مؤتمر فالداي الرابع عشر حول الشرق الأوسط ورؤية روسيا لمستقبل سوريا

مؤتمر فالداي حول الشرق الأوسط

مؤتمر فالداي الرابع عشر حول الشرق الأوسط ورؤية روسيا لمستقبل سوريا

فراس بورزان – كاتب وباحث في الشؤون الروسية وشؤون اوراسيا

13\2\2025

عقد نادي فالداي في روسيا مؤتمره السنوي الرابع عشر حول الشرق الأوسط منذ ايام، تحت عنوان “الشرق الأوسط 2025: تعلم الدروس من الماضي، البقاء في الحاضر، وتصميم المستقبل”.

شهد المؤتمر مشاركة أكثر من 50 خبيراً وشخصية سياسية بارزة من 15 دولة، وناقش التحولات الإقليمية المتسارعة، لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

تقرير فالداي: سوريا عند مفترق طرق

أصدر النادي تقريراً بعنوان “سوريا: مفترق طرق عدم اليقين في الشرق الأوسط“، شارك في إعداده اثنان من أبرز الخبراء الروس:

  • فيتالي نعومكين: أكاديمي روسي بارز، أستاذ، وعضو كامل في أكاديمية العلوم الروسية، يشغل منصب رئيس معهد الاستشراق.
  • فاسيلي كوزنتسوف: مدير مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق الروسي.

يرسم التقرير ملامح الرؤية الاستراتيجية الروسية لمستقبل سوريا بعد انهيار النظام السابق، ويحلل أبعاد التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

أبرز محاور التقرير

  1. التحولات الإقليمية:

يرى التقرير أن الأزمة السورية تأتي ضمن موجات متعاقبة من التغيرات السياسية التي بدأت منذ 2011، ويقسمها إلى أربع مراحل، آخرها سقوط نظام الأسد.

  1. إعادة بناء مؤسسات الدولة:

يناقش مستقبل الحكم في سوريا، مع التركيز على التحديات المؤسسية، مثل إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، إصلاح البيروقراطية، وتحديد دور الإسلاميين في السلطة الجديدة.

  1. التشكيل الجغرافي والإداري

يرفض التقرير سيناريو تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية، لكنه يطرح خيارات مثل اللامركزية أو الفيدرالية، محذراً من استغلال إسرائيل وتركيا للوضع الحالي لتعزيز نفوذهما في مناطق معينة.

كيف يحاول الكرملين تبرير جرائمه من خلال التلاعب بمؤتمر يالطا في عام 1945

  1. التنافس الإقليمي والدولي

يرى التقرير أن سوريا أصبحت ساحة صراع بين قوى إقليمية مثل إسرائيل، تركيا، إيران، ودول الخليج، مع تحليل لمواقف كل طرف وطموحاته المستقبلية.

الرؤية الروسية لمستقبل سوريا

يقدم التقرير تصوراً للرؤية الروسية حول شكل النظام الجديد، ومستقبل النفوذ الروسي في المنطقة:

  • فشل الأسد في الإصلاح: يرى التقرير أن الأسد أضاع فرصة الإصلاح السياسي التي وفرها التدخل الروسي منذ 2015، ما أدى إلى انهيار نظامه. ورغم ذلك، فإن الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها يبقى أولوية لموسكو، حتى لو انتقلت السلطة إلى قوى جديدة، بما في ذلك الإسلاميون المعتدلون.
  • رفض التدخلات الغربية: يؤكد التقرير موقف موسكو المعارض لما تصفه بـ “الاستعمار الجديد”، مشيراً إلى أن الغرب لم يكن معنياً بدعم الديمقراطية، بل تعامل مع الأزمة السورية بمنطق جيوسياسي بحت يخدم مصالحه الاستراتيجية.
  • خطورة إعادة رسم الحدود الإقليمية: يحذر التقرير من أي محاولات لتغيير الخرائط الجيوسياسية، لما قد يترتب عليه من تصعيد انفصالي واضطرابات إقليمية، مع انتقاد واضح للطموحات الإسرائيلية والتركية داخل سوريا.
  • التعامل مع الإسلاميين: رغم أن موسكو كانت خصماً للإسلاميين السوريين لسنوات، فإن التقرير يقر بضرورة التعامل مع هيئة تحرير الشام، باعتبارها القوة المسيطرة حالياً، كما يشير إلى أهمية استيعاب “الإسلاميين المعتدلين” في النظام السياسي الجديد.

العلاقات الإقليمية والدولية

  • إسرائيل: تسعى لتحقيق أهداف توسعية تتجاوز احتياجاتها الأمنية التقليدية.
  • تركيا: تركز على تحجيم النفوذ الكردي وإنشاء منطقة عازلة بدعم أمريكي غير واضح.
  • دول الخليج: ترى في سقوط الأسد فرصة لتعزيز نفوذها، لكن تأثيرها مرهون بالدعم الاقتصادي والسياسي للنظام الجديد.
  • إيران: فقدت جزءاً كبيراً من نفوذها بعد سقوط الأسد، لكنها قد تستعيد بعض قوتها إذا فشلت السلطات الجديدة في تثبيت شرعيتها.

التحديات التي تواجه روسيا

  • التكيف مع النظام الجديد: تدرك موسكو أن المعادلة السياسية في سوريا قد تغيرت، لكنها ستعمل على الحفاظ على نفوذها عبر الدبلوماسية والأدوات الاقتصادية والعسكرية.
  • مواجهة النفوذ الغربي: تسعى روسيا إلى منع تدخلات واشنطن وحلفائها في إعادة تشكيل النظام السوري.
  • تعزيز التنسيق مع الخليج: قد تعتمد موسكو على التعاون مع السعودية والإمارات في إعادة الإعمار، لمنع تقديم تنازلات كبرى لتركيا أو إسرائيل.

السيناريوهات المستقبلية

  1. تثبيت حكم هيئة تحرير الشام: من المرجح أن تشهد سوريا إعادة تشكيل شاملة للنخبة السياسية، مع دور محوري للإسلاميين المعتدلين. قد تسعى روسيا للحفاظ على بعض رجال الدولة السابقين لتأمين استقرار مؤسسات الحكم.
  2. صراع داخلي بين التيارات السياسية: قد ينشب صراع بين الإسلاميين والفصائل السياسية الأخرى حول طبيعة الحكم ومدى تأثير الدين على آليات صنع القرار.
  3. مواجهة محتملة مع إسرائيل وتركيا: قد تتصاعد التوترات العسكرية، خاصة إذا حاولت إسرائيل ضم مزيد من الأراضي السورية أو سعت تركيا إلى توسيع نفوذها في الشمال على حساب الأكراد.
  4. دور الخليج في إعادة الإعمار: من المتوقع أن تلعب السعودية والإمارات دوراً مهماً في دعم الاقتصاد السوري، لكن ذلك سيعتمد على مدى توافق السلطة الجديدة مع المصالح الخليجية.

الخلاصة

سوريا لا تزال محور عدم اليقين في الشرق الأوسط، حيث يرتبط استقرارها بمصير النظام السياسي الجديد وإعادة تعريف التوازنات الإقليمية.

  • الموقف الروسي غير محسوم بالكامل، لكنه يركز على الحفاظ على وحدة الدولة السورية مع المرونة في التعامل مع اللاعبين الجدد.
  • في ظل هذه التحولات، تبقى سوريا ساحة صراع مفتوحة بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تتشكل معادلات جديدة ستحدد مستقبلها السياسي والعسكري خلال السنوات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *