زيادة إمدادات الطاقة الروسية إلى الصين
د.خالد العزي
24/1/2024
بعد الاجتماع الاخير لدول منظمة أوبيك أصبح من الممكن أن تنفذ تخفيضا إضافيا في إمدادات النفط وإطالة أمد القيود الحالية. وقالت المصادر، إن المجموعة تناقش خفضا جماعيا أكبر في إمدادات النفط في الربع الأول، لم يتضح بعد مدته وحجمه بدقة.
ويتوقع نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك أن السوق المحلية الراكدة في روسيا من غير المرجح أن تكون قادرة على استيعاب حصة كبيرة من كميات الغاز الفائضة، وأن الأسعار المحلية المرتفعة لن تعوض انخفاض الصادرات، وهناك خطط لزيادة الصادرات. ويشمل الطلب المحلي زيادة استخدام الغاز في توليد الطاقة والتدفئة والصناعة والنقل. وفي قطاع التدفئة، سيتطلب ذلك زيادة كمية الغاز من 73% اليوم،،، إلى 82.9% بحلول عام 2030.
ومع ذلك فإن الأداء الاقتصادي الضعيف لروسيا يجعل هذا التوسع صعبا، حيث أن الطلب على الكهرباء والحرارة راكد، باستثناء صناعة الدفاع كثيفة الاستهلاك للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المزيد من الغاز لإنتاج الكهرباء والحرارة سيتطلب التحول إلى أنواع أخرى من الوقود، خاصة من الفحم. وتتطلب المشاريع الصناعية إشراك التكنولوجيات الأجنبية ولفترات زمنية أطول.
وكما هو الحال في قطاع الطاقة، فإن استخدام الغاز الطبيعي في وسائل النقل سيتطلب إنشاء بنية تحتية جديدة للتوزيع باهظة الثمن، بالإضافة إلى التحول من أنواع الوقود الأخرى، في هذه الحالة البنزين والديزل (على الأرجح).
وكان الدخل من إمدادات التصدير ومن مبيعات الغاز في السوق المحلية لا مثيل له في السابق. وهكذا أفادت غازبروم أنها باعت في نهاية عام 2021 حوالي 274 مليار متر مكعب من الغاز في السوق المحلية، وتجاوزت إيرادات الشركة 1 تريليون روبل. وفي العام نفسه صدرت الشركة 227.9 مليار متر مكعب من الغاز إلى بلدان خارج رابطة الدول المستقلة، وبلغ صافي الإيرادات أكثر من 4 تريليون روبل. و إنخفض معظم هذا الحجم على الدول الأوروبية – حيث تم توفير 174.3 مليار متر مكعب من الغاز. وتحتاج صناعة الغاز الروسية إلى إيجاد مستهلكين جدد لتعويض خسارة السوق الأوروبية. و ليس كل شيء بهذه البساطة هنا أيضًا. حيث تشمل التحديات التقنية في قدرة خطوط الأنابيب المحدودة على الوصول إلى وجهات جديدة، فضلاً عن محدودية القدرة على تسييل الغاز الطبيعي ونقله، ومحدودية الوصول إلى هذه التقنيات. حيث أن انخفاض الإيرادات وارتفاع الضغوط الضريبية يحدان من توافر رأس المال للاستثمار من اجل التغلب على هذه العقبات.
أما بالنسبة للإمدادات إلى آسيا، فإن خط أنابيب “قوة سيبيريا – 2″، المصمم لتزويد ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى الصين عبر منغوليا مشابهًا في الإمدادات لحجم نورد ستريم 1 أو نورد ستريم 2. فإن تصدير الغاز الروسي عبر “قوة سيبيريا – 1″ هو بالفعل أرخص نوع من واردات الغاز من قبل الصين، مما يجعل دخل الاتحاد الروسي أقل بكثير من الدخل الأوروبي، لان المشاريع الجديدة تمنح الصين نفوذًا أكبر على التسعير. لذلك التفاؤل بشأن قدرة الاتحاد الروسي على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال و طاقته التصديرية، و بناء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال، وأحواض بناء السفن ذات رأس مال كبير في القطب الشمالي سيتطلب استثمارات أولية ضخمة ودعمًا حكوميًا واسع النطاق وحوافز ضريبية”.
ويحدد الخبراء عدة سيناريوهات لتطور الأحداث.
في أسوأ السيناريوهات، حيث ينخفض إنتاج الغاز ويكون الاتحاد الروسي غير قادر على تطوير أسواق جديدة (في آسيا في المقام الأول)، ستنتهي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في السوق المحلية الروسية.
وعلى مستوى مزيج الطاقة العالمي، فإن هذا يعني انخفاض توافر الغاز الطبيعي، وارتفاع الأسعار، وحصة أقل من الغاز الطبيعي في استهلاك الطاقة خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. و هذا الأخير سيؤدي تلقائيا، تقريبا، إلى زيادة استهلاك الفحم وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة على مدى فترة طويلة.
و في ظل السيناريو الأكثر سلبية بالنسبة لروسيا، ستستمر البلاد في تصدير ما يقرب من 125 مليار متر مكعب من الغاز سنويا في عام 2030، وهو ما سيصل إلى ما يقرب من نصف الصادرات الروسية في عام 2021. فإذا تمكنت روسيا من توسيع خطوط أنابيبها إلى الصين وإنشاء صادرات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين وجنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وغيرها من الأسواق الناشئة، فإن هذا سيجعل التجارة العالمية في الوقود الأزرق أكثر تجزئة، مع حصة عالية من المدفوعات بغير الدولار و سيجبر على تطوير نظم مالية / تعاقدية بديلة للتحايل على العقوبات الغربية.
كما يتوخى الخبراء الروس الحذر بشأن آفاق النمو في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين. لأن الحجم الإجمالي لإمدادات الغاز إلى الصين سيبلغ 98 مليار متر مكعب، على الأقل، بحلول عام 2030. ومن ثم يجب أن تزيد صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب أكثر من 6 مرات خلال 7 سنوات. و من المخطط توريد 100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، مقابل 6.6 مليون طن حالياً. وهذا يعني أن الإمدادات يجب أن تزيد 15 مرة.
لكن البنية التحتية الحالية ليست كافية لاستبدال وإرسال الكمية المفقودة إلى الصين. لان قوة سيبيريا لديها حدود لحجم الضخ تبلغ 38 مليار متر مكعب. وإلى أوروبا، في ذروة غازبروم، زودت بـ 200 مليار متر مكعب. ويرى نائب عميد كلية الاقتصاد والأعمال بالجامعة المالية إيفان بيتروف أنه من المستحيل أن تحل آسيا محل السوق الأوروبية.
المشكلة الرئيسية هي أنه نتيجة لانخفاض الصادرات، تنخفض أحجام الإنتاج، وهذه مشكلة اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية خطيرة، وفي السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، من المستحيل إعادة صادرات الغاز الروسي إلى أحجامها السابقة. الاحتياطيات اللازمة لزيادة إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب محدودة بسبب القدرة الإنتاجية للمنشآت القائمة.
إن إنشاء مناطق جديدة في كل من الشرق والجزء الأوروبي من روسيا مع إعادة توجيه التدفقات في الاتجاه الجنوبي يمثل خطراً. حيث أن التركيز على عدد محدود من المستهلكين الكبار يؤدي إلى الاعتماد عليهم بشكل جدي: أولاً، هذا المستهلك هو الذي يملي الأسعار، وثانياً، قد يتعرض لمشاكل خطيرة: زلزال أو وباء أو مجموعة أخرى من أحداث المخاطر التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار الطلب.