إسرائيل تعيد الفلسطينيين إلى البدايات أو إلى نقطة الصفر
ماجد كيالي*
25/3/2023
تنطوي تصريحات الوزير في الحكومة الإسرائيلية عن حزب “الصهيونية الدينية” (7 مقاعد في الكنيست)، بتسلئيل سموتريتش، ومواقفه، على وقاحة وحماقة كبيرتين، في الوقت نفسه، مثل تصريحات الوزير ايتمار بن غفير عن حزب “عظمة اليهودية” (6 مقاعد)، علماً أن الأول هو وزير المالية، ووزير في وزارة الدفاع (لناحية المسؤولية عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية)، والثاني هو وزير للأمن القومي المسؤول عن الشرطة وعن شرطة الحدود.
الوقاحة تأتّت من أن سموتريتش في تصريحاته عن محو بلدة حوارة، ونفي وجود الشعب الفلسطيني، وعن إشهار خريطة تضم الأردن (وأجزاء من سوريا ولبنان) إلى حدود “مملكة إسرائيل”، كما يراها، على ضفتي نهر الأردن، خرج عن النص المرسوم، دولياً وحتى إسرائيلياً، للتعاطي مع الشأن الفلسطيني، لا سيما مع وجود كيان السلطة الفلسطينية، وإن ذلك حدث بعد تعهدات إسرائيل بالتهدئة مع الفلسطينيين، في اجتماعات العقبة وشرم الشيخ، برعاية أميركية وحضور مصري وأردني. أما الحماقة فتأتت من أنه فعل، أو تعمد فعل ذلك، في وقت تمر فيه إسرائيل بوقت عصيب، على صعيد علاقاتها الداخلية، حول رؤيتها لذاتها، وموقفها من الفلسطينيين، وعلى صعيد علاقاتها الخارجية لجهة التوتر الحاصل في علاقاتها مع الغرب (لا سيما الولايات المتحدة والدول الأوروبية)، وأيضاً لجهة الأثر السلبي لذلك على محاولاتها تجميع الأوراق الدولية والإقليمية اللازمة لعزل إيران، ولوضع حد لبرنامجها النووي.
بيد أن المسألة هنا ليست في تلك التصريحات والمواقف لسموتريتش أو غيره (وضمنها تصريحات بن غفير بشأن توزيع السلاح على المستوطنين وأوامر إطلاق النار على الفلسطينيين)، وإنما في عدم رؤية العالم أن مشكلة إسرائيل تكمن في أفعالها، وبما تقوم به عملياً على الأرض، وفي مصادرتها حقوق الفلسطينيين، وفي إقامتها من الأساس، كدولة استعمارية وعنصرية ودينية في فلسطين، بمهاجرين يهود من شتى أنحاء الدنيا، مع تشريد قرابة مليون فلسطيني (1948)، أي إننا إزاء مسألة بدأت منذ 75 عاماً على الأقل.
وإذا صرفنا النظر عن ذلك التاريخ، لاعتبارات تتعلق بالشرعية الدولية (بغض النظر عن رأينا في هذا الأمر)، فإن المشكلة تكمن في عدم رؤية العالم احتلال إسرائيل أراضي الفلسطينيين في حرب حزيران (يونيو 1967) منذ 56 عاماً من دون أن يفعل شيئاً عملياً.
وإضافة إلى ما تقدم فإن المشكلة تكمن، أيضاً، في أن اسرائيل قوضت حتى اتفاق أوسلو المجحف، الذي عقد برعاية أميركية، في البيت الأبيض في واشنطن (1993)، تحت سمع العالم وبصره من دون أن يفعل شيئاً طوال 30 عاماً، علماً إنها تصر على مواصلة الاستيطان في كل شبر من النهر والبحر، باعتبارها أن تلك الأرض ملك خاص ووعد إلهي، لها، حتى أنها صكت قانون/أساس يعتبر أن إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي، أي أن الفلسطينيين من “مواطنيها” لا يحق لهم تقرير المصير، ولا حقوق جمعية، أو وطنية.
ووفقاً لما تقدم، فإن المشكلة أن العالم لا يتصرف وفقاً لتلك الإدراكات، لكأن الأمر جرى للتو، أو مع تصريحات ومواقف لهذا أو ذاك، علماً أن إسرائيل، التي أطاحت اتفاق أوسلو تماماً في مفاوضات كامب ديفيد-2 (2000)، أطاحت أيضاً خطة “خريطة الطريق” (2003) التي طرحها الرئيس بوش (الابن)، ثم تفاهمات أنابوليس (2007)، ثم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية (2014)، في عهد الرئيس أوباما، وهي كانت أطاحت قبل ذلك المبادرة العربية للسلام (مؤتمر قمة بيروت 2002)، وكل قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومع ذلك فإن القوى الدولية والإقليمية لم تكن تفعل شيئاً، سوى دفع الفلسطينيين نحو مزيد من التنازلات، ومزيد من التكيف مع واقع الاحتلال والاستيطان، وبدعوى طمأنة إسرائيل، ونيل ثقتها، وحفظ أمنها، والتركيز على التنمية الاقتصادية.
في الواقع، فإن إسرائيل لم تتنصل فقط، من كل اتفاقاتها مع الفلسطينيين، ومن التزاماتها تجاه الأطراف الدولية والإقليمية في هذا الموضوع، إذ هي عملت عكس ذلك، على تكريس احتلالها وسيطرتها على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، عبر حصارها المشدد على قطاع غزة (منذ العام 2007)، حيث يقطن مليونا فلسطيني في مساحة ضيقة، وعبر تعزيزها الاستيطان في كل مناطق الضفة، بخاصة في منطقة القدس، وشقها الطرق الالتفافية وبنائها الجدار الفاصل، كي تعزل الفلسطينيين عن بعضهم بعضاً، وتقطع التواصل بينهم، وتضيق عليهم معيشتهم، كما عملت كل ما بوسعها من أجل الحط من مكانة السلطة الفلسطينية أمام شعبها، وفعلت كل شيء من أجل الحؤول دون ولادة كيان فلسطيني مستقل.
لكن التطور الأبرز الذي فعلته إسرائيل في هذا المجال تمثل بتشريع الكنيست الإسرائيلي قانونين، الأول، وهو قانون أساس (أي بمنزلة دستورية)، ينص على أن إسرائيل هي دولة قومية لليهود (2018)، أي ليس للفلسطينيين (حتى من “مواطنيها”) حق تقرير المصير أو أي حق جماعي أو وطني. والثاني، الذي صدر قبل أيام، وينص على إلغاء قانون فك الارتباط (2005)، الذي نجم عنه انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة، وتفكيك مستوطناتها، مع تفكيك أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، وباعتقادي فإن هذين القانونين متكاملان، لأنهما يصدران عن فكرة مؤسسة لدى اليمين القومي والديني ومفادها أن إسرائيل ملك حصري للإسرائيليين اليهود من النهر إلى البحر، علماً أن القانونين صدرا في عهد نتنياهو الثاني (2009 ـ 2021)، والثالث (بدأ منذ أواخر 2022 )؛ في حين إنه في عهده الأول (1996 ـ 1999) قوّض اتفاق أوسلو تماماً.
في كل ذلك فإن القيادة الفلسطينية تتحمل بعضاً من مسؤولية عن ذلك، لأنها لم تشترط لدى توقيعها اتفاق أوسلو (1993) تفكيك الاستيطان، ولا تحديد ماهية الحل النهائي، ولا تعيين حدود إسرائيل، وحتى لا الافراج عن المعتقلين، إذ إنه لا يوجد في الاتفاق ما ينص على أي من ذلك، وما هو موجود هو فقط تأجيل البت في القضايا الأساسية (القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات، الترتيبات الأمنية) إلى ما سمي في حينه بمفاوضات الحل النهائي، مع اقتران ذلك بتوافق الطرفين، ما يعني أن إسرائيل كقوة مسيطرة هي التي تقرر ما تريد!
هكذا وصل الفلسطينيون إلى هذه الحال، إلى حيث أخذتهم إسرائيل إلى البدايات، أو إلى نقطة الصفر، إلى ما قبل اتفاق أوسلو، في صراع صفري، مع نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، وكأن حقبة من المعاناة والتضحيات والمقاومة والانتفاضات لم تكن.