اتفاقية المعادن الأوكرانية..
“استعمار اقتصادي” أم تعويض أمريكي؟
عبد الهادي كامل – موقع “Arm News"- Дубай
27\2\2025
في الوقت الذي ينتظر فيه إعلان إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن الأراضي الأوكرانية على موعدٍ مع صراع مستمر مع США، التي تحاول الهيمنة على المعادن النادرة.
جاء ذلك بعد رفض الرئيس فولوديمير Зеленський الاتفاق الأمريكي الذي قدم خلال “خطة النصر” التي طرحها في منتصف العام الماضي على زعماء القارة العجوز.
وتحتل Україна المركز الرابع عالميًا في حجم احتياطيات المعادن النادرة، بعد الصين التي تمتلك 68% من الاحتياطيات، ثم أمريكا 12%. وتحتضن الأراضي الأوكرانية 22 معدنًا نادرًا من أصل 30 معدنًا تستخدمها دول القارة، و50 معدنًا تصنفها الولايات المتحدة على أنها ذات “أهمية بالغة”، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 15 تريليون دولار.
أكبر احتياطيات في أوروبا
وبحسب مجلة “فوربس أوكرانيا”، تمتلك كييف نحو 10% من احتياطيات العالم – وهي أكبر احتياطيات في أوروبا – من معدن “الليثيوم” المستخدم في إنتاج البطاريات، بحجم يقدر بنحو 500 ألف طن، ونحو 90 طنًا من الزركونيوم المستخدم في المحركات النفاثة.
وقدمت إدارة البيت الأبيض، برئاسة دونالد Трамп، مشروع اتفاق أمريكي للسلطات الأوكرانية، كشف عن تفاصيله وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، قائلًا: “إن الاتفاق يتضمن إنشاء صندوق استثمار لإعادة الإعمار، وتسهم أوكرانيا بنسبة 50% من خلال الموارد المعدنية، حتى تصل مساهمتها إلى 500 مليار دولار”.
وفي الوقت الذي دافع فيه وزير الخزانة الأمريكي عن مساعي ترامب، رفضت أوكرانيا التوقيع على المقترح الأمريكي لإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار في وقت سابق من هذا الأسبوع، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين واشنطن وكييف، وأثار مخاوف من حدوث قطيعة في العلاقات بينهما.
وفي أعقاب هذا الرفض، قال المبعوث الأمريكي، ستيفن ويتكوف: “أتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاق هذا الأسبوع. لقد شهدتم تردد الرئيس زيلينسكي في التزامه حيال ذلك قبل أسبوع، لكن الرئيس ترامب بعث رسالة له، ولن يتردد بعد الآن، إذ يدرك زيلينسكي أننا بذلنا الكثير، وأنه يتعين التوقيع على هذا الاتفاق”.
اتفاق عادل
ومجددًا، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن اقتراح إدارة الرئيس ترامب المثير للجدل بشأن منح الولايات المتحدة 500 مليار دولار من عائدات المعادن النادرة الأوكرانية قد تم سحبه، وأنه جارٍ العمل على اتفاق أكثر عدالة.
وأوضح زيلينسكي أن اعتبار المساعدات دينًا يجب سداده سيكون بمثابة «صندوق باندورا»، الذي سيشكل سابقة تستدعي من كييف سداد جميع الداعمين. وأضاف: “نحن لا نعترف بالديون، ولن يكون ذلك في الشكل النهائي للاتفاق”.
وفي خضم هذه التصريحات الأوكرانية، يبدو أن هناك رغبة أمريكية في تمرير هذا الاتفاق، فقد أكد مجددًا سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، أن مشروع الاتفاقية حول استثمار الولايات المتحدة للموارد الطبيعية الأوكرانية لا يتضمن أي ضمانات عسكرية لأوكرانيا، وأن زيلينسكي سيوقع عليها.
ومع الرفض الأوكراني لمشروع الاتفاق الأمريكي وإصرار الولايات المتحدة، أثيرت تساؤلات حول موقف الرئيس الأوكراني من هذه الاتفاقية بعد تعديلها، وتداعيات الرفض الأوكراني.
“الاستعمار الاقتصادي“
وقال سعيد سلّام، مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية، إن الاتفاق الأمريكي للاستفادة من المعادن النادرة يمكن وصفه بـ”الاستعمار الاقتصادي” الأمريكي للأراضي الأوكرانية لعقود طويلة، وأن هذا الاتفاق في صورته الأولى لم يكن مواتيًا للقيادة الأوكرانية، لذلك قدمت إدارة ترامب خلال الساعات الماضية وثيقة معدلة.
وأضاف سلّام لـ”إرم نيوز” أن الاتفاقية المطروحة يمكن أن يُستنتج منها أن بعض أحكامها أكثر صرامة على أوكرانيا، إذ تقترح تخلي كييف لصالح أمريكا عن نصف عائداتها من استخراج وبيع الموارد الطبيعية “المعادن والنفط والغاز”، وسيتم توجيه إيراداتها إلى الصندوق، ومنه إلى الولايات المتحدة بنسبة 100%، وسيتعين على كييف تقديم مساهمات فيه حتى يصل المبلغ الإجمالي إلى 500 مليار دولار.
قيمة المساعدات الأمريكية
وتابع: “هذا هو مبلغ التعويضات الذي يطالب به ترامب مقابل المساعدات الأمريكية التي تم تقديمها، على الرغم من أن واشنطن قدمت لأوكرانيا في الواقع مساعدات عسكرية وإنسانية بقيمة أقل من أربعة أضعاف – حوالي 120 مليار دولار – على مدى ثلاث سنوات من الحرب”.
وأشار سلّام إلى أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عائدات أوكرانيا من استخراج الموارد الطبيعية في عام 2024 بلغت 1.1 مليار دولار فقط، فسيستغرق الأمر عدة قرون لملء الصندوق بهذه الوتيرة. وفي الوقت نفسه، لم تذكر النسخة الأولى من الاتفاقية مبلغ 500 مليار دولار، كما أن 66% من عائدات استخراج المعادن في الأراضي التي تحتلها روسيا، إذا تم تحريرها، يجب أن تذهب إلى الصندوق، وفقًا لمطالب واشنطن.
وأوضح سلّام أن الجيش الروسي يحتل حاليًا معظم منطقة “دونباس”، وهي المنطقة الأكثر ثراءً بالموارد في أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتراض الرئيس لكييف بشأن الاتفاقية التي صاغتها الولايات المتحدة هو الغياب شبه الكامل لأي ضمانات أمنية لأوكرانيا أو حتى أي زيادة مقررة في المساعدات العسكرية، إذ لا تحتوي النسخة الجديدة من الاتفاقية على هذه الضمانات الرئيسة للبلاد التي تعيش حالة حرب منذ ثلاث سنوات.
تصريحات أمريكية مثيرة للجدل
ولفت إلى أن إجابة الجانب الأمريكي حول عدم وجود ضمانات أمنية كانت أن وجود الشركات الأمريكية على الأرض هو بحد ذاته ضمان أمني لعدم تهديد الدولة الأمريكية، مؤكدًا أن هذه الإجابة غير مقنعة، وبالتالي فإن الرئيس زيلينسكي لا يوافق بشكل قاطع على مطلب ترامب بإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار ضمن الشروط الموضوعة ودون ضمانات أمنية واضحة.
واختتم سلّام تصريحاته قائلًا: “بحسب المعلومات المتوفرة، فإن القيادة الأوكرانية مستعدة للموافقة على مبلغ 90 مليار دولار، شريطة أن تدرج واشنطن ضمانات بمزيد من المساعدات العسكرية والمالية في الوثيقة النهائية”.
انتخابات رئاسية وصفقات مؤجلة
من ناحية أخرى، قال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، إن زيلينسكي يمكن أن يقدم للولايات المتحدة صفقة المعادن النادرة والثروات الباطنية في أوكرانيا، والتي ربما تصل إلى تريليون دولار، لكنه يريد مقابل ذلك دعمًا أمريكيًا بالسلاح.
وأشار بوش، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، إلى أن الرئيس ترامب لا يريد بقاء زيلينسكي في الحكم، لأن بقاءه لن يؤدي إلى توقيع صفقة مع روسيا لإيقاف الحرب. وعلى ما يبدو، فإن ترامب يريد إخراج زيلينسكي من مفاوضات السلام وإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا، مما يفتح الباب أمامه لإبرام الصفقات سواء مع أوكرانيا أو مع روسيا.
وخلص بوش إلى أنه من المستبعد إتمام هذه الصفقة في القريب العاجل طالما ظل زيلينسكي في السلطة.