زيلينسكي يريد وقف الحرب..
ماذا وراء “التغير المفاجئ”؟
عبد الهادي كامل
موقع “ارم نيوز” – دبي
10\3\2025
أثار إعلان أوكرانيا رغبتها في استئناف المفاوضات لتحقيق السلام، تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التوجه.
وبينما يرى مراقبون أن الإعلان الأوكراني يأتي ضمن إطار مناورة سياسية أوروبية لتهدئة التوترات، يعتقد آخرون أنها تعكس مخاوف أوكرانية متزايدة من تطورات الوضع العسكري والاقتصادي.
وبشكل مُفاجئ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، إن بلاده مستعدة للجلوس على طاولة المفاوضات، والعمل تحت قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوية لتحقيق سلام دائم مع روسيا.
وتزامنت الموافقة الأوكرانية، مع تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، الذي دعا كييف إلى اتخاذ خطوات حقيقية لحل الصراع في أوكرانيا، بدلاً من الإدلاء بتصريحات علنية.
ووفقاً للمراقبين، فإن هذه التصريحات توحي بوجود ضغوط غربية على أوكرانيا لإعادة النظر في موقفها، خاصة مع التحديات الميدانية التي تواجهها، والتراجع المحتمل للدعم العسكري الدولي.
موقف الكرملين
واعتبر الكرملين تصريح زيلينسكي واستعداداته للتفاوض على اتفاق سلام “إيجابياً”، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال، إن “السؤال هو مع من سيجلس؟ في هذه اللحظة، لا يزال هناك حظر قانوني على الرئيس الأوكراني للتفاوض مع الجانب الروسي”.
وفي ظل الضغط الأمريكي والأوروبي المتزايد، يبقى الموقف الأوكراني تحت الاختبار، وسط تساؤلات حول مدى جديته وإمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي فعلي بين الطرفين، وتحقيق السلام الشامل.
ترامب، فانس، زيلينسكي – حادثة البيت الأبيض … الاسباب والمآلات
معاناة داخلية
وأكد خبراء أن تعليق المساعدات الأمريكية يعجّل بانهيار الجيش الأوكراني خلال شهرين، وهو سر التحول في موقف كييف من السلام مع موسكو، خاصة أنها لن تكون طرفاً أساساً في المفاوضات، بل هي مجرد أداة، وليس لها الحق في فرض شروط للسلام.
وقالوا، إن “إعلان زيلينسكي استعداده للتفاوض يعكس ضغوطاً أمريكية متزايدة، بالإضافة إلى “معاناة أوكرانيا الداخلية، وليس مجرد رغبة سياسية”.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية محمود الأفندي، لـ”إرم نيوز”: “هناك مخاوف حقيقية لدى أوكرانيا من أن تؤدي الحرب إلى إنهاء وجودها على الخريطة السياسية، لذلك قرر زيلينسكي تغيير موقفه من العناد بعد تخلّي أوروبا عنه أو بمعنى أصح عدم قدرتها على مواجهة واشنطن وموسكو.
وأضاف: “تعليق المساعدات العسكرية واللوجستية والاستخباراتية الأمريكية لأوكرانيا سيسرّع من انهيار الجيش الأوكراني”، مرجحاً أن يحدث ذلك في غضون شهرين على الأقل.
الصراع الأمريكي-الروسي
وأوضح الأفندي، أن الحرب الروسية – الأوكرانية هي في الواقع صراع بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، وفقاً لاعتراف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وخططت له الإدارة الأمريكية السابقة مع “الناتو”.
وأشار إلى أن أوكرانيا ليست سوى أداة في هذا الصراع، وبالتالي ليس من حقها فرض شروط للسلام، حيث إن الطرف المنتصر هو من يحدد تلك الشروط.
غياب أوكرانيا عن المفاوضات
وأوضح الأفندي أن أوكرانيا لن يكون لها أي دور في المفاوضات، بل سيكون عليها تنفيذ الشروط التي تحددها روسيا وأمريكا.
وأشار إلى أن كييف لم تستطع الصمود 24 ساعة بعد قرار تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية، حيث بادر الرئيس زيلينسكي، بالاعتذار عن المشادة التي حدثت في البيت الأبيض، وأبدى استعداده لتوقيع اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة.
صدمة أوروبية
وأكد الأفندي أن أوكرانيا مجبرة على تنفيذ ما تمليه الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا، التي تحاول من خلال 3 قمم في أسبوع أن تبدو موحدة في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتسوية المحتملة مع روسيا.
ولفت إلى أن إعلان كييف رغبتها في السلام ليس مجرد مناورة سياسية، بل يعكس مخاوف حقيقية من احتمال اختفائها من الخريطة السياسية تماماً.
أوكرانيا تبحث عن السلام
بدروه، قال مدير مركز “فيجن” للدراسات الإستراتيجية، سعيد سلّام، إن إعلان الرئيس زيلينسكي استعداده للتفاوض مع روسيا يعكس رغبة أوكرانيا الحقيقية في إنهاء الحرب المستمرة منذ 11 عاماً، والغزو الشامل الذي دخل عامه الرابع.
وأوضح أن “هذه الخطوة تأتي في ظل ضغوط أمريكية متزايدة، خاصة بعد المشادة الكلامية بين زيلينسكي ترامب في البيت الأبيض، والتي تبعها إعلان واشنطن وقف جميع أشكال المساعدات لأوكرانيا، بما فيها العسكرية”.
وأشار إلى أن هذه التطورات تتزامن مع تزايد معاناة الشعب الأوكراني من تداعيات الحرب سياسياً واقتصادياً.
أوروبا تتحرك بعيداً عن النفوذ الأمريكي
وأضاف سلّام، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن “أوكرانيا تسعى للحفاظ على الدعم الأمريكي، خاصة بعد حصولها على دعم أوروبي سياسي واقتصادي وعسكري خلال القمم الأخيرة في لندن وبروكسل”.
وأكد أن الدول الأوروبية باتت تعيد تموضعها في مواجهة الضغوط الأمريكية التي تطالب كييف بتقديم تنازلات إقليمية، وسط فقدان متزايد للثقة في واشنطن كحليف إستراتيجي.
وأوضح أن تصريحات ترامب حول تخليه عن الدفاع عن أوروبا في إطار حلف الناتو ورفع المظلة الأمنية الأمريكية التي تحمي القارة منذ 80 عاماً زادت من قلق العواصم الأوروبية.
ضغوط أمريكية غامضة قبل لقاء السعودية
ورغم تنسيق أوكرانيا مع حلفائها الأوروبيين، أكد سلّام أن واشنطن لا تزال تمارس ضغوطاً على كييف، حيث طالب نائب الرئيس الأمريكي باتخاذ “إجراءات ملموسة”، دون توضيح طبيعة هذه الإجراءات.
وتابع: “من المتوقع أن تتضح الصورة خلال اللقاء الموسع بين المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين، المقرر عقده في السعودية مطلع الأسبوع المقبل”.
وأشار إلى أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن “المتغيرات الأخيرة” تعكس رغبة واشنطن في فرض وقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه موسكو التي تصر على تحقيق جميع أهدافها العسكرية في أوكرانيا.