Вибори президента Росії 2024: вибори в Палату покори
رامي القليوبي – استاذ في كلية الاستشراق والباحث السياسي في موسكو
17\2\2024
لن تكون الانتخابات الرئاسية الروسية المقرّر إجراؤها في مارس/آذار المقبل، سوى محطة جديدة للتمديد لحكم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي عمل خلال عهده على القضاء على أي صوت معارض حقيقي، وبات ما يُعرَفون بـ”المعارضين غير النظاميين” في المنفى أو خلف القضبان. في المقابل، أبقت السلطات على بعض الوجوه من المعارضة “النظامية” لإخراج انتخابات مرسومة وفق المخطط لها، حيث من المتوقع أن يحصل بوتين على أكثرية كبيرة بغياب أي منافسة حقيقية في استحقاق يمكن وصفه بانتخابات بيت الطاعة.
انتخابات روسيا: مرشحون من المعارضة النظامية
وعلى الرغم من استمرار عملية الترشح في انتخابات الرئاسة، وإمكانية تسجيل مرشحين جدد، إلا أن الأحزاب الرئيسية الروسية قد حسمت خياراتها في مسألة تحديد أسماء من سيمثلها في الاستحقاق المرتقب أو عدم الدفع بمرشح من أساسه، وسط غياب أي مرشح له مكانة مهمة على الساحة السياسية الروسية عن الحملة الانتخابية.
وفي الوقت الذي قرّر فيه حزب “روسيا العادلة” ألا يقدم مرشحاً، حدّدت أحزاب المعارضة “النظامية” الثلاثة الأخرى المتمثلة في مجلس الدوما (النواب) الروسي أسماء مرشحيها، ليكون نيقولاي خاريتونوف مرشحاً للحزب الشيوعي الروسي الذي يعد ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد بعد حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، وليونيد سلوتسكي عن “الحزب الليبرالي الديمقراطي”، وفلاديسلاف دافانكوف عن حزب “أناس جدد” المتمثل في البرلمان للمرة الأولى.
ستجرى الانتخابات الرئاسية بغياب أي شخصية ذات مكانة على الساحة السياسية الروسية باستثناء بوتين
أما مؤسس حزب “يابلوكو” (تفاحة) الليبرالي المعارض، غير المتمثل في الدوما حاليا، غريغوري يافلينسكي، الذي خاض السباق إلى الكرملين مرات عدة، بما في ذلك في الانتخابات الأخيرة عام 2018، فحسم في نهاية المطاف موقفه لصالح عدم المشاركة في الانتخابات.
وبذلك ستجرى الانتخابات الرئاسية هذه المرة في غياب أي شخصية ذات مكانة على الساحة السياسية الروسية باستثناء بوتين، في ظل عزوف الحزب الشيوعي عن الدفع بزعيمه غينادي زيوغانوف، ووفاة زعيم “الليبرالي الديمقراطي” فلاديمير جيرينوفسكي، الذي حل سلوتسكي محله العام الماضي.
واللافت أن حزب “أناس جدد” الذي تأهل إلى الدوما إثر الانتخابات التشريعية في عام 2021، لم يدفع هو الآخر برئيسه أليكسي نيتشايف، وإنما بنائب رئيس الدوما دافانكوف. لكن من وجهة النظر الفنية، فإن هذا الأخير قد يبدو مرشحاً منطقياً، إذ سيكون من السهل عليه الانخراط في العملية الانتخابية كونه رشح نفسه في انتخابات عمدة موسكو في الخريف الماضي.
في سياق آخر، تتسم حملة الانتخابات الحالية بعدم اقتراب أي من مرشحي المعارضة “غير النظامية”، ولو إجرائياً، من تسجيل أنفسهم كمرشحين، بعد أن باتوا إما في المنفى وإما يقبعون خلف القضبان.
ومن آخر حلقات مسلسل الإقصاء النهائي لممثلي المعارضة “غير النظامية” والقضاء على رموزها، نقل المعارض السياسي، مؤسس “صندوق مكافحة الفساد”، أليكسي نافالني، إلى الإصلاحية رقم 3 “الذئب القطبي” ذات النظام الخاص في دائرة يامالو – نينيتس ذاتية الحكم في شمال روسيا، وفق ما كشفت عنه المتحدثة باسم المعارض، كيرا يارميش، الاثنين الماضي. وبذلك جرى تشديد نظام سجن نافالني بعد أن كان يؤدي عقوبة السجن لمدة تسع سنوات في قضية “احتيال” بالإصلاحية ذات نظام مشدد رقم 6 في منطقة كوفروف في مقاطعة فلاديمير، الواقعة شرقي موسكو. لكن في أغسطس/آب الماضي، حكم على نافالني بالسجن لمدة 19 عاما مع أداء العقوبة في إصلاحية ذات نظام خاص لإدانته بإنشاء “جماعة متطرفة”.
سلوتسكي الأقرب للمرتبة الثانية
يعتبر مدير عام “مركز الإعلام السياسي” في موسكو، أليكسي موخين، أن غياب أي مرشح من أصحاب الثقل السياسي يشكل تحدياً للكرملين في الانتخابات المرتقبة، متوقعاً أن يحل سلوتسكي في المرتبة الثانية في “النزال” مع بوتين.
ويقول موخين في حديث لـ”العربي الجديد”: “الوضع أكثر تعقيداً مما قد يبدو عليه من الوهلة الأولى نظراً لعزوف العنصرين الرئيسيين للمنظومة السياسية الروسية، زيوغانوف ويافلينسكي، عن الترشح، ما يجعل سلوتسكي هو الشريك الرئيسي في النزال مع بوتين”. ويضيف: “صحيح أن سلوتسكي سيحقق نقلة كبيرة في مسيرته السياسية، في حال حلّ في المرتبة الثانية، ولكنه ليس بحجم شخصية يتمنى بوتين الفوز أمامها”.
تتسم حملة الانتخابات الحالية بعدم ترشح أي وجه من المعارضة غير النظامية
وفي الوقت الذي كانت فيه شعبية الحزب “الليبرالي الديمقراطي” تعتمد كلياً على الشخصية البراقة لجيرينوفسكي ومواقفه اليمينية الشعبوية الجريئة المثيرة للجدل، لم يتمكن سلوتسكي البالغ من العمر 55 عاما، حتى الآن، من فرض شخصيته في المشهد السياسي الروسي بقوة سلفه.
وكانت لجنة الانتخابات المركزية الروسية قد رفضت يوم السبت الماضي، تسجيل مجموعة المبادرة المعنية بترشيح الصحافية الداعية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يكاتيرينا دونتسوفا، بذريعة ورود أخطاء في استمارات أعضاء المجموعة.
وحول رؤيته للشخصية التي قد تستقطب أنصار الجناح الليبرالي من الناخبين الروس في ظل غياب يافلينسكي واستبعاد دونتسوفا، يقول موخين: “قد يحوّل الليبراليون اهتمامهم إلى المرشح المحتمل عن حزب “المبادرة المدنية”، بوريس ناديجدين، وربما سيساعده ذلك في الحصول على مزيد من التمويل. إلا أن رفض تسجيل ترشيح دونتسوفا لن يكون له أي تأثير”. ويتساءل: “هل سمعتم عنها قبل ترشحها؟ أنا شخصيا لم أسمع عنها”.
من جهتها، توقعت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن قائمة المرشحين قد تغلق عند الحد الحالي في حال تم التخطيط لحملة هادئة، مقللة من فرص تسجيل مرشحين آخرين.
ولما كان النظام الانتخابي في روسيا يقتضي أن يقوم المرشح للرئاسة بجمع 100 ألف توقيع في حال لم يكن مرشحاً عن حزب متمثل في الدوما، فإن ذلك يشكل عقبة إدارية هامة أمام المرشحين المحتملين.
أطر متفق عليها
في مقال بعنوان “تكوين حملة الانتخابات الرئاسية من شقّين” نُشر في وقت سابق من الأسبوع الحالي، لفتت “نيزافيسيمايا غازيتا” إلى أن سلوتسكي “يمثل موجة السياسيين الذين برزوا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، ما يعني أنه لن ينافسه هو، بل المرشحين الآخرين، وعلى الأرجح ضمن الأطر المتفق عليها”.
أما النائب عن الحزب الشيوعي خاريتونوف، فيمثل، “جيل مؤسسي النظام السياسي الحالي، ولكن قيمته تكمن، على ما يبدو، في أنه يعلم حدود المسموح به”، وفق المقال. وما يعزز هذه الفرضية، التصريحات التي أكد فيها خاريتونوف أنه لا يعتزم انتقاد بوتين، لأن “له (أي الرئيس) عمله، وللمرشحين الحزبيين عملهم”.