هل من تنازلات سيضعها بوتين على طاولة ترامب؟
هذه القمة تثير سؤالاً محورياً: هل يهدف بوتين إلى “بيع” إنهاء الحرب لترامب في صفقة تعكس انتصاراً دبلوماسياً لروسيا؟
يحيى شمص – جريدة “النهار العربي“
20\10\2025
بعد قمة ألاسكا التي وُصفت بأنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، تترقب الأوساط السياسية والديبلوماسية ما يمكن أن يضعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طاولة نظيره الأميركي دونالد ترامب في محاولة للتوصل إلى تسوية سريعة، على الرغم من تمسك روسيا بمطالبها الأساسية، خصوصاً الاعتراف بضم الأراضي الأوكرانية.
وتنازلات بوتين المحتملة، ربما تتضمن قبول صيغة “تبادل الأراضي”، وتقديم “ضمانات أمنية شكلية” لأوكرانيا، والتنازل عن مطلب “نزع السلاح الكامل” لأوكرانيا.
هذه القمة تثير سؤالاً محورياً: هل يهدف بوتين إلى “بيع” إنهاء الحرب لترامب في صفقة تعكس انتصاراً ديبلوماسياً لروسيا، أم أن الضغط الأميركي المستمر يدفعه فعلاً نحو مرونة لم نشهدها من قبل؟
بوتين يبحث عن صفقة بشروط روسية
لا تزال الطروحات الروسية للحل تفتقر إلى أي تنازلات حقيقية، وأجندة بوتين ترتكز بالأساس على هدف استراتيجي يتمثل في “شرعنة” احتلال ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية، وفقاً لما يقوله لـ”النهار” مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا سعيد سلّام.
هذا المسعى، يهدف وفق سلّام، إلى تكريس شبه جزيرة القرم وإقليمي دونيتسك ولوغانسك كأراضٍ روسية بصورة نهائية، مع إمكانية تقديم تنازلات شكلية محدودة في إقليمي زابوريجيا وخيرسون لخلق مظهر من التوازن ظاهرياً.
في المقابل، يبدو أن ترامب يتبنى استراتيجية تقوم على “عقد صفقات”، منها صفقة تتضمن تقديم حوافز لروسيا عبر تجميد الدعم العسكري لكييف، ورفع جزئي للعقوبات المفروضة عليها، بالإضافة إلى تقديم ضمانات بشأن عدم توسع حلف الناتو شرقاً.
Стамбульські переговори: аналіз застою врегулювання та перспективи російської війни проти України
ما السيناريو الأقرب للحل؟
تظل الضمانات الأمنية الأميركية المطروحة غامضة وغير ملزمة عسكرياً بشكل مباشر، إذ تقتصر على التزامات أوروبية منسقة مع واشنطن، وترى أوكرانيا في هذا الطرح تكراراً فاشلاً لـ “مذكرة بودابست” لعام 1994، بينما يعتبر الأوروبيون أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يمثل المظلة الوحيدة للردع الحقيقي.
استراتيجياً، يضع هذا الغموض مصداقية الولايات المتحدة كضامن أمني موضع شك، ويدفع أوكرانيا إلى خيار وحيد يتمثل في الاعتماد على تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية كخط دفاع أول وأخير في مواجهة التهديدات الروسية المستمرة.
في ضوء هذه المعطيات، يستبعد سلّام، أن تفضي القمة المرتقبة إلى سلام حاسم. والسيناريو الأقرب هو التوصل إلى وقف موقت لإطلاق النار، أي هدنة تكتيكية، تخدم بالدرجة الأولى مصالح روسيا عبر منحها وقتاً لكسب التعزيز وإعادة التموضع. لأن احتمال تجاوز ترامب لرفض أوكرانيا وحلفائها تقديم تنازلات إقليمية يظل احتمالاً ضعيفاً، مما يجعل أي اتفاق محتمل هشاً وقابلاً للانهيار في أي لحظة.
صفقة “ترامب-بوتين” ترسم خريطة أوكرانيا الجديدة
الكاتب المتخصص في الشأن الأميركي ستيفن صهيوني يتحدث عن صفقة أبرمت بالفعل بين ترامب وبوتين تقضي بـ “تقسيم أوكرانيا بين موسكو وواشنطن”، مشيراً إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والدول الأوروبية هما الخاسر الأكبر من هذه التفاهمات السرية.
يرتكز جوهر الصفقة، بحسب صهيوني، على مبدأ واضح: الأرض لروسيا، والثروات والإعمار لأميركا. فالمناطق التي سيطرت عليها روسيا لن يتم التنازل عنها أبداً. وفي المقابل، ستضمن واشنطن لنفسها دوراً رئيسياً في مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الاستحواذ على ثروات أوكرانيا الباطنية.
أما الثمن السياسي الذي يجب على الغرب أن يدفعه لروسيا، فهو شامل ويهدف لإنهاء عزلتها بالكامل، ويتضمن:
1- الاعتراف بالبقاء الروسي في الأراضي المسيطر عليها.
2- رفع العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بشكل كامل.
3- تطبيع شامل للعلاقات بين موسكو والدول الغربية.
4- الموافقة على عقود استثمار مشتركة روسية-أميركية داخل الأراضي الأوكرانية.
5- الحصول على تعهدات صارمة بمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعدم نشر أي صواريخ تهدد الأمن القومي الروسي على أراضيها.
أين كييف وأوروبا من المعادلة؟
يرى الكاتب الأميركي أن كلاً من أوكرانيا وأوروبا تمثلان “الحلقة الأضعف” في مجرى المفاوضات. ويستند في ذلك إلى عاملين رئيسيين: التقدم العسكري الروسي المستمر على الجبهة، وتعميق العلاقات “الجيدة” بين بوتين وترامب. ولهذا، يشير إلى أن لا خيار أمام زيلينسكي سوى القبول بهذه التسوية.
ويوضح صهيوني أن “القارة العجوز لا تستطيع تحمل أعباء الحرب وحدها دون الدعم الأميركي، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة”، مؤكداً أن واشنطن لم تعد مهتمة بدعم هذا الصراع بأي شكل كان.
ويختتم صهيوني حديثه بالقول إن القمة المقبلة التي ستتوج هذه التفاهمات “ستحقق بلا أدنى شك سلاماً حاسماً”. فالأوكرانيون، بحسب الكاتب، استُنزفوا تماماً على الصعد العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، تكبدت روسيا خسائر فادحة بسبب العقوبات. وبالتالي، أصبحت مصلحة إنهاء هذه الحرب وإغلاق صفحتها إلى الأبد مشتركة لجميع الأطراف، بعد أن كانت الخسائر فادحة على الجميع.