سحب القوات الروسية من سوريا
د. سعيد سلّام
مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
18/5/2022
اثار اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزمه سحب قواته من سوريا اهتمام الجميع خلال الأيام الماضية.
الهدف من هذه الخطوة واضح – استخدام هذه القوات كاحتياطي ذو خبرة قتالية، والقيام بإرسالهم الى الجبهة الأوكرانية.
لكن هل الأمر يستحق ذلك؟ حيث ان تعداد هذه القوات ليس كبيرا، ومن غير المرجح أن تتمكن من تحقيق أي نقطة تحول مهمة في هذه الحرب. وهذا يعني أن أقصى ما يمكن أن يفعله بوتين بمساعدة “السوريين”، هو تأخير خسارة حربه في أوكرانيا إلى حد ما – العديد من الخبراء العسكريين حول العالم قد تحدثوا عن حقيقة أن الأمور تتجه نحو خسارة روسيا لحربها – وهذا يعني ان هذه الوحدات أيضا “سيتم تدميرها”، وأين بعد ذلك سيتم إيجاد قوات للدفاع عن مواقع الاتحاد الروسي في سوريا؟
وهنا يُطرح السؤال عن مصير الوجود العسكري الروسي في سوريا في المستقبل.
لدى روسيا قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، كما أن لديها نظام دفاع جوي خاص بها – اس 400. كيف سيتم التصرف مع هذه القواعد العسكرية ومن سيحصل على المعدات الموجودة فيها؟
لنفترض، في حالة فشل الحرب في أوكرانيا، هل سينقلون هذه الأسلحة والقواعد إلى نظام الأسد؟ وأين الضمان أنه لن يسقط بعد فترة من رحيل القوات الروسية المساندة له؟ أي أن السؤال المطروح بشكل عام هو وجود الاتحاد الروسي في الشرق الأوسط، الذي كان بوتين يبنيه على مدى السنوات العشر الماضية.
بناءً على آفاق سياسة واستراتيجية موسكو الإقليمية، تبدو هذه الخطوة غير منطقية وتؤدي إلى نتائج عكسية، حيث ان هذه الخطوة توضح ضعف قوة موسكو أمام جميع اللاعبين في الشرق الأوسط وتقوض صورة روسيا القوية التي لا تقهر، والتي تم استثمار الكثير من الموارد فيها في العقود الأخيرة.
في كل خطوة وفي جميع الاجتماعات، كانت موسكو تؤكد لشركائها أن روسيا قد عادت إلى المنطقة إلى الأبد ولديها مصالح استراتيجية. كانت العملية العسكرية في سوريا وحملة الترويج لها ناجحة، فقد صَدَّق الجميع قوة الأسلحة الروسية و “المواهب التكتيكية” للقادة الروس، في العواصم العربية و المؤسسات الفكرية الغربية والعسكرية والأمنية.
كان لـ “ضبابية الحرب السورية” تأثير كبير على تقييم قدرات موسكو في عدوانها على أوكرانيا، مما ساهم، جزئيا، في التنبؤ باحتلال العاصمة الاوكرانية كييف في غضون 72 ساعة.
والآن تدمر موسكو كل هذه الإنجازات. مثل هذه الخطوة تبدو مشبوهة وتجعلك تبحث عن الهدف الأساسي، الغير معلن، لسحب القوات من سوريا. على سبيل المثال، هذه طريقة لابتزاز إسرائيل! نظرًا لأن مكان موسكو في سوريا سيتم احتلاله من قبل مجموعات تعمل بالوكالة لإيران بقيادة الحرس الثوري الإسلامي، مما يزيد بشكل كبير من المخاطر العسكرية والاستراتيجية بالنسبة للدولة اليهودية.
من ناحية أخرى، بناء على تحليل التقارير من الجبهات حول الخسائر الروسية في المعدات والقوى العاملة، يمكن القول ان الامر بسيط جدا، ليس لدى موسكو ما يعوض خسائرها من الأفراد والمعدات.
تُظهر مشاركة “وحدة القوات الروسية في سوريا” في الحرب في أوكرانيا مدى خطورة مشاكل الاتحاد الروسي مع الاحتياطيات العسكرية – حيث تخاطر بموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط من اجل الاستمرار في الحرب في اوكرانيا.
بالإضافة إلى التداعيات الاستراتيجية، هناك أيضًا مشاكل لوجستية كبيرة مع إجلاء الوحدة الروسية في ظل اغلاق مضائق البحر الأسود أمام السفن الحربية الروسية، وإغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات العسكرية، ما يؤدي الى تأخير كبير في عملية نقل هذه القوات.
في المقابل لن تكون التعزيزات للقوات الروسية قوية للغاية. اخذا بالاعتبار نوعية سلاح الطيران العادي إلى حد ما (قبل الحرب: سرب من الطائرات المقاتلة وسرب من قاذفات الخطوط الأمامية Su-24 المتقادمة، ما يصل إلى عشرين طائرة هليكوبتر)، فإننا نتحدث عن مجموعة عسكرية مجهزة بشكل أساسي لعمليات مكافحة التمرد، وهو شكل مختلف تمامًا عن الحرب الدائرة في أوكرانيا.
من المرجح أن تؤدي المشاكل المتعلقة باللوجستيات والرغبة في الحفاظ على ما تبقى من النفوذ إلى تخفيض القوات الى الحد الأقصى، ولكن ليس الإغلاق الكامل للقاعدتين الرئيسيتين في طرطوس وحميميم، وبالتالي، سيتم الإبقاء على جزء من أنظمة الدفاع الجوي والأفراد في سوريا.
من ناحية أخرى قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة طهران يوم 8 مايو. نادراً ما يغادر الأسد العاصمة دمشق لأنه يدرك جيدًا مدى هشاشة مركزه بالرغم من “كونه منتصرًا”، لذا فان المساعدة الإيرانية هي الشيء الوحيد الذي يمكنه الاعتماد عليه. ومع ذلك، لا يبدو أن دمشق تؤمن كثيرًا ان الميليشيات التي يعززها الإيرانيون ستكون قادرة على حماية النظام بدون الطيران الروسي.
يستولي النظام الإيراني والتابعين له في سوريا على البلاد من الداخل كما أي قوة احتلال كلاسيكية. إنهم بحاجة إلى سوريا كغلاف فارغ لامتصاص الموارد منها ومن خلالها. الإيرانيون قلقون جداً بشأن أمن طرق إمداد المخدرات إلى دول الخليج العربي والوصول إلى الموانئ السورية. بالإضافة الى انهم يريدون الان أن يصبحوا سماسرة القمح المسروق من جنوب أوكرانيا عبر نظام الأسد.