المقاومة وتأثيرها على منظومة رأس المال الصهيوني العالمي

المقاومة وتأثيرها على منظومة رأس المال الصهيوني العالمي

غزة الكاشفة

المقاومة وتأثيرها على منظومة رأس المال الصهيوني العالمي

حاتم استانبولي – كاتب فلسطيني

2\10\2024

في السابع من سبتمبر اجتمع مدير جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) ريتشارد مور مع مدير وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز، والملفت في الأمر ان اللقاء أعلن عنه وعن نتائجه وصرحا أن النظام العالمي على وشك الانهيار.

المدقق في التصريح لأقوى رجلين يسيطران على أعتى منظومة أمنية تتحكم في مفاصل النظام الرأسمالي العالمي، الذي أُسِّسَ بناء على نتائج الحرب العالمية الثانية، وبالرجوع إلى عناوين النقاش الذي أعلن عنه، يدرك المدقق أن الخطر على النظام الرأسمالي العالمي القائم يأتي من عناوين غزة وأوكرانيا.

غزة وما أفرزته من تداعيات بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ على المنظومة الرأسمالية السياسية والقانونية والأخلاقية والاقتصادية التي عُمِلَ على تركيبها وترويجها على مدار ٨٠ عاما.

غزة فضحت زيف المنظومة الأخلاقية الليبرالية الرأسمالية، التي روج لها تحت عنوان الحرية والعدالة الذي يستخدم كمبرر لِغزواتهم وحروبهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانونية.

غزة كشفت سقوط المنظومة القانونية الدولية، وأكدت أن دور المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو اداة تستخدم فقط باتجاه الدول والشعوب والأفراد الذين يتمردون على المنظومة الرأسمالية.

غزة أعادت تظهير جوهر الصراع وامتداداته بين العدالة الإنسانية واعدائها، واظهرت ان الموقف الشعبي العالمي المناصر لعدالة القضية الفلسطينية هو الموقف الإنساني الشعبي العام الذي عبر عنه في كل الساحات والميادين على امتداد الكرة الأرضية، هذا الدعم الذي كشف واظهر الوجه الأبرز للوحشية الرأسمالية التي دعمت وغطت الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.

غزة حددت معايير جديدة للعروبة والإسلام، وكشفت الانظمة والاتجاهات التي تستخدم العروبة والاسلام كمظهر لتغطية ممارساتهم وانخراطهم في منظومة الاستغلال الرأسمالي السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

معايير العروبة والإسلام هي الحرية والعدالة الاجتماعية، التي ناظِمها الموقف من القضية الفلسطينية التي يعاني شعبها منذ صياغة أسس المنظومة الرأسمالية هذه الأسس، التي كانت ركيزتها الرئيسية اسرائيل الصهيونية كأداة رأسمالية لتمرير كافة سياساتها العدوانية على شعوب المنطقة.

وبناء على ذلك يجب ان نفهم ان النظم العربية الرسمية هي جزء أصيل من هذه المنظومة الرأسمالية، وتحالفها مع اسرائيل الصهيونية هو تحالف أصيل في إطار هذه المنظومة، هذا التحالف العميق الذي كشفه دماء اطفال ونساء وشيوخ غزة والضفة.

غزة أوضحت أن إسلام عن إسلام بفرق، إسلام رسمي وداعِشي وقاعدي وتَفريخاتِهِم، واسلام أعطى للعباءة بعدا وطنيا تَحَرُرِيا أعاد فيه الاعتبار لفكرة الإسلام التحررية الثورية الإنسانية، التي ثارت على رأس المال القريشي وحررت العبيد والرق، في اشارة الى البعد التحرري الإنساني للإسلام. هذا الإسلام الذي مارسه الشهيد حسن نصر الله، وحاول على مدى ٣٠ عاما من النضال لجعله المعيار والناظم لأية حركة إسلامية سياسية، ومارس هذا المفهوم في صراعه مع الاتجاهات الإسلامية المختلفة لجعل الموقف الوطني التحرري هو المعيار لمصداقية أية حركة أو اتجاه سياسي إسلامي، ووقوفه وقتاله لنصرة فلسطين وغزة، أسقط من خلال هذا الموقف كل المحاولات للاستمرار في الاستثمار بالخلاف المذهبي من أجل تفتيت وتدمير البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمعات، حيث فرض معادلة المقاومة وأعدائها بغض النظر عن اصولهم أو عقائدهم.

غزة كشفت زيف المنظومة القانونية الدولية، التي لم تستطع ان تحاسب اسرائيل الصهيونية على جرائمها المعلنة والمكشوفة، رغم مطالبات الشعوب على امتداد الكرة الأرضية، التي عُبِّر عنها في التصويت لصالح القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة.

غزة أوضحت أن اسرائيل الصهيونية العدوانية الارهابية الاجرامية هي جزء من منظومة رأس المال العالمي وهي التعبير الأبرز عن وحشيته وإرهابه.

غزة أوضحت بشكل سافر ازدواجية المعايير بين الموقف الغربي الأمريكي من الأزمة الاوكرانية وبين الموقف من القضية الفلسطينية، في حين استنفرت كل المنظومة السياسية والقانونية والاقتصادية لدعم أوكرانيا أمام العدوان الروسي على أوكرانيا، في حين شرَّعت وغَطّت ودعمت العدوان الصهيوني وجرائمه وابادته الجماعية للشعب الفلسطيني. هذه الازدواجية عرَّت المنظومة الاخلاقية والسياسية والقانونية والاقتصادية امام الرأي العام العالمي، وكشفت أن اسرائيل العدوانية الصهيونية الارهابية هي أداة لتنفيذ السياسات الوسخة للنظام الرأسمالي العالمي.

لكل ما سبق قيَّم وليام بيرنز، مدير دائرة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه)، وريتشارد مور، مدير جهاز المخابرات البريطاني MI6، أن النظام العالمي على وشك الانهيار، وهنالك ضرورة للعمل من أجل الحفاظ عليه وترميمه.

وهنالك ضرورة من أجل عدم السماح بانتصار روسيا في أوكرانيا ودعم الجهود الاسرائيلية بكل الوسائل من اجل الانتصار على حماس والمقاومة في المنطقة.

في هذا السياق يفهم الدعم الأمريكي العسكري والمالي الذي تدفق على إسرائيل، ورفع القيود عن بعض القنابل التي تزن ٢٠٠٠ رطل التي استخدمت في غزة وفي الضاحية الجنوبية لاغتيال الشهيد حسن نصر الله.

المدقق بمجمل الأحداث منذ حادث سقوط طائرة الرئيس الإيراني، إلى سلسلة الاغتيالات التي تلتها، وصولا الى اغتيال أمين عام حزب الله، يؤشر أن هذه الاحداث هي عمل جمعي متداخل ومركب من قبل أجهزة المخابرات الغربية الإسرائيلية، لتسريع إنجاز انتصار في منطقة الشرق الأوسط، من اجل التفرغ والضغط على كل من روسيا والصين واعادة الاعتبار لصورة الردع الأمريكية عبر أداتها الهمجية الارهابية الاسرائيلية.

اسرائيل العدوانية تقدم نفسها كأداة للدفاع عن المصالح الصهيونية الغربية عبر دفاعها عن المنظومة الرسمية العربية، التي فتحت بعض خيوط مع كل من روسيا والصين. انتصار اسرائيل يعيد كل هؤلاء الى الحظيرة الأمريكية بشروط أكثر إذلالا.

هذا يوضح السكوت الرسمي العربي وعدم القيام بأية خطوة عملية لردع إسرائيل العدوانية ووقف جرائمها وابادتها الجماعية في فلسطين ولبنان.

ويوضح في صورة لا لبس فيها أن هذه المنظومة هي جزء من منظومة رأس المال الصهيوني الاستغلالي، التي أعلنت حربا ضروسا على المقاومة وفصائلها في كل الميادين السياسية والاعلامية والمالية والاقتصادية والعسكرية.

المقاومة وفكرتها وامتدادها إلى المنظومة الاجتماعية للدول الغربية، وإعادة بناء السردية الفلسطينية على أنها صراع بين قوى العدالة الانسانية وبين شرور النظام الرأسمالي الصهيوني العالمي وأدواته الإرهابية اسرائيل العدوانية. هذا التأثير أقلق وأرعب دوائر المخابرات وفرض أجندة ضرورة تصفية المقاومة كفكرة وادوات، عبر استهداف رموزها وادواتها، وفتح الطريق لرموز وادوات تخدم مصالحهم. وفي هذا الإطار نفهم المبادرات التي أطلقت في ظل الهجمة الشرسة العدوانية الإسرائيلية، ان كانت مبادرة ناصر القدوة وأولمرت، أو مبادرة اقامة الدولة الفلسطينية، التي تعلن اسرائيل ليل نهار أنها لم ولن تقبل بقيامها وأن اسرائيل هي من النيل الى الفرات، والخريطة التي رفعها نتنياهو في جلسة الأمم المتحدة يجب قراءتها جيدا، هذه الخريطة التي تعبّر عن جوهر الفكرة الدينية الصهيونية، وبذات الوقت فإن الخط الاحمر يشير الى مشروع الهند أوروبا مرورا بالإمارات والسعودية وفلسطين ومن غزة تحديدا.

الصراع أصبح مكشوفا وواضحا بين فكرة المقاومة وفكرة الاستعمار الصهيوني الارهابي الاستيطاني، وجميع الصراعات التي يروج لها، إن كانت مذهبية أو تحت عنوان السِيادة او اقليمية او اثنية، ما هي إلا بهدف تبديد وصرف الأنظار عن الصراع الرئيسي بين المقاومة المتعددة الاتجاهات والعقائد، التي يجمعها مصلحة مواجهة الاستبداد الرأسمالي الاجرامي الصهيوني، وافعال أداته الاجرامية الارهابية اسرائيل الصهيونية.

 

*تم النشر بالتنسيق مع الكاتب نقلا عن بوابة الهدف

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *