روسيا تُصيب قلب الصناعة العسكرية الأوكرانية.. هل تنقلب موازين الحرب؟
عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز” – الامارات العربية المتحدة
2\5\2025
بينما كانت كييف تنتظر بفارغ الصبر تعزيزات غربية قد تعيد التوازن إلى ساحات القتال، باغتت روسيا الجميع بضربة عسكرية قد تعيد رسم خرائط الحرب، لتضع الجيش الأوكراني أمام اختبار وجودي قاسٍ.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تنفيذ “ضربة دقيقة” استهدفت مصانع لإنتاج الصواريخ والمدرعات، بالإضافة إلى منشآت لتصنيع وقود الصواريخ والبارود داخل الأراضي الأوكرانية، مما عطّل قدرات التصنيع العسكري الأوكراني بشكل كبير.
وتزامنت هذه التطورات مع استمرار الخلافات داخل الكونغرس الأمريكي، مما عطّل المساعدات العسكرية الجديدة لأوكرانيا.
تأخر الدعم الأمريكي
وفي هذا السياق، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن قوات بلاده قد تضطر إلى التراجع بخطوات صغيرة إذا استمر تأخر الدعم الأمريكي، محذرًا من تداعيات خطيرة على الجبهات المشتعلة.
وتواجه أوكرانيا صعوبات متزايدة في الحفاظ على بنيتها التحتية الدفاعية، خاصة بعدما أكدت الرئاسة الأوكرانية أن روسيا دمّرت عمليًا قطاع الصناعات الدفاعية بالكامل، مما يهدد قدراتها على تصنيع الأسلحة محليًا ويجعلها أكثر اعتمادًا على الدعم الخارجي الذي بدأ بالتراجع.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن القوات الأوكرانية تدخل مرحلة حرجة، إذ باتت مطالبة بإعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والهجومية في ظل الاستنزاف المستمر وضربات العدو المكثفة. فهل تصمد أوكرانيا أمام الضغوط أم تقترب من لحظة الحسم؟
بين المبادرة والمناورة: قراءة تحليلية في التحوّل الروسي وضغوط السلام الأمريكية في الحرب على أوكرانيا
تنازلات اضطرارية
ويرى الخبراء الروس أن أوكرانيا بدأت تقترب من تقديم تنازلات اضطرارية تحت ضغط الضربات العسكرية وتراجع الدعم الامريكي، وأن استمرار الخسائر قد يفتح الباب أمام روسيا لضم المزيد من الأراضي إذا تدهورت الجبهة الأوكرانية.
أما الخبراء الأوكرانيون، فأكدوا أن القاعدة الصناعية الأوكرانية أظهرت صمودًا كبيرًا رغم القصف المتواصل، مستشهدين بقدرة المصانع على استئناف الإنتاج السريع، مثلما حدث مع تصنيع صاروخ “نبتون الطويل” عقب استهداف منشآت دفاعية وطبية في كييف.
ويضيف الأوكرانيون أن تطور أنظمة الدفاع الجوي واستخدام الطائرات بدون طيار والمنصات الروبوتية ساهم في تعزيز القدرات الدفاعية، مؤكدين أن هذه الأسلحة الحديثة لا تحتاج إلى مصانع ضخمة، مما أربك المحاولات الروسية لتدمير البنية الصناعية.
مسار الهجمات الروسية
وقال نائب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا، سيرغي دانيلوف، إن “الهجمات الأخيرة على العاصمة كييف، في 24 أبريل/نيسان الجاري، كشفت أن أكثر من ثلثي الصواريخ الروسية وُجهت نحو البنية التحتية الأوكرانية”.
وأكد دانيلوف، في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”، أن “الضربات الروسية طوال أكثر من 3 سنوات من الهجوم الشامل على أوكرانيا كانت تستهدف بالأساس البنية التحتية المدنية، لا المنشآت العسكرية أو مصانع الأسلحة”.
وأوضح أن “فشل الروس في تدمير المؤسسات العسكرية الأوكرانية دفعهم إلى اللجوء لاستراتيجية ترويع المدنيين، بهدف إحباط المعنويات وبث السخط الشعبي، إلا أن النتيجة جاءت عكسية، مع ازدياد حالة الغضب الشعبي داخل أوكرانيا”.
وأشار دانيلوف إلى أن “التاريخ يثبت صعوبة تدمير الصناعة في الحروب الكبرى، مستشهدًا بتجربة المصانع الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية”.

استمرارية الإنتاج
ورغم هذه الهجمات، أكد دانيلوف أن المصنع تمكن، بعد شهرين فقط، من إنتاج صاروخ “نبتون الطويل” بمدى يزيد على ألف كيلومتر، الذي استُخدم لاحقًا لضرب مصفاة نفط في منطقة كوبان الروسية.
وشدد دانيلوف على أن امتلاك أوكرانيا لقدرات دفاع جوي وصاروخي فعالة كان عنصرًا حاسمًا في استمرار المقاومة، مشيرًا إلى نجاح الدفاعات الجوية في إسقاط 7 من أصل 10 صواريخ باليستية استهدفت كييف مؤخرًا.
وأشار إلى دور الأسلحة الجديدة، مثل الطائرات بدون طيار والمنصات الروبوتية، التي ساعدت في تقليل الاعتماد على المساحات الصناعية الضخمة، مما صعّب على الروس مهمة استهداف مواقع الإنتاج.
شراكة متزايدة
واختتم دانيلوف تصريحاته بالإشارة إلى أن “جزءًا كبيرًا من الإنتاج الصناعي الأوكراني أصبح موزعًا بين الداخل الأوكراني وأوروبا، وأن مدفعية “بوهدانا” ذاتية الدفع تُنتج في دولتين مختلفتين لضمان استمرارية التصنيع”.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، بسام البني، إن “أوكرانيا باتت مضطرة لتقديم تنازلات رغمًا عنها، لكنها تواصل الرهان على الدعم الأوروبي لتحسين موقفها التفاوضي”.
وأوضح البني، في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”، أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا شديدة على كييف، مشيرًا إلى أن اغتيال قائد روسي قرب موسكو مؤخرًا جاء ضمن محاولات أوكرانيا لكسر الحصار السياسي، معتبرًا الحادث “عملًا إرهابيًا” يعكس حالة الضعف.
وأضاف البني أن توقيت هذا الحادث يتزامن مع محادثات يجريها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة سبل إنهاء الأزمة.
قلق أوروبي
وأكد البني أن “الجبهات الأوكرانية تتهاوى تباعًا، فيما يسعى الأوروبيون لإقناع واشنطن بعدم وقف الدعم العسكري، لأنهم يدركون أنهم لا يستطيعون مواجهة روسيا بمفردهم دون حماية نووية أمريكية، مما ألقى بظلال من القلق على القارة العجوز”.
وتوقع البني أن “تتجه الأمور نحو تسوية خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذا قبلت أوكرانيا بالشروط الروسية”، محذرًا من أن استمرار الرفض قد يؤدي إلى انهيار شامل للجبهات العسكرية الأوكرانية، مما يمكّن روسيا من ضم مزيد من الأراضي مثل خاركيف ودنيبروبيتروفسك وأوديسا.
واختتم الخبير في الشؤون الروسية بالتأكيد على أن “موسكو قد تبدي مرونة محدودة فقط إذا اعترف الغرب بسيادتها على الأقاليم الأربعة التي ضمتها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم”، مشددًا على أنه “بدون هذا الاعتراف، لن يكون هناك سلام أو وقف لإطلاق النار، حتى ينهار الجيش الاوكراني تمامًا”.