عن الحرب الروسية – الأوكرانية… لا انتصارات ولا رابح فيها
ماجد كيالي – كاتب فلسطيني
14/8/2023
طالت حرب روسيا في أوكرانيا كثيراً، بعد 18 شهراً على غزو الأولى للثانية في شباط (فبراير) 2022، مع كل الأثمان البشرية والمادية الباهظة المترتبة عليها، والتداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية الخطيرة الناجمة عنها، على الطرفين المعنيين، وعلى الصعيد الدولي.
المشكلة أنّ فاتورة تلك الحرب ما زالت تتزايد باضطراد، من دون أن يعرف أحد سقفها، أو متى، أو كيف، يمكن وقفها، لاسيما في ظلّ تمترس الطرفين المعنيين عند موقفهما المعلن منذ بدئها.
لا يبدو الطرف الروسي مستعداً لمراجعة موقفه، بوقف الحرب، وإبداء الاستعداد للانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة، أو التي جرى ضمّها، بناءً على المتغيّرات الحاصلة، على الأقل لجهة تحوّل الجيش الروسي من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، منذ أكثر من سنة، ومع تعذّر قدرته على هزيمة، أو كسر القوات الأوكرانية، وأيضاً بناءً على وضوح ووحدة وصلابة موقف الدول الغربية، الداعم بلا حدود لأوكرانيا، في صدّها الغزوة الروسية، ومع كل الارتدادات العكسية، التي شنّت روسيا على أساسها تلك الحرب.
في المقابل، ما زال الطرف الأوكراني عند موقفه، أيضاً، برفض الرضوخ للإملاءات الروسية، وعدم القبول بواقع سلخ روسيا لمناطق من أراضيه، بل وإصراره على استعادة شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا لأراضيها في العام 2014. وبالمثل، فإنّ الطرف الاوكراني غير راغب بأية مراجعة لمواقفه الأولية، بالنظر لتزايد ثقته بنفسه، على ضوء تمكّنه من صدّ الغزو الروسي، واستعادة بعض الأراضي التي احتُلت في بداية الحرب، خصوصاً على ضوء الدعم الغربي لأوكرانيا، سياسياً ومادياً وعسكرياً، لاسيما مع شعور أوكرانيا بأنّ هذه الحرب لم تعد تخصّها لوحدها، إذ هي، بتداعياتها ومفاعيلها، تخصّ الدول الأوروبية، وأيضاً الولايات المتحدة.
على الصعيد الدولي، فإنّ الأطراف الداعمة لأوكرانيا، أي الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، التي باتت بمثابة طرف، وإن غير مباشر، في تلك الحرب، فهي تتحرّك وفق استراتيجية مفادها، أولًا، عدم تمكين فلاديمير بوتين من الفوز في أوكرانيا. ثانياً، تدفيع روسيا ثمناً باهظاً جراء استمرار الغزو، ما يشمل العقوبات المختلفة، والدعم المستمر لتمكين الأوكرانيين من الصمود. ثالثاً، دعم الجيش الأوكراني بشكل محسوب ودقيق، بحيث لا تتحوّل الحرب الدائرة إلى حرب إقليمية، أو عالمية، أو نووية. رابعاً، الحفاظ على كرامة روسيا أو كرامة بوتين، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وبحيث لا تذهب روسيا نحو خيار الحرب النووية.
وتعتقد الدول الغربية أنّ استراتيجية عقلانية وحاسمة ومسؤولة، كهذه، في إمكانها اقناع بوتين، ولو بشكل متدرج وبطيء، بالنزول عن الشجرة التي صعد إليها، ومراجعة حساباته، آجلاً أم عاجلاً، وهي استراتيجية أثمرت، حتى الآن، بكبح جماح بوتين بخصوص تصعيد أو توسيع تلك الحرب، أو تحوّلها إلى حرب نووية، بالنظر لما بات يعرفه من عواقب ذلك على روسيا، والفارق بين الآلة العسكرية الروسية، والآلة العسكرية الغربية، التي لم تدخل بكل ثقلها أو بأجيالها الجديدة، وبعد اختباره تداعيات العزل السياسي والاقتصادي والأمني لروسيا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أما الدول الحليفة لروسيا، فهي تبدو خجولة، أو متردّدة في مواقفها، إذ هي لا تؤيّد ضمّ روسيا لأجزاء من أوكرانيا، وتحجم عن تقديم الدعم السياسي العلني لها، كما حصل في قرارات الأمم المتحدة مرتين، حيث ظلّ التأييد لروسيا وقفاً على دول عدة صغيرة، ومعزولة، ومحدودة التأثير، مثل بيلاروسيا، وسوريا، وكوريا الشمالية، وأريتريا، ونيكاراغوا.
ومعلوم أنّ دول “بريكس”، التي تنضوي فيها روسيا، وتبني عليها طموحها لبناء عالم متعدّد الأقطاب، أي الصين والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند، امتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة، التي أدانت الغزو الروسي، ولم ترفضها، وهو موقف إيران أيضاً، رغم أنّ بعض تلك الدول ترفض العقوبات الدولية على روسيا، وتقدّم لها بطريقة أو بأخرى دعماً عسكرياً.
على ذلك، فإنّ تلك الحرب، بالنظر لمواقف الطرفين المعنيين، وعلى ضوء المعادلات السياسية الدولية الراهنة، ستستمر بهذا الشكل الطاحن، والمكلف والمضني، لمختلف الأطراف، من دون استراتيجية خروج، أي من دون تعيين نقطة حل وسط مقبولة، أو حل وسط يقوم على نزع فتيل الحرب، للانتقال إلى طاولة الحوار، وتالياً للبحث عن طريقة مرضية لكل الأطراف، ولو بطريقة نسبية.
بديهي أنّ المبادرة لوضع استراتيجية خروج، أو وقف لتلك الحرب، هي بيد روسيا، قبل أي طرف آخر، فهي التي اقتطعت أراضي من أوكرانيا، وهي التي بدأت بالحرب، ومن غير المعقول أن تذهب أوكرانيا إلى طاولة حوار نتيجتها مشروطة روسياً، بقبول أوكرانيا بانسلاخ جزء من أراضيها، ومنحها لها، لاسيما في ضوء الدعم والتشجيع الذي تلقاه من الغرب، وعلى ضوء نجاحها في إجبار روسيا على وقف عجلات دباباتها.
مع ذلك، فإنّ تحميل روسيا مسؤولية المبادرة لوقف الحرب، والتوجّه للحوار لإيجاد حلّ ما، لا يعني عدم إقدام الأطراف الفاعلة الأخرى، خصوصاً الولاياتّ المتحدة والدول الأوروبية، على هكذا خطوة، بل إنّ تلك الأطراف معنية بإطلاق هكذا مبادرة، أيضاً، لتقديم نوايا حسنة، تخفّف من مخاوف روسيا، وتشجعها على المبادرة لوقف الحرب الدائرة، والذهاب إلى طاولة حوار، مع الطرف الأوكراني، الذي يفترض أن يتلقفها، لأنّها تخدم مصلحته، في إيقاف آلة الحرب المجنونة، والمدمّرة، أولًا، وتمكينه من استعادة أراضيه وحماية شعبه ثانياً.
باختصار، هذه حرب عبثية، مدمّرة، لكل الأطراف، لا منتصر فيها، ولا رابحون، وإنما خاسرون فقط، والمهم الآن وضع حدّ لتلك الخسارات، لكل الأطراف.