مسار تفاوضي ملغوم.. حسابات ترامب وبوتين تعقّد سيناريوهات إنهاء حرب أوكرانيا

مسار تفاوضي ملغوم.. حسابات ترامب وبوتين تعقّد سيناريوهات إنهاء حرب أوكرانيا

مسار تفاوضي ملغوم..

حسابات ترامب وبوتين تعقّد سيناريوهات إنهاء حرب أوكرانيا

عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز

3\11\2025

بينما كانت الأنظار مشدودة إلى بودابست بانتظار القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، جاء قرار ترامب إلغاء اللقاء في اللحظة الأخيرة ليقلب التوقعات.

لكن التصريح الذي أطلقه ترامب لاحقًا بدا أكثر وقعًا من القمة ذاتها، إذ قال إن “روسيا تسعى لإنهاء الأزمة الأوكرانية، وبوتين شخصيًا يريد ذلك”. تصريحٌ فسّره بعضهم كبادرة تهدئة، فيما قرأه آخرون كإشارة ضمنية إلى مسار تفاوضي معقّد تُدار تفاصيله على أكثر من مستوى.

وفي حديثه للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء رحلته إلى آسيا، شدّد ترامب على أنه يؤمن بوجود «رغبة حقيقية لدى القيادة الروسية في تحقيق السلام»، مضيفًا أن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد موسكو «قوية جدًا» وستؤدي إلى «نتائج ملموسة».

التصريح جاء بعد أيام من فرض واشنطن حزمة عقوبات واسعة طالت شركتي روس نفط ولوك أويل، وهما من أعمدة صادرات الطاقة الروسية، في رسالة واضحة بأن الطريق إلى السلام لا يمر إلا عبر الضغوط الاقتصادية والسياسية.

بوتين، من جانبه، لم يتأخر في الرد، فوصف العقوبات بأنها «إجراء غير ودي»، مؤكدًا أن الاقتصاد الروسي قادر على الصمود أمام الضغوط الغربية، وأن بلاده لن تتخذ قرارات تحت الإكراه.

ورغم لهجة التحدي والدبلوماسية الترامبية الجديدة، يبقى السؤال الأهم، هل يمهد هذا التصريح لتقارب حقيقي بين واشنطن وموسكو؟

ترامب: على بوتين إنهاء حرب أوكرانيا لا اختبار الصواريخ

دلالات تفاوضية

وأكد الخبراء أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن رغبة روسيا، وبوتين شخصيًا، في إنهاء الحرب الأوكرانية تحمل «دلالات تفاوضية» أكثر منها واقعية، خاصة أنها جاءت بعد إلغاء لقائه المرتقب مع بوتين في المجر.

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور توفيق حميد إن متطلبات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا مرتفعة للغاية، وهو ما يعقد فرص الوصول إلى تسوية سريعة ومستدامة.

وكشف حميد في تصريح لـ«إرم نيوز» أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى لإنهاء الحرب مع تقديم تنازلات محدودة من الجانب الأوكراني، «لكن دون السماح لروسيا بالسيطرة على معظم الأراضي الأوكرانية».

الدعم الأوروبي لأوكرانيا بعد لقاء الرئيسين زيلينسكي وترامب

وأكد المحلل السياسي أن ترامب يبدي رغبة حقيقية في إنهاء الصراع لما فيه مصلحة جميع الأطراف، مشيرًا إلى أن هناك استعدادًا متزايدًا داخل أوكرانيا نفسها لقبول تسوية عادلة.

وأضاف أن بوتين «يرفع سقف مطالبه بشكل مبالغ فيه»، ويستخدم ملفات متعددة للمساومة، ما دفع واشنطن إلى التلويح بإلغاء القمة المنتظرة إذا لم تُظهر موسكو مرونة.

وأشار الخبير في الشؤون الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة لم تتكبد خسائر مباشرة في الحرب، بل استفادت من مبيعات السلاح إلى أوروبا، وهو ما يجعلها تحاول الموازنة بين إنهاء الحرب وتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

وأوضح أن بوتين يضع ثمنًا باهظًا مقابل وقف الحرب، وفي الوقت ذاته تحاول واشنطن التفاوض حول طبيعة السيطرة الروسية على الأراضي، سواء عبر الضم أو الإيجار، لافتًا إلى أن الخلاف على هذه التفاصيل كان أحد أسباب تأجيل اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين.

توماهوك – دونيتسك…كلمات سر متقاطعة لإنهاء الحرب في أوكرانيا

رغبة روسية لإنهاء الحرب

وأكد مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني إيفان يواس، من جانبه، أن تصريحات ترامب عن رغبة روسيا في إنهاء الحرب لا تعكس الواقع، موضحًا أن العمليات العسكرية الروسية ما زالت مستمرة، وأن الضربات تطال المدن الأوكرانية كل ليلة.

وأشار في تصريحات لـ«إرم نيوز» إلى أنه «في اليومين الماضيين فقط، قُتل 5 أشخاص في كييف جراء القصف»، ما يدل بحسب تعبيره على أن الحديث عن السلام «موجود فقط في خيال ترامب».

وقال يواس إن ترامب تحدث عن لقاء محتمل مع بوتين في المجر، قبل أن يتراجع بناء على نصيحة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي رأى أن روسيا «لا تنوي التوقف عن القتال».

وأضاف أن إدارة ترامب فرضت أخيرًا عقوبات على شركتي النفط الروسيتين الأكبر «روسنفت» و«لوك أويل»، اللتين تمثلان ثلثي صادرات موسكو النفطية، معتبرًا أن ذلك يعكس «عودة واشنطن إلى سياسة الضغط الاقتصادي».

وتوقع أن تفرض الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات في المدة المقبلة، في إطار ما وصفه بـ«التحول الأمريكي نحو الجمع بين الأدوات الاقتصادية والسياسية لمواجهة التصعيد الروسي».

منعطف مفصلي في مسار الحرب

أما مدير مركز «فيجن» للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا الدكتور سعيد سلام، فرأى أن تصريحات ترامب الأخيرة تشكّل «منعطفا مفصليا» في مسار الحرب، إذ جاءت بعد يومين فقط من إلغاء قمة بودابست، بسبب «تعنّت موسكو ورفضها وقف إطلاق النار»، إلى جانب العقوبات الجديدة على قطاع النفط الروسي.

وأكد سلام أن التزامن بين التصعيد والحديث عن الحوار يعكس «استراتيجية مزدوجة» تعتمدها واشنطن، تقوم على ممارسة أقصى درجات الضغط مع إبقاء «نافذة ضيقة للتفاوض».

وقال إن ترامب يراهن على «صفقة كبرى» مع الكرملين، مستندًا إلى خبراته السابقة في التفاوض، رغم تعثر محادثات روبيو ولافروف الأخيرة.

الحرب  الروسية الهجينة: استراتيجية التضليل أداة لتفكيك الأمن الأوروبي

وأشار سلام إلى أن واشنطن تتحرك أيضًا على الساحة الدولية لإقناع الصين بتقليص وارداتها من النفط الروسي، بالتوازي مع جهود أوروبية لدعم كييف عبر تخصيص 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة، وإقرار الحزمة الـ 19 من العقوبات.

واعتبر أن هذه الخطوات تعزز موقف كييف التفاوضي، لكنها تثير في الوقت نفسه قلقًا من احتمال تراجع الالتزام الأمريكي في لحظة حرجة.

وأكد أن الحرب دخلت مرحلة «شد وجذب حاسمة» لن تنتهي إلا إذا قُدمت تنازلات حقيقية من موسكو، عبر مزيج من الضغوط الاقتصادية والعزلة السياسية والدعم العسكري لأوكرانيا، وأن تصريحات ترامب الأخيرة ليست عفوية، بل جزءًا من لعبة دبلوماسية معقدة تتقاطع فيها المصالح الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *