي، إلى كييف ولقائهم القيادة الأوكرانية وعلى راسها الرئيس الاوكراني للاطلاع بشكل مباشر على وجهة النظر الأوكرانية والأهداف التي يمكن استهدافها داخل الأراضي الروسية، لنقلها للقيادتين الامريكية والبريطانية.

لكن هناك مخاوف لدى حلفاء أوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة، أن يؤدي استخدام الصواريخ بعيدة المدى إلى تصعيد الصراع والمواجهة المباشرة ودفع روسيا لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية، خصوصا بعد تحذير النظام الروسي على لسان الرئيس فلاديمير بوتين من أن أي هجوم على أراضيها باستخدام أسلحة غربية سيعتبر تصعيدًا خطيرًا، وقد يؤدي إلى ردود فعل قوية من جانبها. كذلك هناك مخاوف من أن يؤدي التصعيد إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وزيادة التوترات بين روسيا والغرب.

وهنا يجب علينا ان نتذكر الجدل الواسع الذي تم في دوائر  الدول الداعمة لأوكرانيا حول تزويدها بالدبابات الغربية و طائرات اف – 16، و التهديدات الروسية، المتكررة على مدار عامين ونصف من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، باعتبار أي دولة تقوم بدعم أوكرانيا شريكة في الحرب، بالإضافة الى التهديدات النووية المتكررة على لسان المسؤولين في النظام الروسي و الاعلام الحكومي، و في نهاية الامر كانت الدول الحليفة لأوكرانيا تتخذ قرارا لصالح زيادة الدعم حسب الاحتياجات  الأوكرانية، على الرغم من التأخير و التباطؤ في تقديمه. لذلك من المهم في المرحلة الآتية السرعة في تقديم الاحتياجات الضرورية لأوكرانيا.

  • تعزيز الدعم الدولي:

  • تعتمد خطة النصر الأوكرانية بشكل كبير على استمرار الدعم الدولي، خصوصا الأمريكي، الذي يعتبر حاسمًا لتحقيق النصر، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الاقتصادية. لذلك يسعى الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول على تأييد قوي من الولايات المتحدة، خاصة في ظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. وفي هذا الإطار يسعى الرئيس الاوكراني، بالإضافة الى لقاء الرئيس بايدن، للقاء المرشحين للانتخابات الرئاسية، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، لنقاش “خطة النصر” معهم، بالإضافة الى لقائه مع قادة الحزبين في الكونغرس، لان أوكرانيا تسعى الى علاقات جيدة مع كلا الحزبين، من اجل استمرار دعمها من قبلهم في الكونغرس، ان كان على مستوى مجلس الشيوخ او مجلس النواب.

تعزيز الدعم الدولي لأوكرانيا يتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل الجوانب العسكرية، الاقتصادية، والدبلوماسية. لتحقيق ذلك يجب على أوكرانيا:

1- تعزيز التعاون العسكري عبر العمل على زيادة المساعدات العسكرية من الدول الحليفة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بالإضافة الى تعزيز برامج تدريب القوات الأوكرانية وزيادة عدد الجنود الذين يخضعون للتدريب، بالتعاون مع الاتحاد الأوربي.

2- الدعم الاقتصادي من خلال السعي للحصول على مزيد من المساعدات المالية لدعم الاقتصاد المتضرر من الحرب، خصوصا في مجال الطاقة. حيث تضرر قطاع الطاقة الاوكراني بشكل كبير جراء الاستهدافات الروسية المتكررة لمحطات توليد الكهرباء مما أدى الى تنقص كبير في توليد الكهرباء و انقطاعها لساعات طويلة في العديد من المدن، ومن المتوقع ان يزداد النقص مع دخول فصل الشتاء و انخفاض درجات الحرارة مما سيؤدي أيضا الى ازمة كبيرة في مجال التدفئة، مما قد يؤدي الى لجوء مئات الالاف الى دول الاتحاد الاوربي. كذلك يمكن للتركيز على خطط إعادة الإعمار بعد الحرب أن يجذب المزيد من الدعم الدولي.

3- التواصل الإعلامي، حيث ان استخدام وسائل الإعلام العالمية لزيادة الوعي العالمي حول الوضع في أوكرانيا مما سيجذب المزيد من الدعم الشعبي والدولي. كذلك تسليط الضوء على القصص الإنسانية ومعاناة المدنيين يمكن أن يحفز الدول والمنظمات على تقديم المزيد من الدعم، وتشكيل حاضنة شعبية واسعة للسياسيين الذين يطالبون باستمرار وزيادة الدعم لأوكرانيا.

4- التعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية الدولية لتقديم المساعدات الضرورية للمدنيين المتضررين من الحرب، ودعم جهود المنظمات الحقوقية في توثيق الانتهاكات ورفع القضايا أمام المحاكم الدولية.

  • الضغط الدبلوماسي

يمكنه تعزيز “خطة النصر” الأوكرانية من خلال زيادة الدعم الدولي، تعزيز الموقف التفاوضي، التأثير على الرأي العام العالمي، وتعزيز العلاقات الثنائية. لذلك تهدف “خطة النصر” الأوكرانية إلى استخدام القنوات الدبلوماسية للضغط على النظام الروسي لإنهاء حربه على أوكرانيا. لذلك تأمل القيادة الأوكرانية أن يؤدي التقدم العسكري والدعم الدولي إلى خلق بيئة مواتية للمفاوضات، مما يجبر روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

1- زيادة الدعم الدولي، عبر تحشيد دعم دولي أوسع لأوكرانيا، مما يؤدي إلى زيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية، بالإضافة الى تعزيز العقوبات الاقتصادية على روسيا التي يمكن أن تضعف قدرتها على تمويل الحرب، مما يزيد من الضغط عليها للتفاوض.

2- تعزيز الموقف التفاوضي الاوكراني وإضعاف الموقف الروسي، من خلال الضغط الدبلوماسي الدولي، مما يجعل روسيا أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات، وهذا يتطلب توحيد الجهود الدولية لدعم أوكرانيا مما يعزز موقفها التفاوضي ويجعل من الصعب على روسيا تجاهل المطالب الأوكرانية. وفي هذا الإطار تأتي أهمية مؤتمر السلام الأول الذي عُقد في سويسرا في شهر يونيو، والمزمع عقده نهاية شهر أكتوبر، أي قبل الانتخابات الامريكية، في السعودية

3- التأثير على الرأي العام العالمي، عبر زيادة الوعي واستخدام الدبلوماسية الرسمية والشعبية والإعلام الرسمي والموازي لزيادة الوعي العالمي حول الوضع في أوكرانيا مما يمكن أن يؤدي إلى ضغط شعبي على الحكومات لدعم أوكرانيا بشكل أكبر، لأن الضغط الشعبي يمكن أن يؤثر على سياسات الدول الكبرى، مما يؤدي إلى زيادة الدعم لأوكرانيا.

4- تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى يمكن أن يؤدي إلى زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، كذلك التعاون الاستخباراتي مع الدول الحليفة يمكن أن يساعد أوكرانيا في تحقيق نجاحات عسكرية أكبر.

5- تعزيز التحالفات الدولية مع الدول الكبرى والمنظمات الدولية يمكن أن يزيد من الضغط على روسيا. كذلك دعم الجهود لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة القادة الروس، المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يمكن أن يزيد من الضغط الدبلوماسي على روسيا.

  • تعزيز الأمن الاستراتيجي لأوكرانيا

يمكن أن يساهم بشكل كبير في نجاح “خطة النصر” من خلال تحسين القدرات الدفاعية والهجومية، تعزيز العلاقات الدولية، حماية البنية التحتية السيبرانية، وضمان الدعم اللوجستي المستمر. لذلك تسعى الخطة الأوكرانية إلى تعزيز موقع أوكرانيا الاستراتيجي على الساحة الدولية لأنه يلعب دورًا حاسمًا في نجاحها.

1- تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية والحصول على التكنولوجيا المتقدمة، لأن استخدام أنظمة دفاعية وهجومية متطورة مثل صواريخ بعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي الحديثة يمكن أن يعزز من قدرة أوكرانيا على حماية أراضيها وضرب الأهداف الاستراتيجية داخل روسيا، بالإضافة الى إجراء تدريبات مشتركة مع الحلفاء مما يمكن أن يحسن من جاهزية القوات الأوكرانية ويزيد من كفاءتها في مواجهة التهديدات الروسية.

2- استخدام القنوات الدبلوماسية لزيادة الضغط على روسيا وإنشاء تحالفات دولية استراتيجية، لأن تعزيز العلاقات مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، وفي هذا الإطار قامت أوكرانيا بتوقيع اتفاقيات تعاون أمنى وعسكري تستمر لمدة عشر سنوات مع الولايات المتحدة، المانيا، فرنسا، بريطانيا، كندا، اليابان، بالإضافة الى العديد من الدول الأعضاء في الناتو. هذه الدبلوماسية النشطة يمكن أن تعزز من موقف أوكرانيا العسكري والتفاوضي.

3- تعزيز الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات الإلكترونية يمكن أن يضمن استمرارية العمليات العسكرية والاقتصادية، بالإضافة الى أن استخدام الهجمات السيبرانية لتعطيل الأنظمة الروسية يمكن أن يضعف من قدرات روسيا على شن هجمات فعالة.

4- استدامة الدعم اللوجستي لضمان التدفق المستمر للإمدادات العسكرية واللوجستية لدعم العمليات العسكرية على الأرض، وهذا يتطلب تحسين البنية التحتية العسكرية لتسهيل حركة القوات والمعدات مما يعزز من قدرة أوكرانيا على تنفيذ عمليات هجومية ودفاعية فعالة ويساهم في زيادة فعالية القوات الأوكرانية.

هذه الجهود مجتمعة يمكن أن تزيد من فرص أوكرانيا في دفاعها عن أراضيها ضد الغزو الروسي وتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.

التأثير المحتمل لـ “خطة النصر” الأوكرانية على مسار الحرب والمفاوضات:

خطة النصر التي أعدتها القيادة الأوكرانية تمثل خطوة استراتيجية هامة في مسار الحرب والمفاوضات. إذا نجحت هذه الخطة، فإنها قد تؤدي إلى تغيير جذري في مسار الحرب وتفتح الباب أمام مفاوضات سلام محتملة.

في حال نجحت القوات الأوكرانية في الصمود وإلحاق خسائر كبيرة بالقوات الروسية وتحقيق تقدم ميداني ملحوظ، فإن ذلك سيزيد من الضغط على روسيا ويجبرها على إعادة تقييم استراتيجيتها. كذلك التقدم العسكري يمكن أن يعزز موقف أوكرانيا في أي مفاوضات مستقبلية. أيضا الدعم الدولي القوي، واستمالة أكبر عدد ممكن من الدول، خصوصا في الشرق الأوسط وما يسمى “الجنوب العالمي”، يمكن أن يعزز من قدرة أوكرانيا على الضغط على روسيا دبلوماسيًا. وإذا تمكن الرئيس الاوكراني من الحصول على تأييد قوي من الرئيس الامريكي، فإن ذلك سيزيد من عزلة روسيا الدولية ويجبرها على التفكير في حلول دبلوماسية. كذلك “خطة النصر” الأوكرانية سوف يكون لها دور كبير في رفع وتعزيز الروح المعنوية للقوات الأوكرانية والمدنيين في أوكرانيا، وبالمقابل يمكن ان تؤدي الى إضعاف الروح المعنوية للقوات الروسية والمجتمع الروسي، مما سيكون له تأثير سلبي في روسيا، ويمكن ان تؤدي جميع هذه الضغوطات المتزايدة إلى تغيير في موقف القيادة الروسية، ويدفعها إلى التفكير الجدي في إنهاء الحرب بطرق دبلوماسية لتجنب المزيد من العزلة السياسية والخسائر البشرية والاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *