تحولات الدعم الاستراتيجي لأوكرانيا:
تقاطع رؤية ترامب، الحزم الأوروبي، وتحدي المحور الصيني-الروسي في تشكيل النظام العالمي الجديد
وحدة الدراسات السياسية – مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية
17\7\2025
يشهد الدعم الدولي لأوكرانيا تطورات حاسمة ومستمرة، إذ تسعى الدول الغربية جاهدة لتحقيق توازن دقيق بين تقديم المساعدات العسكرية الفعالة التي تحتاجها كييف لمواجهة العدوان الروسي، والتعامل في الوقت نفسه مع الاعتبارات السياسية والاقتصادية الداخلية لكل دولة، بالإضافة إلى التداعيات الجيوسياسية الأوسع للحرب الروسية على أوكرانيا. هذا التوازن الدقيق يفرض تحديات كبيرة ويؤثر بشكل مباشر على وتيرة ونوعية الدعم المقدم.
تحول في استراتيجية التمويل والتسليح والدفاع الجوي
في سابقة تُعد تحولًا مهمًا، قدم الرئيس الأمريكي Дональд Трамп مقترحًا جديدًا وكميًا غير مسبوق لتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا، يمثل كسرًا صريحًا لـ”المحرمات” السابقة. تتمثل الآلية المقترحة في أن تقوم دول НАТО بشراء الأسلحة مباشرة من США، ثم تتولى هذه الدول مسؤولية نقلها إلى كييف، على أن تتحمل الدول الأوروبية التكاليف المالية المترتبة على هذه المشتريات. يهدف هذا النموذج إلى تخفيف العبء المالي المباشر عن دافعي الضرائب الأمريكيين، مع ضمان استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية الصنع إلى Україна، وبالتالي دعم الصناعة الدفاعية الأمريكية. وقد أكد ترامب نفسه عن صفقة مع الناتو لبيع أسلحة للحلف، مؤكدًا أن الناتو هو من سيدفع ثمنها، وأن هذه الأسلحة ستُسلم بسرعة فائقة إلى ساحة المعركة، مشيرًا إلى أن التوقف الذي دام لمدة أسبوعين في إمدادات الأسلحة لأوكرانيا كان ضروريًا لمراجعة دقيقة للمخزونات الأمريكية قبل الإعلانات الجديدة.
لقي هذا المقترح قبولًا مبدئيًا من عدة دول أوروبية رئيسية، بما في ذلك ألمانيا، المملكة المتحدة، السويد، الدنمارك، النرويج، هولندا، وكندا. أبدت هذه الدول استعدادها للمضي قدمًا في هذه الصفقة، مما يعكس رغبة مشتركة في تعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا مع استكشاف آليات تمويل مبتكرة. جاءت هذه الموافقة بعد مفاوضات مكثفة وبعد أن رأى ترامب أن Путін لم يستجب لدعواته المتكررة لوقف إطلاق النار، مما جعله يبدو كـ”شريك صغير” في علاقتهما. هذا الإحباط من جانب ترامب دفعه لتبني نهج أكثر صرامة. الرئيس الأمريكي، الذي كان يعتقد بقدرته على تحقيق تسوية سريعة وفعالة، بات يرى في مسار الأحداث إهانة وخيانة لآماله. إذ صرح ترامب في مناسبات متعددة أن بوتين “يتحدث بكلمات جميلة، ثم في المساء يقصف الجميع”، معترفًا بفشل المحادثات في وقف إطلاق النار. هذا الإحباط العميق يُفسر تبنيه لاستراتيجية “التصعيد من أجل خفض التصعيد”، القائمة على فكرة أن زيادة الضغط العسكري والاقتصادي على Росія ستُجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروط مواتية.
ومع ذلك، أبدت دول أخرى مثل إيطاليا، فرنسا، وجمهورية التشيك تحفظات تجاه هذا المقترح. تنوعت أسباب هذه التحفظات، فبعضها كان ماليًا بحتًا، حيث تشعر هذه الدول بضغوط على ميزانياتها الخاصة. البعض الآخر فضل دعم أوكرانيا من خلال تعزيز الإنتاج المحلي للأسلحة الأوروبية، أو التركيز على مبادرات دعم قائمة بالفعل يتم تمويلها وتنسيقها بشكل مختلف. فرنسا على سبيل المثال، أوضحت أنها ستساعد أوكرانيا بالأسلحة ولكنها تخطط لشرائها من الشركات المصنعة الأوروبية، وليس الأمريكية. وقد أثار هذا المقترح الامريكي، الذي يفرض عبئًا ماليًا كبيرًا على الحلفاء الأوروبيين، نوعًا من المفاجأة والتحفظ في بعض العواصم الأوروبية، حيث طالبت بعض الدول، مثل Європейський Союз، واشنطن بـ”تحمل جزء من أعباء” دعم كييف بالسلاح. كما أن رفض فرنسا وإيطاليا شراء أسلحة أمريكية لأوكرانيا يعكس هذا التحفظ ورغبة بعض الدول الأوروبية في تعزيز صناعتها الدفاعية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، مما أدى إلى تعويل روسي على انقسام أوروبي محتمل لإحباط خطط ترامب.
يُعد هذا التحول في موقف ترامب إيجابيًا بشكل خاص، خاصة فيما يتعلق بتزويد أوكرانيا بأنظمة باتريوت المتقدمة للدفاع الجوي. هذه الأنظمة الدفاعية الحيوية هي الأولوية القصوى لأوكرانيا في ظل الهجمات الصاروخية والجوية الروسية المكثفة على المدن والبنية التحتية الحيوية، حيث أثبتت فعاليتها العالية في اعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. تُجري الولايات المتحدة حاليًا مفاوضات مكثفة مع الحلفاء في الناتو لتقييم مدى استعدادهم لإرسال بطاريات باتريوت إلى أوكرانيا. ورغم أن دولًا مثل اليونان وإسبانيا كانت قد أبدت تحفظات في السابق بشأن إرسال أنظمة باتريوت الخاصة بها، فإن مسؤولين أوروبيين متفائلون بإمكانية تحقيق ذلك في ظل هذا المقترح الجديد. في تأكيد لهذا التوجه، أشار وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى أن بلاده ستناقش إرسال بطاريات باتريوت لأوكرانيا خلال الأيام أو الأسابيع القادمة، ومع ذلك، نبه إلى أن وصول هذه الأنظمة ووضعها في الخدمة الفعلية قد يتأخر لعدة أشهر بسبب تعقيد التدريب والصيانة اللوجستية المطلوبة.
تُشير التقارير بشكل خاص إلى أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس لعب دورًا محوريًا في إقناع ترامب بتوفير أنظمة باتريوت إضافية. فبعد مكالمة هاتفية جرت في 3 يوليو، عرض ميرتس على ترامب صفقة تقوم بموجبها ألمانيا بشراء نظامي باتريوت لأوكرانيا مباشرةً. تزامن هذا العرض مع شعور ترامب بالانزعاج المتزايد من فشل محاولاته المتكررة لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف الحرب. وبعد سلسلة من الهجمات الروسية المكثفة على المدن الأوكرانية في 11 يوليو، والتي فاقمت الوضع الإنساني والأمني، وافق ترامب على صفقة باتريوت، مما يعكس تحولًا في أولوياته ورغبته في إظهار الحزم. هذه الحزمة الضخمة تتضمن، على وجه الخصوص، 17 منظومة دفاع جوي من طراز باتريوت، وقد أكد الأمين العام لحلف الناتو مارك روته أن الحلف وأوروبا سيمولان ثمن هذه المنظومات الباهظة، مما يعكس التزامًا أوروبيًا قويًا.
من المتوقع أن تُرسل ألمانيا نظامين من أنظمة باتريوت الخاصة بها إلى أوكرانيا، وتطلب بدائل جديدة من الولايات المتحدة لتعويض مخزونها. بالإضافة إلى ذلك، تخطط النرويج لشراء نظام واحد، بينما تساهم كندا والدنمارك وفنلندا بشكل مشترك في توفير نظامين آخرين على الأقل. إذا تمت هذه الترتيبات بنجاح، فقد يرتفع العدد الإجمالي لبطاريات باتريوت التي ستصل أوكرانيا إلى خمسة أنظمة، مما سيعزز بشكل كبير قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية في مواجهة التهديدات الصاروخية والجوية المستمرة. وقد أعلن ترامب في 14 يوليو عن القرار بتزويد أوكرانيا ببطاريات صواريخ باتريوت على الفور، بهدف زيادة قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية بشكل كبير، وربما الوصول إلى 12 بطارية أو أكثر، وهو ما يعتبره الخبراء العسكريون عددًا هامًا يمكنه ان يغطي مساحة واسعة من السماء الأوكرانية في وجه الصواريخ البالستية والمجنحة.
المقترح الأمريكي قد يُغير ديناميكيات الدعم لأوكرانيا بشكل كبير، فمن خلال التركيز على التمويل الأوروبي للمعدات الأمريكية، قد يُقلل العبء المباشر على دافعي الضرائب الأمريكيين، مما يجعله أكثر قبولًا للجمهور الأمريكي، ويُمهد لنموذج دعم طويل الأمد لأوكرانيا.
إنذار ترامب لروسيا وتأثيره على السياسات الدولية والعقوبات
وفي خطوة أثارت جدلاً واسعًا وحملت في طياتها تغييرات محتملة في مسار الحرب الروسية على أوكرانيا، وجه الرئيس الأمريكي إنذارًا حاسمًا لروسيا بمهلة زمنية محددة تبلغ 50 يومًا، داعيًا موسكو إلى إبرام اتفاق سلام شامل لإنهاء الحرب في أوكرانيا. لم يكتفِ ترامب بذلك، بل هدد بفرض عقوبات جديدة قاسية وغير مسبوقة، بما في ذلك تعريفات ثانوية بنسبة 100% على شركاء موسكو التجاريين، إذا لم تمتثل روسيا لهذه المهلة وتلتزم بالتوصل إلى تسوية سلمية، وهذا التهديد يشمل دولًا مثل الهند والصين والبرازيل.
يُمكن النظر إلى هذا الإنذار من زوايا متعددة. فمن جهة، يُفسر على أنه محاولة من ترامب للضغط على الرئيس الروسي وإظهار قدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها على الساحة الدولية. يُعزز هذا التفسير ما ورد في سابقا بأن تحول ترامب الأخير نحو نهج أكثر صرامة تجاه روسيا لا ينبع من رؤية استراتيجية جديدة أو تعاطف مفاجئ مع أوكرانيا، بل من شعوره بالإهانة من بوتين الذي لم يستجب لدعواته المتكررة لوقف إطلاق النار، مما جعله يبدو كـ”شريك صغير” في علاقتهما. من جهة أخرى، قد يهدف هذا الإنذار أيضًا إلى تعزيز شعبية ترامب داخليًا في الولايات المتحدة، خصوصًا وسط التحديات السياسية والقانونية الأخرى التي يواجهها، حيث يسعى لإظهار نفسه كزعيم حاسم قادر على إنهاء الصراعات بسرعة وفعالية. يُنظر إلى هذا الإنذار على أنه محاولة لإعادة تأكيد القوة الأمريكية وإظهار قدرة الولايات المتحدة، تحت قيادته، على اتخاذ قرارات حاسمة قد تُجبر الأطراف على التفاوض. يرى البعض أن هذا التحول في موقف ترامب قد تأثر بالصراع الداخلي بين فصيله “حزب الربح/المال” و”حزب الغطرسة/العظمة الامريكية”، حيث بدأ فصيل “العظمة الامريكية” في كسب اليد العليا بسبب غطرسة بوتين وثقته الزائدة في تعامله مع ترامب. كما تأثر هذا التحول بقضايا ترامب الداخلية، مثل فضيحة قائمة إبستين، والتي تسببت في صدع بين مؤيديه الجمهوريين.
تُشكل هذه التهديدات عامل ضغط إضافي وملموس على الرئيس بوتين. إذا ما تُرجِم الإنذار إلى خطوات عملية، فإن التهديد بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة قد يُجبر الكرملين على إعادة تقييم حساباته، خاصة وأن الاقتصاد الروسي يُعاني بالفعل من العقوبات الحالية. هذا الضغط الاقتصادي الشديد قد يقلل بالفعل من الحاجة إلى قوانين عقوبات إضافية، حيث إن تأثيره المحتمل قد يكون أكبر بكثير من العقوبات التقليدية.
وعلى الرغم من وضوح الإنذار بحد ذاته، فإن نوايا ترامب الحقيقية وطبيعة العقوبات المحتملة التي قد يفرضها تبقى غامضة، مما يُثير تكهنات وتساؤلات في الأوساط الدولية حول مدى جدية تهديداته وقدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة. هناك قلق من أن الدافع الكامن وراء سياسة ترامب قد ييبقى مفتوحًا لـ”صفقة مربحة” مع روسيا، مما قد يؤدي إلى ضغط على أوكرانيا لقبول شروط غير مواتية لوقف إطلاق النار.
Інший підхід Трампа змінює геополітичний та військовий ландшафт.
تباينت ردود الفعل على إنذار ترامب بشكل كبير، مما يعكس مدى التعقيد والتوتر في العلاقات الدولية حول الأزمة الأوكرانية. على الصعيد الدعائي – الاعلامي الروسي، هددت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير قناة RT الحكومية، بشكل مباشر بإنذار نووي إذا زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، مما يعكس رغبة في ردع أي دعم عسكري غربي قد يغير موازين القوى بشكل جذري. كما اقترح فلاديمير سولوفيوف، مقدم البرامج التلفزيونية الروسية المعروف، ضرب المصانع الأوروبية بالصواريخ إذا تعرضت روسيا للهجوم، مما يُشير إلى استعداد روسيا لتوسيع نطاق الصراع. وقد تابعت وسائل الإعلام الروسية، مثل وكالة تاس (TASS)، إعلان اتفاق الناتو والولايات المتحدة على توريد الأسلحة بقلق بالغ، معتبرةً إياه تصعيدًا محتملًا في التوتر يهدد بتطويل أمد الحرب.
فيما تراوحت الردود الروسية الرسمية على إنذار الرئيس ترامب بين السخرية والتهكم، مما يعكس استهزاءً واضحًا بمطالب واشنطن. ذكر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن روسيا بحاجة إلى وقت كافٍ “لتحليل” كلمات ترامب، مما يعكس حالة من الترقب والحذر لديهم. اما ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، فقد وصف التهديد الأمريكي بأنه “إنذار مسرحي” وأكد أن بلاده “بقيت غير مبالية” بمثل هذه التهديدات. بينما أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا “مرت بكل هذا” من قبل، في إشارة إلى الإنذارات والمواعيد النهائية السابقة التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، قائلًا: “لقد سمعنا عن 24 ساعة، ثم 100 يوم، والآن 50 يومًا”، مؤكدًا أن روسيا “تتعامل مع العقوبات” وتتكيف معها. وقد وصف نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر جروشكو مطالب ترامب لبوتين ببدء تسوية سلمية في أوكرانيا خلال 50 يومًا بأنها “غريبة جدًا”، مشيرًا إلى الغياب التام للطرف الأوكراني عن أي مفاوضات بهذا الشأن، مما يسلط الضوء على التباين الكبير في المواقف بين الجانبين حول شروط وطبيعة أي مفاوضات محتملة. هذه الردود، التي جاءت من أعلى المستويات في الكرملين، تُظهر محاولة واضحة للتقليل من شأن ترامب ورفض أي شروط أو ضغوط خارجية، مع التأكيد المستمر على أن قرارات الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي بشأن الإمدادات العسكرية لأوكرانيا تُعد في نظر موسكو “إشارة لاستمرار الحرب الروسية على أوكرانيا” وليس لإنهائها.
ويرى بعض الخبراء السياسيين أن بوتين أخطأ في تقديراته الاستراتيجية، حيث بالغ في تقدير امكانياته وقلل بشكل كبير من شأن الرئيس الأمريكي الحالي ترامب وأوكرانيا، وهو ما أدى إلى هذا الوضع.
على الصعيد الدولي الأوسع، أعلنت الصين رفضها القاطع للعقوبات الأحادية، مؤكدة على عزمها تعميق وتوسيع تعاونها الاستراتيجي مع روسيا في كافة المجالات، ومنتقدة بشدة تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين لروسيا. هذا الموقف الصيني يشكل تحديًا مباشرًا للضغط الأمريكي في سياق الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، وقد وعدت بكين بتقديم دعم “أقوى” لروسيا وسط تهديدات ترامب بالتعريفات الجمركية، مما يؤكد على استمرار الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو في مواجهة الهيمنة الغربية. يأتي هذا الموقف عقب تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن بكين لا يمكن أن تسمح بهزيمة روسيا، لأن ذلك سيحول تركيز الولايات المتحدة بالكامل إلى الصين. يشير هذا إلى أن الصين تفضل صراعاً طويلاً لتشتيت انتباه الولايات المتحدة. تهدف الصين إلى دعم روسيا بشكل كافٍ لمنع انهيارها، وبالتالي إبقاء الولايات المتحدة منخرطة مع روسيا وعدم التركيز بشكل كامل على الصين. هذا الاعتراف يؤشر الى ان الصين تستخدم روسيا كوكيل لها في مواجهتها مع الولايات المتحدة. فعلى الرغم من إعلانها “الحياد”، فإن الصين تُقدم دعماً اقتصادياً وتقنياً غير مباشر لروسيا، بما في ذلك تزويدها بـ “سلع ذات استخدام مزدوج” التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، وقد وُجدت مكونات صينية في طائرات بدون طيار من طراز “شاهد” التي يتم تجميعها في روسيا. هذا الدعم يُشكل تحدياً للجهود الغربية لعزل موسكو بالكامل. ومع ذلك، تتجنب الصين تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تستدعي عقوبات غربية قاسية، مما يُبرز حساباتها الاستراتيجية المعقدة. هذا “التحول في الموقف في لحظات معينة” يعكس الديناميكية المعقدة للعلاقة بين الصين وروسيا وأوكرانيا والغرب، حيث تسعى بكين لموازنة مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية مع تجنب تداعيات كبرى.
أما في أوروبا، فيُظهر الموقف الرسمي التزامًا قويًا وموحدًا بدعم أوكرانيا، على الرغم من بعض التحديات الداخلية. أكد مارك روته أن الدول الأوروبية ستدفع ثمن شحنات الأسلحة الأمريكية الجديدة لأوكرانيا، مما يعكس التزامًا أوروبيًا مباشرًا وغير مسبوق بتحمل العبء المالي. يُنظر إلى هذا الترتيب على أنه يتماشى مع فلسفة ترامب “أمريكا أولاً”، حيث تتحمل أوروبا “المسؤولية عن الحرب” وتكاليفها. وقد أدركت أوروبا الحاجة الماسة إلى الدفاع عن نفسها وعن أوكرانيا بشكل مستقل عن الدعم الأمريكي المستقبلي، وتسعى بجد لتعزيز صناعتها الدفاعية المشتركة وبناء قدراتها الخاصة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في تمرير حزم العقوبات الأوروبية، حيث يُذكر أن مالطا تعرقل حاليًا الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات الأوروبية، خاصة تلك المتعلقة بالحد الأقصى لسعر النفط الروسي، كما أن سلوفاكيا لديها اعتراضات قوية على التخلي عن الغاز الروسي بحلول عام 2028، مما يكشف عن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الوحدة الأوروبية. وقد برز ايضا رفض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تمويل الأسلحة لأوكرانيا، مما يسلط الضوء على الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وتأثير المصالح الوطنية. وقد دعا روته، في محاولة لحشد الدعم الدولي، الصين والهند والبرازيل إلى الضغط على بوتين من أجل هدنة ووقف للأعمال القتالية.
رئيسة وزراء إستونيا السابقة وكبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عبرت عن رأي الاتحاد الأوروبي بأن المهلة البالغة 50 يومًا التي منحها ترامب لروسيا هي “طويلة للغاية”، معتبرةً أن “المدنيين الأبرياء يقتلون كل يوم”. ومع ذلك، رحبت كالاس بحقيقة أن ترامب “يتخذ موقفًا حازمًا بشأن روسيا”، معتبرةً ذلك “إيجابيًا للغاية” وخطوة نحو مزيد من الضغط على موسكو.
في الختام، تتجلى هذه التحولات المعقدة في الدعم الدولي لأوكرانيا كفصل جديد وحاسم في إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي العالمي. فبينما يعيد الرئيس ترامب صياغة آليات الدعم المالي والعسكري، ويزيد الضغط على موسكو من خلال تهديدات غير مسبوقة، تُظهر أوروبا تصميمًا متزايدًا على تعزيز قدراتها الدفاعية وابتكار مصادر تمويل جديدة، حتى مع وجود بعض التحديات الداخلية. في المقابل، تُبرز الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الصين وروسيا ديناميكية محورية تسعى لإبقاء واشنطن منشغلة، مما يعمق من تعقيدات المشهد الدولي. إن مستقبل الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالتالي مستقبل الأمن الأوروبي والنظام العالمي، سيعتمد بشكل كبير على كيفية تطور هذه التفاعلات الاستراتيجية، وعلى قدرة الأطراف الفاعلة على التكيف مع هذه التحولات الجذرية.