“مثال على قصر النظر”: ثلاثة دروس مستفادة من مذكرة بودابست
تاتيانا فوروجكو
رئيسة التحرير التنفيذية للخدمة الأوكرانية في إذاعة صوت أمريكا
ترجمة مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية عن موقع إذاعة صوت أمريكا باللغة الأوكرانية
6\12\2024
قبل ثلاثين عامًا، اجتمع قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وأوكرانيا في بودابست ووقعوا مذكرة قدمت ضمانات أمنية لأوكرانيا مقابل تخليها عن ترسانتها النووية، التي كانت آنذاك ثالث أكبر ترسانة في العالم.
في بيان أصدرته في 3 ديسمبر في الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية (مذكرة) بودابست، وصفت وزارة الخارجية الأوكرانية الاتفاقية بأنها “مثال على قصر النظر في اتخاذ القرارات الأمنية الاستراتيجية”.
بعد وصوله إلى بروكسل لحضور اجتماع لوزراء خارجية حلف الناتو، وصف وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا الاتفاقية، وهو يحمل نسخة من المذكرة، بأنها تذكير بأن أي قرارات طويلة الأجل تُتخذ على حساب أمن أوكرانيا “غير مناسبة وغير مقبولة”.
وقال سيبيغا: “لقد فشلت هذه الوثيقة، هذه الورقة، في ضمان الأمن الأوكراني والأمن عبر الأطلسي”، وأضاف: “لذلك يجب علينا تجنب تكرار مثل هذه الأخطاء. لذلك، بالطبع، سنناقش مع شركائنا مفهوم السلام من خلال القوة، ولدينا فهم واضح للخطوات التي نحتاجها من أصدقائنا”.
جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأوكرانية في 3 ديسمبر: “إن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأمن أوكرانيا، والرادع لمزيد من العدوان الروسي على أوكرانيا والدول الأخرى، هو عضوية أوكرانيا الكاملة في حلف شمال الأطلسي”.
كما أكد الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو على ذلك في مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا. حيث قال بوروشينكو: “يرجى اعتبار التوقيع بموجب [الدعوة للانضمام] إلى الناتو التزامًا دائمًا من شركائنا، بما في ذلك الولايات المتحدة، بموجب مذكرة بودابست”.
وأضاف لإذاعة صوت أمريكا: “هذا شرط أساسي عندما تخلت أوكرانيا طواعية عن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، وقال الجميع إنه لو كانت أوكرانيا تمتلك هذه الترسانة النووية الآن لما كانت هناك حرب ولا احتلال”.
الأوكرانيون يتساءلون عما ستفعله الولايات المتحدة إذا انتهكت روسيا المعاهدة – بايفر
وقّع الرؤساء ليونيد كرافتشوك رئيس أوكرانيا وبوريس يلتسين رئيس روسيا وبيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور، على مذكرة في 5 ديسمبر 1994. وفي اليوم نفسه، انضمت أوكرانيا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وقد شارك ستيفن بايفر، الدبلوماسي المتمرس الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى أوكرانيا من عام 1998 إلى عام 2000، في المفاوضات حول المذكرة وغيرها من الوثائق ذات الصلة.
وقال بايفر للخدمة الأوكرانية في إذاعة صوت أمريكا: “في تلك الوثيقة، التزمت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا بشكل أساسي باحترام سيادة أوكرانيا واستقلالها وحدودها القائمة، والتزمت بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد أوكرانيا”.
وزارة الخارجية الروسية تقول إن واشنطن وكييف انتهكتا مذكرة بودابست
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت أوكرانيا ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم ووافقت على نقل الأسلحة النووية الموجودة على أراضيها إلى روسيا لتفكيك مواقع إطلاق الصواريخ النووية وإيقاف تشغيلها.
واتفقت جميع الأطراف الموقعة على المذكرة على “الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للأطراف الموقعة على المذكرة”.
ويتهم المسؤولون الروس أوكرانيا وشركاءها بانتهاك مذكرة بودابست من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي، الذي يقولون إنه يهدد مصالح روسيا الأمنية.
قالت وزارة الخارجية الروسية إن واشنطن وكييف انتهكتا مذكرة بودابست.
وقال بايفر إنه في أوائل التسعينيات، سأل الجانب الأوكراني عما ستفعله الولايات المتحدة إذا انتهكت روسيا مذكرة بودابست. وأضاف: “قلنا إن الولايات المتحدة ستفعل شيئًا، سنهتم بالأمر”. وأضاف: “لكننا كنا واضحين للغاية: “نحن نخبركم الآن أن هذا لا يعني أننا سنرسل الجيش الأمريكي للدفاع عن أوكرانيا”. ولذلك فإن الوثيقة هي مذكرة ضمانات أمنية وليست ضمانات أمنية”.
تعتقد ماريانا بودجيرين، المؤلفة والزميلة البارزة في مشروع الدراسات النووية في مركز “بلفر” في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أن أوكرانيا وشركاءها الغربيين فشلوا في فهم التهديد الروسي بشكل كامل. وتقول: “لقد كان وقتًا مختلفًا”.
إذ قالت لإذاعة صوت أمريكا: “كانت هناك رواية مفادها أن أوكرانيا دولة مسالمة، وأنها لا تهدد أحدًا حقًا، وكان من المفترض أن تنضم إلى المجتمع الدولي بشروط جيدة”. وأضافت: “كانت الحرب الباردة قد انتهت، وكان الاتحاد السوفيتي قد انهار، وكانت مسألة الأسلحة برمتها، بما في ذلك الأسلحة النووية، شيئًا من الماضي”.
بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، دعى بايفر وآخرون إدارة أوباما إلى تقديم المساعدة الدفاعية لأوكرانيا للوفاء بالتزاماتها بموجب مذكرة بودابست.
وقال بايفر: “أعتقد أنه كان ينبغي على إدارة أوباما أن تفعل المزيد فيما يتعلق بتقديم المساعدة الدفاعية لأوكرانيا، ولكن إذا نظرنا إلى العامين ونصف العام الماضيين، نجد أن إدارة بايدن قدمت أكثر من 100 مليار دولار من المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا. وهذا بالتأكيد يتماشى مع ما تحدثنا عنه قبل 30 عامًا”.
ثلاثة دروس يمكن استخلاصها من المذكرة
هل كان بإمكان أوكرانيا الاحتفاظ بترسانتها النووية؟
أشارت بودجيرين إلى أن الأسلحة النووية التي ورثتها أوكرانيا في عام 1991 لم تكن “رادعًا نوويًا كاملًا يمكنها الاستيلاء عليه واستخدامه لردع روسيا”.
“لقد كانت جزءًا من ترسانة نووية طورتها دولة أخرى، الاتحاد السوفيتي، لأغراض استراتيجية لتلك الدولة. وكان الهدف الاستراتيجي للاتحاد السوفيتي هو ردع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة”.
وتضيف بودجيرين: “ولكن في نهاية المطاف، لكي يكون لأوكرانيا رادع نووي موثوق به، كان على أوكرانيا أن تستثمر أكثر بكثير في برنامج نووي مستقل، وهو ما لم يكن لديها”.
لذا، كما تقول، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن أوكرانيا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية وأن تكون على ما هي عليه الآن. وتعتقد الباحثة أن أوكرانيا كانت ستفقد دعم شركائها الغربيين، وكانت ستواجه صعوبات اقتصادية أكبر بكثير، وكان من الممكن أن تكون معزولة دوليًا.
وفقًا لبايفر وبودجيرين، فإن الدروس المستفادة من مذكرة بودابست في أمور اخرى.
أولاً، كما تقول بودجيرين، كان يمكن لأوكرانيا أن تستثمر أكثر في قدراتها العسكرية التقليدية بعد توقيع المذكرة.
وفي نهاية المطاف، “الدرس الرئيسي لأي بلد هو أنه لا توجد وثيقة واحدة، مهما كانت ملزمة قانونيًا ومكتوبة بشكل جيد وقوي، تشكل أساسًا كافيًا للأمن القومي. أنت بحاجة إلى أن تكون قادرًا على الاستثمار حقًا في دفاعك وأمنك القومي”.
وثانيًا، وفقًا لبايفر، فإن مذكرة بودابست ليست الوثيقة الوحيدة التي وقعتها روسيا وانتهكتها، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الاتفاقات المستقبلية مع موسكو:
“كان ذلك أيضًا في المعاهدة الروسية الأوكرانية للصداقة والتعاون والسلام لعام 1997. هناك العديد من الوثائق الأخرى التي قالت فيها الحكومة الروسية بوضوح: “نحن نعترف بأوكرانيا ضمن حدود عام 1991. نحن نعترف ونقبل بسيادة أوكرانيا واستقلالها”.
وفقًا لبودجيرين، هناك درس آخر أكبر للمجتمع الدولي.
حيث اكدت: “هذه قصة حول مدى هشاشة نظام القانون الدولي – الاتفاقات الدولية – وأن مصداقيته ووجوده واستمراره وعمله يعتمد على كل من الامتثال الطوعي (من قبل الدول) والرد المناسب من قبل الدول على المنتهكين”.