Можлива зустріч Зеленського і Путіна в Туреччині
وساطة معقدة في لحظة مفصلية من الحرب في ظل السياسة الأمريكية المتغيرة
مفترق طرق دبلوماسي في الحرب الروسية على أوكرانيا
د. سعيد سلام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
27\7\2025
أثار تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن اتفاق مبدئي لعقد لقاء مباشر بين الرئيسين فولوديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين في تركيا اهتماماً واسعاً في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية العالمية. في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دخل عامه الرابع، ووسط الجمود السياسي والميداني، يُنظر إلى هذا اللقاء المحتمل كاختبار حاسم لقدرة الدبلوماسية الإقليمية على اختراق خطوط التوتر الجيوسياسي. لكن السؤال الجوهري يبقى مطروحاً: هل تمثل هذه المبادرة بداية مسار تفاوضي فعلي يؤدي إلى حل مستدام؟ أم أنها مناورة جديدة لإعادة التموضع، سواء على الأرض أو على طاولة المفاوضات، في ظل حسابات استراتيجية معقدة؟ التحليل التالي سيسبر أغوار هذا التطور، محللاً دلالاته في سياق التحولات الجيوسياسية الراهنة، لا سيما مع التغير في دفة السياسة الأمريكية وتأثيراتها العميقة.
الجذور التاريخية والمسار الراهن للصراع الروسي-الأوكراني
تعود جذور النزاع الروسي الأوكراني إلى تداخل تاريخي وجيوسياسي عميق بين المجال الحيوي الروسي ونزعة أوكرانيا الراسخة للاستقلال عن الهيمنة الروسية وتوجهها نحو الغرب. فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، سعت كييف إلى تعزيز استقلالها وسيادتها وتطلعاتها نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما اعتبرته موسكو تهديداً مباشراً لنفوذها ومصالحها الأمنية الحيوية. تصاعد التوتر بشكل دراماتيكي في عام 2014 باحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وضمها بشكل غير شرعي، ثم انشاءها ودعمها للحركات الانفصالية في منطقة دونباس شرق أوكرانيا. وبلغت الأزمة ذروتها في 24 فبراير 2022 بشن روسيا غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا، مما شكل أكبر صراع عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. تهدف روسيا من هذا الغزو المعلن، ضمن خطابها الرسمي، إلى “نزع السلاح” و”منع الناتو من التمدد”، بينما تتجاهل الدوائر السياسية والاستراتيجية في الغالب ادعاءاتها بـ”نزع النازية” لعدم وجود أساس واقعي لها في أوكرانيا. في المقابل، تعتبر أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون، بالإضافة إلى غالبية المجتمع الدولي والأمم المتحدة، الغزو عدوانًا غير مبرر وانتهاكًا صارخًا لسيادتها ووحدة أراضيها. وقد أدت الحرب إلى نزوح ولجوء ملايين الأوكرانيين، ودمار واسع النطاق، وتصاعد التوترات الجيوسياسية على مستوى العالم. لم يحقق الغزو الأهداف الاستراتيجية الروسية المعلنة، بل جاءت النتائج على النقيض تماماً؛ فقد شهد الجيش الأوكراني تسليحاً غير مسبوق بأسلحة حديثة نسبياً، مما جعله يتحول إلى قوة عسكرية رئيسية، بل ووصفه بعض المحللين بأنه أصبح أقوى جيش في أوروبا من حيث الخبرة القتالية والتسليح الحديث. كما أدى سعي روسيا لمنع تمدد الناتو إلى نتيجة معاكسة تماماً، حيث توسع الحلف بضم فنلندا والسويد، مما عزز من تواجده وفعاليته. ومع ذلك، لم تتمكن أوكرانيا من استعادة أراضيها بالقوة العسكرية الحاسمة حتى الآن. هذا الجمود الميداني، والتكاليف البشرية والاقتصادية الباهظة، يدفعان بخيار التفاوض – رغم صعوبته وتعقيداته – ليكون مطروحاً على الطاولة كمسار لا يمكن استبعاده بالكامل في البحث عن مخرج للأزمة.
Мир в Україні – Що об’єднує посередників з Ватикану, Туреччини, Саудівської Аравії, ОАЕ та Європи?
الدور التركي كوسيط رئيسي: دبلوماسية الفرص والتوازنات
لعبت تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، دورًا نشطًا كوسيط بين روسيا وأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي، مستندةً إلى موقعها الجغرافي الحساس وعلاقاتها الفريدة والمتوازنة مع كل من موسكو وكييف. فتركيا، كونها عضوًا في حلف الناتو، لم تلتزم بالعقوبات الغربية الشاملة المفروضة على روسيا، بل حافظت على قنوات اتصال مفتوحة وواصلت تعاونها الاقتصادي والعسكري معها في مجالات محددة. تضمنت جهود الوساطة التركية تسهيل اتفاقيات مهمة مثل اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، التي وُقعت في إسطنبول منتصف عام 2022 برعاية أممية، وساهمت في استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية الحيوية إلى الأسواق العالمية. كما لعبت أنقرة دورًا مهمًا في تسهيل عمليات تبادل الأسرى بين الجانبين المتحاربين. تستثمر تركيا في هذه الحرب لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية الداخلية والخارجية، أبرزها تعزيز صورتها ومكانتها كقوة دبلوماسية صاعدة ولاعب محوري في النظام الدولي القائم على تعدد الأقطاب، بالإضافة إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي في حوض البحر الأسود والبلقان، وجني فوائد اقتصادية من علاقاتها مع موسكو، لا سيما في مجالات الطاقة والسياحة والتجارة، مما يساعد في التخفيف من الضغوط الاقتصادية الداخلية. الجهود التركية الجديدة لعقد قمة مباشرة بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي، وتصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان الأخيرة، تشير إلى رغبة أنقرة في رفع سقف دورها كـ”ضامن إقليمي” لاتفاق سلام محتمل. ومع إدراكها الكامل للصعوبة البالغة في التوصل إلى نتائج ملموسة في ظل غياب الثقة والتباعد الاستراتيجي بين الطرفين، فإن تركيا تسعى لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة وتقديم منصة للدبلوماسية في لحظة فارقة قد تسهم في تهدئة التوترات.
السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب الثانية: تحولات وتحديات
مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة في يناير 2025، طرأت تغييرات جوهرية على موقف الولايات المتحدة من الحرب الروسية على أوكرانيا، تميزت بالتركيز على المفاوضات والتقلب في مستويات الدعم، مما أثار قلق الحلفاء وأثر على مجريات الصراع.
منذ اليوم الأول لولايته الثانية، سعى الرئيس ترامب إلى الدفع نحو إنهاء الحرب بسرعة عبر المفاوضات. في خطاب أمام الكونغرس بتاريخ 4 مارس 2025، أكد أن أوكرانيا “جاهزة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت لتحقيق سلام دائم”، وشدد على ضرورة التحدث إلى الطرفين لإنهاء الحروب. بيد أنه أعرب عن شعوره بأن الرئيس بوتين قد مارس “خداعاً” تجاه الإدارات الأمريكية السابقة، مشددًا على أن بوتين “لم يخدعني”. أما موقفه من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد بدا متقلباً وأحياناً غاضباً. ففي لقاء عاصف بواشنطن بتاريخ 28 فبراير 2025، صرح ترامب بأن زيلينسكي “ليس جاهزًا للسلام إذا كانت الولايات المتحدة ستشارك”، وقال إنه “يمكنه العودة عندما يكون مستعدًا للسلام”، مطالبًا إياه بالاعتراف العلني بالحاجة إلى السلام. من جانب فريقه، أكد وزير الدفاع بيت هغسيت في مستهل مجموعة تنسيق الدفاع الأوكرانية (12 فبراير 2025) أن هدف إدارة ترامب الأساسي هو وقف القتال “بالحوار ودبلوماسية قوية”. ورغم إعرابه عن دعم سيادة أوكرانيا، اعتبر هغسيت أن استعادة الحدود قبل عام 2014 (مثل القرم والدونباس) هدف “غير واقعي” سيطيل الحرب ويزيد المعاناة. وأوضح أن واشنطن لن تدعم عضوية أوكرانيا في حلف الناتو كجزء من أي تسوية، ولن ترسل قوات أمريكية للدفاع عنها، مطالباً الحلفاء الأوروبيين بتحمل العبء الأكبر ورفع إنفاقهم الدفاعي إلى نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا: مسار متقلب في لحظة حرجة
شهد ملف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا مسارًا متقلبًا وملحوظًا منذ فبراير 2025، مما عكس التعقيدات الداخلية للسياسة الأمريكية وتأثيراتها على جبهة الصراع الأوكراني.
بعد لقاء زيلينسكي في أواخر فبراير أوقف البنتاغون مؤقتًا (لمدة أسبوع تقريبًا) 11 رحلة شحن أسلحة لأوكرانيا. ثم أعلن البيت الأبيض في 4 مارس 2025 تعليقاً رسمياً لجميع المساعدات الأمريكية العسكرية المعتمدة سابقاً، ثم تم استئناف هذه المساعدات.
وفي أوائل يوليو 2025، قامت الولايات المتحدة بوقف مؤقت لشحنات الأسلحة المخصصة لأوكرانيا. هذا الوقف، الذي قيل إنه تم بموافقة وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث في 2 يوليو 2025، أثر بشكل مباشر على حزمة مساعدات بالغة الأهمية. تضمنت هذه الحزمة مكونات حيوية للدفاع الأوكراني، مثل منظومات صواريخ باتريوت المتطورة للدفاع الجوي، وقذائف مدفعية من عيار 155 ملم التي تُعد أساسية للعمليات القتالية البرية، بالإضافة إلى صواريخ هيلفاير وذخائر أخرى ضرورية لدعم المجهود الحربي الأوكراني.
تعددت التفسيرات الأولية لأسباب هذا التعليق. فبعض المصادر ربطته بمخاوف متنامية لدى الإدارة الأمريكية بشأن استنزاف وتناقص المخزون الاستراتيجي للولايات المتحدة من الأسلحة والذخائر، وهو تحدٍ يواجه أي قوة داعمة في صراع طويل الأمد. بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن القرار كان جزءًا من مراجعة أوسع يجريها البنتاغون، بهدف “التأكد من أن جميع أشكال الدعم المقدم للدول الأجنبية تتماشى تماماً مع المصالح الوطنية الأمريكية” في ظل الأولويات الجديدة للإدارة. الجدير بالذكر أن تقارير أفادت بأن قرار وزير الدفاع هيغسيث بالموافقة على التعليق قد تم دون إبلاغ مسبق للبيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو حتى الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، وأن البيت الأبيض نفسه لم يكن على علم بالقرار في اللحظة الأولى، مما عكس تباينًا في التنسيق داخل الإدارة أو اتباع نهج غير تقليدي في اتخاذ القرار. لم يدم هذا التعليق طويلاً، فبعد أيام قليلة، وتحديداً في 7 و8 يوليو 2025، أكد كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية أن الرئيس دونالد ترامب قد أمر شخصياً باستئناف شحنات المساعدات العسكرية لأوكرانيا. هذه الخطوة جاءت لتخفيف حدة التوتر الذي تسبب به التعليق المفاجئ. وعلى صعيد المساعدات الاقتصادية، أمر ترامب في اليوم الأول لولايته بتجميد المساعدات الخارجية (شملت مساعدات إنسانية لأوكرانيا) لمدة 90 يومًا. وبعد ذلك، لم تستقطع الإدارة حزم دعم اقتصادي جديدة خاصة بأوكرانيا في موازنات 2025-2026، مبررةً بأن أوروبا عليها أن تتحمل النصيب الأكبر من العبء المالي.
ديناميكيات العلاقات الأمريكية-الروسية الجديدة
تجلت بوادر تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو خلال النصف الأول من عام 2025. فقد أُجري أول اتصال هاتفي رئاسي بين ترامب وبوتين في مايو 2025 بعد أكثر من عامين من الحرب، واتفق الطرفان خلاله على “بدء مفاوضات فورية لإنهاء الحرب”. وأعقب ذلك حديث الرئيس بوتين عن استعداده للتعاون على إطار تسوية مستقبلية. على الصعيد السياسي، سعت الإدارة الأمريكية لإحياء معاهدة الحد من الأسلحة النووية (ستارت الجديدة) كخطوة أولى نحو نزع السلاح. في الوقت نفسه، واصل ترامب التصريحات المتضاربة حيال بوتين؛ فقد وصفه بأنه “مجنون تمامًا” لإصداره أوامر بقصف المدن الأوكرانية، ولكنه عارض بالمقابل فرض عقوبات أشد على موسكو، وأعاق في قمة السبع مقترحًا لخفض سقف سعر نفط روسيا إلى 45 دولارًا للبرميل.
موقف الولايات المتحدة من الوساطة التركية والقمة المقترحة
رحبت إدارة ترامب بشكل عام بمقترحات تركيا لعقد قمة سلام ثلاثية في إسطنبول تضم الرؤساء ترامب وبوتين وزيلينسكي باستضافة الرئيس اردوغان. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس “منفتح” على هذا المقترح إذا وافق الطرفان على الحضور. ونقل الإعلام الأمريكي عن الرئيس ترامب قوله إن لقاء بوتين وزيلينسكي “سيحدث، وكان يجب أن يحدث قبل ثلاثة أشهر”. الأهم، ذكر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن هناك اتفاقًا مبدئيًا على عقد قمة رباعية في تركيا يحضرها بوتين وزيلينسكي وأردوغان وترامب، لكن حتى الان لم يتم تحديد موعدها ومضمونها. ورغم ذلك، لا يبدو أن واشنطن تمارس ضغطًا كبيرًا لحث روسيا أو أوكرانيا على الموافقة، بل اقتصرت على الإعراب عن “دعمها لمحادثات وقف إطلاق النار الفورية” دون فرض شروط إضافية.
مواقف الأطراف الرئيسية والسيناريوهات المحتملة للقمة المرتقبة
تتباين مواقف الأطراف الرئيسية تجاه القمة المحتملة، مما يعكس عمق التعقيدات والتحديات التي تواجه أي مسار تفاوضي يسعى لإنهاء هذا الصراع المحتدم.
أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداده للحوار بشرط أن يكون لقاءً مثمراً ومبنياً على تحقيق انسحاب روسي كامل وعودة السيادة الأوكرانية الشاملة على جميع أراضيها. اذ يرفض الرئيس زيلينسكي بشكل قاطع أي حل يقوم على تجميد الوضع الراهن أو التنازل عن الأراضي المحتلة، ويشدد على ضرورة أن تكون أي مفاوضات تحت ضمانات أمنية دولية قوية تحول دون تكرار العدوان.
من جهته، يطرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشروط الروسية القديمة والراسخة، والتي تتضمن الاعتراف، الاوكراني والدولي، بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع الأوكرانية التي ضمتها روسيا، بالإضافة إلى نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها وعدم انضمامها إلى أي تحالفات عسكرية. يرفض الرئيس بوتين لقاءً مباشرًا مع الرئيس زيلينسكي إلا وفق هذه الشروط الأساسية، ويرى أن أي لقاء يجب أن يأتي في “مرحلة متقدمة” من المفاوضات بعد “اعتراف كييف بالواقع الميداني” وفرض هذه الشروط.
اما الاتحاد الأوروبي فهو يشجع الوساطات الهادفة إلى إنهاء الحرب، ولكنه متخوف من أي اتفاق منفصل بين موسكو وواشنطن يُقصي الأوروبيين من المعادلة التفاوضية. كما يرفض الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع أي اتفاق يُكرّس المكاسب الروسية الإقليمية بشكل دائم، ويؤكد على ضرورة احترام السيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها كركيزة أساسية لأي تسوية مستقبلية.
من ناحيتها، تدعم بكين أي تهدئة تُضعف النفوذ الغربي في المنطقة، وتدعو إلى حل سلمي يحترم مصالح جميع الأطراف، مع التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. ورغم دعمها الظاهري لسلام دائم، تراقب الصين المبادرة التركية بقلق، وتسعى إلى تقديم مبادرة “سلام صيني” موازية، وإن كانت محدودة التأثير حتى الآن في ظل تحفظها حول العقوبات المفروضة على روسيا.
احتمالية حضور دونالد ترامب
تشير تصريحات وزير الخارجية التركي إلى احتمال عقد قمة رباعية تجمع الرؤساء أردوغان، زيلينسكي، بوتين، وترامب، مما يضيف بعداً استراتيجياً معقداً للمشهد. أنصار الرئيس ترامب يرون أنه القادر على التأثير في الرئيس بوتين بفضل “علاقة شخصية” سابقة، وبأنه يستطيع إبرام “صفقة” لإنهاء الحرب. بينما يرى منتقدوه أن مشاركته قد تُسيّس القمة وتضعف مصداقيتها، خاصة أن ترامب يروّج لنفسه كصانع سلام في خضم حملته السياسية المستمرة، وقد يميل إلى حلول سريعة لا تخدم المصالح الأوكرانية على المدى الطويل. موقف الكرملين لم يكن رافضًا تمامًا لفكرة حضور الرئيس الأمريكي، لكنه مشروط بمخرجات واقعية، وباحترام “الشروط السيادية” الروسية.
أثر السياسات الأمريكية الجديدة على المشهد الأوكراني والدولي
كان لسياسات إدارة ترامب الجديدة تأثيرات متعددة الأوجه على مجريات الحرب، وعلى مواقف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكذلك على التوازن الدولي للدعم لأوكرانيا. هذه التحولات تعكس توجهاً نحو إعادة تعريف الدور الأمريكي في الصراعات العالمية.
استمرار المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كان حاسمًا لإفشال اختراقات روسية كبيرة، وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية وإمدادات الذخيرة ساعدت أوكرانيا في صد الهجمات الروسية. ورغم أن روسيا لم تحتل سوى أقل من 1% من الأراضي الأوكرانية منذ يناير 2024، فإن تحذيرات عدة صدرت من أن أي انهيار مفاجئ للدعم الأمريكي قد يغير هذا التوازن الهش لصالح موسكو. على أرض المعركة، كان التقدم الروسي بطيئًا ومكلفًا، لكن المحللين يشككون في إمكانية تحقيق تغيير جوهري سريع، فحتى الزيادة الأخيرة في المساعدات وصفت بأنها “دفعة ترامب”، ولن ترفع مستوى الدعم بالقدر الكافي لتغيير مسار الحرب بشكل حاسم.
من ناحية ثانية أدت تبدلات واشنطن في سياستها إلى رفع مستوى القلق بين حلفاء أوروبا. فقد ردت بروكسل والعواصم الأوروبية بإجراءات لتعويض التخوفات؛ فأعلنت الحكومات الألمانية خطة لإنشاء صندوق دفاع بقيمة 500 مليار يورو، واقترحت المفوضية الأوروبية حزمة إنفاق دفاعي تصل إلى 800 مليار يورو. في قمة الناتو (يونيو 2025)، أعلن الرئيس ترامب وحلف الناتو خطة تقضي بأن تشتري الدول الأعضاء أسلحة أمريكية حديثة وتسلّمها لأوكرانيا، مما يرفع مساهمة أوروبا ويلغي عبء التمويل الأمريكي. وقد أشاد الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بالرئيس ترامب لدفع الحلفاء لزيادة الإنفاق. ورغم ذلك، انتقد بعض القادة الأوروبيين علنًا قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة بوصفها “خيانة”، مما عزز مبدأ “الأمن الذاتي” الأوروبي والدفع لزيادة القدرات الدفاعية المحلية.
كذلك حولت سياسة ترامب انتباه دول أخرى نحو الحرب. فبعض الدول الناشئة (كالبرازيل والهند) قد تشعر بإغراء لزيادة تجارتها مع روسيا إذا تراجعت المواقف الغربية، لكن ترامب هدد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على أي دولة تتعاون اقتصاديًا مع موسكو ما لم يتم إبرام اتفاق سلام.
وبالمحصلة، توصلت تحليلات مركزية الى أن “الرسالة واضحة: ليس من المضمون استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا”، وأن هذا يشجع الكرملين على الاعتقاد بتراجع الإرادة الأمريكية، مما يدفع الأطراف الأخرى إلى إعادة تقييم مواقفها. حيث أصدرت مراكز فكرية عديدة تحليلات معمقة لسياسة ترامب الجديدة وتداعياتها، مقدمةً رؤى استراتيجية حول المسار المستقبلي للحرب.
في تقرير مؤسسة RAND الصادر في مايو 2025، أشارت المؤسسة البحثية إلى أن أي مفاوضات سلام قادمة ستواجه تحديات جمة. يرى التقرير أن الرئيس بوتين قد يسعى لاستغلال ما يعتبره نفاد صبر أمريكي للحصول على تنازلات من أوكرانيا. الهدف من هذا النهج هو تجنب الحاجة إلى إنهاء الحرب بشكل كامل ونهائي عبر القوة العسكرية الشاملة. بعبارة أخرى، يسعى بوتين لتحقيق أهدافه على طاولة المفاوضات دون الاضطرار لخوض معارك حاسمة ومكلفة تستهدف القضاء على المقاومة وإنهاء الصراع عسكريًا. كما شدد التحليل على أن عدم قدرة الغرب على تقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا سيظل عقبة رئيسية أمام التوصل إلى أي اتفاق سلام مستدام.
كذلك صدر تحليل عن باحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في يوليو 2025، وصف سياسة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بأنها اتسمت بـ”التقطع ثم التجدد”. حذّر الباحثون من ثلاث تحديات رئيسية تواجه جهود إنهاء الصراع: عدم رغبة روسيا الحقيقية في التوصل إلى حلول سلمية، والانقسامات الداخلية ضمن الإدارة الأمريكية نفسها، وتناقص مخزون الولايات المتحدة من الأسلحة.
وفي تحليل منفصل يعود لـيونيو 2025، نقل باحثو المركز عن مسؤول دفاعي أمريكي تأكيده أن ميزانية عام 2026 ستتضمن تخفيضات في المساعدات العسكرية الموجهة لأوكرانيا. من هذا الاستنتاج، خلص مركز CSIS إلى أن أي قطع للمساعدات الأمريكية سيُقوّض بشكل كبير فرص تحقيق السلام في أوكرانيا، وسيُضعف موقف كييف التفاوضي على الساحة الدولية. وفي تحليل صادر عن المجلس الأطلسي (Atlantic Council)، أشار الخبير جون هيربست في يونيو 2025 إلى أن نهج الرئيس ترامب في التعامل مع الحرب يتطور بشكل تدريجي ومحسوب. لاحظ هيربست أن ترامب امتنع عن ممارسة ضغط حقيقي وفعال على موسكو، مستشهداً برفضه خلال قمة مجموعة السبع خفض سقف سعر النفط الروسي، وهو ما كان من شأنه أن يشدد الخناق الاقتصادي على روسيا.
وفي مقالة لاحقة نشرها المجلس الأطلسي في يوليو 2025، وُصف الاتفاق الذي أعلنه ترامب مع حلفاء الناتو بأنه “صفقة ترامب المطلقة”. جوهر هذه الصفقة يكمن في التزام الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو بشراء كميات أكبر من الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية، وتمويلها بالكامل، ليتم بعد ذلك إرسال هذه الأسلحة إلى أوكرانيا. هذا الترتيب يعكس تحولاً في عبء تمويل الدعم العسكري لكييف، حيث ينتقل بشكل أكبر إلى عاتق الدول الأوروبية، مع الاستفادة الاقتصادية للولايات المتحدة من مبيعات الأسلحة.
تؤكد هذه التحليلات أن سياسة ترامب تقوم على دمج الضغوط الاقتصادية والمفاوضات مع “صفقات” تمويل جديدة من الحلفاء. لكنها تشدد أيضًا على مخاطر التنازلات المفرطة المبكرة، وتحذر من أن خفض الدعم بسرعة قد يقلب الموازين لصالح روسيا ويقلص فرص التوصل إلى سلام مستدام وعادل.
تحليل السيناريوهات المحتملة
قد يؤدي اللقاء إلى تفاهمات جزئية حول وقف إطلاق نار مؤقت في مناطق محددة، أو تبادل أسرى موسع، أو تفعيل ممرات إنسانية، وهو ما يمكن أن يمثل “نجاحاً محدوداً”. هذا السيناريو قد يقلل من مخاطر تصاعد المواجهة العالمية مؤقتاً، لكنه لن يحل جوهر الحرب، وقد يُستخدم لكسب الوقت من قبل أحد الأطراف لإعادة التموضع. في المقابل، يمكن أن ينتهي اللقاء دون تحقيق أي تقدم ملموس، أو يتحول إلى منصة لتبادل الاتهامات، مما يعكس عمق الخلافات ونقص الثقة، وهذا يمثل “سيناريو الجمود أو الفشل” الذي سيضعف من دور الوساطة التركية ويزيد الضغط على أوكرانيا. كذلك لا يمكن استبعاد حدوث “المفاجأة” (Black Swan) بإنفراجة دبلوماسية غير متوقعة تتجاوز التوقعات الحالية، أو على العكس، تصعيد غير متوقع ينجم عن فشل المحادثات بشكل حاد، رغم كون هذا السيناريو الأقل احتمالاً.
خاتمة وتوصيات الاستراتيجية
يمثل الإعلان عن لقاء محتمل بين الرئيسين زيلينسكي وبوتين في تركيا تطوراً دبلوماسياً بالغ الأهمية في سياق الحرب الروسية المستمرة على أوكرانيا. ورغم أنه قد يفتح نافذة أمل نحو حل دبلوماسي، إلا أن التحديات لا تزال جسيمة، بل وقد تعقدت بفعل التحولات في السياسة الأمريكية. كذلك فجوة الثقة الهائلة بين كييف وموسكو، إلى جانب قضية التنازلات الإقليمية، تبقى عقبات أساسية. كما أن تقلبات السياسة الأمريكية تخلق حالة من عدم اليقين وتشجع روسيا على التمسك بمواقفها، وقد تدفع نحو ضغوط أكبر على أوكرانيا لتقديم التنازلات.
في ضوء هذه التعقيدات، من الضروري أن تعمل Україна على تعزيز جبهتها الداخلية وتأمين ضمانات أمنية مستقرة تتجاوز التغيرات في الدعم الخارجي، مع الحفاظ على مرونة دبلوماسية وحزم سيادي. على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تقع مسؤولية تعزيز “الاستقلالية الاستراتيجية” الأوروبية وزيادة الإنفاق الدفاعي، بالإضافة إلى تنسيق المواقف لمنع أي اتفاقات منفصلة. أما США، فيجب عليها الموازنة بين تقليص الالتزامات والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وأخيراً، على Туреччина مواصلة دور الوساطة الفعال، مع التركيز على بناء إطار تفاوضي مستدام يعالج جوهر النزاع بدلاً من الاكتفاء باللقاءات الرمزية.
يبقى هذا اللقاء المحتمل خطوة محفوفة بالمخاطر، لا تستدعي الإفراط في التفاؤل، ولكن لا يمكن تجاهلها في المشهد الجيوسياسي الراهن. سيعتمد نجاحه على الإرادة السياسية الحقيقية للأطراف، وقدرة القوى الكبرى على الموازنة بين مصالحها ومطلب تحقيق سلام عادل ومستدام.