Система штучного інтелекту «Лаванда»: як Ізраїль вбиває палестинців у Газі
المصدر: ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza
يوفال أبراهام
ترجمة محمود الصباغ
7/4/2024
مقدمة المترجم
عندما ينفلت العنف من عقاله ستزول، حكماً، معظم الأطر الناظمة له ويصبح مشروطاً بالمنتجات الثقافية التي تنشأ لغة الحرب. وفي هذا السياق، تكثر شهادات الجنود الإسرائيليين الذين يظهرون رفضهم و”عدم رضاهم”، عن سياسات قادة الجيش.. يعبر أحد الجنود السابقين، والذي رفض كشف اسمه، عن مأزقه الأخلاقي والشخصي في فهم القواعد المقررة للاشتباك “مع العدو” ، فيقول: ” كان من المفترض… اقتحام المنزل [ والحديث عن غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي منها في العام 2005] من الباب السفلي والبدء بإطلاق النار على الداخل، وأنا أنظر لهذا الأمر عملية قتل.. في الواقع، كان مفترضاً بنا الصعود طابقاً فطابق، وكان علينا قتل أي شخص نراه. سألت نفسي، في البداية، أين المنطق في كل هذا؟ تأتي الأوامر من الأعلى لتقول لنا إن هذا جائز، لأن أي شخص بقي، في القطاع وداخل غزة، هو في الواقع مُدان بصفته إرهابياً لأنه لم يهرب”.
هذا المنطق في تحديد “قواعد الاشتباك مع العدو” الذي يسوغ قتل المدنيين الأبرياء، هو على وجه التحديد ذات المنطق الذي يحدد هوية “الإرهابيين” وفقاً لحقل الأوهام الذي تحرث فيه الطبقة السياسية الحاكمة في تل أبيب، وهو المنطق ذاته الذي يضع العبء على هذا الفرد أو ذاك” ممن يوصفون بالإرهابيين” إثبات براءته وانسلاخه عن أولئك الذين يعتبرون مذنبين بسبب انتماءاتهم الإثنية والدينية.
وبعد نحو عشرين عاماً لم يتغير “منطق” العنف الإسرائيلي ولا أسلوبه، كما يظهره تحقيق فريق عمل +972 و Local Call [نشرت تفاصيله على موقع +972 يوم الأربعاء الماضي (3 نيسان 2024) ] يكشف فيه كيف وضع الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من سكان غزة كمشتبه بهم للاستهداف بالاغتيال، باستخدام نظام استهداف ذكاء اصطناعي يفتقد إلى الإشراف البشري والمرونة الشديدة لجهة عدم الاهتمام بعدد الضحايا المدنيين بذريعة “الأعراض الجانبية”
لم يتغير المنطق، بل ازداد شراسة وبطشاً ودموية، وهذه المرة باستخدام تقنيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ لن يستطيع قادة الجيش الإسرائيلي مهما بلغت درجة ذكائهم وفطنتهم التهرب من السلوك الانتقامي الوحشي المتعمد لعناصرهم؛ ولا يمكن النظر إليها -بعد ستة أشهر دموية من الحرب- بمنزلة رد فعل على هجوم حماس والمقاومة الفلسطينية الذي وقع في السابع من تشرين الأول من العام الماضي. وتتحمل هذه القيادة العسكرية ومن خلفها القيادة السياسية المسؤولية الكاملة عن سلوك وأفعال الجنود والضباط ومن في إمرتهم. فما يقوم به هؤلاء ليس إلا جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية حسب مقتضيات القانون الدولي
ملاحظة: لا يتضمن النص هوامش، وقد أضيفت لتسهيل الوصول إلى المصادر. ونلفت النظر إلى أن جميع العبارات بين أقواس معقوفة [ ] هي من وضع المترجم وليست من النص الأصلي لسهولة توضيح القصد
————
صدر في العام 2021 كتاباً باللغة الإنكليزية بعنوان “الفريق البشري -الآلي: كيف نخلق تآزراً بين الذكاء البشري والاصطناعي لإحداث ثورة في عالمنا The Human-Machine Team: How to Create Synergy Between Human and Artificial Intelligence That Will Revolutionize Our World “(1)؛ لم يشأ المؤلف ذكر اسمه الحقيقي واكتفى بوضع اسم مستعار “العميد ي. س”؛ وتأكدنا من أنه القائد الحالي لوحدة الاستخبارات النخبوية الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بالرمز (8200). وتكمن حجة الكاتب بضرورة تصميم آلة تعالج بسرعة فائقة كمية بيانات هائلة لتوليد آلاف “الأهداف” المحتملة لضربها أثناء العمليات القتالية في الحرب، ويرى أن مثل هذه التكنولوجيا ستحل ما وصفه بـ “عنق الزجاجة البشري لناحية تحديد الأهداف الجديدة واتخاذ القرار للموافقة عليها”.
واتضح في التحقيق الذي قام به فريق عملنا [+972 و Local Call]، أن مثل هذه الآلة موجودة بالفعل؛ وأن الجيش الإسرائيلي طوّر برنامجاً، نقوم بالكشف عنه هنا لأول مرة، أساسه الذكاء الاصطناعي ويعرف باسم “لافندر Lavender” لعب دوراً مركزياً في قصف الفلسطينيين غير المسبوق، خاصة في المراحل الأولى من الحرب [الدائرة الآن في قطاع غزة]. وقد جاءت هذه المعلومات على لسان ستة أفراد من ضباط المخابرات الإسرائيلية خدموا جميعاً في الجيش خلال الحرب الحالية؛ وكان لهم دور مباشر في استخدام آلة الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف للاغتيال.
وكان تأثير “لافندر” واضحاً، كما تؤكده هذه المصادر في الواقع، على عمليات الجيش لدرجة أنهم تعاملوا بشكل أساسي مع مخرجات هذا النظام “كما لو كانت مخرجات بشرية”.
أما من الناحية الرسمية، كان الهدف من تصميم نظام لافندر تمييز جميع النشطاء المشتبه بهم الذين ينتمون للجناح العسكري لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي في فلسطين”، بمن فيهم أصحاب الرتب والمراتب المنخفضة، كأهداف محتملة للقصف. وقد ذكرت لنا المصادر اعتماد الجيش [الإسرائيلي]، في الأسابيع الأولى من الحرب، بشكل شبه كامل على “لافندر”، الذي كان بمقدوره إنتاج وتسجيل ما يصل إلى 37,000 فلسطيني بصفتهم مسلحين مشتبه بهم -هم ومنازلهم- لشن غارات جوية محتملة ضدهم.
وكان الجيش قد منح ضباطه، خلال المراحل الأولى من الحرب، موافقته الشاملة لاعتماد قوائم القتل المستحدثة من آلة “لافندر”، دون الحاجة إلى التحقق الدقيق من أسباب إنتاج الآلة لهذه الخيارات أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي استندت إليها. وذكر أحد المصادر أن الأفراد البشريين غالباً ما كانوا يوافقون بصورة آلية وروتينية على قرارات الآلة(2)، مضيفاً عدم تخصيصهم أكثر من “20 ثانية” فقط لكل هدف للتأكد أنه شخص ذكر قبل الإذن بقصفه. وذلك رغم معرفتهم أن النظام يرتكب ما يمكن وصفه بـ “أخطاء” تقدير بنحو 10% من مجمل الحالات. ومن المعروف أن نظام “لافندر” يشير أحياناً إلى الأفراد الذين لديهم مجرد صلة فضفاضة أو ارتباط ضعيف بالجماعات المسلحة، أو لا صلة لهم على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، هاجم الجيش الإسرائيلي الأفراد المستهدفين بصورة منهجية أثناء وجودهم في منازلهم -عادة في الليل أثناء وجود أفراد عائلاتهم بأكملهم- وليس أثناء النشاط العسكري.
ويعود ذلك، حسب المصادر، لسهولة تحديد مكان الأفراد في منازلهم من وجهة نظر استخباراتية. كما استخدمت أنظمة آلية إضافية، مثل نظام “أين بابا Where’s Daddy ” والذي نكشف عنه هنا لأول مرة أيضاً، وهو نظام يعمل تحديداً على تتبع الأفراد المستهدفين وقصفهم عند دخولهم مساكن أسرهم. والنتيجة، كما تؤكد مصادرنا، القضاء على آلاف الفلسطينيين -معظمهم من النساء والأطفال أو الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال- بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب، بسبب قرارات برنامج الذكاء الاصطناعي. ويذكر لنا أحد مصادرنا من جهاز المخابرات (الضابط. أ): “لم نكن مهتمين بقتل نشطاء [حماس] عندما وجودهم في مبنى عسكري أو يشاركون في نشاط عسكري فقط؛ بل على العكس من ذلك؛ لقد قصفهم الجيش الإسرائيلي وهم في المنازل دون تردد، كخيار أول. فمن الأسهل بكثير قصف منزل عائلة. لقد صمم النظام [أصلاً] للبحث عنهم في مثل هذه المواقف “.
وينضم نظام “لافندر” إلى نظام آخر يدعى “حبسورا”، كنا قد كشفنا عنه في تحقيق سابق أجراه فريق عملنا في تشرين الثاني من العام الماضي(3)، وكذلك في منشورات الجيش الإسرائيلي ذاته(4). ويكمن الاختلاف الأساسي بين النظامين في تعريف الهدف: ففي حين يعمل نظام “حبسورا” على تحديد وتمييز المباني والمنشآت التي يزعم الجيش [الإسرائيلي] أنها أماكن عمل للمسلحين، يتعرف نظام “لافندر” على الأشخاص؛ ويضعهم على قائمة القتل. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر، حسب مصادرنا الاستخباراتية، باستهداف مقاتلين صغار مزعومين حددهم “لافندر”، كان الجيش يفضل استخدام الصواريخ غير الموجهة فقط، والمعروفة باسم القنابل “الغبية” (على عكس القنابل الدقيقة “الذكية”)، والتي يمكنها تدمير مبانٍ بأكملها فوق ساكنيها وتلحق أضراراً وخسائر كبيرة. ويقول أحد ضباط المخابرات: “ليس المطلوب إهدار قنابل باهظة الثمن على أشخاص غير مهمين كهؤلاء – فتلك القنابل مكلفة للغاية بالنسبة للبلاد، فضلاً عن نقص كميتها”. ويقول مصدر آخر إنه سمح شخصياً بقصف “مئات” منازل النشطاء الصغار المزعومين الذين حددهم نظام “لافندر”، مما تسبب بقتل العديد من المدنيين والقضاء على عائلات بأكملها باعتبارهم “أضراراً جانبية” بسبب هذه الهجمات.
وحسب مصدرين آخرين؛ فقد قرر الجيش أيضاً، في خطوة غير مسبوقة، خلال الأسابيع الأولى من الحرب السماح بقتل ما بين 15 إلى 20 مدنياً مقابل كل ناشط صغير في حماس حدده “لافندر”، بينما لم يكن الجيش يأذن في الماضي، بأي “أضرار جانبية” أثناء تنفيذ عمليات اغتيال المسلحين ذوي الرتب المنخفضة. وتشير ذات المصادر عن تقديم الجيش أذونات في مناسبات عديدة تشمل قتل أكثر من 100 مدني في عملية اغتيال واحدة في حال كان المستهدف مسؤولاً كبيراً في حماس برتبة قائد كتيبة أو لواء.
نظم فريق التحقيق عمله وفقاً للخطوات الزمنية اللازمة للأتمتة العالية لإنتاج الأهداف في الأسابيع الأولى من حرب الجيش الإسرائيلي في غزة. وسوف نعمل في الخطوة الأولى على شرح آلة “لافندر” نفسها، التي ميزت عشرات الآلاف من الفلسطينيين باستخدام خاصية الذكاء الاصطناعي. ثم سنكشف عن نظام “أين بابا” الذي تتبع هذه الأهداف وأرسل إشارات إلى الجيش عندما دخلوا منازل عائلاتهم. وبعد ذلك، في الخطوة الثالثة، سنصف عملية اختيار القنابل “الغبية” لضرب هذه المنازل. ثم نوضح كيف فتح الجيش بوابة العدد المسموح بقتلهم من المدنيين أثناء قصف الهدف. وخامساً سنلاحظ كيف يتم الحساب غير الدقيق للبرمجيات أثناء حصرها أعداد الأفراد غير المقاتلين في كل أسرة. وأخيراً سنبين كيف، في عديد من المرات، لم يتحقق إطلاقاً ضباط الجيش، في الوقت الفعلي، من معلومات “لافندر” أثناء إعطائهم أوامر قصف أحد المنازل ( عادة في الليل)، من وجود الشخص المستهدف في الداخل.
الخطوة 1: توليد الأهداف:
كانت عبارة “هدف بشري”، تشير سابقاً في أوساط الجيش الإسرائيلي إلى ناشط عسكري كبير يمكن قتله في منزله حتى لو كان هناك مدنيون حوله، ويتم تنفيذ العملية وفقاً لقواعد إدارة القانون الدولي في الجيش. وتشير مصادرنا الاستخباراتية، إلى ما كان سائداً في حروب إسرائيل السابقة، فنظراً لطريقة القتل “الوحشية على نحو خاص” المتمثلة في استهداف شخص ما -غالباً عن طريق قتل عائلة بأكملها إلى جانبه- فقد ميز الجيش هذه الأهداف البشرية بعناية فائقة وتعرضت منازل كبار القادة العسكريين للقصف فقط، للحفاظ على مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي. ولكن بعد 7 تشرين -عندما شن مسلحون بقيادة حماس هجوماً مميتاً على بلدات جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل حوالي 1,200 شخص واختطاف 240- اتخذ الجيش، كما قالت المصادر، نهجاً مختلفاً تماماً. وبموجب “عملية السيوف الحديدية” قرر الجيش تصنيف جميع نشطاء الذراع العسكرية لحماس كأهداف بشرية، بغض النظر عن رتبهم أو أهميتهم العسكرية.
وقد غيّر هذا النهج الجديد كل شيء. كما شكلت السياسة الجديدة مشكلة فنية للاستخبارات الإسرائيلية. ففي الحروب السابقة، كان على الضابط أن يمر بعملية “تجريم” معقدة وطويلة للسماح باغتيال هدف بشري واحد، بمعنى التحقق من الأدلة التي تؤكد أن الشخص المطلوب هو بالفعل عضو بارز في الجناح العسكري لحماس، كما كان مطلوباً معرفة مكان إقامته، ومعلومات الاتصال به، وأخيراً معرفة متى كان في المنزل في الوقت الحقيقي. كان بإمكان أفراد الاستخبارات التعامل بشكل فردي مع العمل الذي ينطوي عليه تجريمهم وتحديد مكانهم، عندما كان عدد المدرجين من كبار المطلوبين على قائمة الأهداف بضع عشرات فقط، ولكن بعد توسيع القائمة لتشمل عشرات الآلاف من المطلوبين ذوي الرتب الدنيا، اعتقد الجيش الإسرائيلي بضرورة الاعتماد على البرامج المؤتمتة وأنظمة الذكاء الاصطناعي. وكانت النتيجة، كما تشهد المصادر، تقليصاً، بالأحرى تنحية لدور الموظفين البشريين في تجريم الفلسطينيين بصفتهم نشطاء عسكريين، ليحل محل الموظفين نظام الذكاء الاصطناعي الذي صار منوطاً به القيام بمعظم العمل الآن. ويذكر أربعة من اصل ستة من مصادرنا، كيف تمكن نظام “لافندر” -المعد أساساً لإنتاج أهداف بشرية في الحرب الحالية- وضع حوالي 37000 فلسطيني على قائمة الاغتيال وتصنيفهم “مقاتلين حمساويين” مشتبه بهم، معظمهم من الرتب الصغيرة. (نفى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في بيان لكل من +972 و Local Call وجود مثل قائمة القتل هذه).
ويوضح الضابط الكبير (ب) الأمر ، مسلطاً الضوء على السبب وراء تطوير آلة الاستهداف الخاصة للحرب الحالية. بقوله: “لم نكن نعرف من هم أصحاب الرتب الصغيرة المطلوبون، لأن إسرائيل لم تكن تتعقبهم بشكل روتيني [قبل الحرب]… أرادوا السماح لنا بمهاجمة هؤلاء المطلوبين [الصغار] بطريقة مؤتمتة، وكان هذا هو الهدف النهائي. ومجرد الانتقال إلى العمل الآلي المؤتمت تتسارع وتيرة إنتاج الأهداف المطلوبة “.
وأشارت مصادرنا إلى الموافقة التلقائية على اعتماد قوائم قتل “لافندر” بعد حوالي أسبوعين من الحرب، علماً أنها كانت تستخدم في السابق كأداة مساعدة فقط، وأتت الموافقة بعد أن تحقق أفراد المخابرات “يدويا” من دقة عينة عشوائية مكونة من عدة مئات من الأهداف التي اختارها نظام الذكاء الاصطناعي. وعندما وجدوا أن نتائج “لافندر” قد وصلت إلى دقة 90 % في تحديد انتماء الفرد إلى حماس من تلك العينة، أجاز الجيش استخدام النظام على نطاق واسع. ومنذ اللحظة التي يقرر فيها “لافندر” اعتبار شخص ما كحمساوي متشدد، فسوف يطلب منهم [ أي المصادر] التعامل بشكل أساسي مع هذا القرار بصفته أمراً، دون الحاجة إلى التحقق بشكل مستقل من سبب قيام الجهاز بهذا الاختيار أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي يستند إليها. وذكر الضابط (ب) [تسلسل العملية كالتالي]: “كان [سلاح الجو] يأتي عند الخامسة صباحاً ليغير على المنازل التي حددناها ويقصفها جميعاً؛ لقد قتلنا آلاف الأشخاص. ولم نتحقق من كل شخص بشكل منفصل؛ أي واحداً تلو الآخر – وضعنا كل شيء في أنظمة آلية متميزة، وما إن يصبح أحدهم [من الذين وضع عليهم “لافندر” لتمييز المحددين] في المنزل، حتى يتحول فوراً إلى هدف، فنقوم بقصفه؛ هو ومنزله”.
وبحسب أحد المصادر فقد كان مفاجئاً له طلب “قصف منزل لقتل جندي على الأرض لا أهمية قتالية له على الإطلاق”. ويقول مصدر آخر في سياق استخدام الذكاء الاصطناعي لتمييز المسلحين المزعومين ذوي الرتب المنخفضة: “لقد أطلقت على تلك الأهداف تسمية “أهداف القمامة” رغم إني وجدتها أكثر أخلاقية من الأهداف التي قصفناها فقط من أجل “الردع”(5) [حين كنا نقصف] مبانٍ مرتفعة يتم إخلاؤها ومن ثم تدميرها وتسويتها بالأرض فقط لإحداث الدمار.
كانت النتائج المميتة لتخفيف قيود الاستهداف في المرحلة المبكرة من الحرب مذهلة. ووفقاً لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي اعتمد عليها الجيش الإسرائيلي بشكل حصري تقريباً منذ بداية الحرب(6)، قتلت إسرائيل حوالي 15,000 فلسطيني -ما يقرب نصف عدد القتلى حتى الآن- في الأسابيع الستة الأولى من الحرب(7)، حتى تم الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في 24 تشرين الثاني.
يحلل برنامج “لافندر” المعلومات التي جمعت عن معظم سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من خلال نظام مراقبة جماعية، ثم يقوّم ويصنف احتمالية أن يكون كل شخص بعينه نشطاً في الجناح العسكري لحماس أو الجهاد الإسلامي. ووفقاً للمصادر، يعطي “لافندر” كل شخص تقريباً في غزة تقويماً يتدرج من 1 إلى 100، يعبر عن مدى احتمال كونه عسكرياً. وشرحت لنا مصادرنا كيف يتعلم “لافندر” طرق تحديد خصائص نشطاء حماس والجهاد الإسلامي المعروفين، الذين تم تغذية النظام بمعلوماتهم كبيانات تدريب، ومن ثم تحديد هذه الخصائص نفسها -التي تسمى أيضا “الميزات”- بين عامة السكان. والشخص الذي يتبين أن لديه العديد من سمات التجريم المختلفة سيصل إلى تصنيف عالٍ، وبالتالي يصبح تلقائياً هدف محتمل للاغتيال.
يدافع القائد الحالي للوحدة 8200 في كتاب “الفريق البشري- الآلي”، المشار إليه في بداية هذا المقال عن مثل هذا النظام دون الإشارة إلى “لافندر” بالاسم. (لم يتم ذكر اسم القائد نفسه أيضاً ، لكن خمسة مصادر في الوحدة 8200 أكدت أن القائد هو المؤلف، كما ذكرت صحيفة هآرتس أيضاً(8)). ويصف هذا القائد العسكري الاستخباراتي الأفراد البشريين بأنهم العقبة (حرفياً: عنق الزجاجة) التي تحد من قدرة الجيش خلال أي عملية عسكرية، وأعرب بالقول متحسراً: “نحن [البشر] لا يمكننا معالجة الكثير من المعلومات. لا يهم عدد الأشخاص الذين كلفتهم بإنتاج أهداف خلال الحرب – فما زالوا لا يستطيعون إنتاج أهداف كافية في اليوم”(9). ثم يختم بأن حل هذه المشكلة هو الذكاء الاصطناعي.
يقدم الكتاب دليلاً موجزاً لبناء “آلة استهداف” ، تشبه في وصفها “لافندر”، استناداً إلى خوارزميات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. ويتضمن هذا الدليل العديد من الأمثلة على “مئات وآلاف” الميزات التي يمكنها زيادة تصنيف الفرد، مثل التواجد في مجموعة واتس أب مع عسكري معروف، وتغيير الهاتف الخلوي كل بضعة أشهر، وتغيير العناوين بشكل متكرر ويرى القائد الاستخباراتي بأنه: “كلما زادت المعلومات، وزاد التنوع، كان ذلك أفضل ؛ مثل المعلومات البصرية، المعلومات الخلوية، اتصالات وسائل التواصل الاجتماعي، معلومات ساحة المعركة، جهات الاتصال الهاتفية، الصور.” ويتابع القول: ومنذ أن يختار البشر التعامل مع هذه الميزات، فسوف تحدد الآلة، بمرور الوقت، السمات من تلقاء نفسها، وسوف يمكن هذا الأمر الجيوش من إنشاء “عشرات الآلاف من الأهداف”، في حين أن القرار الفعلي بشأن ما إذا كان سيتم مهاجمها أم لا يظل قراراً بشرياً.
ما ورد الكتاب لا يمثل المرة الوحيدة التي يلمح فيها قائد إسرائيلي كبير إلى وجود آلات استهداف البشر مثل “لافندر”. فقد فريق عمل التحقيق على لقطات لمحاضرة خاصة ألقاها قائد مركز علوم البيانات والذكاء الاصطناعي السري التابع للوحدة 8200، “العقيد يوآف”، في فعاليات أسبوع الذكاء الاصطناعي في جامعة تل أبيب في العام 2023، والتي ذكرت في تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك(10). ويتحدث العقيد يوآف في المحاضرة عن آلة استهداف جديدة ومتطورة يستخدمها الجيش الإسرائيلي تكتشف “الأشخاص الخطرين” بناء على تشابههم مع القوائم الحالية للمسلحين المعروفين الذين تم تدريبهم عليها: “باستخدام النظام، تمكنا من تحديد قادة فرق الصواريخ التابعة لحماس”، في إشارة إلى العملية العسكرية الإسرائيلية في أيار 2021 في غزة، عندما استخدمت آلة الاستهداف هذه لأول مرة.
تحتوي شرائح عرض المحاضرة، التي حصلنا عليها، على رسوم توضيحية لكيفية عمل الآلة حيث تتم تغذية البيانات حول نشطاء حماس الحاليين، ويتعلم النظام التعرف على سماتهم، ثم يصنف الفلسطينيون الآخرون بناء على مدى تشابههم مع المسلحين. ويقول العقيد يوآف “نحن نرتب النتائج ونحدد العتبة [التي نهاجم عندها الهدف]؛ وفي نهاية المطاف، يتخذ القرارات بشر حقيقيين وليس الآلة. فمن الناحية الأخلاقية، نركز كثيراً في مجال الدفاع، على هذا. وتهدف هذه الأدوات إلى مساعدة [ضباط المخابرات] على تجاوز القيود والعوائق المفروضة عليهم”.
لكن من الناحية العملية، تقول المصادر التي استخدمت “لافندر” في الأشهر الأخيرة إن الوكالة البشرية والدقة استبدلتا بخلق أهداف جماعية وعمليات قتل أشد فتكاً وبطشاً. ويردد الضابط (ب) الذي استخدم نظام “لافندر” : لم تكن هناك سياسة “صفر خطأ”؛ لم يكن مطلوباً، في الحرب الحالية، من الضباط مراجعة تقويمات نظام الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل، من أجل توفير الوقت وتمكين إنتاج الأهداف البشرية بشكل ضخم وبصورة جماعية دون عوائق؛ ويتابع : “كان كل شيء يجري بطريقة إحصائية، كل شيء منظم وجاف جدا”. وأشار إلى أن هذا النقص في الإشراف كان مسموحاً به رغم الفحوصات الداخلية التي أظهرت عدم دقة حسابات “لافندر” بصورة مطلقة من الوقت. وبعبارة أخرى، كان معروفاً مسبقاً أن 10٪ من الأهداف البشرية المقرر اغتيالها لم يكونوا منضوين في الجناح العسكري لحماس على الإطلاق.
على سبيل المثال، أوضحت المصادر أن نظام “لافندر” كان يشير أحياناً عن طريق الخطأ إلى أفراد لديهم أنماط اتصال مشابهة لأنماط نشطاء “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” المعروفين -بما في ذلك رجال الشرطة وعمال الدفاع المدني، وأقارب المسلحين، والسكان الذين تصادف أن لديهم أسماء وألقاب مطابقة لأسماء النشطاء، وسكان غزة الذين استخدموا جهازاً كان في السابق يخص أحد عناصر “حماس”. ويقول أحد المصادر لفريق عملنا منتقداً عدم دقة “لافندر”: ” تعتبر الحدود بين المدى الذي يجب أن يكون فيه الشخص قريباً من حماس [تعتبره آلة الذكاء الاصطناعي] تابعا للمنظمة، حدوداً غامضة، فهل الشخص الذي لا يتقاضى راتباً من حماس، ولكنه يساعدها في جميع الأمور الأخرى يعتبر ناشط حمساوي؟ هل الشخص الذي كان عضواً سابقاً في حماس، هو ناشط حمساوي حسب “لافندر”؟ كل من هذه الميزات – الخصائص التي قد تشير إليها الآلة على أنها مشبوهة- هي سمات غير دقيقة.
كما توجد مشاكل مماثلة تتعلق في قدرة أجهزة الاستهداف على تقويم الهاتف الذي يستخدمه الفرد الموضوع على قائمة الاغتيال؛ فوفقاً لأحد المصادر “يغير الفلسطينيون هواتفهم طوال الوقت في زمن الحرب، ويفقد الناس الاتصال بعائلاتهم، ويعطون هواتفهم لصديق أو زوجة، وربما يفقدونها. ولا توجد طريقة للاعتماد بنسبة 100% على الآلية المؤتمتة التي تحدد أي رقم [هاتف] ينتمي إلى من”. وكان الجيش يعلم أن الحد الأدنى من الإشراف البشري لن يكتشف هذه الأخطاء والعيوب.
ويقول مصدر استخباراتي استخدم نظام “لافندر” :”لم تكن هناك منهجية متبعة للوصول إلى أخطاء بقيمة الصفر؛ لقد تعاملنا مع الأخطاء إحصائياً، وبسبب النطاق والحجم، كان البروتوكول يقضي أنه حتى لو لم تكن تعلم على وجه اليقين أن نظام الذكاء الاصطناعي صحيح، فأنت تعلم أنه يعمل من الناحية الإحصائية بطريقة لا بأس بها. لذلك عليك اتخاذ القرار دون تردد أو تفكير”(11). فنظام لافندر ، كما يقول المصدر الاستخباراتي الكبير (ب) “قد أثبت نفسه.. هناك شيء ما حول النهج الإحصائي الذي يضعك في مستوى ومعيار معينين. كان هناك قدر غير منطقي من إجراءات [القصف] في هذه العملية. ومثل هذا الأمر لا مثيل له في ذاكرتي. ولديّ الكثير من الثقة في الآليات الإحصائية أكثر من ثقتي بجندي فقد صديقاً قبل يومين. الجميع هناك، بمن فيهم أنا، فقدوا أشخاصاً في 7 تشرين. فعلت الآلة ذلك ببرود[ اختارت بدلاً منا من علينا قتلهم]. وهذا ما جعل الأمر أسهل”.
وأردف مصدر استخباراتي آخر دافع عن الاعتماد على قوائم القتل للمشتبه بهم من الفلسطينيين التي أعدها “لافندر” ، إن الأمر يستحق استثمار وقت ضابط المخابرات فقط للتحقق من المعلومات إذا كان الهدف قائداً كبيراً في حماس. وقال “لكن عندما يتعلق الأمر بناشط صغير، فلن ترغب في استثمار مزيد من القوى العاملة والوقت في ذلك… فلا متسع من الوقت لتجريم كل هدف على حدة في زمن الحرب؛ لذلك أنت على استعداد لتحمل هامش الخطأ الإحصائي المتمثل في استخدام الذكاء الاصطناعي، والمخاطرة بحدوث أضرار جانبية وموت المدنيين، والمخاطرة كذلك بالهجوم الخطأ، والتعايش مع هذا الأمر”.
ويعود الضابط الاستخباراتي الكبير (ب) ليؤكد أن سبب هذه الأتمتة هو الدفع المستمر لتوليد المزيد من أهداف الاغتيال: “في الأيام التي لا توجد فيها أهداف [كان تصنيفها المميز كافياً للسماح بتوجيه ضربة]، هاجمنا ضمن مستويات أقل. كنا نتعرض لضغوط مستمرة؛ فقد كانوا يصرخون في وجهنا “أحضروا مزيداً من الأهداف”. انتهينا من [قتل] أهدافنا بسرعة كبيرة”. ويوضح أكثر بالقول كيف يتم تحديد المزيد من الأشخاص كأهداف للقصف عند خفض عتبة تصنيف “لافندر”: “تمكن النظام في ذروته من إنتاج 37,000 شخص كأهداف بشرية محتملة.. لكن الأرقام كانت تتغير طوال الوقت، لأن ذلك كان يعتمد على المكان الذي تحدد فيه معايير الناشط الحمساوي. وكانت هناك أوقات يحدث فيها هامشاً كبيراً في تعريف هذا الناشط، ومن ثم بدأت الآلة تجلب لنا جميع موظفي الدفاع المدني وضباط الشرطة، الذين سيكون من المؤسف إلقاء القنابل عليهم. صحيح إنهم يساعدون حكومة حماس، لكنهم لا يعرضون حياة الجنود للخطر”.
ويشرح مصدر عمل مع فريق علوم البيانات العسكرية الذي درب “لافندر” كيف زودوا آلة الاستهداف ببيانات التي جمعت عن موظفي وزارة الأمن الداخلي التي تديرها حماس، والذين لا يعتبرهم النظام مسلحين؛ ويضيف: “لقد انزعجت من حقيقة أنه عندما تم تدريب لافندر، استخدموا مصطلح “ناشط حمساوي” بشكل فضفاض، وأضافوا لقوائم مجموعة بينات التدريب أشخاصاً كانوا من العاملين في الدفاع المدني… وحتى لو اعتقدنا أن هؤلاء الأشخاص يستحقون القتل، فإن تدريب النظام بناء على ملفات تعريف الاتصال الخاصة بهم جعل “لافندر” أكثر عرضة لاختيار المدنيين عن طريق الخطأ عندما تم تطبيق خوارزمياته على عامة السكان.. نظراً لأنه نظام أوتوماتيكي لا يتم تشغيله يدوياً من قبل البشر، فإن معنى هذا القرار دراماتيكي للغاية؛ وهذا يعني أنك تقوم بتضمين العديد من الأشخاص الذين لديهم ملف تعريف اتصال مدني كأهداف محتملة.. لقد كنا في الحقيقة نتحقق فيما إذا كان الهدف رجلاً أم لا فقط”
يرفض الجيش الإسرائيلي هذه الادعاءات رفضاً قاطعاً. وفي تصريح له لمجلة +972 و Local Call، نفى الجيش على لسان الناطق باسمه استخدام الذكاء الاصطناعي لتجريم الأهداف، قائلاً إنها مجرد “أدوات مساعدة تخدم الضباط في عملية التجريم… ويلزم ، بكل الأحوال، إجراء فحص مستقل من قبل محلل [استخباراتي] للتحقق من مشروعية الهجوم على الأهداف المحددة بالفعل، وفقاً للشروط المنصوص عليها في توجيهات الجيش الإسرائيلي والقانون الدولي”. ومع ذلك ، قالت المصادر إن بروتوكول الإشراف البشري الوحيد المعمول به قبل قصف منازل المسلحين “الصغار” المشتبه بهم الذين تم تمييزهم بعلامة لافندر هو فحص واحد يشمل التأكد من أن الهدف الذي تم اختياره الذكاء الاصطناعي هو ذكر وليس أنثى.
كان الافتراض في الجيش أنه إذا كان الهدف امرأة، فمن المحتمل أن تكون الآلة قد ارتكبت خطأ، لأنه لا توجد نساء في صفوف الجناح العسكري لحماس والجهاد الإسلامي. ويؤكد المصدر (ب): “كان على العنصر البشري المسؤول [التحقق من الهدف] لبضع ثوان فقط”، موضحاً أن هذا ما أصبح عليه البروتوكول بعد معرفته أن نظام “لافندر” كان “يفهمه بشكل صحيح” معظم الوقت. “في البداية، أجرينا فحوصات للتأكد من عدم ارتباك “لافندر”. لكن في مرحلة ما اعتمدنا على النظام الآلي، وتحققنا فقط من أن [الهدف] كان رجلاً – كان ذلك كافياً. إذ لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمعرفة ما إذا كان لدى شخص ما صوت ذكر أو أنثى “.
وزعم المصدر (ب) أن الوقت المخصص لإجراء فحص ذكر / أنثى في الحرب الحالية “يحتاج 20 ثانية لكل هدف في هذه المرحلة، وهو ما أقوم به عشرات المرات في اليوم الواحد. لم يكن لدي أي قيمة مضافة كإنسان، باستثناء أن أعطي موافقتي. لقد وفر [“لافندر”] الكثير من الوقت. إذا ظهر [الناشط] في الآلية المؤتمتة، وتحققت من هويته كرجل، فسيكون هناك إذن بقصفه، رهناً بفحص الأضرار الجانبية”. وأشارت مصادر أخرى أن هذا يعني، من الناحية العملية، لم تكن تتوفر آلية إشراف للكشف عن الخطأ في تمييز الذكور المدنيين الذين حددهم “لافندر” عن طريق الخطأ على أنهم “ذكور”. ومثل هذه الأخطاء عديدة ولعل أكثرها شيوعاً ما يصفه المصدر (ب) حين يقوم عنصر من حماس على سبيل المثال بإعطاء هاتفه لابنه أو شقيقه الأكبر أو لأي شخص آخر لا على التعيين، عندها سيتم قصف هذا الشخص في منزله مع عائلته… لقد حدث هذا في كثير من الأحيان. وكانت هذه معظم الأخطاء التي سببها “لافندر “.
الخطوة 2: ربط الأهداف بمنازل العائلة
المرحلة التالية في عملية الاغتيال التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي هي تحديد مكان مهاجمة الأهداف التي ينتجها “لافندر”. وادعى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في معرض رده على هذا المقال إن “حماس تضع عناصرها ومصادرها العسكرية في قلب السكان المدنيين، وتستخدمهم بشكل منهجي كدروع بشرية، وتدير القتال من داخل المباني المدنية، بما في ذلك المواقع الحساسة مثل المستشفيات والمساجد والمدارس ومرافق الأمم المتحدة. إن الجيش الإسرائيلي ملتزم ببروتوكولات القانون الدولي ويتصرف وفقاً لذلك، ويوجه هجماته فقط إلى الأهداف والعناصر العسكرية”. وقد رددت جميع مصادرنا التي تحدثنا إليها هذا القول بطريقة ما إلى حد ما، واعتبروا أن نظام أنفاق حماس الواسع يمر عمداً تحت المستشفيات والمدارس(12). كما أن مقاتلي حماس يستخدمون سيارات الإسعاف للتنقل؛ وأن عدداً لا يحصى من الأصول العسكرية وضعت بالقرب من المباني المدنية. وجادلت المصادر بأن العديد من الغارات الإسرائيلية تقتل المدنيين نتيجة لهذه التكتيكات من قبل حماس -وهو توصيف تحذر جماعات حقوق الإنسان من أنه يتهرب من عبء تحمل إسرائيل مسؤولية إلحاق المزيد من الخسائر والضحايا(13).
وعلى النقيض من تصريحات الجيش الرسمية، أوضحت مصادرنا أن أحد الأسباب الرئيسية لعدد القتلى غير المسبوق من القصف الإسرائيلي الحالي يكمن في قصف الجيش المنهجي أهدافاً في منازلهم، إلى جانب عائلاتهم؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه كان من الأسهل من وجهة نظر استخباراتية تمييز منازل العائلات باستخدام أنظمة التشغيل الآلية. وفي الواقع، شددت عدة مصادر على أنه على عكس الحالات العديدة التي انخرط فيها نشطاء “حماس” في نشاط عسكري من مناطق مدنية، فقد اتخذ الجيش بشكل روتيني، في حالة الاغتيالات المنهجية، خياراً فعالاً لقصف المسلحين المشتبه بهم عندما يكونون داخل منازل مدنية لم يصدر منها أي نشاط عسكري. وقالوا إن هذا الاختيار كان انعكاساً للطريقة التي تم بها تصميم نظام المراقبة الجماعية الإسرائيلي في غزة.
كما أفادت المصادر بالقول: “بما إن كل شخص في غزة لديه منزل خاص يمكن أن يرتبط به، فيمكن لأنظمة المراقبة التابعة للجيش “ربط” الأفراد بسهولة وبشكل آلي بمنازل العائلات. وتم تطوير العديد من البرامج الآلية الإضافية بهدف تحديد اللحظة التي يدخل فيها العملاء منازلهم في الوقت الفعلي. وتتعقب هذه البرامج آلاف الأفراد في وقت واحد، وتحدد متى يكونون في المنزل، وترسل تنبيهاً آلياً إلى ضابط الاستهداف، الذي يقوم بعد ذلك بوضع علامة على المنزل لقصفه لاحقاً. واحد من العديد من برامج التتبع هذه، التي تم الكشف عنها هنا لأول مرة ، يدعى “أين أبي؟” يصفه مصدر مطلع : “تضع المئات [من الأهداف] في النظام وتنتظر لترى من يمكنك قتله… يطلق عليه الصيد الواسع: تقوم بالنسخ واللصق من القوائم التي ينتجها نظام الاستهداف”. والأدلة على هذه السياسة واضحة أيضاً من البيانات: فخلال الشهر الأول من الحرب، كان أكثر من نصف القتلى -6,120 شخصاً- ينتمون إلى 1,340 عائلة، تم القضاء على العديد منها بالكامل أثناء وجودهم داخل منازلهم، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة(14). إن نسبة العائلات(15) بأكملها التي قصفت في منازلها في الحرب الحالية أعلى بكثير مما كانت عليه في العملية الإسرائيلية في غزة في العام 2014 (16) (التي كانت في السابق الحرب الأكثر دموية التي شنتها إسرائيل على القطاع)، مما يشير إلى أهمية هذه السياسة.
وقال مصدر آخر إنه في كل مرة تتضاءل فيها وتيرة الاغتيالات، تتم إضافة المزيد من الأهداف إلى أنظمة مثل “أين بابا” لتحديد مكان الأفراد الذين دخلوا منازلهم وبالتالي يمكن قصفهم. ويضيف المصدر أن قرار من يجب وضعه في أنظمة التتبع يمكن أن يتخذه ضباط ذوو رتب منخفضة نسبياً في التسلسل الهرمي العسكري… ففي أحد الأيام، أضفت من تلقاء نفسي، ما يقرب من 1,200 هدف جديد إلى نظام [التتبع]، لأن عدد الهجمات [التي كنا ننفذها] انخفض… كان ذلك منطقياً بالنسبة لي. وقد بدا لي لاحقاً كأنه قرار جاد اتخذته. ومثل هذه القرارات لم تتخذ على مستويات عالية”. كما تذكر المصادر إنه في الأسبوعين الأولين من الحرب، تم إدخال “عدة آلاف” من الأهداف في البداية في تحديد مواقع برامج مثل “أين بابا”. وشمل ذلك جميع أعضاء وحدة النخبة التابعة لحماس، وجميع عناصر حماس المضادة للدبابات، وأي شخص دخل إسرائيل في 7 تشرين. ولكن سرعان ما تم توسيع قائمة أهداف القتل بشكل كبير كما يوضح أحد المصادر بقوله: “في النهاية كان الجميع [مميزين بنظام “لافندر”]… عشرات الآلاف. وقد حدث هذا بعد بضعة أسابيع، عندما دخلت الكتائب [الإسرائيلية] غزة، وكان هناك بالفعل عدد أقل من الأشخاص غير المتورطين [أي المدنيين] في المناطق الشمالية”.
ووفقاً لذات المصدر، حدد نظام “لافندر” حتى بعض القاصرين كأهداف للقصف، إذ “عادة ما يكون عمر النشطاء أكثر من 17 عاماً، لكن هذا لم يكن شرطاً” لطريقة عمل “لافندر” والأنظمة الأخرى مثل “أين بابا” وبالتالي فقد اقترنت بتأثير مميت أسفر عن مقتل عائلات بأكملها، حسبما ذكرت المصادر، عن طريق إضافة اسم من القوائم التي تم إنشاؤها بواسطة “لافندر” إلى نظام “أين بابا” وأوضح الضابط (أ). أن نظام تتبع المنزل سيضع الهدف تحت المراقبة المستمرة، ويمكن أن يتعرض للهجوم بمجرد أن تطأ قدمه منزله، مما يؤدي إلى انهيار المنزل على كل من بداخله ويتابع القول: “لنفترض أنك تحسب [وجود] [ناشط] واحد من حماس بالإضافة إلى 10 [مدنيين في المنزل]… عادة ، هؤلاء الـ 10 سيكونون من النساء والأطفال. ومن السخف اكتشاف أن معظم الأشخاص الذين قتلتهم كانوا من النساء والأطفال”.
الخطوة 3: اختيار السلاح
ما إن يحدد “لافندر” هدف الاغتيال، ويتحقق أفراد الجيش من أنهم ذكور، ويحدده برنامج التتبع في منزله، تكون المرحلة التالية هي اختيار الذخيرة التي سيتم بها قصف الهدف. في كانون الأول 2023 ، ذكرت شبكة سي إن إن، وفقاً لتقديرات المخابرات الأمريكية، ما نسبته نحو 45% من الذخائر التي استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي في غزة كانت قنابل “غبية”(17)، المعروفة بأضرارها الجانبية أكثر من القنابل الموجهة. ورداً على هذا التقرير، قال متحدث باسم الجيش في المقال: “[نحن] كجيش ملتزمون بالقانون الدولي والمعايير الأخلاقية، نكرس موارد هائلة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الذين أجبرتهم حماس على دور الدروع البشرية. حربنا هي ضد حماس، وليس ضد شعب غزة”. ومع ذلك ، أخبرت ثلاثة مصادر استخباراتية فريق العمل أن الناشطين الصغار الذين حددهم نظام “لافندر” تم اغتيالهم فقط بقنابل غبية، من أجل توفير أسلحة أكثر تكلفة. وأوضح أحد المصادر أن المعنى الضمني هنا يعني لن يقوم الجيش بضرب هدف صغير إذا كان يعيش في مبنى شاهق، لأن الجيش لا يريد إهدار “قنبلة أرضية” أكثر دقة وتكلفة (مع تأثير جانبي محدود) لقتله. ولكن إذا كان ثمة هدف صغير يعيش في مبنى مكون من بضعة طوابق فقط، فالجيش مخوّل بقتله وقتل كل من في المبنى بقنبلة غبية. “كان الأمر كذلك مع جميع الأهداف الصغيرة”، كما يقول المصدر (ح) ، الذي استخدم برامج آلية مختلفة في الحرب الحالية؛ ويضيف: “كان السؤال الوحيد هو، هل من الممكن مهاجمة المبنى من حيث الأضرار الجانبية؟ لأننا عادة ما ننفذ الهجمات بقنابل غبية، وهذا يعني حرفياً تدمير المنزل بأكمله فوق رؤوس ساكنيه. ولكن حتى لو تم تجنب الهجوم، فأنت لا تهتم -لأنك ستنتقل على الفور إلى الهدف التالي بسبب النظام، فالأهداف لا تنتهي قطعاً. ما زال لديك 36,000 هدفاً ينتظرون دورهم”.
الخطوة 4: سماحية إصابة المدنيين
يقول أحد المصادر لفريق عمل هذا التقرير إنه عند مهاجمة النشطاء الصغار، بمن فيهم أولئك الذين تم تمييزهم بأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “لافندر”، يتم أيضاً تحديد عدد المدنيين المسموح بقتلهم إلى جانب كل هدف؛ وكانت العدد خلال الأسابيع الأولى من الحرب يصل إلى نحو 20 مدنياً؛ وزعم آخر أن العدد الثابت يصل إلى 15. وتشير المصادر إلى تطبيق “درجات الأضرار الجانبية” هذه، كما يسميها الجيش، بصورة واسعة على جميع النشطاء الصغار المشتبه بهم، بغض النظر عن رتبهم وأهميتهم العسكرية وأعمارهم، ودون فحص محدد لكل حالة على حدة لتقويم الميزة العسكرية لاغتيالهم مقابل الضرر المتوقع للمدنيين. ووفقا للمصدر (أ). (الذي كان ضابطاً في غرفة عمليات الاستهداف في الحرب الحالية)، لم يمنح قسم القانون الدولي في الجيش “موافقة شاملة” كهذه من قبل، على مثل هذه الدرجة العالية من الأضرار الجانبية. لا يقتصر الأمر على أنه يمكنك قتل أي شخص يرتدي زي حماس، وهو أمر مسموح به وشرعي بشكل واضح من حيث القانون الدولي؛ لكنهم يقولون لك مباشرة: ‘مسموح لك بقتلهم مع العديد من المدنيين’… كل شخص كان يرتدي زي حماس في العام أو العامين الماضيين يمكن أن يتعرض للقصف رفقة 20 [مدنياً] كأضرار جانبية، حتى دون إذن خاص. لم يكن مبدأ التناسب موجوداُ من حيث الممارسة العملية.
لقد كانت هذه هي السياسة لمعظم الوقت الذي خدم فيه الضابط (أ). وقد خفض الجيش درجة الأضرار الجانبية لاحقاً. ويوضح المصدر (أ) “في عملية حسابية كهذه يمكن أن يكون مقابل مقاتل حمساوي صغير 20 طفلاً … في الماضي لم يكن الأمر كذلك حقاً. ورداً على سؤال حول الأساس المنطقي الأمني وراء هذه السياسة، يجيب المصدر (أ): [لا أساس سوى]”البطش”.
وتحدد المصادر الاستخباراتية الأخرى كيف ساعدت درجة الأضرار الجانبية المحددة مسبقا والثابتة في تسريع الإنتاج الجماعي للأهداف باستخدام آلة “لافندر”، لأنها وفرت الوقت. ويزعم المصدر (ب) أن عدد المدنيين الذين سمح لهم بقتلهم في الأسبوع الأول من الحرب مقابل كل مقاتل صغير مشتبه به تم تمييزه بعلامة الذكاء الاصطناعي كان 15، لكن هذا العدد كان “يرتفع وينخفض” بمرور الوقت. ويؤكد ذات المصدر: “في البداية هاجمنا تقريباً دون النظر في الأضرار الجانبية ولم نقم عملياً [في الأسبوع الأول بعد 7 تشرين] بإحصاء حقيقي للأشخاص [في كل منزل يتم قصفه]، لأنك لا تستطيع حقاً معرفة ما إذا كانوا في المنزل أم لا. وبعد أسبوع، بدأت القيود المفروضة على الأضرار الجانبية. فانخفض العدد [من 15] إلى 5، مما جعل من الصعب علينا الهجوم، لأنه إذا كانت الأسرة بأكملها في المنزل، فلن نتمكن من قصفها. ثم رفعوا الرقم مرة أخرى… كنا نعلم أننا سنقتل أكثر من 100 مدني”. وقد أخبرت المصادر لم يعد يستطيع الجيش، جزئياً بسبب الضغط الأمريكي، إنتاج أهداف بشرية عسكرية صغيرة لقصف منازل المدنيين. كما حقيقة أن معظم المنازل في قطاع غزة قد دمرت أو تضررت بالفعل، وتهجير جميع السكان تقريباً، أضعفت أيضاً قدرة الجيش في الاعتماد على قواعد البيانات الاستخباراتية والبرامج الآلية لتحديد مواقع المنازل.
ويزعم المصدر (أ) أن القصف المكثف للمقاتلين الصغار لم يحدث إلا في الأسبوع الأول أو الثاني من الحرب، ثم تم إيقافه بشكل أساسي حتى لا يحدث هدر في القنابل، لا بد من الاقتصاد في استخدام الذخائر كان هناك خوف دائم من اندلاع حرب في الجبهة الشمالية [مع حزب الله في لبنان]. لذلك لم يعد هناك هجوم على مثل هذا النوع من الأهداف [الصغيرة] على الإطلاق”. ومع ذلك استمرت الغارات الجوية ضد كبار قادة حماس، وقالت المصادر إنه بالنسبة لهذه الهجمات، يأذن الجيش بقتل “مئات” المدنيين لكل هدف -وهي سياسة رسمية لا توجد سابقة تاريخية لها في إسرائيل، أو حتى في العمليات العسكرية الأمريكية الأخيرة. ويقول المصدر (ب) مستذكراً قصف 2 كانون الأول الذي قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى اغتيال وسام فرحات(18): “في قصف قائد كتيبة الشجاعية، كنا نعلم أننا سنقتل أكثر من 100 مدني. بالنسبة لي، من الناحية النفسية ، كان الأمر غير عادي. قتل أكثر من 100 مدني -إنه [رقم] يتجاوز بعض الخطوط الحمراء”.
وقال أمجد الشيخ، من سكان الشجاعية شرق مدينة غزة، وهو شاب فلسطيني من غزة، إن العديد من أفراد عائلته قتلوا في ذلك التفجير، كان أمجد في سوبر ماركت محلي في ذلك اليوم عندما سمع خمسة انفجارات حطمت النوافذ الزجاجية وبتابع القول لفريق العمل: “ركضت إلى منزل عائلتي، لكن لم تعد هناك مبانٍ، كان الشارع مليئاً بالصراخ والدخان. تحولت كتل سكنية بأكملها إلى جبال من الأنقاض والحفر العميقة. بدأ الناس في البحث في الأسمنت باستخدام أيديهم، وكذلك فعلت أنا، بحثاً عن علامات لمنزل عائلتي”. نجت زوجة أمجد الشيخ وابنته الرضيعة، حمتهما من تحت الأنقاض خزانة سقطت فوقهما، لكنه وجد 11 فرداً آخرين من عائلته، من بينهم أخواته وإخوته وأطفالهم الصغار، ميتين تحت الأنقاض. ووفقاً لمنظمة بتسيلم لحقوق الإنسان، دمر القصف في ذلك اليوم عشرات المباني، وقتل عشرات الأشخاص، ودفن المئات تحت أنقاض منازلهم(19).
وقالت مصادر استخباراتية لفريق العمل إنهم شاركوا في ضربات أكثر فتكاً. فيقول أحد المصادر؛ أذن الجيش بقتل ما يقرب من 300 مدني، وتدمير العديد من المباني، من أجل اغتيال أيمن نوفل، قائد لواء غزة المركزي التابع لحماس(20) في غارات جوية على مخيم البريج للاجئين في 17 تشرين الأول، بناء على تحديد غير دقيق لمكان نوفل. وتظهر لقطات الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو من مكان الحادث تدمير العديد من المباني السكنية الكبيرة متعددة الطوابق(21). ويقول أحد سكان المخيم ويدعى عمرو الخطيب لفريق العمل: “تم تدمير ما بين 16 إلى 18 منزلاً في الهجوم، لم نتمكن من التمييز بين شقة وأخرى -لقد اختلطت جميعها تحت الأنقاض، ووجدنا أشلاء بشرية في كل مكان”. وفي أعقاب ذلك، أشار الخطيب إلى انتشال حوالي 50 جثة من تحت الأنقاض، وإصابة حوالي 200 شخص، العديد منهم في حالة خطيرة. لكن ذلك كان في اليوم الأول فقط. وقال إن سكان المخيم أمضوا خمسة أيام في سحب القتلى والجرحى. وكان نائل البحيصي، وهو مسعف، من أوائل من وصلوا إلى مكان الحادث، قد أحصى ما بين 50-70 ضحية في ذلك اليوم الأول، وقال لفريق عمل هذا التقرير “في لحظة معينة، فهمنا أن هدف الغارة كان قائد حماس أيمن نوفل… لقد قتلوه، وقتولا معه العديد من الأشخاص الذين لم يعرفوا أنه كان هناك. كما قتلت عائلات بأكملها مع أطفالهم”.
وقال مصدر استخباراتي آخر إن الجيش دمّر مبنى شاهق في رفح(22) في منتصف كانون الأول، مما أسفر عن مقتل “عشرات المدنيين” أثناء محاولة قتل محمد شبانة(23)، قائد كتائب رفح التابعة لحماس (ليس من الواضح ما إذا كان قد قتل في الهجوم أم لا). وقال المصدر إنه في كثير من الأحيان، يختبئ كبار القادة في الأنفاق التي تمر تحت المباني المدنية، وبالتالي فإن اختيار اغتيالهم بغارة جوية سيؤدي بالضرورة إلى قتل المدنيين. ويقول وائل السر (55 عاماً) الذي كان في المكان وقت الغارة التي يعتقد بعض سكان عزة أنها محاولة اغتيال: “معظم المصابين كانوا من الأطفال” وأفاد وائل أن التفجير دمر “كتلة سكنية بأكملها” وقتل 10 أطفال على الأقل.
وزعم مصدر استخباراتي آخر (د): “كانت هناك سياسة متساهلة تماماً فيما يتعلق بضحايا عمليات [القصف] .متساهلة لدرجة أنها حملت في طياتها -باعتقادي- عنصر الانتقام… كان جوهر هذا اغتيال كبار [قادة حماس والجهاد الإسلامي] الذين كانوا على استعداد لقتل مئات المدنيين من أجلهم. كانت حساباتنا كالتالي: كم سيكون عددهم مقابل كل قائد لواء، وكم سيكون العدد مقابل كل قائد كتيبة، وما إلى ذلك”. ويقول مصد آخر (إي): “كانت هناك لوائح، لكنها كانت متساهلة للغاية؛ لقد قتلنا أشخاصاً ملحقين أضراراً جانبية تتجاوز أعدادهم العشرات إن كانت الأضرار منخفضة، والمئات إن كانت غير ذلك. هذه أمور لم تحدث من قبل”.
مثل هذا المعدل المرتفع من “الأضرار الجانبية” يعتبر استثنائياً ليس فقط عندما نقارنه بما اعتبره الجيش الإسرائيلي مقبولاً في السابق، ولكن أيضاً عندما نقارنه بالحروب التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا وأفغانستان.
يقول الجنرال بيتر غيرستن، نائب قائد العمليات والاستخبارات في عملية محاربة داعش في العراق وسوريا، لمجلة Defense Daily الأمريكية في العام 2021 إن هجوماً ضد هدف سيتسبب بأضرار جانبية تصل إلى مقتل 15 مدنياً يعتبر انحرافاً عن الإجراء المعيارية؛ ويتطلب تنفيذه الحصول على إذن خاص من رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال لويد أوستن ، الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع(24). ويشرح غيرستن الأمر بقوله: “[في أي عملية اغتيال هدف ذو قيمة عالية مثل قتل] أسامة بن لادن، هناك ما يدعى “قيمة إصابات العناصر غير المقاتلة” التي تصل إلى معدل 30، ولكن في حال كان الهدف دون ذلك، سوف ينخفض المعدل إلى ما يقارب الصفر؛ وهذا ما عملنا عليه لأطول وقت”.
وأكدت جميع المصادر [الاستخباراتية] التي قابلها فريق العمل لإنجاز هذا التحقيق، على التعليمات التالية ” قوموا بعملكم واقصفوا [الأهداف[ ما استطعتم إليها سبيلا” وأكدت هذه المصادر بأن مذابح حماس في 7 تشرين وخطف الرهائن أثرت بشكل كبير على سياسة الجيش في إطلاق النار ودرجات الأضرار الجانبية. يقول المصدر (ب) الذي تم تجنيده في الجيش مباشرة بعد 7 تشرين، وخدم في غرفة عمليات الاستهداف: “في البداية، كان الجو مؤلماً وانتقامياً، كانت القواعد متساهلة للغاية. هدموا أربعة مبان عندما علموا أن الهدف كان في أحدها. كل هذا كان جنوناً، ثمة تنافر هنا فمن جهة كان الناس هنا محبطين لأننا لم نهاجم بما فيه الكفاية’، ومن جهة أخرى، ترى في نهاية المطاف أن ألف آخرين من سكان غزة، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم”. ويقول المصدر (د) الذي تمت تجنيده أيضا مباشرة بعد 7 تشرين: “كانت هناك هستيريا في صفوف المحترفين؛ لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية الرد على الإطلاق. الشيء الوحيد الذي استطاعوا القيام به هو البدء في القصف مثل المجانين في محاولة لتفكيك قدرات حماس”. وشدد على أنه لم يتم إبلاغهم صراحة بأن “الانتقام” هو هدف الجيش، لكنه أشار إلى أنه “بمجرد أن يصبح كل هدف مرتبط بحماس مشروعاً، ومع الموافقة على أي أضرار جانبية تقريباً، فمن الواضح لكم كم سيقتل من الناس؛ ربما آلاف. حتى لو كان كل هدف مرتبط رسمياً بحماس، فعندما تكون السياسة مرنة للغاية إلى هذا الحد، فسوف تفقد كل معنى”.
استخدم المصدر (د) كلمة “انتقام” أيضاً لوصف الأجواء داخل الجيش بعد 7 تشرين. ويقول المصدر قال (أ).: “لم يفكر أحد في ما يجب فعله بعد ذلك، عندما تنتهي الحرب، أو كيف سيكون من الممكن العيش في غزة وماذا سيفعلون بها”. “قيل لنا علينا الآن القضاء على حماس، بغض النظر عن التكلفة. كل ما تستطيعون فعله هو قصفهم”.
ويعبر المصدر (ب)، عن اعتقاده بأن هذه السياسة “غير المتناسبة” لقتل الفلسطينيين في غزة تعرض الإسرائيليين للخطر أيضاً، (وأن هذا كان أحد الأسباب التي جعلته يقرر إجراء مقابلة معنا):.” على المدى القصير، نحن أكثر أماناً، لأننا ألحقنا أضراراً بحماس. لكنني أعتقد أننا أقل أماناً على المدى الطويل. أرى كيف [سيثير عملنا] جميع العائلات الثكلى في غزة -الجميع تقريباً- ويزيد من دافع [الناس للانضمام إلى] حماس بعد 10 سنوات من الآن. وسيكون من الأسهل بكثير على [حماس] تجنيدهم”. وفي بيان للجيش الإسرائيلي خص به مجلة +972 و Local Call، نفى الكثير مما أخبرتنا به المصادر، مدعياً، أي البيان، أنه “يتم فحص كل هدف على حدة ، بينما يتم إجراء تقويم فردي للميزة العسكرية والأضرار الجانبية المتوقعة من الهجوم… ولا ينفذ الجيش الإسرائيلي هجمات عندما تكون الأضرار الجانبية المتوقعة من الهجوم مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية”.
الخطوة 5: حساب الأضرار الجانبية
وفقاً للمصادر الاستخباراتية، يعتمد الجيش في حساب عدد المدنيين المتوقع قتلهم في كل منزل إلى جانب أي هدف؛ وهو إجراء عمل عليه الجيش ، على أدوات آلية وغير دقيقة، وقد تم فحصه في تحقيق سابق أجريناه(25).
في الحروب السابقة، كان أفراد المخابرات يقضون الكثير من الوقت للتحقق من عدد الأشخاص الذين كانوا في منزل من المقرر قصفه، مع إدراج عدد المدنيين المعرضين للقتل كجزء من “ملف الهدف”. ولكن بعد 7 تشرين تم التخلي عن هذا التحقق الشامل إلى حد كبير لصالح الأتمتة. ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً عن نظام يتم تشغيله من قاعدة خاصة في جنوب إسرائيل، يجمع المعلومات من الهواتف المحمولة في قطاع غزة ويزود الجيش بتقدير مباشر لعدد الفلسطينيين الذين فرّوا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. وبحسب رأي العميد أودي بن موحا لصحيفة التايمز لا يعد هذا النظام “مثالياً بنسبة 100 % -لكنه يقدم المعلومات الكافية لاتخاذ القرار”. ويعمل النظام وفقاً للألوان فالمناطق الحمراء تعني وجود العديد من الأشخاص، ومناطق العلامات الخضراء والصفراء تعني أنها مناطق تم تطهيرها نسبياً من السكان(26).
ووصفت المصادر التي تحدثت إلى فريق عملنا نظاماً مشابهاً لحساب الأضرار الجانبية استخدم لتحديد ما إذا كان سيتم قصف مبنى في غزة، وأكدت المصادر على أن هذا البرنامج يحسب عدد المدنيين المقيمين في كل منزل قبل الحرب -من خلال تقويم حجم المبنى ومراجعة قائمة سكانه- ثم خُفّضت هذه الأرقام تبعاً لنسبة السكان الذين يفترض أنهم أخلوا الحي.
ولتوضيح ذلك لنفترض أ، تقديرات الجيش أشارت إلى مغادرة نصف سكان الحي بيوتهم؛ فسوف يحسب البرنامج المنزل الذي يضم عادة 10 أفراد كمنزل يحتوي على خمسة فقط. ولكن واقع الحال يشير إلى أن الجيش لم يراقب، بهدف توفير الوقت، المنازل للتحقق من عدد الأشخاص الذين يعيشون هناك بالفعل، كما كان يفعل في العمليات السابقة، لمعرفة ما إذا كان تقديرات البرنامج دقيقة فعلاً. ويزعم أحد المصادر بعدم ارتباط هذا النموذج بالواقع؛ “حيث لا صلة بين أولئك الذين كانوا في المنزل الآن، أثناء الحرب، وأولئك الذين تم إدراجهم بصفتهم سكاناً يعيشون هناك قبل الحرب. [ففي إحدى المرات] قصفنا منزلاً دون علمنا وجود عدة عائلات مختبئة بداخله”. ويؤكد المصدر اعتماد هذا النموذج غير الدقيق من قبل الجيش رغم علمهم بوجود مثل هذه الأخطاء أو حدوثها، وكان التبرير أنه أسرع من أي إجراء آخر. وعلى هذا النحو، كان حساب الأضرار الجانبية آلياً وإحصائياً تماماً” – حتى أنه أسفر عن أرقام لم تكن صحيحة(27).
الخطوة 6: قصف المنازل العائلية
كشفت مصادرنا الاستخباراتية عن فجوة كبيرة كانت تظهر في بعض الأحيان بين القصف وبين اللحظة التي تنبه فيها أنظمة تتبع مثل نظام “أين بابا” ضابطاً بأن الهدف قد دخل منزله -مما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها حتى دون إصابة الهدف. ويقول أحد المصادر: “حدث لي عدة مرات أننا هاجمنا منزلاً، لكن الشخص لم يكن حتى في المنزل”. والنتيجة هي قتل عائلة دون مبرر”. وقالت ثلاثة مصادر أخرى إنهم شهدوا حادثة قصف فيها الجيش الإسرائيلي منزلاً خاصاً لعائلة، واتضح لاحقاً أن الهدف المقصود لم يكن حتى داخل المنزل، حيث لم يتم إجراء مزيد من التحقق في الوقت الفعلي. وقال أحد المصادر: “[تخيل نفسك] تتبع هدفاً كان في منزله في وقت سابق، ثم أثناء الليل ذهب لينام في مكان آخر، لنقل تحت الأرض، ولكنك لا تعرف ذلك؛ هناك أوقات تقوم فيها بتحقيق جديد للموقع، وهناك أوقات تقول فيها فقط؛ حسناً، لقد كان في المنزل في الساعات القليلة الماضية، لذا؛ ما عليك سوى قصفه”. ووصف مصدر آخر حادثة مماثلة أثرت عليه وجعلته يرغب في إجراء مقابلة معنا في سياق هذا التحقيق: “فهمنا أن الهدف كان في المنزل في الساعة الثامنة مساء. في النهاية، قصفت القوات الجوية المنزل في الساعة الثالثة صباحاً ثم اكتشفنا [في تلك الفترة الزمنية] أنه تمكن من الانتقال مع عائلته إلى منزل آخر. كانت هناك عائلتان أخريان مع أطفالهما في المبنى الذي قصفناه”.
في حروب غزة السابقة، كانت المخابرات الإسرائيلية تنفذ ،بعد أي عملية اغتيال لأهداف بشرية، إجراءات تعرف باسم “تقويم أضرار القنابل”، وهو فحص روتيني يتم بعد القصف لمعرفة ما إذا كان الهدف قد قتل وكذلك معرفة عدد المدنيين الذين قتلوا معه، وكنا قد كشفنا عن هذه الإجراءات في تحقيق سابق أجراه فريق عملنا(28)، وتبين لنا أن هذا الإجراء يتضمن الاستماع إلى المكالمات الهاتفية للأقارب الذين فقدوا ذويهم وأحبائهم. لكن في الحرب الحالية، تخبرنا مصادرنا بإلغائه لتوفير الوقت، على الأقل فيما يتعلق بالمشتبه بهم من النشطاء والمسلحين الأقل أهمية الذين تم وضع علامة عليهم باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتزعم المصادر عدم معرفتها عدد المدنيين الذين قتلوا بالفعل في كل غارة، أما بالنسبة لنشطاء حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين من أصحاب الرتب المنخفضة الذين تم تمييزهم بالذكاء الاصطناعي، فهم لا يعرفون حتى ما إذا كان الهدف نفسه قد قتل.
ويخبرنا أحد المصادر في تقرير نشرناه في وقت سابق من شهر كانون الثاني(29): “لا يمكنك معرفة عدد القتلى بالضبط، ومن قتلت؛ ويمكن إجراء تقويم أضرار القنابل في حال كان المستهدف أحد نشطاء حماس الكبار. أما في بقية الحالات، فالأمر غير مهم. إذ يمكنك الحصول على تقرير من القوات الجوية حول ما إذا كان المبنى قد تم تفجيره، وهذا كل شيء. ليس لديك أي فكرة عن مقدار الأضرار الجانبية الناتجة، إذ يتوجب عليك الانتقال الفوري إلى الهدف التالي. لقد كان التركيز ينصب على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأهداف، في أسرع وقت ممكن “. ولكن في حين أن الجيش الإسرائيلي سيغادر بعد كل غارة دون الخوض في عدد الضحايا، سنجد أمجد الشيخ في المكان ليقول: “ما زالت الجثث تحت الأنقاض… لقد قصف الجيش 14 مبنى سكنياً والسكان داخلها. بعض أقاربي وجيراني ما زالوا مدفونين تحت أنقاضها”.
……
الهوامش
1- يتم تعريف الكاتب كخبير وقائد وحدة استخبارات نخبوية، وحائز على جائزة الدفاع الإسرائيلية عن مشروعه لمكافحة الإرهاب القائم على الذكاء الاصطناعي، ويشرح في كتابه، طريق الجمع بين الذكاء البشري والاصطناعي لتذليل التحديات والتهديدات الأمنية، بما يؤدي إلى النصر في الحرب. وأن تكون محركا للنمو البشرية، ويرى الناشر أن الكتاب يقدم منظوراً جديداً حول كيفية توجيه الدول والمنظمات إلى المستقبل الذي أصبح حاضراً بالفعل. انظر
2.يستخدم الكتاب مجاز . rubber stamp ليشير إلى عملية المصادقة السريعة والآلية دون مراجعة دقيقة وكافية أو تقويم عميق.
3- يقصد ما كشف عنه فريق العمل في فترة سابقة، وقد ترجمت المقتلة ونشرت في مركز الجرمق بعنوان ” مصنع الاغتيال الجماعي: من داخل القصف الإسرائيلي المدروس على غزة”. للمزيد عن المقالة ، انظر، https://www.aljarmaqcenter.com/%d9%85%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ba%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84/
4- انظر،،https://www.israeldefense.co.il/node/57256#google_vignette
5- للمزيد، انظر، https://www.972mag.com/mass-assassination-factory-israel-calculated-bombing-gaza/
7- انظر، https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-50
9- القصد من هذه العبارة صعوبة التعامل مع كميات كبيرة من المعلومات خلال فترة الحرب معالجتها بطرق فعالة، وحتى مع زيادة عدد الأشخاص المكلفين بإنتاج الأهداف، ستبقى تلك الصعوبة قائمة لجهة إنشاء وتوليد عدد كاف من الأهداف يومياً تلبي الحاجات والضرورات العسكرية
10- انظر، https://www.geektime.co.il/idf-fights-hamas-with-ai-and-data-science/
11- القصد هنا أنه لم يستخدم الجيش ولا المخابرات منهجية دقيقة للتقليل في الأخطاء بصورة تامة ‘zero-error’ بل كانت الأخطاء تعالج بطريقة إحصائية، بمعنى لم ينظر إليها كأخطاء فردية تستحق المعالجة الفورية، بل اعتبرت -من الناحية الإحصائية- أخطاء محتملة أو قابلة للاحتمال، وبالتالي لم يكن هناك تركيز بطريقة ما يسعى لتجنب هذه الأخطاء في حال تكرارها، بل تم قبولها بصفتها جزءً من العملية ككل بصورة عامة. وتشير عبارة “التعامل الإحصائي statistically” في سياق النص إلى عدم التعامل مع الخطأ الواحد (أو الأخطاء المتعددة) على أنه حادث فردي يتطلب تصحيحاً فورياً، وهو يشرح رياضياً معنى التسامح مع ‘zero-error’ لجهة عدم اتخاذ تدابير “بشرية” فورية لتصحيح الخطأ أو الأخطاء نظام الذكاء الاصطناعي
12- انظر، https://www.nytimes.com/interactive/2024/02/12/world/middleeast/gaza-tunnel-israel-hamas.html
13- انظر، https://www.hrw.org/news/2024/03/19/israeli-forces-conduct-gaza
14- انظر، https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-reported-impact-day-45
15- انظر، https://www.972mag.com/gaza-families-bombing-humanitarian-crisis/
16- انظر، https://www.btselem.org/download/201501_black_flag_eng.pdf
20- انظر، https://www.ynet.co.il/news/article/ryxl6b2116
21- انظر، https://twitter.com/Roaastudies/status/1714253580792643820
22- انظر، https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/14992654
23- المرجع السابق
25- انظر، الهامش (3) أعلاه
26- انظر، https://www.nytimes.com/2023/10/16/world/middleeast/gaza-invasion-israel-cellphone-data.html
27- انظر الهامش (11).
28- انظر، https://www.972mag.com/gaza-soldiers-civilians-intelligence/
29- انظر، https://twitter.com/yuval_abraham/status/1750123648533324158?lang=en