ماذا تعني معارك باخموت بالنسبة لأوكرانيا
وجهة نظر من الولايات المتحدة
ترجمة واعداد د. سعيد سلّام
مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية
25/4/2023
خاضت القوات الأوكرانية والروسية منذ عدة أشهر معارك دامية على أراض تبدو غير مهمة. كان القتال حول بلدات “الدونباس” الصغيرة مثل أفدييفكا وفوغليدار وباخموت شديدًا لدرجة أن العديد من المعلقين الغربيين ووسائل الإعلام بدأوا في انتقاد إصرار الحكومة الأوكرانية على مواصلة القتال في هذه المناطق. كتب فيليبس بايسون أوبراين وميكولا بيليسكوف عن هذا في مقالهما “ماذا تعني معارك باخموت لأوكرانيا” لمجلة The Atlantic الأمريكية.
وفقًا للوثائق التي تم تسريبها إلى قناة Discord، كان مسؤولو المخابرات الأمريكية يحضون كييف منذ شهور على ضرورة مغادرة باخموت. يقول المشككون إنه من الأفضل بكثير أن ينسحب الأوكرانيون من المدينة ويتخذون مواقع جديدة يسهل الدفاع عنها في أماكن أخرى، تاركين الروس الذين يبدو أنهم على استعداد للتضحية بأعداد كبيرة من الجنود والمعدات لتحقيق مكاسب عسكرية صغيرة.
الوضع في باخموت بتاريخ 24/4/2023.
حتى أن بعض المراقبين يجادلون بأنه من خلال مواصلة التمسك بباخموت ، يمكن أن يعرض الأوكرانيون هجومهم المضاد للخطر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استخدام الكثير من الذخيرة للدفاع عن المدينة.
لكن أوكرانيا ليس لديها رفاهية اختيار مكان القتال، وذلك على وجه التحديد لأنها تستعد لهجوم مضاد.
في محاولة لصد القوات الروسية التي توغلت في الأراضي الأوكرانية خلال معركة الدونباس العام الماضي، ستحتاج أوكرانيا إلى بعض الوقت لإتقان مجموعة واسعة من المعدات الجديدة التي قدمها الحلفاء الأوروبيون والولايات المتحدة.
إن القرار الأوكراني بالقتال من أجل باخموت وأفدييفكا وفوغليدار، والذي نسميه معركة دونباس الثانية، ليس مدمرًا بأي حال من الأحوال؛ فقد استند، مثل معظم قرارات الجيش الأوكراني في هذه الحرب، إلى فهم استراتيجي متين. كانت الخطة هي استخدام مزايا الدفاع لبناء القوات وإعدادها لهجوم مضاد.
في الواقع، بدلاً من إعاقة الهجوم المضاد، كان قرار أوكرانيا بإطالة أمد القتال في هذه المدن على الأرجح جزءًا لا يتجزأ من تعظيم فرص النجاح.
تواجه القوات المسلحة الأوكرانية عدوًا يتمتع بميزة تفوّق عددية. واستقدم الجيش الروسي، خاصة بعد التعبئة العاجلة التي بدأت في سبتمبر الماضي، عددًا كبيرًا من الجنود الجدد إلى ساحة المعركة بسبب الخسائر السابقة. احتاج هذا الجيش الكبير، ولكن المعيب، إلى وقت للتدريب.
سيكون لدى روسيا فرص أفضل للنجاح إذا سمحت للقوات الجديدة بتطوير مهاراتها بالدفاع في مواقع دفاعية، والسماح للجنود الأكثر خبرة بالراحة استعدادًا للهجوم الأوكراني.
إذا أرادت أوكرانيا استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا في العام الماضي أو في عام 2014، فسيتعين عليها إجبار قوات الاحتلال على التراجع. وإذا أوضحت الحرب الحالية أي شيء، فهو أن محاولة المهاجمة ضد القوة النارية الحديثة – مهمة خطيرة، كما أظهر الأوكرانيون أنفسهم مرارًا وتكرارًا لقوات الغزو الروسي خلال الحرب الحالية.
ومع ذلك، حتى بعد أن كشفت حملة روسيا عام 2022 عن عيوب خطيرة في قيادة وفعالية قواتها، بدا الاستراتيجيون العسكريون في موسكو مصممين بشدة على الاستيلاء على مساحات صغيرة من الأراضي التي يتم القتال عليها الآن في الدونباس. لذلك، عادت روسيا إلى الهجوم دون أن تحاول حل مشاكلها العديدة.
كانت الجهود الروسية في باخموت مكثفة بشكل خاص، لأن المدينة استهدفتها ميليشيا شركة “فاغنر” العسكرية الروسية سيئة السمعة، التي نظمها يفغيني بريغوجين، وهو رجل الكرملين، يُطلق عليه أحيانًا اسم “طباخ بوتين” والذي أصبح أحد رموز نظامه. في هذه الأثناء، وضع الجيش الروسي النظامي أنظاره على كوبيانسك وليمان وأفدييفكا وفوهليدار وأرسل قوات كبيرة هناك.
وهكذا أطلق الروس العنان لمنافسة قاتلة داخل قواتهم، حيث بدا أن الجيش و “فاغنر” يذهبان إلى أبعد من ذلك في محاولة التفوق على بعضهما البعض لأغراض سياسية.
كانت معركة فوهليدار واحدة من أكثر المعارك غرابة في هذه الحرب. في أوائل فبراير، أمر الروس، الذين كانوا يائسين من الاستيلاء على المدينة، رتلاً من الدبابات بالتحرك على الطريق دون معدات إزالة الألغام. دمر الأوكرانيون الرتل بأكمله، ونشروا الألغام أمام وخلف القوات الروسية، مما تسبب في خسائر فادحة، لدرجة أنه تم اقالة القائد الروسي.
وبالمثل، فشلت التشكيلات الروسية في الالتفاف على أفدييفكا وتطويقها، وفشلت في الاستيلاء على كوبيانسك، وقامت بمحاولات فاشلة لا حصر لها لتخفيف الضغط الأوكراني على كريمينايا، وفشلت في دفع التشكيلات الأوكرانية للتراجع نحو ليمان (التي احتلتها القوات الروسية في البداية، لكن القوات الأوكرانية حررت المدينة في أوائل أكتوبر).
كل من هذه العمليات الفاشلة كلفت الروس ثمنا باهظا.
كانت بلدة باخموت مثالًا سيئًا ومؤسفًا على استعداد روسيا للتضحية بالجنود. اتخذت ميليشيا “فاغنر” شكلاً مشوها بشكل خاص للتكتيكات في الحرب. يتم إرسال مفارز من السجناء عديمي الخبرة لمهاجمة المواقع الأوكرانية مع أمل ضئيل في النجاة.
دورهم هو أن يكونوا أهدافًا فقط – لإجبار الأوكرانيين على إظهار مواقعهم بفتح النار عليهم.
من الواضح ان الاعتماد كان أن المدفعية الروسية وموجات الهجوم اللاحقة يمكنها بعدها تجاوز جثث رفاقها القتلى. من خلال استخدام تكتيك “الموجات البشرية” المكلف للغاية، كانت ميليشيا “فاغنر” تكرر ممارسات الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية، والتي عادة ما يتجاهلها المعجبون الغربيون بالفن العسكري السوفيتي.
ومع ذلك، حتى هذا الشكل من حرب التدمير الذاتي لم يجلب سوى امتيازات موضعية صغيرة، وكانت خسائر الجنود الروس، خاصة بالقرب من باخموت، مروعة بشكل خاص. قال متحدث باسم الناتو لصحيفة الغارديان في نهاية مارس/آذار إن الروس يخسرون ما بين 1200 و1500 ضحية يوميًا، معظمهم في باخموت وما حولها.
كما عانت أوكرانيا من خسائر ملموسة. في كانون الأول (ديسمبر)، عندما قام الرئيس فولوديمير زيلينسكي بزيارته لواشنطن، كان أحد أكثر الأجزاء عاطفية في خطابه أمام الكونجرس مخصصًا للقتال في باخموت.
قال الرئيس الاوكراني “كل شبر من هذه الأرض غارقة في الدم. إن هدير الاليات العسكرية يسمع على مدار الساعة”. مضيفًا: “القتال من أجل باخموت سيغير تاريخ حربنا من أجل الاستقلال والحرية”.
في مارس، عندما زار الرئيس زيلينسكي جبهة باخموت، شكر الجنود على جهودهم البطولية وشدد على أن القتال يجب أن يستمر حتى تنتصر أوكرانيا. وأصر على أنه في حالة سقوط باخموت، فإن بوتين سيستغل الانتصار الروسي لممارسة ضغوط دولية على مصالح أوكرانيا.
المعركة من أجل الدونباس وقرار زيلينسكي بإطالة والمبالغة في أهمية المعركة قد تبدو بلا قلب، لكنها جزء من محاولة متعمدة لتقليل الخسائر الأوكرانية في المستقبل والاستعداد لهجوم مضاد.
من الأفضل للقوات الأوكرانية مواجهة الجيش الروسي الكبير غير المؤهل عندما يهاجم ويتكبد خسائر فادحة. إذا استمرت القيادة الروسية في محاولة التقدم في هذه الظروف، فيجب على الأوكرانيين الاستمرار في استخدامها.