У світлі затримки допомоги Україні та посилення російських атак, якою буде доля боїв?
(حوار مع المحلل السياسي د. خليل عزيمة، الباحث والخبير في الشؤون الروسية والأوكرانية نبيل رشوان، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية د. سعيد سلّام)
تم النشر بتاريخ 30/12/2023
قبل نحو عام سافر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام الكونغرس والاجتماع بالرئيس، جو بايدن، حيث قوبل تصميم كييف على مقاومة العدوان الروسي بدعم قوي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وبعد مرور سنة، تبدو التوقعات أكثر قتامة، حيث لم يحرز الهجوم الأوكراني الذي طال انتظاره في الجنوب تقدما يذكر، فبحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، يبدو أن روسيا “نجت” من العقوبات الدولية في الوقت الحالي، وحوّلت اقتصادها إلى آلة حرب.
وفي هذا الإطار، حضّ بايدن، الجمعة، الكونغرس على اتخاذ خطوات “طارئة” لتجاوز الخلافات بشأن المساعدات العسكرية لكييف، معتبراً أن الهجوم الصاروخي الذي شنّته روسيا صباح الجمعة، يؤشر إلى رغبتها في “محو” أوكرانيا.
وقال بايدن في بيان: “ما لم يتخذ الكونغرس خطوات طارئة في السنة المقبلة، لن نتمكن من الاستمرار في إرسال الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي الحيوية التي تحتاجها أوكرانيا لحماية شعبها”، داعيا الكونغرس إلى التحرك “من دون أي تأخير إضافي”.
ويريد المشرّعون الجمهوريون وقف الدعم، ورفضوا المصادقة على حزمة جديدة ما لم يوافق الديمقراطيون أولاً على إجراءات صارمة لكبح الهجرة عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
وأعلنت الولايات المتحدة، الأربعاء، الإفراج عن 250 مليون دولار من المساعدات العسكرية، هي الحزمة الأخيرة المتاحة لها في وقت يتعين على الكونغرس اتخاذ القرار بشأن مواصلة دعم كييف في صد الغزو الروسي.
ووفقا لـ”سي إن إن”، فيبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يستمتع بأجواء الانقسام الحزبية في واشنطن، حيث يتساءل الكثيرون في الحزب الجمهوري عن الغرض من إرسال مساعدات أخرى بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا بناءً على طلب إدارة بايدن، معتبرين أنها لن تحقق الكثير في ساحة المعركة.
وفي أول مؤتمر صحفي يعقده في نهاية العام منذ بدء الصراع، سخر بوتين قائلا: “إن أوكرانيا لا تنتج شيئا تقريبا اليوم، كل شيء يأتي من الغرب، لكن المواد المجانية ستنفد في يوم من الأيام، ويبدو أنها كذلك بالفعل”.
وتابع: “المساعدات العسكرية الكبيرة التي حصلت عليها أوكرانيا خلال العام المنصرم، لم تستخدمها في كل المعارك، ولا يزال لديها مخزون كبير منها، وبالتالي يمكن حاليا الحديث عن حرب استنزاف تحاول أن تخوضها القوات الروسية لإنهاك المنظومة الدفاعية الجوية الأوكرانية، كما حدث في الهجمات الأخيرة بواسطة عدد كبير من الطائرات المسيرة”.
“لا تغييرات على الأرض“
لكن الباحث والخبير في الشؤون الروسية والأوكرانية، نبيل رشوان، أوضح في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”، أن تأخر وصول المساعدات المالية والعسكرية من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي “لن يسفر عن حدوث أي تغييرات على أرض الواقع”.
أما الباحث والأكاديمي، خليل عزيمة، فرأى في حديث إلى موقع “الحرة”، أن “تأخر الإمدادات العسكرية الغربية على ما يبدو قد أثر كثيراً على سير معارك هذا العام”.
وزاد: “رأينا أن هجوم الربيع المضاد لم يعط النتائج المنتظرة منه، وكان ذلك نتيجة تأخر الغرب بالإمداد وإعطاء فرصة كافية للقوات الروسية الغازية بتحصين خطوط دفاعية متعددة، وبشكل عام لم نشاهد هذا العام أي تغير يذكر على خطوط الجبهة، ولا مؤشرات حالياً على إحراز نصر أوكراني كامل في هذه المرحلة”.
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد أكد في يوليو الماضي، أنه بالرغم من صعوبة الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية، فإن كييف استعادت “نصف الأراضي” التي احتلتها نظيرتها الروسية.
وأضاف في تصريحات إعلامية آنذاك، أن “الهجوم الأوكراني المضاد صعب وسيستمر عدة أشهر”.
وتابع: “ما زلنا إلى حد ما في الأيام الأولى من الهجوم المضاد. إنه قوي.. لن ينتهي الأمر خلال أسبوع أو أسبوعين. نظن أنه سيستمر عدة أشهر”.
وهنا، يرى مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية في كييف، سعيد سلام، في حديثه إلى موقع “الحرة”، أن “التوقعات من الهجوم المضاد الأوكراني هذا العام تمت المبالغة فيها، ومن الواضح أن الحسابات كانت موضوعة لضربة مفاجئة وواسعة النطاق”.
وتابع: “لكن بسبب توفر الوقت الكافي، وأيضا الترويج والتحليل الإعلامي المكثف في جميع وسائل الإعلام الأوكرانية و العالمية، تمكنت القوات الروسية من إعداد دفاع عالي المستوى، يتضمن عدة خطوط دفاع وتلغيم مساحات واسعة من الجبهة و بعمق نحو 10 – 20 كم، قبل بدء الهجوم المضاد، وبفضله تمكنوا من الحفاظ على الجبهة و منع اختراق القوات الأوكرانية لخطوط الدفاع”.
وزاد: “كذلك ساهمت القيود المفروضة، من قبل شركاء وحلفاء أوكرانيا، على توريد الذخيرة، في التأخر بتوريد المعدات التي تم الاتفاق عليها، وعدم توفر طيران قتالي تكتيكي قادر على الحفاظ على التكافؤ مع الروس في الجو على خط الجبهة، في ظل فشل القوات الأوكرانية في إنجاز نتائج كبيرة من عملية الهجوم المضاد الذي تم التخطيط له، رغم تكبيد القوات الروسية خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، و تحرير بعض المناطق في الجنوب، وإنشاء موطئ قدم على الضفة الشرقية لنهر دنيبر في إقليم خيرسون”.
أزمات بعيد المدى
وبحسب تقرير شبكة “سي إن إن “لا تخلو روسيا من نقاط الضعف الخاصة بها، لكن تأثيرها لن يكون على المدى القريب، فقد أدى الصراع إلى تفاقم الأزمة الديموغرافية من خلال الهجرة والخسائر في ساحة المعركة.
وغادر ما يقرب من 750 ألف شخص روسيا في العام 2022؛ ويتوقع المحللون أن يكون هناك عدد أكبر من المغادرين هذا العام.
ويؤدي نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور وبالتالي التضخم، كما أن محاولة التهرب من العقوبات الدولية والحفاظ على الإنتاج الصناعي له ثمن باهظ، حيث يخصص قسم كبير من هذا الإنتاج لتعويض الخسائر المذهلة في ساحة المعركة وبالتالي يتضخم العجز في الميزانية وفقا لذلك.
لكن على المدى القصير، يبدو بوتين منيعا، فإعادة انتخابه رئيسا لمدة 6 أعوام في مارس القادم هو أمر مضمون، في حين أن الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة قد تفضي إلى عودة الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب إلى سدة الحكم، وهذا الأمر سوف يكون بمثابة “كابوس لكييف ومبعث سعادة لموسكو”، بحسب مراقبين.
ولكن الباحث المصري، نبيل رشوان لا يتفق مع ذلك الرأي، مؤكدا أن لدى الولايات المتحدة استراتيجيات لا يمكن أن تتغير بتغير الإدارات، متابعا: “على سبيل المثال فإن أوكرانيا كانت قد حصلت على صواريخ جافلين الأميركية المضادة للدروع”.
آمال بتغيير الأوضاع
من جهته، يؤكد عزيمة أنه ما زال هناك آمال في تغير الوضع العسكري، خاصة مع اقتراب تسليم أوكرانيا مقاتلات من طراز F16، وذلك رغم أن مصادر كانت قد ذكرت لمجلة “نيوزويك” الأميركية، الأربعاء، أن كييف استلمت الدفعة الأولى من تلك الطائرات.
ونوه عزيمة إلى “وجود اتجاه لدى كييف لتطوير التصنيع العسكري المحلي من خلال إنتاج المزيد من الذخيرة لسد نقص الإمدادات الغربية”.
وأردف: “شاهدنا كيف طورت أوكرانيا المسيرات البحرية التي وجهت ضربات موجعة إلى البحرية الروسية وحصرت السيطرة الروسية على مياه البحر الأسود، وفتحت مسارا جديدا لتصدير الحبوب الأوكرانية، ناهيك عن تعزيز الدفاعات الجوية وخفض فرصة الصواريخ الروسية من تحقيق أهدافها”.
ورأى أن الموقف الأوروبي بشكل عام “لم يتغير باستثناء بعض دول أوروبا الشرقية، مثل المجر”، موضحا: “نعم هناك استعدادات في أوروبا لانتخابات يمكن أن تؤدي إلى صعود أحزاب متطرفة، لكن ذلك لن يؤدي إلى تغيير كبير فيما يتعلق بالدعم غير المحدود لأوكرانيا، طالما أصبحت هذه الدول تشعر بالخطر الروسي على كامل أوروبا، ولنتذكر فقط كيف تدرج الدعم الأوروبي، الذي بدأ بإرسال الخوذ إلى الجنود، مروراً بإرسال الدبابات إلى الموافقة على التزويد بالطائرات”.
ويتفق رشوان مع الرأي السابق، الذي أكد أن الاتحاد الأوروبي سيحرص على تقديم ما يكفي من المساعدات إلى أوكرانيا رغم اعتراضات المجر، مضيفا: “في أسوأ الأحوال تستطيع كل دولة على حدة، لاسيما ألمانيا وفرنسا، أن تقدم ما تريد من منح مادية وأسلحة بعيدا عن تعقيدات الموجودة في الاتحاد الأوروبي”.
وبالنسبة للموقف الأميركي، شدد عزيمة على أنه سيبقى ثابتا “مهما تطلب الأمر، وذلك رغم الخلافات في الكونغرس الأميركي على التمويل”.
وزاد: “كان الاستمرار واضحاً من خلال تصريحات معظم الدول الغربية، لكن الحرب بين إسرائيل وحماس تصب في مصلحة روسيا، لأنها أدت إلى انشغال الولايات المتحدة وأوروبا عن الحرب، وأثرت على الإمداد بالأسلحة وخاصة قذائف المدفعية عيار 155ملم”.
وفي نفس السياق، قال رشوان: “المساعدات الأميركية قادمة، وسنرى تغييرات بهذا الشأن بعد التاسع من يناير، حيث على الأغلب سيحدث اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين بهذا الشأن، لأن هزيمة أوكرانيا ستكون ضربة موجعة لواشنطن لن تقبل بها”.
وفيما إذا كان بوتين فعلا يراهن على الوقت وتفاقم الأزمات والخلافات في الكونغرس وداخل أروقة الاتحاد الأوروبي، أجاب عزيمة: “طبعا يمكن أن لا يكون هناك انتصار لأوكرانيا ولكن لن يسمح الغرب بانتصار قاطن الكرملين، وستنتهي الحرب بالتأكيد بالمفاوضات، ولكن فقط في الوقت التي تستطيع أوكرانيا تحقيق أكبر مكاسب في المفاوضات”.
وتابع: “موسكو منذ بداية الحرب راهنت على انهيار الجبهة الداخلية الأوكرانية، وكذلك نقص الطاقة في أوروبا وأن عامل الوقت سيغير من المواقف الغربية. لكن كل هذه المراهنات فشلت، والآن تراهن على نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة”.
ورأى أن روسيا “تحاول الآن الاستقرار على الوضع الحالي على الجبهات، حيث باتت التصريحات الروسية تدعو إلى المفاوضات بالاعتراف بالوضع الجديد وتجميد المعارك”.
وزاد: “لكن وبناءً على تجربة أوكرانيا السابقة مع روسيا من خلال اتفاقيات مينسك، فإن أوكرانيا لا تثق بالقيادة الروسية وتعي تماماً أن موسكو تريد تجميد الحرب من أجل إعادة بناء وتنظيم قواتها والتخلص من العقوبات الغربية، لإعادة جولة جديدة من الحرب واحتلال أراض جديدة وحتى التوسع باتجاه دول أخرى”.
وكان ممثلون عن روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمنطقتين الانفصاليتين (دونيتسك ولوهانسك في المنطقة المعروفة باسم دونباس) قد وقعوا اتفاقا من 13 نقطة تم التوصل إليه في فبراير 2015 في عاصمة بيلاروس، مينسك، بعد اجتماع زعماء فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا.
ونص الاتفاق على أن تمنح أوكرانيا المنطقتين استقلالية كبيرة، مقابل استعادة السيطرة على حدودها مع روسيا.
وكان من المفترض أن تنهي اتفاقات مينسك للسلام الصراع في شرق أوكرانيا الذي اندلع عندما حمل الانفصاليون المدعومون من روسيا السلاح، لكنها لم توقف القتال ولم تحل الأزمة.
واعتبر رشوان أن الرهان على فوز ترامب سيكون خاطئا، موضحا: “مؤسسات الدولة العميقة من كونغرس وخارجية ووكالات الاستخبارات لن تسمح له بأن يقدم أي انتصار لبوتين، لكنه قد يدفع باتجاه الحل السلمي بما يضمن مصالح واشنطن وحلفائها”.
أما الباحث سلام، فرأى أنه “في نهاية العام المقبل، واعتمادًا على الانتخابات في الولايات المتحدة، وقرارات قمة الناتو المقبلة التي ستنعقد في واشنطن، والوضع السياسي في روسيا، والوضع الاقتصادي في أوكرانيا، سيتم اتخاذ قرار بشأن السيناريو التالي، لكن يمكن التأكيد أن العام المقبل لا يتوقع فيه إجراء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا بشأن وقف الحرب الأعمال القتالية”.
وتابع: “المهمة الرئيسية التي تضعها هيئة الأركان العامة الأوكرانية أمام نفسها هي تحويل الحرب الموضعية، وحرب مدفعية وخنادق، إلى حرب مناورة مع بقاء مسرح الأعمال القتالية بدون تغيير، وهو الجبهة الجنوبية، وحاليا تدرس هيئة الأركان الاوكرانية عدة خيارات لتطوير الحملة العسكرية في ربيع وصيف عام 2024 – الهجوم المضاد في الجنوب، والدفاع النشط المناور على باقي الجبهات”.
وختم بالقول: “بالطبع، يعتمد ذلك على حجم توريد الاسلحة والذخيرة الضرورية، وتوقيت توفيرها، ولكن على أية حال، ستنفذ القوات الأوكرانية عمليات عسكرية هجومية في العام المقبل، ولن يكون هناك حديث عن وقف الحرب”.