إعادة هيكلة الدبلوماسية والحوكمة الأوكرانية في ظل الحرب وتغير المشهد الجيوسياسي
تقدير سياسي من اعداد مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا
23\6\2025
جاء إعلان الرئيس الاوكراني Володимир Зеленський في كلمته اليومية للشعب الاوكراني، مؤكدًا أن “التحديات الاستثنائية تتطلب حلولًا استثنائية”. هذا التحول يُعتبر استجابة للواقع المعقد الذي تعيشه أوكرانيا حاليًا، والذي يتميز بجملة من الضغوط، في مقدمتها تصاعد العدوان الروسي ووحشيته، حيث تشهد Україна حاليًا تصعيدًا ملموسًا في الهجمات الروسية، تستهدف بشكل متزايد البنية التحتية الحيوية للطاقة، والمناطق السكنية في المدن الكبرى مثل العاصمة كييف وخاركيف وسومي وأوديسا. تستخدم روسيا تكتيكات هجومية متطورة، بما في ذلك هجمات المسيرات المعقدة التي تتضمن “أهدافًا زائفة” لاستنزاف الدفاعات الجوية الأوكرانية. كما تعزز موسكو تعاونها العسكري مع دول مثل північна корея، ما أدى إلى إرسال 12 ألف جندي لدعم جهودها. مما يؤكد على الضرورة القصوى لتعزيز الدفاع الجوي كأولوية وطنية قصوى. كذلك في ظل ضغوط جيوسياسية وتغير مواقف الشركاء الدوليين، وفي مقدمتها США. حيث تواجه أوكرانيا تحولًا جوهريًا في طبيعة الدعم الأمريكي، في ظل إدارة الرئيس Трамп. هذه الإدارة تدفع نحو حل دبلوماسي سريع للحرب، وتدرس إمكانية وقف المساعدات العسكرية إذا لم تتكيف كييف مع سياساتها. في فبراير 2025، بلغت العلاقات الأمريكية-الأوكرانية نقطة حرجة، وصف خلالها الرئيس ترامب نظيره الأوكراني بـ”الديكتاتور”، وتفاقمت بعد المشادة العلنية في البيت الأبيض بينهما، واتهمه بعدم الامتنان للدعم الأمريكي. وعلى الرغم من توقيع “اتفاق المعادن” بين البلدين في مايو 2025 – مما يشير إلى محاولات لتخفيف التوتر – إلا أن هذا الاتفاق لم يتضمن ضمانات أمنية محددة. كما أن رفض واشنطن تبني قرار في الأمم المتحدة يدين روسيا بمناسبة ذكرى الغزو يؤكد التحول الجذري في الموقف الدبلوماسي الأمريكي. وعلى صعيد العلاقة مع Європейський Союз، فبينما يسعى الاتحاد لدمج أوكرانيا في بنيته الاقتصادية والسياسية، تظهر ضغوط داخلية في بعض الدول الأعضاء تدفع نحو سلام مع النظام الروسي، مثل تصريحات رئيسي وزراء سلوفاكيا والمجر. هذا يدفع أوكرانيا لضمان استمرارية الدعم الأوروبي وتعزيز مسارها نحو العضوية. لذلك تظهر الحاجة الملحة لتعزيز الكفاءة الداخلية والخارجية، حيث يتزايد الضغط على المؤسسات الحكومية الأوكرانية بسبب استمرارية الغزو الروسي والتحديات العسكرية، مما يستدعي إعادة الهيكلة لزيادة الكفاءة والقدرة على الاستجابة للأزمات. كما أن تحسين التنسيق مع الحلفاء في تدفق الدعم العسكري والإنساني أصبح أمرًا حيويًا لضمان وصوله بفعالية.
Гірнича угода між Києвом і Вашингтоном: таємнича сторінка «битви інтересів»
تفاصيل التغييرات المعلنة وآليات التنفيذ: خطة عمل للمرونة
تتضمن خطة الرئيس زيلينسكي إصلاحات هيكلية ودبلوماسية رئيسية، سيتم تنفيذها بآليات محددة خلال شهر واحد:
1. إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي: تعيينات استراتيجية وتحولات دبلوماسية
- التعيينات الاستراتيجية: تهدف هذه التعيينات إلى وضع الكفاءات المناسبة في المواقع الحيوية لخدمة المصالح الأوكرانية العليا وتعزيز العلاقات مع الشركاء الأساسيين. حيث أن تعيين ألونا هيتمانشوك رئيسةً لبعثة أوكرانيا لدى НАТО (13 يونيو 2025): يعكس هذا التعيين أولوية كييف لتعزيز التنسيق الأمني مع الحلف في مواجهة العدوان الروسي، وضمان استمرارية الدعم العسكري والدفاعي على المدى الطويل. كذلك تعيين ناريمان جيليال سفيرًا في Туреччина (مايو 2025): يهدف إلى تعزيز دور أنقرة كوسيط محتمل في المفاوضات، واستغلال موقع تركيا الاستراتيجي كشريك إقليمي رئيسي وممر حيوي لصادرات الحبوب الأوكرانية. سبق هذه التعيينات كذلك تعيينات أخرى مهمة في أبريل 2025 شملت المدعي العام السابق أندري كوستين سفيراً لدى هولندا، іأوليكسي جافريش سفيراً لدى النرويج، іرومان جورينوف سفيراً في لبنان، іأندري ميلنيك ممثلاً دائماً لأوكرانيا لدى الأمم المتحدة. هذه التعيينات المتنوعة تهدف إلى تعزيز الوجود الدبلوماسي الأوكراني في مناطق جغرافية ومنظمات دولية حيوية. بالإضافة الى هذه التعيينات يتم تداول معلومات من مصادر عدة موثوقة ان الرئيس زيلينسكي يدرس استبدال أوكسانا ماركاروفا، سفيرة أوكرانيا في واشنطن، بأحد الوزراء. هذه الخطوة المحتملة تشير إلى الرغبة في إدخال ثقل سياسي أكبر على العلاقة مع واشنطن، وربما تلبية توقعات إدارة الرئيس ترامب، وإدخال كوادر دبلوماسية تتكيف مع سياستها الجديدة تجاه أوكرانيا، لتجنب أي احتكاكات دبلوماسية قد تؤثر على الدعم.
- آلية الاجتماع مع السفراء: من المخطط عقد اجتماع طارئ لجميع السفراء الأوكرانيين خلال يوليو 2025. هذا الاجتماع ليس مجرد إجراء روتيني، بل سيكون منصة لتقييم الأداء الشامل للبعثات الدبلوماسية، وإعلان التعديلات الرسمية، وتحديد الأولويات الدبلوماسية الجديدة، وتوحيد الرسائل الدبلوماسية بما يخدم الاستراتيجية الوطنية الشاملة.
2. تعديلات حوكمة المؤسسات الحكومية: تعزيز الكفاءة والاستجابة
يتم التخطيط من اجل إعادة هيكلة إدارية لـ 5 مؤسسات حكومية رئيسية (لم تُحدد بعد). تهدف هذه التعديلات إلى تحسين استجابة هذه المؤسسات للطوارئ، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وزيادة المرونة الداخلية، مما يعزز قدرة الدولة على العمل بفعالية في زمن الحرب وإعادة الإعمار. كذلك سيتم إنشاء “خلية أزمات دبلوماسية”، ستكون مركزًا حيويًا لتنسيق الاستجابات السريعة، وتقوم بمراقبة شاملة للتحركات الروسية في المحافل الدولية، وتحليل أهدافها، ووضع استراتيجيات للرد عليها بشكل فعال، بالإضافة إلى صياغة رسائل دبلوماسية موحدة لجميع البعثات وتنسيق الدبلوماسية العامة.
3. آليات التنفيذ المباشر والمستمر: نحو الفعالية التشغيلية
لتجنب الارتباك وضمان انتقال سلس للمهام والسياسات، ستُعلن التغييرات بشكل متدرج، بدءًا بالمناصب الأكثر أهمية، مع مراعاة توقيت الإعلانات لتقليل أي تداعيات سلبية. وستترافق مع إطلاق منصة رقمية لربط السفارات بمركز القيادة في كييف بهدف تسريع تبادل المعلومات واتخاذ القرار في الوقت الفعلي، وتحسين التنسيق بين البعثات الدبلوماسية والقيادة المركزية، مما سيعزز قدرة أوكرانيا على الاستجابة السريعة للأحداث. وسيتم وضع مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس لكل دبلوماسي ومسؤول حكومي، ومراقبتها بانتظام لتقييم فعالية التغييرات وضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية. بالإضافة الى أن عملية التغيير ستكون مرنة وديناميكية، مع مراجعات دورية لفعاليتها وإمكانية إجراء تعديلات إضافية إذا لزم الأمر، لضمان استمرارية التكيف مع الظروف الجيوسياسية والعسكرية المتغيرة.
الأهداف الاستراتيجية والتداعيات الجيوسياسية: رهانات كبيرة
تهدف هذه التعديلات إلى تحقيق أهداف استراتيجية عليا، مع تأثيرات جيوسياسية واسعة النطاق:
الأهداف الاستراتيجية
تهدف هذه التعديلات إلى تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية رئيسية في ظل الحرب المستمرة، كل منها يستلزم آليات محددة ويواجه تحديات متوقعة:
по-перше, تسعى أوكرانيا إلى تعزيز الدعم الدولي. لتحقيق ذلك، ستعمل على تحديث خطابها الدبلوماسي للتركيز على ضمانات أمنية طويلة المدى، خاصة من حلف الناتو، وتسعى لإشراك دول الجنوب العالمي. الهدف من هذا التحرك هو كسر العزلة الروسية وتقديم رواية أوكرانية بديلة أكثر شمولاً. ومع ذلك، تواجه أوكرانيا تحديات كبيرة في هذا الصدد تتمثل في امكانية تراجع الاهتمام الدولي، وتشتت الانتباه العالمي نحو صراعات وحروب أخرى، بالإضافة إلى تكتيكات روسيا القوية في الدبلوماسية المضادة التي تستخدم موارد هائلة.
по-друге, تسعى كييف إلى تحسين المرونة الداخلية لمؤسساتها. يتم تحقيق ذلك عبر دمج أجهزة التخطيط الحكومي بهدف زيادة الكفاءة والحد من البيروقراطية، وكذلك تبني نماذج صنع قرار لامركزية لزيادة الاستجابة السريعة للأزمات المستمرة. لكن هذا الهدف لا يخلو من تحديات، منها مقاومة بيروقراطية متوقعة من بعض الجهات، ونقص الكوادر المؤهلة في المجالات الحساسة مثل الدفاع الجوي وإعادة البناء، فضلاً عن تحديات التمويل المستمر اللازم للإصلاحات.
по-третє, تولي أوكرانيا أهمية قصوى لـمواجهة الدعاية الروسية. سيتم تنفيذ ذلك من خلال تعيين “سفراء مكافحة التضليل” في 10 سفارات رئيسية. دور هؤلاء السفراء هو نشر المعلومات الدقيقة ومواجهة الروايات الروسية الكاذبة بشكل استباقي وفعال. غير أن هذه الجهود ستصطدم بتحديات مثل التمويل الروسي لتيارات معارضة في أوروبا، وتعقيد المشهد الإعلامي العالمي الذي يجعل الوصول إلى جماهير متنوعة ومتشككة أمرًا صعبًا، إضافة إلى الحاجة المستمرة لإنتاج محتوى مقنع وفعال.
تهدف هذه الاستراتيجيات المتكاملة إلى تعزيز صمود أوكرانيا في مواجهة العدوان، وتأمين مستقبلها في مشهد جيوسياسي دائم التغير.
التداعيات الجيوسياسية العميقة
- توقيت الإعلان الحرج يأتي متزامنًا مع بدء محادثات عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. يعزز هذا التوقيت سعي كييف لتسريع الاندماج الأوروبي، وتقديم نفسها كدولة إصلاحية تستحق الدعم الكامل. كذلك مع تصاعد الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة مما يبرز الحاجة الملحة لدبلوماسية فعالة لحشد الدعم الدولي الفوري لإعادة الإعمار والحماية العاجلة لأنظمة الطاقة.
كذلك هناك إشارات جيوسياسية غير مباشرة، إذ أن التركيز على الناتو يعكس سعيًا لضمانات أمنية تتجاوز المساعدات العاجلة، وربما تمهيدًا لمستقبل أوكرانيا في الحلف، حتى لو كان الانضمام بعيد المنال حاليًا. وتغيير سفير تركيا يُلمّح إلى استعداد كييف لمسار تفاوضي تحت وساطة أنقرة، نظرًا للدور الوسيط الفعال لتركيا سابقا، خاصة في ملف الحبوب. وتشير التغييرات إلى تحول أوسع نحو تعددية قطبية، حيث تسعى أمريكا لإعادة ترتيب تحالفاتها (محتملة مع روسيا ضد الصين)، بينما تعيد أوكرانيا حساب تحالفاتها لضمان بقائها ودعمها في عالم تتغير فيه التحالفات بسرعة فائقة. هذه التغييرات تمثل محاولة أوكرانية للتكيف مع ديناميكيات القوى المتغيرة.
Стамбульські переговори: аналіз застою врегулювання та перспективи російської війни проти України
المخاطر والتحديات الرئيسية وآليات مواجهتها: خارطة طريق للصمود
تواجه أوكرانيا مخاطر كبيرة قد تعرقل نجاح هذه التعديلات، ولكن يمكن التخفيف منها عبر آليات مدروسة:
- الانقسام الداخلي ومقاومة البيروقراطية: قد تثير التغييرات السريعة في الكوادر مقاومة بيروقراطية من الأجهزة التقليدية أو اتهامات بـ”تطهير سياسي”، خاصة إذا طالت شخصيات بارزة ومؤثرة، مثل السفير في واشنطن وتغيير بعض الوزراء، مما قد يقوض الشرعية الداخلية. لذلك يجب على مكتب الرئاسة التواصل بوضوح وشفافية حول أسباب التغييرات وأهدافها، وتقديم مبررات مقنعة لقرارات الإقالة أو التعيين لتهدئة المخاوف الداخلية. كذلك توفير مسارات وظيفية بديلة أو فرص تدريب للمتضررين من التغييرات يقلل من حدة المقاومة ويسهم في بناء قدرات جديدة. بالإضافة الى ضرورة بناء نظام تقييم أداء موضوعي يضمن أن القرارات تستند إلى الكفاءة والجدارة وليس الولاءات السياسية، مما يعزز النزاهة والشرعية.
- فجوة الدعم العسكري المحتملة: مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن واشنطن “تركز على حل شامل وليس وقف إطلاق نار”، وتصريح وزير الدفاع الأمريكي هيغسيت ان ميزانية البنتاغون لن تشمل مساعدات لأوكرانيا، قد تواجه أوكرانيا شحاً في الأسلحة والمعدات أثناء إعادة هيكلة دبلوماسيتها. هذا النقص قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة القوات الأوكرانية على الصمود في ظل تصاعد الهجمات الروسية. لذلك يجب على أوكرانيا تنويع مصادر الدعم من خلال تكثيف جهودها الدبلوماسية مع الدول الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) ودول أخرى خارج الكتلة الغربية (مثل اليابان وكوريا الجنوبية) لضمان استمرارية تدفق المساعدات العسكرية. وطبعا تعزيز الصناعة الدفاعية المحلية والتعاون المشترك، إذ أن الاستثمار في الإنتاج المحلي وتطوير مشاريع إنتاج عسكري مشترك مع الحلفاء يقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية. كذلك تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لتمويل الدفاع، وجذب الاستثمارات والقروض الموجهة لتمويل الصناعات العسكرية لتعويض أي نقص في المساعدات المباشرة.
- الاستغلال الروسي للدعاية والتضليل: يمكن لموسكو تصوير التغييرات كـ”انقلاب دبلوماسي” وتوسيع هجماتها النفسية عبر دعاية عن “انهيار التحالف الغربي” أو “ضعف كييف”، بهدف إضعاف الروح المعنوية في أوكرانيا ودفع الشركاء الدوليين للشك في التزام أوكرانيا أو قدرتها على النصر. لذلك يجب تكثيف الدبلوماسية العامة والرواية المضادة ونشر معلومات دقيقة بشكل استباقي، وتعيين “سفراء مكافحة التضليل” لنشر الحقائق وتفكيك الروايات الروسية الكاذبة. والاستخدام الفعال للمنصات الرقمية من خلال تفعيل حسابات الوزارات والسفارات على وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل المباشر مع الجمهور العالمي وتقديم روايات مقنعة. بالإضافة الى التعاون مع المجتمع المدني والإعلام المستقل وتعزيز الشراكات مع المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام الموثوقة لتعزيز المصداقية والوصول إلى جماهير أوسع.