اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني … قصة تشبث بالهوية وكفاح وطني
Набіль ас-Сахлі - палестинський письменник
11\7\2024
رغم صغر مساحته التي لا تتعدى كيلومترين مربع، يُعتبر مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني من حيث عدد سكانه ونشاطه الاقتصادي والثقافي والعلمي والمساهمة الى حد كبير في كافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني ، إضافة الى التشبث بالهوية الوطنية الجامعة رغم مرارة اللجوء ، فكانت العادات والتقاليد والتراث الثقافي الفلسطيني هو الحاضر الاكبر في حنايا وحراك أهل المخيم منذ نشأته عام 1957.
نشاط دؤوب
تعود أصول اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى (300) قرية في الجليل والساحل الفلسطيني، وتتبع (16) مدينة هي مراكز أقضية في فلسطين، مثل حيفا، الناصرة، طبرية، صفد، عكا، بيسان، ويافا، والقدس، جنين وغيرها من المدن الفلسطينية، وقد ساهم اللاجئون الفلسطينيون في العمل الفدائي منذ بداياته في عام 1965 وقدموا الآلاف بين شهيد وجريح وأسير.
منذ وصولهم الى سوريا دأب الفلسطينيون على العمل بكافة المهن جنباً الى جنب مع تطلعاتهم الى العلم بكونه مدخلاً للارتقاء بأعمال تحتاج الى التحصيل العلمي كالطب والهندسة والمحاماة والتدريس، وبالكد والعمل المضني.
بنى الفلسطينيون مخيماتهم في سوريا بشكل متسارع ونشط ليصبح مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، أي قبل التهجير وتغريبة اهل المخيم عام 2012.
يقع مخيم اليرموك الى الجنوب من العاصمة السورية دمشق وعلى مسافة ستة كيلومترات؛ ويختلف تماماً عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سوريا، حيث قام أهل المخيم بتحسين مساكنهم وإضافة الغرف إليها مع ارتفاع عدد أفراد العائلة في ظل زيادة طبيعية بينهم خلال عقدي الستينيات والسبعينيات ليزدحم المخيم بالمساكن الإسمنتية والطابقية في غالبية الأحيان، لكن المخيم لا يحتوي حدائق اطفال ترعاها الاونروا او بلدية اليرموك، وثمة شوارع وأزقة ضيقة، ويعتبر الازدحام كبير في المخيم، حيث كان يقطن في داخله 151 الف لاجئ فلسطيني، وكذلك 151 الف سوري من الطبقات الفقيرة؛ ولا تتعدى مساحة مخيم اليرموك اثنان كيلومتر مربع. ولا يعتبر اليرموك مخيماً وفق تصنيفات الاونروا رغم انتشار 23 مدرسة لها هناك اضافة الى عدة مستوصفات، حيث تدير الخدمات العامة من تنظيف شوارع وصرف صحي بلدية اليرموك التي تتبع وزارة الادارة المحلية. وفي داخل المخيم شارعان رئيسيان هما شارع اليرموك وشارع فلسطين الذي أنشئ قبله، وهناك العديد من الشوارع الفرعية التي لا تقل أهمية عن الشوارع الرئيسية مثل شارع لوبية وشارع صفد حيث يزخران بالمحلات التجارية الضخمة، ويعمل العديد من اللاجئين في المخيم كأطباء ومهندسين وموظفين مدنيين، ويعمل آخرون كعمالة مؤقتة وباعة متجولين. وبشكل عام في الوضع الطبيعي تبدو ظروف المعيشة في المخيم أفضل بكثير من مخيمات لاجئي فلسطين الأخرى في سوريا. يوجد بالمخيم أربعة مشافي وهي مشفى فلسطين ومشفى الشهيد فايز حلاوة ومشفى الرحمة ومشفى الباسل، فضلاً عن عدد كبير من العيادات التخصصية الخاصة ومدرستين للمرحلة الثانوية الاولى للبنات والثانية للبنين وأكبر عدد من مدارس الأونروا، وترعى الأونروا مركزين لبرامج المرأة لتقديم الأنشطة الخارجية.
كما يوجد بالمخيم عدة مسارح منها مسرح الشهيدة حلوة زيدان في مدخل المخيم ومسرح الخالصة ومسرح المركز الثقافي العربي في جنوب مخيم اليرموك، وفي عام 1996 تمكنت الأونروا من تطوير مركزي صحة بتبرعات من الحكومة الكندية. وفي 1997 تم تطوير ست مدارس بتبرعات من الحكومة الأمريكية، وبناء حضانة بتمويل استرالي. وفي 1998 تمكنت الأونروا أيضا من بناء مركز صحي بتمويل من الحكومة الهولندية، كما انشئت المدينة الرياضية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي التي تضم ملعب كرة قدم ومسبح على أنقاض معسكر الأشبال في جنوب المخيم بالقرب من حارة المغاربة، وقد تدرب في المعسكر في بداية الستينيات والسبعينيات المئات من اطفال ويافعي المخيم وكانوا يتباهون وأهاليهم بلباس البدلة الفدائية حيث ترمز للرجل الذي يعتز به الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها ألا وهو الفدائي وشماخه وبندقيته التي يمتشقها بغرض التحرير والعودة.
انتشار الثقافة الوطنية والعلمية
إضافة إلى الدور الكبير للتنظيمات الفلسطينية المختلفة في نشر الوعي السياسي والثقافي في مخيم اليرموك عبر الانتماء المباشر والندوات، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين الاعوام(1970 -1982) بغرض التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية، جنباً الى جنب مع انتشار عدد كبير من المكتبات في المخيم منذ بداية عقد السبعينيات، ومنها مكتبة الطلاب الحديثة في شارع لوبيه لصاحبها العم الحاج المثقف الراحل محمود ابراهيم الصمادي ابوسميح من قرية لوبية في قضاء طبرية، وكانت تقدم خدمات طلابية اضافة الى تأجير الكتب لعدة ايام والصحف اليومية، وكذلك مكتبة النهضة بالقرب من شارع لوبية ومدخل شارع الجاعونة لصاحبها الراحل الوطني وأحد مؤسسي الحركة الكشفية الفلسطينية في سوريا محمد سليمان خليل ابوخالد من قرية عيلوط قضاء الناصرة، وكانت تقدم أيضاً خدمات الخدمات القرطاسية الطلابية اضافة الى تأجير الكتب لعدة ايام، كما توجد مكتبة الرشيد في شارع اليرموك وصاحبها المثقف سليم الرشيد من قرية صفورية قضاء الناصرة الجليلية ويقيم حالياً في مملكة السويد، وكانت تقدم للطلاب بكافة مستوياتهم خدمات القرطاسية والخدمات الخاصة بهم اضافة الى بيع الجرائد والكتب، أما في شارع صفد كان يوجد مكتبة الشهابي لصاحبها الراحل ابو سعيد الشهابي من قرية لوبية ايضاً وكانت تقدم خدمات القرطاسية للطلاب وبيع الجرائد، ومكتبة الموعد في شارع صفورية وسط مخيم اليرموك وهي لشخص من ال موعد من صفورية في قضاء مدينة الناصرة الجليلية، كما توجد مكتبتي القناعة والشموع في شارع جلال كعوش وبالتحديد مواجه ثانوية اليرموك للبنات، كما انتشرت مكتبات صغيرة أخرى في حارات وشوارع المخيمات لتلبية حاجات الطلاب القرطاسية لم استطع استحضارها بالكامل لكن اذكر بعض منها و امكنتها، واحدة جانب مؤسسة الكهرباء شارع اليرموك واسمها مكتبة فلسطين وصاحبها من قرية لوبية، ومكتبة جانب صالة السعادة في بداية شارع فلسطين وصحابها محمود حسن السهلي من قرية بلد الشيخ قضاء حيفا، وفي دوار فلسطين مكتبة وصاحبها المهندس محمود غنام من طيرة حيفا، وتوجد ثلاث مكتبات بالقرب من مدرسة الطابغة في احد فروع شارع اليرموك بالقرب من مدرسة الطابغة الابتدائية، الاولى واسمها مكتبة المهند للأستاذ وفيق الرفاعي ابو ايهم ويديرها ابن الاخ لؤي السهلي ابو نصري، اضافة الى مكتبة السلام وصاحبها الراحل الاستاذ المربي يوسف ابو حجر، والثالثة مكتبة جنين وصاحبها الراحل نصري السهلي ابو لؤي. وفي نفس الوقت تمّ إنشاء عدة دور نشر في المخيم، ومنها دار الشجرة بالقرب من شارع اليرموك لصاحبها الشهيد غسان الشهابي من قرية لوبية قضاء طبرية، ودار الكرامة في شارع صفد لصاحبها الراحل المثقف والمربي فوزي حميد من قرية دلّاتة في قضاء مدينة صفد، وكذلك دار الموعد للنشر في جنوب المخيم لصاحبها الكاتب والباحث الفلسطيني المعروف حمد موعد من قرية صفورية في قضاء الناصرة، وقامت تلك دور النشر بإصدار ونشر عدة كتب حول القضية الفلسطينية، وكان اللافت إنشاء المكتبة الثقافية في احد طوابق اقليم الجبهة الديموقراطية في مخيم اليرموك وبتوجه و اصرار منها، وباتت تضم بين رفوفها الاف الكتب بين الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والادب، وكان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة عبر الذهاب الى بعض كتّاب وصحفيي المخيم والحصول منهم على كتب لدعم ورفد المكتبة الثقافية، وقد حصل ذلك ولم يبخل احد منهم في العطاء، لتصبح المكتبة جاذبة لمئات الطلاب والطالبات في المخيم للمطالعة واستحضار مراجعهم منها لاستكمال بحوثهم الجامعية، أو قراءة الصحف التي كانت توفرها الجبهة بشكل يومي. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد في مخيم اليرموك بل انتشرت المعاهد بشكل كثيف وجلي لتدريس شهادتي الكفاءة (الإعدادية) والبكالوريا بشقيها العلمي والادبي وفي كافة المواد تقريباً عبر مدرسين مختصين وبارعين، ومن المعاهد التي اذكرها معهد الخيام ومعهد المستقبل، معهد افاق المستقبل، معهد النور ومعهد العلا ومعهد البهاء، وبطبيعة الحال يمكن الجزم بان انتشار المكتبات والمعاهد ودور النشر والمطابع انما هو دالة كبرى على انتشار الثقافة والعلم وأهميته بشكل لافت بين أهالي المخيم، وكذلك حصول الكثير من شباب وشابات المخيم على درجات شبه كاملة في المرحلتين الإعدادية والثانوية وصولاً الى التحصيل العالي الجامعي ليصبح كثير منهم أيضاً مدرسين في الجامعات السورية وبكافة الاختصاصات العلمية والانسانية، هذا اضافة الى التخصصات في مجال الطب لتنتشر العيادات الخاصة والتخصصية بشكل لافت في المخيم، فضلاً عن مكاتب المحاماة والهندسة، ويعود الفضل الاكبر في رفع مستوى التعليم في المخيم الى بُناته الأوائل، اقصد الآباء والأمهات الذي حثوا على العلم كمدخل ومقدمة للعمل والوعي في ذات الوقت، وكان ذلك بمثابة رد فعلي على النكبة، للتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية واستمرار نتاجاتها عبر الوعي والتعليم والثقافة، وكذلك هي الحال بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا سواء داخل المخيمات وخارجها.
الرياضة والتمسك بالتراث
تأسست في مخيم اليرموك عدة فرق كرة قدم شعبية اضافة الى النادي العربي الذي كان تحت رعاية الاتحاد الرياضي الفلسطيني، لكن لن نخوض في تفاصيل النشأة والتطور واسماء اللاعبين والمدربين والملاعب الشعبية المنتشرة رغم ضيق مساحة المخيم، ومن الفرق التي اذكرها او ساعدني بعض الاصدقاء ممن مارسوا اللعبة كنجم عمورة ومحمد بقلة في استحضار اسمائها، فريق شباب فلسطين، فريق الانتصار، فريق فلسطين الاهلي، فريق الثورة، فريق الكرمل، فريق تلحوم، فريق فتيان فلسطين، فريق زهرة فلسطين، فريق الزهرة، فريق القادسية، فريق النيل، فريق الفرات، فريق بيسان، فريق الكرامة، فريق القدس الاهلي، فريق الاطلال.
ويشار إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية بما فيهم مخيم اليرموك كانوا يعيشون في غالب الأحيان في مناطق وأحياء تجمع أهالي قرية المنشأ في فلسطين، ما أدى إلى الحفاظ على العادات والتقاليد بشكل كبير، فنرى في اليرموك على سبيل المثال لا الحصر تجمع أهالي طيرة حيفا في حارة خاصة بهم جنوب المخيم، وأهالي صفورية في وسطه، وأهالي قرية بلد الشيخ في حي التضامن المجاور، في حين يعيش اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في التجمعات خارج المخيمات في أحياء داخل المدن السورية وفق نسق اجتماعي متداخل إلى حد كبير، وهناك حالات تزاوج كثيرة بين اللاجئين والشعب السوري خصوصاً في مدينتي درعا ودمشق. واللافت أن هناك عادات حافظ عليها اهل اليرموك وخاصة خلال عيدي الفطر والأضحى، فقبل الاعياد بيومين تفيح رائحة كعك العيد الفلسطيني من كل جنبات المخيم، وكان من أجمل الايام واللحظات اداء صلاة العيد ومن ثم زيارة المقابر في حنايا المخيم لتبدأ زيارة وصلة الارحام اولاً، ومن ثم الزيارات الاخوية والمباركة في قدوم العيد. وخلال اعراس اهالي المخيم وافراحهم هناك اجماع للمشاركة باعتبارها فرحة الجميع، ولم تتوان العائلات في الاتراح عند حصولها بغض النظر عن صلة القربة من المتوفى أو من اي مدينة أو قرية تعود اصوله في فلسطين.
ويبقى القول بأن هذه المقالة عمل فردي للتوثيق حول مخيم اليرموك لأنني ترعرعت في حاراته وازقته خلال دروب ومسارات بمرها وحلوها لكنها جزء من هوية وطن سنعود اليه، واتمنى من باحثين وكتاب أن يوثقوا لمخيمات شعبنا الفلسطيني الاخرى في سوريا وكذلك التجمعات مهما كان حجمها خارج المخيمات، فكل شيء تجاوز القرطاس ضاع .. صرخة لابد منها.