مبادرة عالمية جديدة تهدف إلى تعزيز العدالة والمساءلة في فلسطين
تم يوم 22 يناير 2024 إطلاق جهد دولي رائد، تحت مسمى “مبادرة العدالة والمساءلة من أجل فلسطين”، بقيادة خبراء قانونيين فلسطينيين ودوليين ومدافعين عن حقوق الإنسان. تضم هذه الشبكة العالمية اللامركزية منظمات قانونية ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان ملتزمين بالتحقيق ومتابعة الإجراءات القانونية ضد الأفراد والكيانات المتورطين في جرائم ضد الفلسطينيين.
تنسّق هذه المبادرة الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة (PIPD) ومركز الدعم القانوني الأوروبي (ELSC) ومنظمة القانون من أجل فلسطين (Law4Palestine).
وينصب التركيز الأساسي للمبادرة على لفت الانتباه ومعالجة التواطؤ في تصرفات إسرائيل في غزة من خلال إصدار تحذير للمسؤولين العموميين الأوروبيين بشأن الملاحقة القضائية المحتملة.
مبادرة العدالة والمساءلة من أجل فلسطين تحذر المسؤولين الأوروبيين من التواطؤ في الأعمال الإسرائيلية في غزة
وفي إطلاقها الرسمي، وجهت مبادرة العدالة والمساءلة من أجل فلسطين تحذيرًا قويًا للمسؤولين العموميين من الحكومات النمساوية والفرنسية والألمانية والهولندية بأنهم قد يتحملون المسؤولية الفردية عن دورهم في مساعدة وتحريض جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية من خلال تورطهم في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لإسرائيل.
وتأتي هذه التحذيرات في ضوء استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين/ات في غزة والشعب الفلسطيني بشكل أوسع، والتي أسفرت بعد 108 يومًا عن: [1]
- مقتل 24977 فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وإصابة 66.82 آخرين.
- التهجير القسري ل 1930000 فلسطيني داخل قطاع غزة.
- مقتل 7100 امرأة فلسطينية في قطاع غزة.
- مقتل 117صحافياً فلسطينياً.
تشكّل عملية التهجير القسري لأكثر من 1.2 مليون فلسطيني في غزة، بما يشمل إجبار الفلسطينيين على إخلاء منازلهم والتوجّه إلى جنوب القطاع، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. كما يرقى الحصار المستمر على غزة بما يشمل قطع الكهرباء والمياه والطعام والخدمات الأساسية الأخرى إلى مرتبة العقوبات الجماعية والتي تشكل جريمة حرب.
وبالفعل فقد أكدّ أكثر من 36 خبيراً من الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بأن الوقت ينفذ لمنع الإبادة الجماعية في غزة معربين عن انزعاجهم الشديد “من فشل الحكومات والأنظمة الدولية في الاستجابة لدعواتنا وفرض وقف لإطلاق النار”. وعبّر الخبراء عن قلقهم “البالغ حيال دعم حكومات معينة للاستراتيجية الي تعتمدها دولة الاحتلال الاسرائيلي في حربها ضد سكان غزة المحاصرين، وفشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعية”[2].
شكّلت دعوى حكومة جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية نموذجًا يحتذى به، حيث تدين دولة الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحتل والمحاصر. كما تطالب الدعوى من المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة بما يشمل وقف إطلاق النار ورفع الحصار بشكل فوري. من المتوقع أن تتخذ المحكمة الدولية قراراً بشأن الإجراءات المطلوبة في غضون أيام، في حين أنه من المتوقع أن تستغرق المداولات حول اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل عدة سنوات. ووصفت دعوى جنوب أفريقيا الإجراءات الإسرائيلية في غزة بأنها “ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية”[3].
في المقابل وبشكل مغاير، زادت الحكومة الألمانية مساعداتها العسكرية والاقتصادية والسياسية لإسرائيل على الرغم من العدوان المستمر على غزة، وبالرغم من تجاوز عدد من قتلوا من الفلسطينيين في غزة في حينه أكثر من 10000 – في غضون خمسة أسابيع، استمر المستشار الألماني شولتس في معارضة وقف إطلاق النار وصرّح: “لا أعتقد أن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار أو هدنة طويلة الأمد…هو أمر صحيح”[4]. أما الحكومة الهولندية، فقد أعطت الضوء الأخضر لتصدير المعدات العسكرية إلى إسرائيل أثناء الإبادة الجماعية. كما أظهر مسؤولون في الحكومة النمساوية والفرنسية من خلال التصريحات والزيارات دعمًا غير مشروط للعدوان الإسرائيلي على القطاع، الأمر الذي يعرّض هؤلاء المسؤولين لمساءلة قانونية بموجب دورهم في ‘المساعدة والتحريض’ على جرائم الحرب.
وقالت رولا جمال المديرة التنفيذية المشاركة للهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة (PIPD)، وإحدى القادة للمبادرة “على الرغم من الجرائم المروعة التي تُرتكب ضد شعبنا في غزة بما يشمل القصف العشوائي، والقتل الجماعي، والتدمير الكامل للبنى التحتية، والتجويع والتهجير القسري، فقد دعم المسؤولون الأوروبيون هذه الجرائم بشكل علني ومستمر ودون خجل، الأمر الذي يستدعي محاسبتهم”.
من جهته، قال دان دي غريفت، المسؤول القانوني في مركز الدعم القانوني الأوروبي “في الوقت الذي ترتكب فيه فظائع غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فإن مسؤولية الدول الأوروبية في دعم سيادة القانون الدولي ومنع جريمة الإبادة الجماعية ليست أخلاقية فحسب، بل هي أيضاً قانونية. إن الفشل في منع هذه الجرائم الدوليّة يعرّض هؤلاء الذين يواصلون الدعم المتهور والمنقطع النظير للعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة إلى مساءلة جنائية فردية”.
وأضافت هانا بروينسما، الباحثة القانونية ومنسقة المشروع في القانون من أجل فلسطين، “باعتبارنا محامين وقانونيين ملتزمين بالعدالة، فإن الفظائع غير المسبوقة المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني تحرك ضمائرنا وتجبرنا على التوحد في أداء واجبنا. يجب أن يواجه المسؤولون المتورطون في دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة المساءلة. ونحن نحث صناع القرار في جميع المستويات على إعادة النظر في تأييدهم للجرائم الدولية، ووضع حد للنفاق، والوقف الفوري للدمار المستمر في غزة، ومناصرة القانون الدولي باعتباره المعيار العالمي لحماية كل فرد”.
كمال قالت فوت ألبرز من منظمة العدالة العالمية “إن استمرار دعم الحكومة الهولندية والتسليح غير المشروط لإسرائيل، حتى بعد تصريحات الإبادة الجماعية من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين، غير مقبول. كما أن الحقائق المروعة على الأرض في غزة، وبالتحديد الخسائر البشرية الفادحة – بما في ذلك العدد الهائل من الأطفال، يعني بالضرورة أن الحكومة الهولندية لا يمكنها الاستمرار في دعم الأفعال الإسرائيلية دون عواقب. من واجب ومسؤولية الدولة الهولندية منع الإبادة الجماعية وجميع الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني.”.
إن استمرار هذه المساعدات الأوربية للعدوان الإسرائيلي يورط مسؤولين أوروبيين في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فضلاً عن الفشل في منع جريمة الإبادة الجماعية، الأمر الذي قد يعرّضهم للمساءلة الجنائية الفردية لانتهاكهم القانون الدولي من خلال “المساعدة والتحريض” على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
[2] Gaza: UN experts call on International Community to prevent genocide against the Palestinian people.
[3] South Africa’s application to the ICJ instituting proceedings against Israel and request to indicate provisional measures
[4] “German Chancellor opposed to ‘immediate’ ceasefire in Gaza” – Al Arabiya News article, 12 November 2023